يا عادل: معاداة الامبريالية تموت تخلي
بقلم مجدي الجزولي
سخر عادل الباز في كلمة السبت الماضي من عبارة نسبها لفاروق أبو عيسي معلقا على اجتماع النادي السياسي “المحترم” بين يدي الرئيس البشير قبل أيام، كلهم استعداد كما يبدو للوثوب، الأعمى شايل المكسر. كتب عادل أن فاروقا قال: “الجمع الذي حضر خطاب الرئيس يعبر عن محاولة لحماية مصالح أميركا والامبريالية العالمية.” عد عادل عبارات فاروق هذه، وهي أصدق ما قال ربما، مجرد شعاراتية بائدة، وتوجس من عودة فاروق لتبني مواجهات الستينات بين قوى اليمين “الرجعية”، الأمة والاتحادي والأخوان، وقوى اليسار “التقدمية”. ختم عادل كلمته بالقول أن تحالف المعارضة الذي يمثل أبو عيسى لا يملك سندا جماهيريا يسد به شارع الستين ناهيك عن طريق الامبريالية التي أطاحت بالاتحاد السوفييتي.
إن تورط فاروق في تهم دعائية، “يستطيع أي صبي سياسي بلا قيمة أن يدمغ بها مخالفيه” كما كتب عادل، فقد تورط رئيس تحرير الرأي العام الواثب في تبخيس لا يليق بحجة ظاهرة، أعادها بعبارات ألين من حديث فاروق صفوت فانوس أستاذ السياسة. كتب صفوت عن القلق من تشكيل حلف يجمع الأحزاب ذات المرجعية الدينية، الأمة والإتحادي وتنظيمات الأخوان الثلاثة، الوطني والشعبي والإصلاح الآن، في مواجهة غيرهم، لكن استبعده بشاهد أن الشقاق بين الإسلاميين، بين الشعبي والوطني ثم الوطني وجماعة غازي، لم يكن بسبب مسائل مسائل فكرية وإسلامية وإنما بسبب السلطة والحكم، هي لله، هي لله!
منطق صفوت، إن أخذته إلى منتهاه، يصرف الدين عن الإسلاميين ويردهم إلى الاقتصاد السياسي فحركتهم السياسية “علمانية” واحتجاجهم بالإيمان كذلك، خلافاتهم لدى صفوت لا شرح لها في العقائد وإنما في الوقائع. بذات المنطق، إن تخاصم الإسلاميون على السلطة فمدعاة اتفاقهم الخوف من ذهابها بالمرة. إن كان من طريق إلى الصلح (أو الإصلاح) بين الإسلاميين إذن فيمر حتما بمقاعد السلطة، لا بحلقات التلاوة، يشكها ويوزعها ولو بعد حين، هذه المرة تحت خيمة الرئيس، يدعو إليها حزب الأمة لينضم إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي الممدد منذ زمن في ظلها.
ما علاقة الامبريالية بهذه الغاغا إذن؟ كأي “صبي سياسي بلا قيمة” ظني أن قوى النادي السياسي التي تنادت إلى الرئيس تريد “الدبارة” لا تخالف بعضها في الإذعان لتوجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين، الشروط المطلوبة لإعفاء ديون حكومة السودان ثم مدها مجددا بالقروض، بما في ذلك “إصلاح” البيئة السياسية والقانونية حتى تواتي هوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة بخلاف الصينية. كما لا شجار بين قوى اليمين هذه يستحق الذكر على صلاح النموذج الاقتصادي التي فرضته حكومات الرئيس البشير المتتالية ولا يشغلها الرابط الموضوعي بين شراسة التراكم البدائي المحروس ببنادق الدولة في أطراف البلاد حبيسة الاقتصاد المعيشي غالب الأمر، بما في ذلك نزع الأرض وتهجير السكان متى جذبت بمواردها عين الحكومة الحارة، وبين تصاعد الصراعات المسلحة واستمرارها المزمن. بهذا القياس، إن كان النادي السياسي لا يرى غضاضة في موالاة الامبريالية، كما كتب عادل، فإن الذين خرجوا على الحكومة في حارات العاصمة في سبتمبر الماضي لا تروق لهم روشتاتها “الإصلاحية”، سيلتئم جمعهم بالضرورة بالتضاد مع جمع الجلاليب “البيضا مكوية” في قاعة الصداقة، والفورة ألف.