جدل حول رفع الدعم عن الدواء.. أين الحقيقة
خاص : سودان تربيون
نشر حساب على منصّة تويتريتابعه نحواً من 11 ألف متابعاً خبراً مفاده أنّ: “وزير المالية جبريل إبراهيم وجّه يوم السبت 19 نوفمبر من داخل الإمدادات الطبية، برفع الدعم عن الأدوية تماماً،وأنهى بجرة قلم 85 عاماً من خدمة الناس وتوفير أدويتهم إما مجاناًأو بسعر يمكن الحصول عليه”
سارع وزير المالية، الذي يرأس كذلك حركة العدل والمساواة د. جبريل إبراهيم للرد على الخبر وتكذيبه من خلال حسابه الرسمي على تويتر قائلاً: “هذا كذب صراح وعلى المدعي الاتيان بالدليل”
ونفت وزارة المالية توجيه الوزير برفع الدعم عن الدواء خلال ورشة نظمتها، بالتعاون مع وزارتي الصحة والتنمية الاجتماعية الاتحاديتين وانعقدت بمقر الصندوق القومي للإمدادات (السبت 19 نوفمبر 2022) تحت عنوان: “إصلاح نظام التمويل الصحي”
وبحسب إفاداتٍ تلقتها “سودان تربيون” من إدارة الإعلام فإنّ الوزير أكّد في كلمة ألقاها داخل الورشة “ضرورةأن تقدم كل الخدمات الصحية على نحوٍ مُرضي ومجاني، وأعلن عن زيادة في نسبة تمويل الصحة بموازنة العام 2023م ودعا للاستفادة من الموارد الماليّة المتاحة والاستخدام الأمثل لها، والاهتمام بتطبيق شعار الوقاية خير من العلاج، توجيه الموارد المالية للوقاية للحد من الأمراض والوبائيات”.
من أين جاءالالتباس؟
أوصت الورشة، ضمن مخرجاتها: “بتوفير الخدمات العلاجية المجانبة وتوزيعها بعدالة وتحويل بنود الدعم من الإمدادات الطبية إلى العلاج المجاني، والتأمين الصحي، واعتماد سعر الدولار المحرر في تسعير الدواء بواسطة الإمدادات الطبية لتحقيق الوفرة الدوائية واستدامتها وسداد ديون الإمدادات.”
وخلال كلمته في تلك الورشة اثنى وزير الصحة هيثم إبراهيم على برنامج “العلاج المجاني” الذي تتحمل الدولة بموجبه تكلفة علاج مرضى (الكلى والقلب والأورام) مع توفير الدواء عبر الصندوق القومي للإمدادات الطبية.
وقال، وفق تصريحه الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية: “إنّ نظام التأمين الصحي هوالمتبع في كثير من الدول للمساهمة في تقديم خدمات طبية بجودة عالية، وإنّه يأمل أن تجد توصيات ورشة إصلاح نظام التمويل الصحي بالسودان كامل الاهتمام لإنزالها على أرض الواقع.”
وأظهرت التوصيات الختاميّة للورشة اتساقاً كبيراً مع كلمة وزير الصحة.
ويؤكد مسؤول في وزارة المالية، لسودان تربيون، أن التوصية بتحويل الدعم من الإمدادات الطبية لبرنامج العلاج المجاني واعتماد سعر الدولار المحرر في تسعير الدواء، جاءت بطلب من الصندوق القومي للإمدادات الطبية الذي ظل يشكو من تراكم مديونيته التي أدت لتآكل الثقة فيه أمام الجهات العالمية التي يتعامل معها في مجال شراء الدواء.
غير أن المسؤولين في الصندوق القومي للإمدادات الطبية اعتذروا عن تقديم اجابات على أسئلة سودان تربيون حول توصيات الورشة وقالوا إنهم يفضلون إرجاء التصريح إلى حين انعقاد لجنة مختصة تم تشكيلها لتعالج التوصيات.
أنشأ”الصندوق القومي للإمدادات الطبية” بحسب المعلومات على موقعه الإلكتروني: في العام 1935 ليكون بمثابة مخازن مركزية للأدوية تابعة لوزارة الصحة الاتحادية، وفي العام 1991 صار هيئة تعمل تحت قانون الهيئات والشركات الحكومية وفي العام 2015م تم تحويله للصندوق القومي للإمدادات الطبية بموجب القانون لإعطائه مزيداً من المرونة في العمليات التجارية في شراء وبيع الأدوية. وبذلك أصبحت المؤسسة الحكومية المسؤولة قانوناً عن توفير الأدوية والمستهلكات والمعدات الطبية للمؤسسات الحكومية.”
حصار الأخبار الكاذبة
يقول مسؤول بوزارة المالية لسودان تربيون إنهم يواجهون تحدياً إعلامياً كبيراً يتمثل في استهدافها ووزيرها بفيض من الأخبار الكاذبة، الأمر الذي دعا لتشكيل لجنة داخلية من إدارات عِدّة بالوزارة لمعالجة هذه المعضلة والتصدي لآثارها السالبة
وأكّد المصدر الذي طلب عدم الإشارة لاسمه: “أنّ الخلفيات، والمواقف السياسية الخاصة بالدكتور جبريل إبراهيم، ولا سيما خلافاته مع قوى الحرية والتغيير، وانشقاقه عنها ضمن قوى أخرى، وتأسيسهم لتحالف الكتلة الديمقراطية، جميع ذلك يسهم في التشويش على تصريحاته ومحاولة تحريفها لخدمة أجندات سياسية مناوئة له”
وأضاف: “تعاني وزارة المالية اليوم من تلبيس المهني بالسياسي، والخلط بين اعتبارها مؤسسة وطنية وبين شخص الوزير واتجاهاته السياسية” وأشار إلى أنّ الإعلام، ولا سيما مستخدمي الوسائط الجديدة، ربما وجه انتقادات حادة لخطط ومشاريع يعدها فنيون، مهنيون داخل الوزارة وفق رؤى وأسس علمية، فقط لأن من يعرضها أو يعبّر عنها هو جبريل إبراهيم، على نحو ما شهدت الأخبار الخاصة بالورشة التي انعقدت بالإمدادات الطبية”
وتشكو حركة العدل والمساواة، في مناسبات متعددة، من أن رئيسها جبريل إبراهيم، ظل هدفاً لسهام النقد انطلاقاً من مواقف سياسية تقدرها الحركة بقدرها.
ويشير مراقبون إلى أنّ الفضاء العام في السودان أضحى ملبداً بالكراهية والتخوين،وتلعب الأخبار الزائفة دوراً كبيراً في تعكيره، وهي تعمل في إطار محاولات ممنهجة للتأثير على الرأي العام وتوجيهه وفق رؤية محددة.
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عبد الله رزق: “هذه حالة عامة تكاد تطبق على الجميع، هنا أشير للهجمة المنسقة التي ظلت تتعرض لها قوى الحرية والتغيير من جانب قوى سياسية مناوئة لها، حتى أصبحت هي المعادل لكل ما هو سيء.”
“في هذا الجو المشوب بالتخوين، أصبح لوزارة المالية نصيب من الحملات المغرضة التي تتعرض لها كثير من المؤسسات، ويمكن أن يعزى ذلك لغياب الحوار الديمقراطي وتقاليده وأصبح التعبير عن الرأي المغاير يتم بطريقة عدوانية.” يضيف رزق.
يذهب مراقبون إلى أنّ هنالك خلافات حول اتفاق جوبا، ومعارضة للسياسات المالية والنقدية التي تقرها وزارة المالية، ذلك أن سياسات الحكومة ليست محل اتفاق بين الجميع، وهي موضع انتقاد مستمر بسبب الآثار السلبية التي تترتب عليها وتنعكس على حياة الناس ومعاشهم بصورة مباشرة، لكن في ظل هذه الموجة من الأخبار الكاذبة والشائعات، تأتي الانتقادات والتعبير عن هذه المعارضة مختلطاً بالسائد ومشحوناً بخطاب الكراهية.