Wednesday , 1 May - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

تحولات نفطية وتطورات سياسية

اطلالة على العام 2015 (1+3)

بقلم السر سيد أحمد

يتوقع أن يشهد العام الجديد المزيد من الأضطرابات في الساحة النفطية حيث ستأخذ تقلبات الأسعار دورتها الكاملة حتى تستقر على حال ما، الأمر الذي ستكون له تبعاته السياسية وذلك بسبب الخاصية الأستراتيجية للذهب الأسود التي أكتسبها منذ العام 1911 عندما قرر وزير البحرية البريطاني ونستون تشرشل تزويد الأسطول الحربي بالنفط بدلا من الفحم.

وفي الأسبوع الأخير من الشهر الماضي أثر وزير النفط السعودي المهندس علي النعيمي الأعلان وبصراحة غير معهودة ومن خلال مقابلة مع نشرة “ميدل أيست أيكونوميك سيرفي” النفطية المتخصصة انه دفع أوبك الى تبني أستراتيجية عدم الدفاع عن السعر، الذي وصل الى أدنى معدل له في غضون خمس سنوات. الأشارات من السعودية، الدولة الأكثر تأثيرا في صناعة النفط العالمية، تتالت منذ سبتمبر الماضي عندما أعلنت عن تخفيضات لشحنات نفطها المتجهة الى الأسواق الخارجية في أوروبا والولايات المتحدة وأسيا. ثم جاءت الأشارة الثانية عندما حملت السعودية بمساندة خليجية بقية دول أوبك على أعتماد قرار عدم خفض أنتاج المنظمة من 30 مليون برميل يوميا بالأجماع، ثم جاءت الرسالة الثالثة وهي اجراء تخفيضات في أسعار شحنات يناير حيث حظيت تلك المتجهة الى السوق الأمريكية بالخفض للشهر الخامس على التوالي وتلك المتجهة الى أسيا بأكبر خفض منذ العام 2002.

الخط الأساسي في كل ذلك الحفاظ على حصة السعودية ومنتجي أوبك الأخرين في السوق وذلك في مواجهة حالة من ضعف الطلب وزيادة المعروض. فرغم الأضطرابات التي تعيشها بعض الدول المنتجة مثل العراق وليبيا ونيجيريا، الا انها تمكنت من أنتاج كميات أضافية من النفط، على ان التغيير الأكبر جاء من الولايات المتحدة التي تصاعد أنتاجها المحلي الى نحو تسعة ملايين برميل يوميا، واذا أستمر بنفس معدلاته فأن التقديرات تشير الى ان أمريكا يمكن أن تزيح هذا العام كلا من روسيا والسعودية من مرتبة الدول الأكثر أنتاجا للنفط. أحد نتائج هذا التطور تراجع الواردات النفطية الأمريكية خاصة من دول أوبك وذلك الى أقل من ثلاثة ملايين برميل يوميا، وهو أقل معدل لوارداتها من دول المنظمة في غضون 30 عاما. وبسبب هذا أختفت نيجيريا كلية من قائمة الدول المصدرة للنفط الى الولايات المتحدة، كما ان الصادرات السعودية تراجعت الى 894 ألف برميل يوميا، وهو رقم خطر لأنه يقل عن مليون برميل مما يمكن أن ينعكس سلبيا على الثقل الأستراتيجي في علاقات البلدين.

تقليص واردات الولايات المتحدة من النفط الأجنبي ظل حلما وهما مقيما لكل ساكن جديد للبيت الأبيض. لكن وعلى أمتداد ثمانية رؤساء أمريكيين ومنذ الحظر العربي النفطي في العام 1973 على أيام ريتشارد نيكسون تصاعدت نسبة أعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي من 37 في المائة الى 66 في المائة عندما أنتخب باراك أوباما رئيسا لأول مرة في العام 2008. ثم جاء تصاعد أسعار النفط متجاوزا 60 دولارا للبرميل لتجعل من الممكن النظر في الجدوى الأقتصادية والتجارية لأستخدام تقنية التكسير الهيدرولوجي والحفر الأفقي لأستخلاص النفط والغاز من مكامن لم يكن ممكنا في السابق أستغلالها.

وهكذا أسهم ارتفاع الأسعار في الدفع بلاعب جديد هو الولايات المتحدة وبتقنية جديدة هي التكسير الهيدرولوجي تمكنت من أستخراج النفط الصخري ويمكن نقلها الى مناطق عديدة من العالم بما فيها الصين، مما ينذر بتحد غير مسبوق للنفط التقليدي. أحد أهداف السعودية في ترك الأمور لقوى السوق أن يسهم تراجع الأسعار في أخراج أو تقليل بعض أنتاج النفط الصخري من دائرة التشغيل لأسباب أقتصادية، ومع ان التقديرات تتباين حول المدى السعري الذي يمكن أن يحدث ذلك الفرق، الا انه من المعروف ان التقنية المستخدمة تتصاعد فعاليتها وقدرتها على أستخراج كميات أكبر من النفط ولو ان هناك بعض المؤشرات ان الآبار التي تنتج نفطا صخريا تتراجع أمكانياتها الأنتاجية بنسب كبيرة بعد فترة من التشغيل.

ومع ان الكثير التحليلات تتحدث عن تأثير تراجع أسعار النفط على روسيا وأيران، الا ان ما يجري يمكن أن يسهم في أيجاد توتر في العلاقات السعودية الأمريكية خاصة اذا نظرت واشنطون الى الأمر من زاوية انها حرب أسعار تهدف الى تقليص أنتاجها المحلي وهي قضية تتشابك مع أحساسها بأمنها القومي وهناك مؤشرات ان الأنتاج الأمريكي سيزيد هذا العام بنحو 850 ألف برميل يوميا فقط بسبب تراجع الأسعار مقابل زيادة مليون برميل في كل عام من الأعوام الثلاثة الماضية.

السعودية في وضع أفضل للمضي قدما في حرب الأستنزاف هذه وذلك من ناحيتي رخص كلفة أستخراج برميل النفط فيها التي تتراوح بين 4-5 دولارات للبرميل وتمتعها بأحتياطيات مالية ضخمة تصل الى قرابة 800 مليار دولار، لكن يبقى السؤال عن المدى الذي يمكن أن تستمر فيه وهل ستتدخل واشنطون لتغيير هذه الوجهة مثلما تدخلت في العام 1986 ووقف حرب الأسعار اذ بعثت بنائب الرئيس وقتها جورج بوش، الذي بخلفيته النفطية كان يعرف ان الكثير من الآبار في الولايات المنتجة للنفط مثل تكساس ولويزيانا يطلق عليها Stripper Wells تنتج بضعة ألاف من البراميل يوميا واذا أغلقت فلن يمكن أعادة فتحها وتشغيلها مرة أخرى. وكان أن أوقفت تلك الحرب قبل أن تحقق نتائجها. وهناك أيضا عامل التبعات السياسية والأقتصادية الذي لابد من وضعه في الأعتبار. فللسعودية التزامات داخلية تجاه مواطنيها الذين وصل تعدداهم الى 30 مليونا ومنذ العام 2010 زاد الأنفاق الحكومي على البرامج التنموية الأجتماعية بنسبة 52 في المائة الى 265 مليار دولار، كما ان التزاماتها الأقليمية مثل دعم مصر وغيرها تجاوزت 22 مليارا خلال هذه الفترة. أحد مظاهر تبعات تراجع أسعار النفط ان الميزانية السعودية لهذا العام تتضمن عجزا مقداره 38.6 مليار دولار وكان صندوق النقد الدولي توقع قبل أشهر أن تدخل السعودية دائرة العجز في العام 2018.

واذا كان تراجع أسعار النفط يمثل الملمح الرئيسي لما يجري في السوق النفطية، فأن هناك تطورات أخرى لا تقل أهمية. ومن بين هذه ان السوق الآسيوية أصبحت منطقة الأستهلاك الأساسية في العالم بقيادة الصين، التي حلت محل الولايات المتحدة كأكبر مستورد للنفط، بل ان هناك أرقاما لم تتأكد بعد بصورة نهائية ان حجم الأقتصاد الصيني تجاوز رصيفه الأمريكي أذ بلغت قيمة الخدمات والسلع التي أنتجها وقدمها العام الماضي 17.6 ترليون دولار مقابل 17.4 ترليونا للأقتصاد الأمريكي.

وهناك التطور الآخر المتمثل في الدور المتعاظم لشركات النفط الوطنية المملوكة لدول وحكومات وذلك على حساب الشركات التجارية الغربية. ويظهر ذلك في القائمة التي تصدرها نشرة “بتروليوم أنتلجنس ويكلي” النفطية المتخصصة، حيث تجاوز عدد هذه الشركات الوطنية تلك التجارية الغربية في قائمة أكبر عشر شركات وذلك لأول مرة منذ 13 عاما وأرتقت شركة النفط الوطنية الصينية لتحتل المرتبة الثالثة بعد أرامكو السعودية وشركة النفط الوطنية الأيرانية ومزيحة شركة أكسون/موبيل الأمريكية التي شكلت في وقت من الأوقات أضخم شركة في العالم وكان لديها أسطول من الناقلات يتجاوز ما لدى الأتحاد السوفياتي قبل انهياره. وبنفس القدر تقدمت شركة روزنفط الروسية على حساب شيفرون الأمريكية وتوتال الفرنسية التي خرجت من قائمة العشر الكبار، بل وتتردد أحاديث أن أبوظبي في طريقها لفتح الباب أمام الشركات الصينية والكورية الجنوبية للعمل في صناعتها النفطية التي ظلت حكرا على الشركات الغربية لأكثر من 70 عاما.

(غدا أنعكاسات ما يجري على السودان)

Leave a Reply

Your email address will not be published.