تحذيرات سودانية من التعامل الأمني مع ملف (داعش) واتفاق على تنامي الفكر المتطرف
الخرطوم 15 أغسطس 2015 – دافع رئيس مجلس أمناء جامعة العلوم الطبية، في السودان، عن جامعته في وجه إتهامات كثيفة أحاطت بها مؤخرا بإعتبارها إحدى حواضن التطرف الديني في البلاد، وقطع بأن قضية التطرف أكبر من جامعته وأن من بين الشباب الملتحقين بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، طلاب في الثانويات وجامعات أخرى، واتفق متحدثون من السياسيين والدعاة تحدثوا في ندوة مختصة، السبت، على خطورة تنامي الفكر المتطرف والغلو، ودعوا الى ضرورة تبديل إستراتيجية محاربته من النهج الأمني الى الحوار ومقارعة الحجة بالحجة.
وإنشغل الإعلام السوداني والعالمي خلال شهري مارس وأبريل، بتوجه طلاب من أصول سودانية الى سوريا عبر تركيا للعمل بمستشفيات في مناطق خاضعة لتنظيم الدولة الاسلامية الذي يحارب في سوريا والعراق وليبيا.
وتحدثت تقارير صحفية عن أن تسعة من الطلاب الذين غادروا في الدفعه الأولى يحملون جوازات بريطانية، وأنهم من أسر سودانية مرموقة التحقوا بجامعة العلوم الطبية لدراسة الطب، قبل الكشف عن توجه دفعة أخرى من 19 طالبا بذات الكيفية للحاق بـ”داعش”.
وكشف رئيس مجلس جامعة العلوم الطبية والتكنلوجيا ووزير الصحة بولاية الخرطوم مامون حميدة عن ترتيبات احترازية تعتزم جامعته تنفيذها خلال سبتمبر المقبل للحد من إنضمام الطلاب لتنظيم الدولة الإسلامية، لكنه لم يكشف عن طبيعة تلك الإجراءات.
وقال حميدة “ستظل قضية التطرف أكبر من محاولات البعض اختزالها في جامعة العلوم الطبية والتكنلوجيا”.
وأشار في ندوة بعنوان “ظاهرة الغلو والتطرف وسط الشباب – الواقع والتحديات” الى أن مئات من طلاب الجامعات وطلاب الثانويات التحقوا بتنظيم “داعش” مؤكدا أنهم شرعوا منذ وقت مبكر، في إخطار اولياء أمور وأسر الطلاب بوجود متغيرات بدأت تطرأ على أبنائهم.
وأكد حميدة أن عملية إستقطاب الطلاب للتنظيم المتطرف، إكتملت على مرحلتين من خارج أسوار الجامعة، داعيا الى دراسة الحالة التي قال إنها كشفت عن إمتلاك التنظيم “قوة مغناطيسية” أسهمت في جذب الشباب.
نصائح بريطانية
وأرجعت القائمة بأعمال السفارة البريطانية في الخرطوم، كيت رعد، إنضمام طلاب من حملة الجوازات الإنجليزية لتنظيم الدولة الإسلامية، الى مشاهدتهم مقاطع فيديو بثها متشددين وتحمل الكثير من الأفكار الخاطئة، وأوضحت ان ظاهرة التطرف أضرت كثيرا بصورة الدين الإسلامي.
وكشفت خلال حديثها بالندوة عن إعتزام سفارة بلادها بالخرطوم، توزيع كتيبات على أسر الطلاب المنضمين لتنظيم داعش متضمنة مجموعة من النصائح والارشادات كحمله توعويه ترمي الي تنوير الاسر بنتائج التطرف وتداعياته.
وأضافت “المملكة المتحدة لن تستطع منع شخص من اعتناق فكره إنما تعمل علي تقديم النصائح وادارة حوارات مع الشباب”.
من جهته أكد مساعد الرئيس السوداني عبد الرحمن الصادق المهدي، حرص الدولة على محاربة ظاهرة التطرف الديني الذي قال أنه صنو الإرهاب، ولفت الى أن السبيل الوحيد لمواجهته هو إزالة الأسباب، وتفكيك الحاضنة الدينية التي أعطته الشرعية.
وأضاف “التطرف والغلو من السطحية والجهل، وهؤلاء الشباب، إن لم يجدوا قدواتهم، يبحثوا عن ملء الفراغ، الفكري والقضاء على تشويش العقل باتباع تلك الجماعات”.
وتابع المهدي “80 % من الذين (تدوعشوا) يحملون وثائق أجنبية”.
تحيز الآلة الغربية
وسرد رئيس مجمع الفقه الإسلامي عصام أحمد البشير حزمة من المفاهيم الخاطئة التي إستند عليها الشباب المنضوي تحت لواء داعش، من بينها تعريفهم للجهاد الذي قال أنه أوجد لرد العدوان، ونصرة المستضعفين من النساء والرجال والأطفال وليس قتلهم.
وشدد عصام الذي تولى في وقت سابق إدارة حوار مع جماعات تكفيرية، إعتقلتها السلطات الأمنية على حتمية تصحيح مفاهيم الدين باتباع نهج الحوار، كما دعا الحركات الإسلامية التي قال انها أضاعت الوقت في صراعات فرعية الى بذل جهود اكبر لتصحيح مفاهميم تلك التنظيمات والمنتمين اليها.
ونبه البشير الى ما قال إنه خلط ملحوظ تنتهجه المعالجة الإعلامية الغربية، في التعامل مع ظاهرة التطرف، بتحيزها الصريح الى الآخر، وقال “عندما وقعت تفجيرات اوكلاهوما لم ينسب الفعل الى الدين المسيحي، وعندما قتل غاندي لم ينسب الفعل الى الهندوسية”.
ومضى يقول إن التمييز الغربي في سبيل مصلحته يدعم الانظمة القاهرة لشعوبها، ويعارض ويقصي أنظمة ديموقراطية.
وإنتقد جنوح الغرب للإساءة الى الدين الإسلامي من باب إتاحة الحريات وعدها من المستفزات التي تستوجب، اصدار قانون دولي يحرم النيل من المعتقدات باعتبار أن ذلك يفتح باب العنف على مصراعيه.
وأفاد عصام أن الشباب في العالم الإسلامي يعيش حالة من الإحباط، لانه لم يجد القدوة والنماذج الصالحة، وعندما رفعت داعش شعار الخلافة الاسلامية فانها داعبت أحلام الكثيرين، مؤكدا أن المقاربة الأمنية منفردة لاتصحح الوضع وتستلزم مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل.
تحذير من البطش
في ذات السياق قال رئيس حركة (الإصلاح الآن) غازي صلاح الدين إن ظاهرة التطرف الديني عكستها ظروف إجتماعية وواقع دولي، مشيرا الي افتقاد العالم الاسلامي لمركز سيطرة وقيادة، الامر الذي حفز للانضمام للكيانات الصغيرة التي تفتقد للمرجعية الفكرية.
وأبان غازي في ورقته التي شارك بها في الندوة الى أن هناك، مكتسبات جديدة للبشرية اضافة للمكتسبات التي قبل أربعة عشر قرنا من الزمان هؤلاء الشباب لم يطلعوا عليها.
وطالب غازي أن لا يُتعامل مع ظاهرة الغلو والتطرف وسط الشباب بصورة أمنية محذرا من اساليب الظلم والبطش العشوائي ودعا الى اصلاح النظام العالمي حتي يقوم على نظم العدل ويعكس قيم الديمقراطية.
بعثيين في “داعش”
وفجر الباحث الاكاديمي المعروف حسن مكي مفاجأة حين طرح استفسارات على شاكلة “هل الإنتماء لداعش جريمة؟، وهل أفضل أن ينتمي الشاب لداعش أم يدمن المخدرات ؟”.
ولفت الى تنظيم الدولة الإسلامية ينضم اليه حتى البعثيين، وبين يديه إمكانيات ماليه ضخمة، وقطع بأن الولايات المتحدة الامريكية ستضطر في النهاية الى التعامل مع التيار المعتدل في داعش.
ونبه حسن مكي الى خطورة التفسير الحرفي للمعاني والدلالات، قبل ان يصف الوضع الحالي بانه عهد الفوضى الخلاقة التي دعت اليها كونداليزا رايس.
واعتبر مشكلة العالم الاسلامي هي الاستبداد السياسي مضيفا “الشباب الذين ذهبوا لداعش اذا قدر لهم العودة سيقودوا هذا البلد”.