هل يفلح «الشعبي» في إصدار عفو عن مدبري انقلاب 30 يونيو؟
سودان تربيون: خاص
أكّد القيادي في المؤتمر الشعبي محمد بدر الدين: “إن حزبه صاغ مقترحاً، سيقدمه ضمن أعمال ورشة العدالة الانتقالية، ينحو لاستصدار عفو تشريعي، يشمل كافة المتهمين في قضايا سياسية، لا سيما قضية انقلاب 30 يونيو 1989”
وقال بدر الدين لسودان تربيون: ” تداولنا المقترح مع بعض القوى السياسية ولمسنا منها قبولاً، يهدف ذلك لإيقاع تسوية سياسية شاملة للأزمة السودانية ، أسوة بما تم لقادة انقلاب عبود وانقلاب النميري في أوقات سابقة”.
ويواجه الأمين العام للمؤتمر الشعبي علي الحاج ورئيس هيئة الشورى إبراهيم محمد السنوسي والقيادي بالحزب عمر عبد المعروف تهماً بتقويض النظام الدستوري أمام محكمة مدبري انقلاب 30 يونيو 1989.
ويقدح الحزب الإسلامي في أصل بناء القضية ويشير قانونيون فيه إلى ما يصفونه بأنه اختلال شاب بعض بناءاتها القانونية من حيث تعدد نسخ الوثيقة الدستورية الحاكمة وقت تدوين البلاغ، إلى شبهة التسييس التي شابت المنظومة العدلية، على حد وصفهم، حيث طعن د. على الحاج في شخص النائب العام السابق “تاج السر الحبر”وقال إنه وقّع عريضة سياسية مع آخرين تدعو إلى محاكمة قادة الانقلاب قبل أن يصبح هو النائب العام الذي يمسك بالملف ويمضي به نحو القضاء،وتلك شبهة بحسب رؤية علي الحاج تفتح الباب واسعاً أمامهم لأن يلوذوا باستقامة المؤسسات العدلية الدولية ابتغاء الإنصاف.
هل يكرس العفو حالة الإفلات من العقاب؟
يؤكد القيادي في المؤتمر السوداني نور الدين صلاح إنّ العفو عن مرتكبي مثل هذه الجرائم بما في ذلك القضايا السياسية يجب أن يأتي بعد إيجاد مؤسسات قادرة على إنفاذ القانون وتحقيق العدالة، أما قبل ذلك فهو لا يعدو أن يكون نهجاً يكرس الإفلات من العقاب،ولن يحقق ذلك الاستقرار السياسي المنشود.
وأضاف صلاح لسودان تربيون: “لا يصلح توصيف تقويض النظام الدستوري بأنه قضية سياسية، ذلك بالتأكيد جريمة جنائية مكتملة الأركان تستوجب المحاسبة”.
من جهته يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عبد الله رزق أنّ العفو الأشهر عن قادة انقلاب نوفمبر 1958 وعلى رأسهم الفريق إبراهيم عبود مهد الطريق لمزيد من الانقلابات على الديمقراطية دون خشية من العقاب.
قال رزق لسودان تربيون: ” أخلي سبيل عبود 1964 وفق مبادرة تقدم بها زعيم جبهة الميثاق الإسلامي حسن الترابي تحت عنوان “عفا الله عما سلف”.
ما القاعدة التي اتبعها الإنقلابون أثناء حكمهم؟
ولفت رزق إلى أنّ الانقلابيين في جميع عهودهم تعاملوا بقسوة بالغة مع من تورطوا في محاولات انقلابية ضدهم وتوسعوا في محاكمة مدبري الانقلابات وإعدامهم بالعشرات.
عقب إحباط محاولة انقلابية في يوليو 1971 اعتقل الرئيس نميري قائد الانقلاب هاشم العطا ولفيف من قادة الحزب الشيوعي وتم الحكم على الجميع بالإعدام وعلى رأسهم سكرتير الحزب عبد الخالق محجوب والزعيم العمالي الشفيع أحمد الشيخ في زمرة من القادة العسكريين والمدنيين.
كما نفذ النميري أحكاماً بالإعدام على عدد آخر من قادة حركة يوليو 1976 على رأسهم الجنرال محمد نور سعد ومجموعة من القادة المدنيين.
في مارس 1990 أفشلت السلطات العسكرية محاولة للانقلاب على نظام عمر البشير قبل أن يكمل عامه الأول وتبعاً لذلك تم إعدام 29 ضابطاً من قادة الانقلاب.
سلوك الانقلابيين يوجب المحاسبة
يقول رزق لسودان تربيون: “من هذه السوابق نجد أنّ العفو ليس له أساس فيما يعتقد قادة الانقلابات الذين لم يؤمنوا بصواب فعل العفو، وهذا أمر يوجب أن يطبق عليهم مبدأ المحاسبة وفق ذات القاعدة التي اتبعوها ليكون ذلك متسقاً مع سلوكهم.”
وأضاف: “حملت ثورة ديسمبر 2018 رجاء متعاظماً أن تقرّ واقعاً جديداً يقضي على فرص الإفلات من العقاب وكان مبدأ العدالة أحد شعارات الثورة، ومن هنا نشأ العزم على ملاحقة قادة انقلاب 30 يونيو1989 وهذا يقضي بضرورة إنفاذ القانون في كل مجال بما في ذلك تقويض النظام الدستوري”
ويقطع رزق بأنّ طرح فكرة العفو على هذا النحو يعد تنكراً لمبادئ وشعارات ثورة ديسمبر، كما أنّ إيقاع العقوبات على الانقلابيين يقطع الطريق على المغامرين المتجاوزين للقانون ويمنع تكرار هذه الممارسات.
ما فرص شطب القضية وإخلاء سبيل المتهمين
يشير خبراء القانون إلى أن المادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية تتيح العفو عن المتهمين في قضية مدبري انقلاب 30 يونيو، وتعطي المادة 58 من ذات القانون النائب العام الحق في أن يوقف حكم المحكمة عليهم دون السماح بملاحقتهم بذات التهمة، كما يؤكد الخبراء أن رئيس القضاء يمتلك حق شطب القضية والإفراج عن المتهمين بموجب المادة 38 من قانون الإجراءات الجنائية.
وتعثر سير المحكمة التي أقر أمامها الرئيس المعزول عمر البشير بأنه يتحمل المسؤولية عن كامل أحداث الانقلاب العسكري الذي أوصله إلى سدة الحكم، وبرأ قادة مدنيين يواجهون ذات التهم الموجهة إليه وأكّد أنهم لم يخططوا أو ينفذوا شيئاً من تدابير الانقلاب.
وتم تعليق الجلسات لمدة أسبوعين بعد أن تسلّم رئيس المحكمة حسين الجاك الشيخ خطاب إحالته الى التقاعد لبلوغه السن القانونية.