Thursday , 2 May - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الحركة الإسلامية من المهد للنظام الخالف (9-11)

بقلم : د.علي السيد – المحامي – [email protected]

هذه المقالات ليس المقصود منها التوثيق للحركة الاسلامية انما هي دراسة لفكر (اخوان السودان ) منذ النشاة الي اليوم اعني بها الجيل الجديد خاصة الذي اتي الدنيا في عهد الانقاذ او قبلها بقليل موضحا كيف تخلت الحركة عن الدعوة لله واتجهت للسلطة والجاه .

وحدة الاسلاميين

كثرة الحديث في وقت مضي عن وحدة الاسلاميين بعد الانشقاق الذي ضرب الحركة الاسلامية وانشطارها الي وطني وشعبي الا انه في الاونة الاخيرة جاء من عدة جهات تدعو للعجلة لتلك الوحدة واللافت للنظر انها اتت من عدة جهات والوحدة او طلبها يعني التضامن من اجل القوة وتوحيد الراي في مواجهة اخرين مع العلم ان مسلمي السودان موحدين ولاخلاف بينهم فهم جميعا علي مذهب اهل السنة فلا يحتاجون لوحدة في هذا الاطار وهذه رحمة من رب العالمين ولكن بالنظر الي دعاة الوحدة هذه نجد ان اولئك الدعاة بمختلف مشاربهم لايعنون وحدة المسلمين انما يعنون حقيقية وحدة الحركة السياسية الاسلامية او بمعني اصح وحدة دعاة الاسلام السياسي وهذه وحدة مستحيلة الحدوث وان حدثت تكون وحدة مؤقتة سرعان ما تنفض تلك الوحدة لان ليس هناك اتفاق حتي بين اهل السنة علي وجه العموم عن مضمون الدولة الاسلامية ووسائل تحقيقها وعدم الاتفاق هذا ينسحب علي الاحزاب والجماعات والطرق والحركات الاسلامية في السودان ولكل رايه في ماهية الدولة الاسلامية وكيفية الوصول للحكم فمن هذه الاحزاب والجماعات الاسلامية مايطالب ببناء الحضارة الاسلامية اولا ومنها مايطالب باقامة الدولة الاسلامية وعلي الفور ومنها من يتحدث عن تطبيق الشريعة الاسلامية ومنها ما يتحدث عن التغيير السياسي والتحول الديمقراطي ومنها مايتحدث عن التدرج ومنها مايري الوصول للسلطة ولو عن طريق الانقلابات العسكرية ومنها من يتحدث عن الوحدة الاسلامية العالمية وكلا يهدف الي اصلاح حالة البلاد واصلاح حال المسلمين فامر الاصلاح هذا سواء كان للبلد او للمسلمين يحتاج الي تجميع قوي كثيرة لايصح قصرها علي جماعة الاسلام السياسي دون غيرهم من التنظيمات الاخري خاصة ان هناك جماعات اسلامية تنأي بنفسها عن السياسة وتري القول بان الحديث عن السياسة جزء من الاسلام او الايمان قول غير صحيح ويخرجهم من دائرة الاسلام السني ويدخلهم في دائرة الاسلام الشيعي الذي يري ان الامامة او السياسة ركن سادس في الاسلام .

ان موضوع نظام الحكم في الاسلام تعددت المذاهب الفكرية بشانه اتفاقا واختلافاً وصل الي حد الاحتراب وهو اول خلاف في الاسلام بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم بل وقبل ان يواري جسده الطاهر الثري ولما كان الحديث عن وحدة الاسلاميين هو في حقيقته حديث عن وحدة الاسلام السياسي فانني سوف اضطر للحديث عن الماضي والحاضر بهذا الشان حتي لانوحذ علي حين غرة .

إن البحث عن السلطة والسياسة في الفقه الإسلامي والعلاقة بينهما يستدعي بالضرورة الرجوع إلى الماضي ، وذلك من أجل الإلمام بالتاريخ الإسلامي لأنّ حاضر الأمة ما هو الإ إمتداد واستمرار لمسيرتها التاريخية ، لهذا لابد من البحث في موضوع إعادة النظام الإسلامي كما ينبغي أن يكون عليه. وهنا يكمن الخلاف اليوم حول ماهية النظام الإسلامي وهو في الحقيقة خلاف قديم جديد في وقت واحد . منذ ظهور المذاهب الفكرية الإسلامية القديمة، ليستمر الخلاف بين الحركة الإسلامية الحاضرة وقد اشتد الخلاف من قبل بين المسلمين بعد أن اتجهت الدولة العثمانية للخروج من تاريخ الإسلام ونظامه والدخول في تاريخ الغرب ونظامه وذلك بتبنيها القوانين العلمانية التي أوردتها في دستور “مدحت باشا ” عام 1876 ومن وقتها بدأ المجتمع الإسلامي يعيش صراعاً فكرياً بين الوافد والموروث ، وانعكس هذا على الحياة باكملها ، حيث أصبحت البلاد الإسلامية يعيش في داخلها مجتمعان مختلفان بعيدان عن حاضر الأمة ، وفي حالة انفصام وصدام في جسم الأمة وعقلها، هذا الصراع يدور باختصار شديد حول مضمون الدولة في الإسلام هذا أولاً، وثانيا كيفية إقامة نشاط سياسي أو أحزاب سياسية ترتبط عقيدتها بالإسلام أو تسعى نحو تحقيق ما تعتقد بأنه النموذج الصحيح للدولة الإسلامية، وثالثاً وهذا هو المهم وهو السؤال الذي يدور في أذهان بعض المذاهب الفكرية الإسلامية من أنّ المسلم لا يكتمل إسلامه إلا إذا عاش في دولة إسلامية أو تحت نظام حكم إسلامي الأمر الذي يجعل قيام دولة إسلامية شرط مكمل للإسلام وهذا هو لب المناظرة السياسية القائمة الآن بين القوى السياسية في المجتمعات الإسلامية اليوم والتي قسمت الاسلام الي سنة وشيعة ونصرة وداعش وفي هذا يقول برهان غليون ( 1)” “إنً الإسلام لم يأت لبناء دولة سياسية أو إمبراطورية ، ولو كان هذا هو هدفه لما كان ديناً ولكن الأيدلوجية السياسية هدفها تكوين سلطة ودولة ، ولكان رسولنا الكريم r جابياً للضرائب وليس هادياً ” لذلك يسمي المسلمون دولتهم بالدولة الإسلامية، تمييزاً لها عن أنظمة الحكم الأخرى، فالمقصود بالدولة الإسلامية في التاريخ هي المؤسسات السياسية أو نظم الحكم .وبإمعان النظر إلى تلك المؤسسات السياسة فإننا لا نجد لها نموذجاً نظرياً واحداً وثابتاً بنص القرآن أو السنة مصدري الفكر الديني الإسلامي.

باطلاعي على معظم الكتب التي تتحدث عن نظام الحكم في الإسلام لم أجد نظرية مُجمعاً عليها في الحكم ولا في السياسية كتلك النظريات التي تدرس في معاهد العلوم السياسية ، ولكن وجدت قيماً ومبادء ً تصلح لهداية البشر في السياسة والحكم ، وفقاً لظروف حالهم وزمانهم ، وهي مبادءً عامة يجوز الاختلاف حولها فهماً ومضموناً ومن هذه المبادءً: العدالة، الحرية، المساواة، والمصلحة وغيرها لتفسح المجال للمسلمين أن يتناظروا فيما بينهم حول أفضل الوسائل او النظم السياسية التي يقوم عليها نظم الحكم، وهى مجموعة من المؤسسات التي لا يمكن أن تكون إسلامية أو مسيحية ولا علمانية بالمعنى الديني، فالمؤسسات التي في الدولة لا تؤمن ولا تكفر، فهذا أمر يخص البشر وليس الدول وهذا يعني بالضرورة أن الدولة مؤسسة لا عقيدة لها في ذاتها .

إنّ الخلاف القائم الآن بين المذاهب الفكرية الإسلامية و الحركات الإسلامية خلاف كبير وخطير فيما يتعلق بنظام الحكم الإسلامي أو الدولة الإسلامية ، وكيفية قيامها وبقائها، اختلاف إلى حد تنعت بعض هذه المذاهب بعضها بالكفر والخروج من الإسلام . والملاحظ أنّ الخلاف يشتد يوماً بعد يوم ويتسع ، وتظهر الفتاوى المختلفة في المسألة الواحدة، مما يجعل الانسان المسلم في حيرة من أمره أي الفِرقِ أحق بالاتباع ؟ وما هو الحق الذي يجب أن يتبع ؟هذا الاختلاف أدى إلى أنه لا يوجد اتفاق ولو بحد أدنى، بيت الإسلاميين بمختلف مذاهبهم الفكرية على مضمون الدولة الإسلامية وما يتطلب تحقيقها . فمنهم من يعتقد أن الأمر يحتاج إلى إعادة أسلمة الشعوب الإسلامية الخارجة عن الدين بالقوة ، ومنهم من يعتقد أنه بالإمكان تحقيق قيام دولة الإسلام بأسلمة بعض القوانين ، أو إصلاح بعضها فيما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية في الدولة القائمة ، مهما كانت فلسفة تلك الدولة ، ولكل فريق أسلوبه الخاص في تحقيق هدفه.

إنّ مفهوم الدولة الإسلامية لازال يعاني من تعدد الاتجاهات والتيارات والسياسات من النقيض إلى النقيض، مثل نموذج الدولة الإسلامية في أفغانستان، في فترة حكم طالبان حيث استلم السلطة المسلمون إلا أنّ الحرب ظلت قائمة بين الأحزاب الإسلامية في أفغانستان ، فكل حزب يرفض الآخر، ويحاول الاستيلاء علي السلطة لأسلمتها على مذهبه، ظل هذا الصراع قائماً في أفغانستان حتى طاف عليها الأمريكان مؤخراً. ونموذج آخر هو حزب الرفاه الإسلامي في تركيا الذي وصل السلطة عن طريق الديمقراطية إلا أن المؤسسة العسكرية منعته من تنفيذ برنامجه ، علي قرار الأسلوب الذي اتبع مع الإسلاميين في الجزائر، ونظام الحكم في مصر بعد فوز الاخوان اذ انقلب عليهم العسكر بتاييد من الشعب ومثال آخر هو نظام حكم الإنقاذ في السودان ، الذي يسيطر عليه بعض الإسلاميين تحت غطاء الجيش، وبعد فترة حكم بسيطة اختلف الإسلاميون الذين أتوا إلى السلطة عنوة في إدارة الدولة و إقامة الحريات ، وانشطروا إلى قسمين ، بقي جزء منهم في السلطة ، وخرج الجزء الآخر وكل يدعي أنّ ما يراه هو الإسلام ، وهو الذي لابد أن يسود . ومازال الصراع بين الفريقين قائما إلى يومنا .ولضعفهما يسعيان الان للتوحد وضم اخرين لهم تحت غطاء (وحدة الاسلاميين) كما سنري فيما بعد ا يقودنا هذا إلى القول بأن الأنظمة السياسية التي تدعي الحكم الإسلامي عقائدية كانت أو غير عقائدية تتبدل وتنهار وتقوم من جديد ، بينما الإسلام باقٍ ، هذا ما يميز الدين عن السياسة ، وإذ هو أوسع منها وأعمق وأشمل لأنه لا يقوم عليها أساساً ، بل يقوم علي الإيمان الذي يطبع ضمير كل فرد. وعموماً لا يمكن لمشروع الحضارة الإسلامية أن يستقر إلا إذا تجاوز أزمة إعادة بناء النظام المدني والسياسي الذي يحقق السلام الأهلي التوافقي داخل الدولة الواحدة ، وذلك ببناء تحالف ديمقراطي بين جميع القوى الاجتماعية والسياسية . والمحور الأساسي في هذا البناء هو ضرورة المصالحة بين الإسلام والديمقراطية لأنّ الديمقراطية لا ترفض أي اجتهاد في الميدان السياسي والفكري ، ولكن الشرط الأول الذي تحتاجه التيارات السياسية الإسلامية كي تفرض احترامها أن توحد مفهومها لما يعنيه النظام السياسي الإسلامي في إطار من الشرعية الشعبية الواضحة القائمة على الإطار المؤسسي لممارسة السلطة ، والمرجع في هذا هو الشعب لأنّ هذا هو الطريق السليم للتداول السلمي للسلطة والحكم وليس الانقلابات العسكرية كما في السودان الان .

المراجع :

(1) مقال منشور بمجلة التجديد –العدد 33 تصدرها الجامعة الاسلامية بمليزيا 1997

Leave a Reply

Your email address will not be published.