Friday , 26 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

هزيمة القحط النقابي .. رسالة عاجلة فى بريد القاعدة الصحفية العريضة

أعضاء اللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين

 

فيصل الباقر

[email protected]

 

مدار أوّل:

“علي قدرِ  أهلُ العزم تأتي العزائمُ .. وتأتي على قدرِ الكِرامِ المكارمُ .. وتعظُمُ فى عين الصغيرِ صِغارُها .. وتصغُر فى عين العظيمِ العظائمُ” ((أبو الطيّب المتنبيء))

-1-

انتزع الصحفيون والصحفيات فى السودان – يوم السبت 26 مارس 2022 – الحق فى التنظيم النقابي، ومعلوم أنّ الحق فى التنظيم، هو حق من حقوق الإنسان، ظللنا فى المجتمع الصحفي الديمقراطي والحقوقي، نناضل من أجله، ونعمل فى سبيل تحقيقه، لسنوات طوال.

-2-

جاء انعقاد الجمعية العمومية التاسيسية لنقابة الصحفيين السودانيين، فى ظرف استثنائي، وبالغ الأهمية، وقد تحقّق عنوةً واقتداراً بعد خمسة أشهرٍ – بالتمام والكمال – من وقوع انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي يُعادي بطبيعته الديكتاتورية والشمولية، مفردات الحرية، والعدالة، والنقابة، والديمقراطية، والمؤسسات الديمقراطية، والحقوق بمجملها، ولكل ذلك، فهو يُعادي الحق فى التعبير والتنظيم، والحق فى تاسيس النقابات الحُرّة والمستقلة، وقد جاءت الجمعية العمومية التاسيسية لنقابة الصحفيين السودانيين، بمثابة نصر مؤزّر عبّر عن وحدة المجتمع الصحفي فى السودان، وانحيازه التام والطبيعي، لقيم وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة وشعاراتها العظيمة (حرية ..سلام .. وعدالة).

-3 –

الوعي بالتنظيم، وهو أرقي أشكال الوعي، وأهميّته، هو ما أزعج، ويُقلق أعداء العمل النقابي الحُر والمستقل والديمقراطي، وبلا شك فإنّهم سيتآمرون، لإجهاض هذه التجربة الوليدة، وسيكيدون، بشتّي السُبل والتكتيكات والتدابير، ولكن، سيرتد كيدهم إلى نحورهم، بالوعي الذي تمتلكه القواعد الصحفية، وسيسير قطار تاسيس النقابات المستقلة للأمام، وستكون تجربة نقابة الصحفيين، نموذجاً مُلهماً ومُنيراً ومُحفّزاً لقطاعات وفئات مهنية أُخري، مع خصوصية كل تجربة، وكل مجال.

-4 –

جاء هذا الإنتصار، ليحقّق حلم استعادة النقابة الحرّة الديمقراطية والمستقلة، بعد ما يُقارب الثلاثة وثلاثين سنة و”نيف” من “القحط النقابي”، منذ أن صادر إنقلاب الإنقاذ فى 30 يونيو 1989، الحق فى تكوين النقابات، حيث تمّ فى ذلك اليوم المشؤوم، حل جميع النقابات المنتخبة ديمقراطياً فى فترة الديمقراطية الثالثة، وفى مقدّمتها (نقابة الصحفيين السودانيين) التي كانت قائمة – وقتها – وجاءت بإنتخابات حُرّة، ومشهودة، فى الديمقراطية الثالثة (1986- 1989)، وصنع ما أسماه – وقتها – (اتحادات) داجنة، تُسبّح بحمده، وتدور فى فلكه، وتأتمر قياداتها بأمره ليل، نهار!.

-5 –

تكلّل اجتماع (الجمعية العمومية التأسيسية) لنقابة الصحفيين السودانيين، بالنجاح، بإنتخاب اللجنة (التمهيدية) التي جاءت بالانتخاب المباشرالحُر، برفع بالوقوف ورفع الأيدي، بإنتخاب لجنة تمهيدية من خمسة عشر زميل وزميلة (11 زميل و4 زميلات)، من جملة 39 مرشّحاً ومرشّحة، وقد جرت الانتخابات فى مناخ اتّسم بالشفافية، والتسامح، وإعلاء قيم التضامن، والعمل المشترك.

-6 –

فى تقديري أنّ النساء الصحفيات لم ينلن كامل استحقاقهن المشروع، رُغم وجودهن الواضح والمُشرّف فى مقدمة الصفوف الأمامية المناضلة ضد دكتاتورية الإنقاذ، وفى كل معارك التحوّل الديمقراطي، ورُغم تقدّمهن عملية النضال المستمر لسنوات، وربّما يعود ذلك – فى تقديري – لبعض عيوب عملية الانتخاب الحُر المباشر، التي تمّت، فى جو حماسي، كما يعود بالضرورة، وبطبيعة الحال – لضعف الوعي المجتمعي السوداني، بمفاهيم (عدالة النوع “الجندر”) وبضرورة المنصف والعادل للنوع”الجندر”، والمجتمع الصحفي فى هذه الحالة بالذات، تمثيلاً يليق بنضالات وتضحيات النساء السودانيات والصحفيات العاملات فى مناخ “غير صديق” فى غالبية المؤسسات الصحفية والإعلامية.

-7-

هناك أيضاَ ضعف مفاهيمي حقوقي كبير، برز فى مسألة عدم الانتباه لتمثيل الأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية والحركية والسمعية، من الصحفيين والصحفيات، وهذا يتطلّب – فى تقديري – بذل المزيد من الجهود  فى جبهة رفع الوعي الحقوقي، والعمل على خلق بيئة صحفية صديقة للاشخاص من ذوي الإعاقة (البصرية والسمعية والحركية)، وأن يتضمّن النظام الاساسي وميثاق الشرف الصحفي، بنوداً وموجّهات واضحة وصريحة وملزمة بالدفاع عن حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة، من الصحفيين والصحفيات، وأن لا ينتهك  الصحفيون والصحفيات حقوق هذه الفئة المجتمعية الهامّة، وتمكينهم/ن من أداء مهامهم/ن الصحفية، بطريقة تتناسب مع إعاقتهم/ن، وأن تكون وثائق النقابة ومؤسساتها وأنشطتها صديقة لذوي الإعاقة بأنواعها المختلفة، بجانب الالتزام بعدالة النوع “الجندر”.

-8 –

نعم، هناك أجندة مهمّة كثيرة، أمام اللجنة التمهيدية المنتخبة، تنتظرها وتنتظر جهدها وعملها الدؤوب خلال الثلاثة أشهر المقبلة، التي تمّ تكليفها فيها، للتحضير للجمعية العمومية القادمة، لإنتخاب اللجنة التنفيذيّة، ومن بين أهم القضايا، تأتي قضيّة استكمال وتوسيع دائرة الحوار الموضوعي والشامل، حول “مشروعات” (النظام الأساسي) و(ميثاق الشرف الصحفي)، واستكمال السجل الصحفي، ليشمل كل الصحفيين والصحفيات الراغبين والراغبات فى الانضمام للنقابة، ومسألة تمثيل صحفيي وصحفيات الاقاليم، وتمثيل صحفيي وصحفيات الخارج”الدياسبورا” فى مجلس النقابة، وهيئاتها، وفروعها، وأنشطتها المتعددة. وأري من المهم – جدّاً-  أن تتحرّك وفود من اللجنة التمهيدية للنقابة، للاقاليم، ليشمل الحوار الصحفيين والصحفيات فى الولايات، وهو ما عجزت عن انجازه لجنة الأجسام المشتركة، بسبب ضيق ذات اليد، رُغم أنّه كان من بين أجندتهم ونقاشاتهم وحواراتهم المثمرة.

– 9 –

هناك المسألة المزمنة المتعلّقة بالرواتب والأجور، وضعفها وتدنّيها الملحوظ، وتدهورها المريع، وشروط الخدمة، وما أدراكما شروط الخدمة، وقد بلغ السيل الزبي، لدرجة لا يمكن تصوّرها، أو احتمالها، وقد سادت لعقود فى المشهد والواقع المُعاش، الأوضاع المزرية – واللا إنسانية – التي عاشها – ويعيش – فيها الصحفيون والصحفيات فى العاصمة الخرطوم، وكذلك حال ومآل الصحفيين و”مراسلي الصُحف” فى الأقاليم، وهناك قضايا العلاج، والتأمين الصحّي ، والتامين الإجتماعي، وغيرها، ومستحقّات ما بعد الخدمة – لن أقول فوائد ما بعد الخدمة – وهي قضايا شائكة، ومؤسفة ومُحزنة، تحفظها ذاكرة الأجيال الصحفية المختلفة عن ظهر قلب، ولها تاريخ طويل، وحاضرٌ مؤسف، وتحكمها تقاطعات حادّة، ولا يُفتي فيها، وفى أمرها، والصحفيون والصحفيات فى شارع الجرائد، وما أدراكما شارع الجرائد !.

-10-

هناك – أيضاً –  قضيّة (صندوق الزمالة) الصحفي، والذي ظلّ جند تاسيسه مُنتظراً فى حالة “محلّك سِر”، لسنواتٍ طويلة، يؤرّق مضاجع الجميع، وبقي حلماً يُراود الصحفيين والصحفيات من كل الاجيال، بجانب العديد من القضايا والمسائل الجوهرية الأُخري، ومن بينها العمل على توسيغ قاعدة النقابة، وجعل النقابة – المبني والمعني – كياناً جاذباً للقطاعات المختلفة من الصحفيين والصحفيات، وملاذاً آمناً لهن/م، يشعر فيه الجميع، بالاطمئنان على أنّ (النقابة) هي القلب النابض بإسم الجميع، والظهر الذي يتّكي عليه الأعضاء من الزملاء والزميلات، من مختلف الاجيال.

-11-

هذه القضايا، جميعها، وبلا استثناء ، وغيرها، من قضايا التدريب على المعارف الجديدة، فى علوم وفنون الصحافة، هي – بلا شك – قضايا لا يمكن حلّها فى ثلاثة أشهر، أو حسمها بضربة لازب، ولكن المطلوب، فى هذه المرحلة – على الأقل – إعمال التفكير الجمعي والعمل الجاد فى وضع الاستراتيجيات النقابية اللازمة للتعامل معها، ووضع الخطط المناسبة لفهم وادراك وتأسيس معارف نقابية للتعامل معها، والتدريب، والتدرُّب على علوم وفنون التفاوض النقابي، مع المخدّمين “ناشري” الصُحف، و”مُلّاك” المؤسسات الصحفية والإعلامية الأخري، فى الصحافة المطبوعة، والمرئية، والمسموعة، والمواقع الإليكترونية، فى عصر صحافة وعالم الإنترنيت.

-12–

أرجو وأتمنّي – صادقاً – أن تنتبه لكل هذا وذاك، اللجنة التمهيدية المنتخبة، وأن تقترح لإجتماع الجمعية العمومية المقبل، المعالجات الموضوعية والمناسبة لهذه القضايا والأجندات الهامة، وأن تكون كل هذه القضايا، محل اهتمام ومتابعة القاعدة الصحفية التي حقّقت هذا النجاح المبين، والقاعدة الصحفية العريضة العريضة، وأن لا يفوت الجميع شرف التأسيس المنتظر لنقابة الصحفيين السودانيين، التي سيكتمل مشوار تحقيقها على أرض الواقع، فى الأشهر الثلاثة القادمة، ولن نألوا جهداً، فى تقديم الأفكار والآراء والمقترحات، وإسداء النصح والمناصحة، والمشورة، فى هذا الصدد، ولن نتأخّر فى تقديم المبادرات، تلو المبادرات، لإستكمال المسيرة القاصدة، بإذن الله، ودعم وتاييد القواعد الصحفية الواعية والمدركة لاهمية وضرورة التنظيم النقابي.

-13-

بالنسبة لي، فإنّني أقف – وسأقف دوماً – فى صف المؤمنين – تماماً وقولاً وفعلاً – بتقاليد الحركة القابية السودانية وشعارها المجيد “لكلّ حزبه، والنقابة للجميع”، وهذا ما سعينا لتحقيقه من خلال تيسيرنا لعملية الحوار بين الأجسام الصحفية المختلفة، وأستطيع – اليوم -ان أقول مرّةً ثانية وثالثة ورابعة : “خلفنا صعوبات الجبال، أمامنا صعوبات السهول” !، وحتماً، سننتصر، لقيم الحرية والديمقراطية واحترام وتعزيز حقوق الإنسان، ومنها الحق فى التنظيم النقابي االحُر والديمقراطي والمستقل، وفى هذا فليتنافس المتنافسون!.

-14-

كلمة أخيرة أقولها اليوم، فى إطار الاحتفاء بهذا النصر النقابي العظيم، وبمناسبة توحيد الجهود الصحفية نحو تاسيس نقابة للصحفيين، يسعدني أن أُعلن توحيد أسماء “الأعمدة” التي ظللت أكتب تحتها لعقودٍ وسنواتٍ طويلة، تحت أسماء مختلفة، ومنها (أجراس المراصد)، و(أجراس)، و(مدارات) ليصبح إسم العمود ابتداءاً من هذا اليوم ((مدارات وأجراس)).

جرس أخير:   

“يا من تموت بالجوع ..وقدّامك ضِفاف .. والأرض باطنهت، ظلّ مطمورة سِواك .. عطشان، وقد نزلت عليك، أحزان مطيرة .. مُزُن سماك .. الدنيا أوسع من تضيق ..قوم أصحى .. فك الريق هُتاف .. إنّ الذين أحبوا روحهم ضيّعوك.. وبيّعوك أعزّ ما ملكت يداك .. أوعك تخاف” ((محجوب شريف))