Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

إلى معالي وزير العدل: لو فعلها غيرك!!!

بقلم: خالد التيجاني النور
(1)

كنت اعتقد، بدافع فرط الظن الحسن، أو ربما جهلاً، بأن دور السيد وزير العدل يأتي في مقدمة ركائز المنظومة العدلية المعنية باحترام أسس العدالة وإرساء دولة القانون، وسيادة حكمه، فضلاً عن أن الاختصاص الأصيل والأولوية القصوى في جدول اختصاصات وزير العدل وسلطاته هي” السعي لبسط سيادة حكم القانون وتحقيق العدالة” كما ورد نصاً في قانون ومهام الوزارة، وعندما تضيف إلى ذلك نصوص الوثيقة الدستورية المشدّدة في ديباجتها على “تأسيس دولة القانون”، وعن التزام السلطة الانتقالية بإنفاذ حكم القانون الذي يجب أن يخضع له الجميع أشخاصاً وهيئات رسمية وغير رسمية، ثم يحار المرء عندما تكشف الممارسة في الأمر الواقع أن كل هذه النصوص الدستورية والقانونية لا قيمة لها ولا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، ولا قيمة للجهد المبذول فيها حين يصبح انتهاك الدستور والقانون ممارسة عادية عند حراسه المفترضين، وحين يصبح قانون القوة لا قوة القانون هي تفرض إراداتها.

(2)

حار الدليل بأغلب مواطني هذا البلد المنكوب حين نًشر في سطرين ضمن بيان عن أعمال اجتماع لمجلس الوزراء الأخير تشير إلى إجازته لمشروع إلغاء مقاطعة إسرائيل للعام 1958، ولسنا هنا في باب الجدل حول جدوى مسألة التطبيع من عدمها، بل في هذا القدر غير المسبوق في التعامل الرسمي للحكومة على مستوياتها كافة بكل استهانة بالسدتور وبالقانون، فالقانون يظل قانونا ما دام سارياً، فعلى مدار أكثر عام توالت الاتصالات والزيارات على أعلى المستويات، وتم حتى التوقيع على اتفاق إبراهام، جرى كل ذلك في ظل سريان هذا القانون الذي يجرّم هذا الفعل ويعاقب على مخالفته.

(3)
ولو اقتصر هذا الفعل المخالف للدستور والقانون على الملأ الأعلى في تلك القوة ذات الشوكة، لقلنا وما العجب في ذلك؟ّ أليس هذه ديدنها؟ّ! أليست فهي المؤسسة الوحيدة في هذا البلد التي تعتبر انتهاك الدستور أسهل من إلقاء تحية؟! األيست هي التي درجت على تمزيق الدستور ذاته مراراً وتكراراً في الانقلاب المتعاقبة في تاريخ السودان، دعك من القوانين، عند بث أول معزوفة لتلك المارشات إياها؟! لذلك سيكون من باب الترف التساؤل لماذا تجاوزات قيادة المؤسسة العسكرية القانون بيدها وهي تمضي دون أن يرف لها جفن في صناعة علاقات خارحية لا تملك لها لا تفويضاً دستورياً، فضلاً عن انتهاكاها للقانون دون مساءلة، ولكن ما يثير الاستغراب حقاً أن تكون الحكومة المدنية، أو المسماة “الحكومة التي يقودها المدنيون” تلك العبارة التي أصبحت نكتة ممجوجة مثيرة للسخرية لازمة التكرار في البيانات الدولية عن السودان، تقوم هي الأخرى تقوم بالممارسة نفسها دون أن تستشعر أدنى إحساس بالحياء لعد احترامها للقانون، أما ثالثة الآثافي فهي أن يكون ممثل الحكومة المدنية في تجاوز القانون وانتهاك سيادته للمفارقة هو وزير العدل شخصياً، المكلف بحراسة العدالة وسيادة حكم القانون، فهو لم يذهب مفاوضاً فحسب تحت طائلة هذا القانون الساري بل كان هو بالذات من وقّع كذلك على اتفاقية إبرهام. ببساطة كان من هو حري به الحرص أكثر ضمان احترام سيادة حكم القانون، هو نفسه من تولى كبر تقديم النموذج المعاكس.

(4)

ولأن باب التبريرات واسع، فلنبحث عن أعذار لمعالي الدكتور الوزير، فربما لم يكن يعلم أن هناك قانوناً بهذا الخصوص حتى نبههم إليه إبن العم إيلي كوهين، أو لأن باب العلم واسع ومتطور فلعل معاليه اكتشف في دراساته العليا بالولايات المتحدة الأمريكية أن حكم القانون وسيادته هذا شأن رفيع وامتياز خاص بالعالم الأول المتحضر حصرياً، وأن العالم الثالث متخلف لم يرتق بعد في سلم الحضارة إلى درجة يستحق معها أن يتحدث عن هذه المفاهيم الإنسانية الراقية ولو كانت ثورة الوعي التي قادها الجيل الجديد جعلت قضية العدل أحد مثلث أركان مطالبها، وأنه يجوز أن تدرج في الوثائق الدستورية والقانونية من باب الوجاهة السياسية، والمنظرة وطق الحنك، أما ممارستها حقيقة على أرض الواقف فإنه لا يجوز في حق الفقراء والرجرجة والدهماء والجماهير آكلة التسالي!!!.

(5)

ربما لم تكن حكومتنا السنية في حاجة أصلا لتلتفت إلى هذا الترف وإرهاق نفسها بجهد إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، لأن الواقع يثبت أن أكثر من نصف الاستحقاقات الدستورية نفسها معّطل بفعل فاعل، ومع ذلك فإنه لم يقلق منامها ولم يكن لها مصدر إزعاج ولا تأنيب ضمير، وتتعايش معه كأن شيئاً لم يكن بفقه “ضرب الطناش” التي فاقت في براعتها فيه الأولين والآخرين، ثم ما قيمة قانون لا يمنع من يتحكم في أمرها في فعل ما يشاء وقتما يشاء تحت سمعها وبصرها.
على أي حال هذا فرصة لنقول للسيد إيلي كوهين وزير المخابرات الإسرائيلي شكراً على تذكيره للحكومة السوداني بأن هناك شئ اسمه القانون وأن عليها أن تحترمه وأن تلغيه حتى ولو كانت سيادة حكم القانون لا تعني شيئاً لحكومة “الثورة – حرية سلام وعدالة” لسبب بسيط هو أن هذا هو الحد الأدنى لمعنى أن تكون أية دولة تستحق هذه الصفة ،ولئن رضيت الدولة السودانية في هذا العهد أن تسفه قانونها، فإنهم لا يرون لبلدهم مصالحة في إدارة علاقة سرية تحت الطاولة في جًنح الظلام، ولولا مطالبته إبان زيارته للسودان في يناير الماضي بضرورة إلغاء هذا القانون كشرط للمضي قدماً في عملية التطبيع، لما رأت حكومتنا حرجاً في مواصلة هذه العلاقة المجرّمة بحكم القانون السوداني دون أن تأبه لذلك، لم لا فذا هي المرة الأولى التي تلد فيها ثورة شعبية ملكاً عضوضاً.

(6)

ومن سخريات القدر في هذه العلاقة المثيرة للدهشة، التي لا شك أن أبناء العم يعقوب عليه السلام يجدون فيها ما يحار فيه فهمهم في عالم العلاقات الدولية الذي خبروه، أنهم وجدوا أنفسهم في حالة نادرة تلزمهم باحترام القوانين السودانية بأكثر مما تفعل حكومة البلد ذاتها، وليت الحكومة السودانية ووزير عدلها يتعلمون من ذلك درساً، فقد صدرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الذائعة الصيت الثلاثاء وهي تنشر للمرة الأولى صورة اجتماع كوهين بالبرهان إبان زيارته الخرطوم، وذكرت الصحيفة أنه تم السماح لها بنشر هذه الصورة التي كانت محظورة بسبب سريان قانون مقاطعة إسرائيل في السودان، وبات ذلك ممكناً بعد تمرير مجلس الوزراء السوداني لمشروع إلغاء قانون المقاطعة.

(7)

بالطبع تناست الحكومة، أو ابتلعت بالأحرى، أنها أصدرت بيانا في 25 أغسطس الماضي عقب محادثات حمدوك – بومبيو أنكرت فيه تماماً أنها تملك تفويضاً للبت بشأن مسألة التطبيع وأن ذلك ليس من مهامها الانتقالية المعنية بها، وأنها سترد أمره لحكومة منتخبة، أو لنقل حتى للمجلس التشريعي الذي لن يرى النور لأن شركاء السلطة لا يريدون حسيباً ولا رقيباً ولا شريكأ لهم، حتى ولو آتوا به مفصلاً على مقاسهم لم يجرؤ مجلس الوزراء حتى لإصدار بيان ولو نت فقرة واحدة تفسر فيه موقفها المتغير ببساطة لأنها الاستهانة بالرأي العام أصبحت عندها إحدى الأدوات الأساسية المعتمدة للسيرة لى السلطة بتعمّد تجهيل المواطنين.

(8)

ما أغنى الحكومة عن كل هذه الألاعيب التي لم تعد تصلح حتى في إدارة شؤون الحواري ، فقد كان بوسعها أن تناقش قضية التطبيع هذه ووزن معطيات مصالحها وتبعاتها وعواقبها بمسؤولية وبطريقة مؤسسية وفق الأطر والمهام والصلاحيات والإجراءات التي حددتها الوثيقة الدستورية ووفق النظم والقوانين المرعية، وربما كان من الممكن أن تصل من خلال عملية اتخاذ القرار بصورة مؤسسية إلى النتيجة نفسها، بطريقة تحترم فيها نفسها، وتحترم فيها شعبها، وتحترم الدولة التي تمثلها. ولكن من الواضح أنها أآثرت أن تسلك الطريق الخاطئ متهمة نفسها بأنها لا تملك من أمرها شيئاً، وأنها لا تفعل سوى ما يُملى عليها.

أما وزير العدل فقد كان بوسعه أن يثبت أنه يمثل جيله من الشباب الذي صنعوا هذه الثورة بتضحيات دفعوا فيها أرواح ودماء وتضحيات غالية، وأفسحوا له الطريق لياتي في هذه الموقع ليسهم في مواصلة هذه التضحيات ليضع السودان في المكانة التي يستحقها، ولكنه للأسف الشديد آثر أن ينضم إلى تلك الفئة من القانونيين التي برعت في تطويع القانون لخدمة الأنظمة ذات الشوكة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *