الموقف المصري من (التسوية) .. المصالح تعلو
خاص: سودان تربيون
خلف الأبواب تمسك القاهرة، بعدة أوراق تخص الأزمة السودانية دون الولوج إلى أدوار رئيسية من خلال الآليات الدولية التي تعمل بشكل مباشر على حل أزمة انقلاب قائد الجيش الذي نفذه في 25 أكتوبر 2021.
ودأب النظام المصري، على مساندة تولي قادة الجيش السوداني للسلطة بشكل مباشر وهو ما يعتبره مراقبون تحريضا صريحا قاد للانقلاب على المدنيين.
وفي خضم تلك الإجراءات التي قام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالانقلاب على الشركاء المدنيين، ارتكزت السياسة المصرية في التعامل مع السودان والثورة على دعم أعضاء المكون العسكري وقادة الجيش وتدعيم وتثبيت توليه السلطة..
وبزيادة التغييرات والأوضاع في السودان مع موجات ثورة ديسمبر، تركت القاهرة، كل أوراق التفاوض والمبادرات لحل الأزمة السياسية التي نشبت في السودان بعد الانقلاب العسكري في يد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات.
حيال ذلك، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية د. محمد إدريس، ابتعاد القاهرة عن أوراق التفاوض والمبادرات لقوى أخرى يأتي في سياق تقاطع مصالحها مع تلك المبادرات الداعمة والداعية لنقل السلطة للمدنيين وإنهاء الانقلاب.
ويشير في حديثه لـ”سودان تربيون” إلى أنّ الرئيس السيسي لا يخالف الخطوات التي تقوم بها الإمارات والسعودية والولايات المتحدة بالسودان لكنه لا يدعمها علنًا في سبيل سياسة الإبقاء على الحكم العسكري المرتبط بالمصالح المصرية “الضخمة” في السودان.
ويؤكد أن القاهرة ربما تلتزم جانب الحياد أو الصمت تجاه أي تسوية قادمة، وبدأت بالفعل العمل وسط الأحزاب التي قد تكون جزءًا من تلك التسوية مثل حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الأصل وبعض الأحزاب ترقبا لتلك الخطوة وإمكانية فقدان التحالف مع النظام العسكري.
مواجهة التسوية
يقول دبلوماسي لـ”سودان تربيون” إنه عند النظر إلى الموقف الدبلوماسي المصري تجاه الأزمة السياسية السودانية، يلاحظ أن البعثة المصرية في الخرطوم لم تظهر الدعم لأي مبادرة أو عملية تسوية بين المدنيين والعسكريين، واكتفى السفير المصري الذي انتهت مدته حسام عيسى بعقد لقاءات متنوعة مع كل الأطراف دون التدخل.
ويرى الدبلوماسي أن القاهرة لن تقبل بتسوية تخرجها من المشهد السوداني بصفة نهائية لكنها تقوم بخطوات خاصة لتثبيت أوضاعها وسط القوى السياسية في السودان، وبعض جماعات الضغط الدولية الرافضة للانقلاب.
ويتفق الدبلوماسي على إعداد النظام المصري لخطة محددة للتعامل مع ملف التسوية الجاري الآن في السودان، ليتيح له فرصة التعامل مع التطورات المقبلة في الخرطوم والمصالح المصرية.
كتلة الانقلاب
كانت الحالة الأبرز للموقف المصري تجاه ما يمكن أن ينتج من تسوية يتمثل في دعم إنتاج تحالف سياسي جديد لدعم الانقلاب، ورافض للتسوية تماما ومراجعة اتفاق جوبا، بتأييد التحاق الحزب الديمقراطي الأصل بالكتلة الجديدة التي تضم حركات سلام جوبا وبعض الأحزاب.
ورغم أن المفاجأة جاءت بمشاركة الحزب الاتحادي فصيل جعفر الميرغني لحركات التوافق الوطني الداعم للانقلاب، غلبت الملاحظات على مشاركة السفير المصري في مراسم التوقيع الذي يمثل إعلانًا واضحاً لدعم نظام السيسي..
كذلك الدعم المصري للمكون العسكري أيضا دفع القاهرة إلى رفض الدخول في العمل الحوار الاستراتيجي الذي شكلته واشنطن عقب الانقلاب في أكتوبر 2021 للضغط على البرهان لإجباره على إعادة السلطة للمدنيين.
وتنتظر القاهرة من تلك الاتصالات تحديد الوجهات السياسية داخل السودان والتحكم في الأوضاع الجارية لضمان الحلف مع الأنظمة المتغيرة في السودان، وتعتمد على وضع أكثر من سياسة للتعامل مع الأحزاب مثل دعم نائب رئيس الحزب الاتحادي جعفر الميرغني في الانضمام للتكتل الداعم للانقلاب العسكري “الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية”.
ورغم ان شقيقه الحسن الميرغني لا يدعم ذلك الجانب ووقع على الإعلان السياسي المكمل للدستور الانتقالي بما يعني مؤازرة جبهة الحرية والتغيير، إلا أن الخطوة تشئ بأن النظام المصري يخلط كل الأوراق بيده للخروج في النهاية بمعادلة جيدة توازي مصالحه في السودان والحفاظ عليها.
زيارات واستشارات
ومنذ انقلاب البرهان في 25 أكتوبر 2021 ووفقا لتقارير صحفية، ظل رئيس جهاز المخابرات المصرية عباس كامل، يزور الخرطوم سراً وجهراً بين الفينة والأخرى لنقل رسائل محددة حول الأوضاع في السودان .
ونقل موقع “العربي الجديد” خلال أكتوبر الفائت أن فريقاً استشارياً مصرياً يتواجد في الخرطوم، بهدف تقديم المشورة لرئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في التعامل مع الملفات السياسية الداخلية الحرجة في الوقت الحالي ، وهو ما لم تعلق عليه السلطات السوداني بالنفي أو التأكيد..
تظهر الأدوار المصرية في الداخل السوداني بشدة، وتشمل كل الجوانب والاتصالات بما في ذلك الاتصال وإقامة العلاقات مع الأحزاب السياسية والجماعات المدنية المؤيدة للحكم العسكري.
ووفق ذلك، طالب رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل قبل شهر ونصف بتوسيع الآلية الرباعية التي تضم أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات لضم قطر ومصر والمغرب لتسريع حل الأزمة السودانية.
وفي أكتوبر الماضي، زار وفد من حزب الأمة القومي القاهرة، وعقد لقاءات مع القيادة المصرية تناولت العلاقات بين البلدين ومتطلبات التعاون حسبما أشار الحزب في بيان صحفي..
وذكر أن اللقاءات ناقشت الأمن القومي المشترك بين البلدين، وتطرقت إلى أوضاع الجالية السودانية المتنامية بمصر وشئون الطلاب والدارسين بالجامعات والمعاهد العليا.
. وتضع السياسة المصرية أهمية كبيرة لاحتمالات إجراء تسوية سياسية في السودان، وتبين تلك الجزئية في تناول وسائل الإعلام المصرية والصحفيين المصريين لما يجري في السودان بحسب أستاذ العلاقات الدولية د. محمد إدريس.
من ناحية أخرى، يفسر إدريس، محاولات تأثير النظام المصري على الإعلام السوداني تجاه الانقلاب العسكري والتسوية بأنها سياسة مصرية مستمرة منذ عقود تتبعها أجهزة الأمن والمخابرات المصرية لتغيير السياسات الداخلية للسودان