Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

قصص مروعة لـ «سودان تربيون» حول القتل والتعذيب في معتقلات الجيش و«الدعم السريع»

مبادرة مفقود نعت الطبيب محمد محمود الذي قتل في احد معتقلات الدعم السريع

الخرطوم 12 أغسطس 2023- بضَربة على الرأس ظل “ن- م” فاقداً للوعي لنحو ساعة قبل أن يجد نفسه، داخل غرفة مظلمة تحاصر جسده آلام مبرحة.

وقتها لم يِدر بخلد الشاب أن أسوأ مخاوفه تحققت بالفعل فهو الآن معتقل بواسطة قوات الدعم السريع داخل منزل بالخرطوم بحري، برفقة سبعة أخرين، بعضهم ملقي على الأرض جراء إصابات متفاوتة بينما يجلس آخرون وظهورهم على الحائط.

اتهمت قوات الدعم السريع “ن” بالعمل مع الاستخبارات التابعة للجيش ومدها بمعلومات واحداثيات حول مواقع تمركزها حسب روايته ويقول لسودان تربيون انه اقتيد من سوق الشعبية خلال شهر مايو وظل محتجزا لـ 18 يوما كان يتم خلالها استجوابه مرتين في اليوم حتى أطلق سراحه مع بعض المعتقلين لعدم وجود دليل على عمله مع الاستخبارات.

خلال أشهر القتال الطويل بين الجيش والدعم السريع في العاصمة الخرطوم منذ منتصف أبريل ظلت أجهزة الاستخبارات لدى الطرفين تنفذ حملة اعتقالات واسعة، تحت ذريعة التخابر لمصلحة الآخر، لكن ما فعلته قوات الدعم السريع كان الأكثر عنفاً وترويعا للمعتقلين الذين قضى بعضهم تحت أيديهم.

والسبت أعلنت مبادرة “مفقود” – مجموعة تنشط في قضايا المفقودين والمخفيين قسريا -عن اغتيال قوات الدعم السريع للطبيب محمد حامد علي أحمد، بعد اعتقاله من ضاحية جبرة قبل نحو إسبوعين بتهمة العمل مع الجيش، وأفادت المبادرة ان حامد نقل الى معسكر الدعم بالمدينة الرياضية وقتل هناك.

وخلال يوليو الماضي قُتل مواطن يُعاني من اضطرابات نفسية، إثر تعرضه لتعذيب قاسٍ في أحد مقار قوات الدعم السريع شرقي العاصمة الخرطوم، بعد أيام من اعتقاله.

وقالت مصادر، لـ “سودان تربيون”، وقتها إن “جعفر آدم محمد أحد سكان ضاحية الجريف مربع 79، قُتل تعذيبا داخل معتقل هيئة العمليات الذي حولته الدعم السريع لواحد من أكبر معسكراتها في الخرطوم”.

وأوضحت المصادر أن جعفر الذي يعاني من اضطرابات نفسية، اعتقل بواسطة قوات الدعم السريع من شارع الستين وجرى نقله لمعسكر هيئة العمليات حيث تعرض لتعذيب قاسٍ مطلع يوليو الجاري،وفارق الحياة من فرط التعذيب.

ظل “الجنجويد”

تنفذ الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني بدورها اعتقالات واسعة لمن تسميهم بـ”ظل الجنجويد” وهم أشخاص يْتهمون بالعمل المباشر مع الدعم السريع سواء بالإرشاد لتحركات الجيش أو تعريف المناطق والشوارع وكشف الارتكازات وأماكن التجمعات العسكرية.

وكشف ضابط بالقوات المسلحة عن توقيف عدد من المتعاونين مع قوات الدعم السريع، مؤكداً لـ”سودان تربيون” إنه عقب التحقيق مع الشخص المتعاون “مع العدو”- وفق وصفه تعمد الأجهزة المختصة الى ابعاده من الخرطوم فوراً.

ويسرد أحد المعتقلين على يد الاستخبارات العسكرية لـ”سودان تربيون” تفاصيل مرعبة عن توقيفه من داخل منزله بأحد أحياء الخرطوم.

ويقول “ح.أ ” إن قوة ترتدي زياً مدنياً اقتحمت منزله الذي كان يحرسه بنفسه بعد مغادرة أسرته واعتقلته بحجة العمل مع قوات الدعم السريع رغم محاولته نفي ذلك.

وأوضح أنّه نقل إلى وحدة عسكرية قريبة من المنطقة –طلب اخفائها- لدواعي متعلقة بحياته، وجرى التحقيق معه بواسطة ضابط برتبة رائد.

وأكد تعرضه للضرب على يد العناصر العسكرية تلك، وأنه رغم تأكيده عدم التعامل مع قوات الدعم السريع إلا أنّ الضابط طلب منه مغادرة الخرطوم فور الخروج من الوحدة العسكرية حفاظاً على حياته.

بيوت الأشباح

آثار تعذيب وحشي لأحد معتقلي الدعم السريع – صورة لسودان تربيون

عادت للواجهة خلال الحرب الحالية بيوت الاشباح التي عرفت خلال فترة حكم النظام السابق حيث كان يعذب فيها المعتقلين السياسيين والطلاب والمخالفين لتوجهات التيار الإسلامي الحاكم وقتها.

وبعد اندلاع الحرب وتمركز قوات الدعم السريع وسط الأحياء السكنية واحتلالها بصورة كبيرة في مدن الخرطوم الثلاث (الخرطوم، الخرطوم بحري وأم درمان) نشبت على جانب اخر حرب استخباراتية اشد تنافسا وضراوة من ميدان المعركة، فكلا الطرفين ينفذان سلسلة اعتقالات لأشخاص في العاصمة تحت مبرر العمل مع الآخر.

وتبين متابعات لـ “سودان تربيون” في الخرطوم واتصالات بمعتقلين كانا في سجون الطرفين وشهادات ضابطين أحدهما مطلع على تقارير للاستخبارات ومصادر موثوقة في مناطق المعتقلات وشهادات محتجزين تعرضوا للتعذيب، أنّ أغلب العناصر التي يتم إيقافها واتهامها تتراوح بين 17- 30 سنة.

وأظهرت التحقيقات هذه اعتقال أكثر من 5 آلاف شخص بواسطة استخبارات وجنود الدعم السريع، ويبدو الرقم هذا اقل بكثير مقارنة بمن اوقفتهم استخبارات الجيش إذ قدرت التقارير بحسب إفادة الضابطين ان المعتقلين حوالي 1500 شخص أوقفوا للتعامل مع المليشيا.

ويؤكد أحد المصادر التي اعتمدت عليها “سودان تربيون” في الحصول على معلومات بشأن معتقل للدعم السريع ببحري في المنطقة بين “الختمية – المزاد” أنّ جنوداً تابعين لاستخبارات الدعم السريع يعتقلون عشرات الأشخاص في منزل معروف بالمنطقة.

ويروى أحد أبناء منطقة بحري طلب الإشارة اليه بالحرف “ك” أنه كان معتقلاً في ذاك المنزل وتعرض للتعذيب والضرب المبرح حتى نزف جسده والقاء الملح على مكان الجروح لإجباره على تسجيل اعتراف بتعاونه مع الاستخبارات العسكرية والعمل مع حزب المؤتمر الوطني المحلول.

ويذكر الشاب أنه اعتقل من أمام بئر للمياه في حي “الشعبية” نهاية مايو الماضي وتم الاعتداء عليه بالضرب ومن ثم نقل إلى المعتقل الذي يضم ثلاث غرف مغلقة و”صالون” للتحقيق.

بعد الإفراج عنه بواسطة بعض معارفه وعدم الحصول منه على اعتراف مسجل بالعمل مع الاستخبارات غادر “ك” إلى ولاية الجزيرة.

محاكم وغرامات

تكشف مصادر متعددة في الخرطوم بحري لسودان تربيون عن وجود معتقلات للدعم بجانب ما تسميه “محاكم” داخل منازل تحتلها تلك القوات وهي محاكم إيجازيه تفرض غرامات على الأشخاص الذين يعودون لتفقد منازلهم أو من يحاولون حماية منازل الأخرين أو إغلاقها أو نقل أغراض منها.

تقع إحدى تلك المحاكم في “منزل محتل” بالقرب من “طيبة الأحامدة” حيث تحكم قوات الدعم السريع السيطرة على المكان.

المنزل المحاط بالأشجار تصدر منه عناصر الدعم السريع الأحكام على من تسميهم المخالفين للسياسات الجديدة في المنطقة وفق مصدر قال ان قوات الدعم قررت على زوجته دفع غرامة بسبب إغلاقها لعدة مساكن تركت أبوابها مفتوحة بعد سرقتها.

معتقلون في خطر

احتجزت قوات الدعم السريع حسب أربع شهادات تلقتها سودان تربيون عدد من الاشخاص بينهن نساء بغرض تقديم الخدمات مثل غسل الملابس وتجهيز الوجبات ومداواة الجرحى. فيما يهدد الاعتقال العشوائي حياة المئات من الموجودين حالياً بمنازل محتلة بيد عناصر الدعم حولوها لزنازين في أحياء الخرطوم المختلفة.

وتقول “س” إنها اوقفت من عناصر الدعم السريع بشارع عبيد ختم شرق الخرطوم، ونقلت إلى “منزل” في ضاحية الطائف كان مجهزاً لاستقبال المصابين وإعداد الوجبات وطهي الطعام.

وتؤكد لسودان تربيون عدم تعرضها للتعذيب أ الضرب أو الاعتداء، لافتة إلى وجود عدد من الضباط كانوا يشرفون على المعتقل والعمل داخله.

وقالت إنها تلقت تهديدات بالقتل فور اعتقالها حال رفضت العمل وتم احضار سيدتين إحداهن كانت من حي “النزهة” وأخرى لم تتعرف عليها.

وتحكي انها اضطرت للعمل داخل المعتقل لمدة 65 يوماً وخرجت منه بعد مغادرة القوات وإجلاء المصابين إثر تلقي الضباط معلومة باحتمال تعرض الموقع لقصف مباشر.

وأضافت “عقب خروج القوة مباشرة طلب منا الضابط المغادرة فوراً، ومنحنا أموالا للوصول إلى ذوينا كما حذرنا من التحدث عبر الهاتف من داخل المنزل”.

تعذيب وحشي

معتقلون تعرضوا لتعذيب وضرب في مقار الدعم السريع-صورة لسودان تربيون

جزء من مشاهد لمقطع فيديو لاحد الأشخاص الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم يوضح وحشية الحرب والانتهاكات لحقوق الإنسان.

يروى ضابط برتبة الفريق في الشرطة السودانية لسودان تربيون، تفاصيل حول اعتقال أحد أقاربه، ارفقها بصور موثقة ر حيث اعتقلت قوات الدعم السريع قريبه من الشارع العام في أمبدة بأم درمان، ومن ثم نقله الى معتقل داخل مباني الإذاعة والتلفزيون في أم درمان. وتوضح الصور التي أرسلت لسودان تربيون آثار التعذيب الوحشي الذي تعرض له الرجل بعد ان قضى نحو 10 أيام في المعتقل.

ملاحقات في الانتظار

يؤكد الخبير القانوني اسامة أحمد، لسودان تربيون، أن كل شخص تم اعتقاله يمكنه لاحقاً مقاضاة قيادات الدعم السريع وحتى مستشاريهم.

وأكد ان هناك مواد في القانون الجنائي تتيح للمعتقلين مقاضاة الجهة التي كانت تعتقلهم تحت المواد المتعلقة بالاشتراك والمساهمة في التحريض والمعاونة.

من جهته دعا الخبير العسكري الفريق شرطة د. الطيب عبد الجليل، المحامين لتكوين جبهة وطنية، لرصد وتوثيق انتهاكات الدعم السريع، وتحريك القضايا أمام القضاء الدولي والوطني ضد القيادات العليا والميدانية لقوات الدعم السريع والمستشارين والإعلاميين.

مطاردة المصادر

في ضاحية الفتيحاب بأم درمان أوقفت قوات الدعم السريع العنصر السابق بالاستخبارات العسكرية “ط” وقادته إلى منزل تم تحويله لمعتقل في منطقة “الصالحة”، حيث قضى أسبوعين تعرض خلالها لاستجواب مستمر حول عمله لكنه أكد لسودان تربيون عدم تعرضه للتعذيب.

ووفق شهادة العنصر المخابراتي السابق، وافادات مختلفة جمعتها “سودان تربيون” فإن عناصر الدعم السريع يبدؤون عند الوصول لأي حي بالسؤال عن منازل النظاميين ومن ثم التجار وبعد ذلك السياسيين.

تستهدف تلك القوات وفق مجموعة الشهادات النظاميين أولاً وتقوم باعتقالهم، كما تعمل على اعتقال التجار ورجال الأعمال حال وقعوا بأيديهم لطلب فدية مالية.

ويؤكد عنصر في جهاز الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني، تعرضه للاعتقال والتعذيب رغم تركه العمل منذ 9 سنوات وذكر أنه اعتقل على يد قوات الدعم السريع يوم 11 مايو الماضي من منزله بمدينة أم درمان.

وأفاد أن مخبراً من الحي يعمل لصالح الدعم السريع أرشد الجنود لمنزله فاقتحمته قوة مدججة بالسلاح واقتادته وانه احتجز لأكثر من ثلاثين يوما تعرض خلالها للتعذيب في معتقل بالفتيحاب.

اعتقالات متفرقة

وقالت لجان مقاومة اركويت في الخرطوم في بيان تحصلت عليه سودان تربيون، إن عضو المجموعة أحمد أبو هريرة، معتقل لدى استخبارات الفرقة الثالثة بشندي في ولاية نهر النيل، لأكثر من ثلاثة أسابيع.

وذكرت في بيان لها في العاشر من أغسطس الجاري، اطلعت عليه “سودان تربيون” أن أسباب اعتقاله تعود لرفضه للحرب والدعوة لإيقافها بالطرق السلمية والضغط الشعبي.

وفي الثالث من أغسطس الجاري، أدانت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان بشدة الاستهداف العشوائي للسكان المدنيين والمرافق العامة من قبل قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة، ولا سيما في محلية سِربا، على بعد 45 كيلومترًا شمال الجنينة في غرب دارفور.

كما عبرت البعثة عن قلقها إزاء حوادث مماثلة في نيالا بولاية جنوب دارفور، وزالنجي بولاية وسط دارفور.

يقول عبد اللطيف مجدي 26 عاما- من مدينة زالنجي، والذي اعتقلته قوة من الدعم السريع خلال الفترة 2-28 يوليو المنصرم أنه تعرض للتعذيب داخل معتقل في أطراف المدينة لدواع متعلقة بقبيلته.

وأضاف لسودان تربيون، أنه وجد عشرات الأشخاص المعتقلين ضمن حملة يقودها ضباط وجنود في الدعم السريع تستهدف بشكل مباشر عرقيات محددة.

بحسب افادات مجدي فإن الأطراف العسكرية المتصارعة في دارفور تنفذ حملات اعتقال وتعذيب خاصة للرافضين للحرب.

وتبدو الصورة نفسها كما كانت قبل سنوات إذ تفشت ظاهرة الاعتقالات وعمليات التعذيب التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والعسكرية في إقليم دارفور.

وتحدثت الناشطة في المجال الإنساني “ح” حول تعرض عشرات النساء الناشطات في القضايا الإنسانية والاجتماعية للاعتقال في دارفور.

وقالت إن تسعة من زميلاتها اوقفتهم عناصر قالت إنها تابعت للجيش في مدينة الجنينة.

‏وأعلن التجمع الاتحادي قبل اسابيع  اعتقال الاستخبارات العسكرية  شمال البلاد عضو الحزب الشريف الحامدابي تحت زعم التعاون مع الدعم السريع.