ثلاثون شهرا على الحرب فى جبال النوبة: تتفاقم الازمة ويستمر الصمت الدولى
بقلم : عثمان نواى
مرت ثلاثون شهرا على الحرب فى جبال النوبة , ولا تزال طائرات النظام الحاكم فى الخرطوم , تحول ليالى وصباحات اهالى المنطقة العزل , الى غيوم ممطرة بالقنابل والموت والتشرد. ويواصل مدرم الحرب المطلوب دوليا وعيده للاطفال والنساء والعزل ويبشر بمزيد من القتل والابادة فى مشارف العام الجديد, عبر حملة عسكرية استجلب لها المرتزقة من الخارج واستاد فيها مليشياته من الجنجويد التى ارتكبت ولا تزال ترتكب افظع الجرائم فى دارفور , ليكمل مشروعه الحضارى الذى يبنيه على دماء وجثث الابرياء من ابناء جبال النوبة ودارفور والنيل الازرق. ورغم ان هذه الجرائم ترتكب الان على مراى ومسمع من المجتمع الدولى الا انه لا يقوم سوى بالقليل الذى لا يقدم اى حماية حقيقية ولا يؤدى الى الضغط بقوة لاجبار النظام لوقف جرائمه.
الجنجويد فى جبال النوبة :
ومنذ اعلان البشير ووزير دفاعه المطلوب دوليا ايضا لحملتهم العسكرية الاخيرة فى مناطق جبال النوبة, والمنطقة تشهد اعنف الجرائم المرتكبة ضد المدنيين. فمليشيات الجنجويد التى يقودها احمد هارون تقوم باغتصاب النساء وحرق القرى وسلب الممتلكات فى المناطق التى وصلوا اليها. فى حين ان الحياة اليومية للسكان فى مناطق سيطرة الحكومة تحولت الى ماساة يومية من التفتيش المهين اثناء التحرك من منطقة الى اخرى , ناهيك عن الغلاء الفاحش فى اسعار السلع والمحروقات, اضافة الى الاعتقالات التعسفية والفصل من العمل لمجرد الاشتابه فى التعاطف مع الحركة الشعبية , فى عمليات استهداف عرقى واضحة. الى جانب ذلك فان اوضاع النازحين من القرى التى يحرقها الجنجويد ومليشيات النظام والذين يحاولون الاحتماء بالمناطق الاكثر امنا او المدن مثل كادقلى او الدلنج وفى مناطق العباسية او رشاد وغيرها, يتعرضون لاهمال كامل ويواجهون ظروفا انسانية كارثية , فى ظل تعنت النظام فى السماح للامم المتحدة لتقديم الاغاثة لهم , واصرارها على ان تقوم مفوضية العون الانسانى التابعة للنظام بهذا الدور الامر الذى ادى الى عدم وصول الاغاثة الى الكثيرين من المحتاجين بل وتكران وجود هؤلاء المحتاجين فى الاساس حسب تقارير مفوضبة العون الانسانية التى لا تعكس الصورة الحقيقية لاعداد النازحين المهولة فى داخل جنوب كردفان وفى الولايات الاخرى من السودان.
الأثر الإنساني للازمة فى جنوب السودان:
وفى الاسابيع الماضية تفاقمت الازمة الانسانية بالنسبة لشعب جبال النوبة بعد اندلاع النزاع فى جنوب السودان. الامر الذى ادى اغلاق الطريق امام الكثير من المدنيين الفارين من جرائم نظام الخرطوم , والذين يحتمون بمعسكرات اللجوء فى جنوب السودان. بل ان الاوضاع الامنية المتردية فى الجنوب ومغادرة فرق المنظمات الدولية لمعظم مناطق الصراع هناك والتى يوجد فيها او بالقرب منها معسكرات لجوء مثل يدا ومعسكر اجونقتاو القريب من بانتيو, والتى تشهد قتالا عنيفا فى الايام الماضية, الامر الذى ادى الى فرار بعض الاسر من المعسكر وعودتها الى جبال النوبة الامر الذى ينبىء بتفاقم كبير للازمة الانسانية للاجىئى جبال النوبة فى الجنوب واللاجئين من النيل الازرق ايضا الذين يعانون ايضا من انسحاب المنظمات الدولية من المعسكرات مما ادى الى ان يتولى اللاجئون مسؤوليات حماية المعسكرات ومن فيها من اى هجمات محتملة اذا وصل القتال الى المناطق القريبة منها فى ولاية اعالى النيل .
الأثر السياسي لازمة الجنوب:
ان هذا الوضع الانسانى المتردى يتزامن مع وضع سياسى ملتبس للغاية ففى ظل محاولة النظام لحل الازمة عسكريا وهو الامر الذى ثبت فشله الا الان بسبب الهزائم المتتالية التى يتعرض لها النظام ومليشياته فى جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور, فان حالة الجمود السياسى الحالية وتوقف المجتمع الدولى للضغط على النظام بواسطة الالية الافريقية او مجلس الامن لوقف الحرب والجلوس لطاولة التفاوض بجدية للوصول الى حلول سياسية للازمة يؤدى لحالة من الارتباك والافق المسدود للمشهد السياسى فى السودان عامة وفى جبال النوبة ومناطق الحرب فى دارفور والنيل الازرق. والمتضرر الاكبر من هذه الاجواء السياسية الغائمة هى شعوب مناطق الحرب التى لا تتوقف معاناتها بل تتزايد مع صباح كل يوم. ويؤثر النزاع فى جنوب السودان من الناحية الانسانية ولكنه يؤثر فى الجوانب السياسية ايضا المرتبطة بالوضع فى جبال النوبة. فمن ناحية يشكل النزاع فى الدولة الوليدة اولوية جديدة فى اجندة المجتمع الدولى تدفع جبال النوبة الى اسفل فى قائمة اولويات الدول الكبرى, الى جانب ذلك فان الدور الذى يلعبه نظام الخرطوم فى الصراع, سيؤثر على مقدار الضغط علي النظام من قبل المجتمع الدولى المتعاطف مع قضية جبال النوبة. والنظام فى الخرطوم الى الان تمكن من لعب دور يصفه المسؤولون الغربيون بالايجيابية خاصة بعد زيارة البشير الى جوبا فى الايام الاخيرة. الامر الذى يعنى نجاح النظام فى تخفيف الضغط عليه من الدول الكبرى.
المجتمع الدولى يتقارب مع النظام:
وفى زيارة المسؤول فى الخارجية البريطانية مارك سيمنز هذه الايام للخرطوم قام باشادة واضحة بنظام البشير فى تعاونه فى حل ازمة الجنوب الحالية, ورغم تصريحاته حول عدم رفع ديون السودان الا بوقف الحرب وحل الازمة سياسيا فى مناطق الحرب, الا ان الدول الكبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة , لم تقوم باى ضغوط حقيقية على النظام فى السنوات الاخيرة لوقف الحرب. فلم تقوم بفرض اى عقوبات جديدة على البلاد ولم تقوم بالضغط عبر مجلس الامن للتحقيق فيما يحدث فى جبال النوبة والنيل الازرق من جرائم حرب, بل حتى بالنسبة للقضية فى دارفور, فقد تجاهلت تماما مطالب المحكمة الجنائية بالتعاون من قبل الدول الكبرى للقبض على البشير ورهطه. وبالتالى فان المجتمع الدولي يبدو الان اكثر قربا من نظام البشير من اى وقت مضى, الامر الذى يعطل اى ضغوط دولية على النظام لايقاف جرائمه.
ان الوضع فى جبال النوبة يحتاج الى تحرك كبير من قبل ابناء المنطقة بالداخل والخارج, ومنظمات المجتمع المدنى والاعلاميين والناشطين والحقوقيين والسياسيين, والتحرك السريع والاستراتيجى والمنظم للضغط على كافة اصحاب المصالح والمهتمين بقضية جبال النوبة ومناطق الصراعات الاخرى فى السودان , المنظمات الحقوقية الدولية وجماعات الضغط المرتبطة بحقوق الانسان فى كافة مجالات حقوق الطفل والمراة وتلك المرتبطة بالتقاضى الدولى والاقليمى , وتنسيق كافة الجهود على المستوى الاعلامى والحقوقى والسياسى واستخدام وسائل الاتصال الحديثة وغيرها للضغط من اجل وضع جبال النوبة والازمة الانسانية فى النيل الازرق ودارفور فى اعلى الاجندة الدولية.
فبدون هذا العمل المكثف فان ازمة المنطقة والصراعات الدائرة فى السودان ستتحول الى كوارث انسانية يطول مداها , فى ظل انشغال دولى بقضيتي سوريا وجنوب السودان وسواها, فى حين تستمر معاناة اهلنا فى جبال النوبة والنيل والأزرق ودارفور ويستمر البشير فى إبادته لهم عبر القصف والتجويع والحصار, ولا ينتبه لهم العالم الا بعد فوات الاوان.