Friday , 26 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

“الشفيع” إلى أين ؟..

بقلم : عمار عوض

كان يوم الجمعة الماضي طويلا وعصيبا لأعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ،نظرا لأنها ستبت في توصيات لجنة التحقيق التي كونتها قبل حوالي أربعة شهور ،للنظر في حيثيات معينة تتعلق ب(بلاغ) حزبي ،قدم من احد الأعضاء بان خمسة من أعضاء العيار الثقيل ،عقدوا اجتماعا خارج الأطر التنظيمية من بينهم ( الشفيع خضر – حاتم قطان – هاشم تلب ) ،وهي القضية التي شغلت اليسار السوداني ،وبعض من الشعب السوداني ،لان قرار اللجنة المركزية الذي كشف عنه السكرتير السياسي للحزب محمد مختار الخطيب قضى بإيقاف ” المتهمين ” عن النشاط الحزبي ،وكل المهام الموكلة اليهم وشكل لجنة تحقيق للنظر في هذه الوقائع وصار عمل اللجنة وسيرها حاضرا في كل اللقاءات الصحفية ،التي عقدها الخطيب مع الصحف السودانية ،وهي دلالة على ان القضية تحظى بمتابعة كبيرة ولصيقة من الصحافة والمهتمين بالشأن العام .

وبعد ان جلس الجميع يوم الجمعة ،للنظر في تقرير لجنة التحقيق التي كونها الحزب كانت (توصيتها ) التي خرجت بها ،هي رفع الإيقاف عن الأعضاء مثار التحقيق ،وان اللجنة لم تجد ما يدينهم ،و أوصت اللجنة بان تتم (محاسبة) الأعضاء الذين رفعوا هذا “البلاغ” لما سببوه من “شوشرة” داخل الحزب .

وبحسب لوائح الحزب الشيوعي وتقاليده التنظيمية في مثل هذه الحالات ان لجنة التحقيق تقوم برفع (توصية) للجنة المركزية اما ان تعتمد هيئة الحزب العليا هذا (التوصية) بعد إخضاعها للنقاش ، او ترفضها ،ويحق لها ان تشكل لجنة (جديدة) او (تضيف) أعضاء جدد للجنة التحقيق ان كان هناك داع.

ما حدث بحسب العالمين ببواطن الأمور داخل الحزب الشيوعي ،والذي استوثقت منه عبر مصادر مختلفة ،وبعد ان كتبه احد اعضاء الحزب القياديين في بريطانيا ،على صفحات التواصل الاجتماعي هو : ان اللجنة المركزية عند تسلمها ل(توصية) لجنة التحقيق التي تضم (قانونيين) لهم باع في التقصي والعمل القانوني ،اخضع الامر لنقاش مستفيض ، وجرت فصول مواجهة قوية ،حيث أصر أعضاء اللجنة على اعتماد توصية لجنة التحقيق ورفع الإيقاف عن الموقوفين ،بعد ان ثبت انهم غير مخطئين في حق الحزب ،وان المرحلة تحتاج لان يتفرغ الحزب لقضايا اكبر تهم المواطن السوداني ،وان النقاش استمر الى الساعات الأولى من صباح السبت ،وان التعب بلغ مبلغه بأعضاء (المركزية ) من كبار السن والمقام ،ليغادر بعضهم الاجتماع ،ثم أخضعت توصية اللجنة بعد ذلك للتصويت ،والذي كانت نتيجته ان 16 عضو صوتوا لرفض (توصية) لجنة التحقيق ،وان يستمر الإيقاف للأعضاء مثار القضية ،مقابل 15 صوتوا لرفع الإيقاف عن الموقوفين واعتماد مقترح اللجنة بمحاسبة (المبلغين) بالواقعة .

حاولت الاتصال الشفيع خضر وهو احد الموقوفين لمطابقة هذه المعلومات معه وان كان لديه بها علم ،رفض التعليق جملة وتفصيلا ،وطالبني بالانصراف عن هذا الأمر الى ما هو أهم ،او انتظار ما سيكتب في صحيفة الحزب الرسمية ، ومن جانبه قال القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف ان اللجنة لم تصدر بيان نهائي حول القضية مثار التحقيق وانه حال الانتهاء من عملها سيتم نشر ما خرجت به في صحيفة “الميدان” الناطقة باسم الحزب.

ودعا يوسف إلى عدم صرف الحزب عن قضاياه الحقيقية وطالب الأشخاص الذين قالوا هذا القول إثبات ما أخرجوه الى وسائط التواصل وتوضيح من أين أتوا به.

ولان العمل الصحفي لا ينتظر أحلت المعلومات إلى مصدر مطلع وموثوق به ،قال ان اللجنة المركزية ستضم تهم جديدة وتغير في لجنة التحقيق بالإضافة ،أو التغير الكلي ،وهو ما يعيد الى الأذهان إعدام الشهيد بابكر الـنور ،عندما تمت محاكمته برئاسة العميد تاج السر المقبول ، أصدرت المحكمة العسكرية قرارها بالسجن اثني عشر عاما ، ورفض النميري قرار المحكمة العسكرية ، وارجع الأوراق الي المحكمة العسكرية ، أعيدت مرة اخري المحاكمة وصدر قرار الحكم بالسجن 30 عاما ، رفض النميري قبول قرار المحكمة للمرة الثانية، وعندما وجه النميري إعادة المحاكمة للمرة الثالثة،رفض العميد تاج السر ان يترأس المحكمة، – وكنوع من الاحتجاج ايضآ- رفض كل الضباط الكبار الذين كلفوا برئاسة المحكمة العسكرية الاستمرار في عملهم كقضاة ـ على اعتبار ان نميري يريد قسرآ فرض حكم الإعدام ، علق احد الضباط بغضب عن حالة بابكر النور:(دا كان عضو في مجلس “الضباط الاحرار” تحاكموه كدة؟!!)، اتصل النميري بالمقدم صلاح عبد العال تلفونيا ،وكلفه برئاسة المحكمة العسكرية، حضر صلاح وتسلم اوراق المحكمة ، وفي نفس اليوم صدر قرار حكم الاعدام على الشهيد بابكر النور رميآ بالرصاص.

مربط الفرس من هذه القصة ومن الحيثيات أعلاه يبدو ان هناك جهة داخل (المركزية ) تريد (توصية) بعينها من لجنة التحقيق ،تقضي ب(الإعدام) السياسي ،حتى تعتمده بأغلبيتها ( الميكانيكية) ،وتقصي القيادات الشيوعية من قيادة الحزب والى الأبد ،و عبر الة (بالديمقراطية ) .

لكن من الوقائع اعلاه هناك نقطة مهمة للغاية ، وهي انه لا توجد اغلبية واضحة لمن يتبنون هذا التوجه ان صح ،لان الكفتين تبدو متساويتان 16 الى 15 ،بغض النظر عن الذين غادروا قبل نهاية الاجتماع والتصويت ،ان صحت هذه الرواية .

وهناك مشرب آخر في هذه القضية يبدو سائغا للشاربين ،وهو ان يعقد المؤتمر السادس للحزب في ظل استمرار حالة الإيقاف لأعضاء الحزب البارزين هولاء ، وان تنتخب قيادة جديدة في ظل هذا الغياب ،وان كان هذا الاحتمال بعيد المنال ، في ظل شبه (تساوي الكفتين) لكنه يظل واردا ،في حال لم يجد الحزب (صلاح عبد العال ) جديد ،يقضي بإعدام الموقوفين.

لكن هب ان هذا الأمر حدث وعقد المؤتمر العام السادس ،او فصل الموقفين ،نجد أن هذا (التوقع) يحيلنا بالضرورة إلى حالة مشابهة في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ،عندما قرر السيد محمد الحسن الميرغني فصل قيادات بارزة في الحزب ومن العيار الثقيل ،لجأ هؤلاء الى مسجل الأحزاب السياسية ،وقدموا طعنا ،ورغم ان (الطاعنين) في الحزب الاتحادي كانوا مناوئين للحكومة ،ومناصبين لها العداء الا أنهم بحكم تخصص البعض منهم في القانون ولهم فيه باع كبير ،استطاعوا ان يحصلوا على قرار من مسجل الاحزاب يقضي ببطلان فصلهم من الحزب ،مع العلم ان البون شاسع بين تقاليد وتاريخ حسم الصراعات في الحزب الشيوعي والحزب الاتحادي ،والى ذلك الحين تظل كل الاحتمالات مفتوحة ومتوقعة ،لكن الظاهر ان موقوفي الشيوعي سيستمرون في إدارة الصراع داخل الحزب وليس خارجه .

Leave a Reply

Your email address will not be published.