صيف الانقلاب المجيد
بقلم مجدي الجزولي
مرت الجمعة ذكرى انقلاب 19 يوليو على سلطة جعفر نميري، أحداث مضى عليها هذا العام 42 سنة وما تزل حاضرة في “جسد” الحزب الشيوعي إذا جاز التعبير وفي عقل القوات المسلحة وفي حياة الأسر التي دخلت السياسة بيوتها عبر المشانق والدروات والقبور المجهولة والسجن الطويل، ظلامات فوق ظلمات لم تنفض بعدل أو إحسان.
الانقلاب كخطة سياسية بند متكرر في تاريخ بلادنا المعاصر، الناجح والفاشل والمجهض، وفي سيرة الانقلابات مؤونة تكفي لخلاصات نظرية حول موقع الجيش من الدولة بنت الاستعمار في بلادنا، أرائد يقودها، أم خادم يحفظها، أم فصيل ينافس على السيطرة عليها. تصدى مؤخرا لهذه القضية الدكتور الشفيع خضر في مقالات بجريدة الميدان ضمن نظر في تناقضات التجربة الحزبية البرلمانية في السودان.
استبعد الشفيع التصور المثالي عن قومية وحيدة الجيش من واقع التجربة التاريخية، فالجيش أو كادر الضباط بصورة أدق فصيل سياسي ضمن فصائل متنافسة ضالع بقوة في الصراع الاجتماعي، وهو بذلك منحاز أصالة وطرف لا مفر من حساب كسره في معادلة الحكم. آخذين بإشارة الشفيع لربما جازت المقارنة بين جماعة الضباط كرابطة مؤسسية وسياسية وبين مؤتمر الخريجين إذ يشتركا في النشأة “الحديثة” والتكوين الطبقي وبطبيعة الحال في العقيدة الطليعية على طريقة “من غيرنا….؟”، لكن يتفوق العسكريون على أقرانهم الملكية بالضبط والربط وخزائن السلاح.
تفرق المؤتمر شيعا بين الأحزاب حيث أبطل الأفندية جماعتهم لصالح خطة الحلف مع الطائفتين، يقابل ذلك عند الضباط توالد التنظيمات السياسية داخل الجيش في حلف مع القوى المدنية “الحديثة” خارجه. ما سيرة الثورة والحركة التصحيحية والردة من مايو 1969 حتى يوليو 1971 في جانب منها سوى رصد للصراع بين هذه التكوينات السياسية في مكابدة للسيطرة على جهاز الدولة. تصاعد المنوال في دورة أخرى بانقلاب 1989 ثم المفاصلة بين حزب البشير وحزب الترابي في 1999 ومحاولة ود ابراهيم الإصلاحية في نوفمبر 2012 مع فارق أن الجيش سيد الإسم فقد احتكاره لخزائن السلاح وشرف الجندية.
في تكوين جماعة ود ابراهيم أفصح تعبير عن تعدد القوى المسلحة تحت راية الدولة ففيهم ضباط جيش وضباط أمن وأمراء دفاع شعبي ومجاهدين، وربما قادة أبو طيرة من يدري، ناهيك عن الخروج العظيم على السلطة الحكومية، ضدها، بموازاتها أو في حلفها، في هيئة حركات مسلحة ومليشيات أهلية ومحاربين محترفين متنقلي الولاء. قياسا على لا مركزية السلاح هذه يبدو الانقلاب أبو بيان في الواقع حدثا “مثاليا” غير قابل للاستعادة، كصورة أبيض وأسود، فمن خضعت له القيادة العادة تبقى له أن يلقط السلطة تلاقيط حيثما اشتتت، سلاح وذخيرة وجنود.