صراع السلطة والفساد يضعان جنوب السودان على شفا الانهيار
جوبا 21 يوليو 2013- أصدر نائب رئيس دولة جنوب السودان المستقلة حديثا رياك مشار، تحذيرا مبطنا للرئيس سلفاكير ميارديت، المدعوم من الغرب، بأن يتنحى عن منصبه، وتعهد بأنه سيسعى ليحل محله قبل أو بعد الانتخابات المقررة بحلول عام 2015.
هذا التهديد الذي أطلقه رياك مشار، الجنرال السابق في الحركة الشعبية لتحرير السودان، وأحد أباطرة أمراء الحرب الاهلية السابقة في السودان، من شأنه أن يزعزع الوضع أكثر في بلد غير مستقر، ليس له منفذ بحري، ومفلس تماما، ويعاني حروباً حدودية وحركات تمرد داخلية لا يستطيع تحمل كلفتها.
انتقادات غربية :
من ناحية أخرى، انتقدت مجموعة من الناشطين الأميركيين، ساعدت على انفصال جنوب السودان، الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، واستشراء الفساد الذي تمارسه الحكومة، والذي قد يؤدي إلى انهيار الاستقرار في البلاد. مجموعة «الخبراء» أو «القابلات» كما يطلق عليها، التي تتمتع بنفوذ لدى صناع السياسة الأميركيين، سعت ولفترة طويلة لحماية جنوب السودان من انتقادات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، لكنها فاجأت العالم قبل أيام قليلة برسالة مفتوحة موجهة إلى الرئيس سلفاكير، تقول فيها إنها لم تعد تستطيع السكوت عن العنف الذي تمارسه قوات الأمن ضد المدنيين، والصحافيين الذين ينتقدون الحكومة.
«لقد انضممنا إليكم في معركتكم ضد مثل هذه الانتهاكات التي مارسها عليكم نظام الخرطوم سنوات عديدة، لكن لا يمكننا غض الطرف عندما يصبح ضحايا الأمس جلادي اليوم»، وتمضي الرسالة قائلة إن «هذا العنف يشكل صدمة كبيرة، ويشمل الاغتصاب والقتل والسرقة وتدمير الممتلكات»، و«في حين أن الاشخاص العاديين في جنوب السودان لا يمكنهم الوصول إلى المستشفيات أو المدارس، فان سارقي الأموال العامة يرسلون أطفالهم إلى المدارس الخاصة في الخارج، ويحصلون على أفضل الخدمات الطبية في العالم». وتخاطب الرسالة سلفاكير انه «في فترة قصيرة جدا من الزمن، أصبح اسم بلدك مرادفا للفساد».
هناك عدم رضا عن حكومة سلفاكير ينتشر على نطاق واسع، وذلك بسبب فشلها في توفير فرص العمل، والرعاية الصحية الكافية، والمدارس والمساكن والطرق، والاستثمار في البنية التحتية والقطاعات الرئيسة مثل الزراعة. فبعد عامين من الاستقلال لايزال 50٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وترتفع معدلات الأمية، ويبلغ متوسط العمر المتوقع 42 عاماً.
ويعتقد خبراء المساعدات أن الوضع ينبغي ألا يكون بهذه الطريقة، مشيرين إلى أن منطقة الاستوائية غنية بالزراعة. ويؤكد معهد تنمية ما وراء البحار للتبادل الانساني أن «الإمكانات الزراعية في جنوب السودان هائلة، إذ تشمل هذه الامكانات المحاصيل والبستنة والأسماك والثروة الحيوانية والغابات، وهذا من الناحية النظرية، ولهذا ينبغي ألا يكون هناك نقص في الغذاء».
وفي الواقع، يستورد جنوب السودان كل المواد الغذائية تقريباً، ويأتي معظمها من أوغندا، ويعتبر الجوع وسوء التغذية من المشكلات المستفحلة.
وتقول الأمم المتحدة وشركاؤها إن 2.3 مليون شخص سيحتاجون لمساعدات غذائية هذا العام، وسيتم توفير خدمات التغذية إلى 3.2 ملايين نسمة. وبعبارة اخرى فإن 4.6 ملايين شخص من جملة عدد السكان البالغ قدرهم 12 مليون نسمة يعانون انعدام الأمن الغذائي.
وفي ذات الوقت بلغ الإنفاق الحكومي على الزراعة في الفترة بين 2012-2013 5.2٪ فقط من الميزانية الوطنية، مقارنة بإنفاق ما يقدر بـ 25٪ على الخدمات العسكرية والأمنية. وتنفق الحكومة نحو نصف الميزانية على نفسها، معظمها على الرواتب، وعلى سيارات باهظة الثمن للوزراء.
فساد النخبة:
الفساد بين النخبة الحاكمة هو الآخر قضية من القضايا المؤرقة للبلاد، فقد اعترف سلفاكير بأن مليارات من الجنيهات السودانية تعرضت للاختلاس، وأنه دعا العام الماضي 75 مسؤولاً، لم يسمهم، إلى أن يعيدوا ما اختلسوه. ولم تكن هناك اعتقالات في هذا الخصوص، على الرغم من تعليق هذا الشهر أنشطة وزيرين كبيرين على خلفية عملية احتيال مزعومة منفصلة، وتعاني هيئة مكافحة الفساد قلة الموارد المحلية، لدرجة أنها غير قادرة على دفع إيجار مكاتبها.
وتتعرض الأجهزة الأمنية أيضاً للاتهامات من قبل «هيومن رايتس ووتش» وصحافيين محليين، إذ يدعون أنها ترسمت خطى الخرطوم، واتخذت اتجاها سلطويا رقابيا بشكل متزايد على وسائل الإعلام المستقلة والمنظمات غير الحكومية، وجماعات الضغط في المجتمع المدني. وتمثل هذه الجماعات المعارضة الحقيقية الوحيدة في غياب أحزاب سياسية فعالة.
وهناك صراع شرس يدور رحاه في ولاية جونقلي الشرقية، تسبب في نزوح 20 ألف شخص هذا العام، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وتزداد المحنة الاقتصادية في البلاد سوءاً، والتي انعكست في تدابير التقشف الصارم، والاعتماد المتزايد على المساعدات الخارجية والقروض. وتثير التحذيرات التي أطلقها مشار المخاوف من حرب دامية جديدة بعد ثماني سنوات فقط من نهاية أطول حرب أهلية في إفريقيا.
وكثيراً ما هدد شمال السودان بإغلاق خطوط الانابيب الذي يمر عبره، رداً على ما يزعمه من دعم جنوب السودان للمتمردين الذين يقاتلون الخرطوم في الولايات الحدودية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتنفي جنوب السودان ادعاءات البشير.
وحيث أن النفط يشكل 95٪ على الأقل من عائدات حكومة جنوب السودان، يقول مراقبون في العاصمة جوبا، إن إغلاق أنابيب النفط من قبل حكومة شمال السودان قد يعجل بانهيار الدولة المنهارة أصلاً، وهو هدف يسعى اليه ايضا البشير.
ويقول مشار في تصريح لصحيفة الغارديان من مكتبه في مجمع حكومي في جوبا إن حكومة الحركة الشعبية التي يترأسها سلفاكير لم تتمكن من تلبية توقعات الناس بعد انتهاء الحرب الاهلية 1983-2005 بتوقيع اتفاق السلام الشامل، والذي ادى الى استقلال جنوب السودان.
ويدعي بأن سلفاكير فشل في استغلال الوقت كقيادي منذ عام 2005 لبناء مؤسسات قوية، ومعالجة الفساد الرسمي، وإنشاء علاقة تعاونية مع الخرطوم. ويقول إنه بعد نحو عقد من الزمان فقد حان الوقت ليتخلى عن منصبه. ويردف قائلاً «عندما يكون الرئيس في السلطة فترة طويلة فمن الطبيعي أن يأتي جيل جديد»، ويضيف «ومن الطبيعي أن يفسح الرئيس المجال لغيره، وليس فقط لأنه كان سيئا». ويسترسل مشار قائلا «لكي نتجنب الاستبداد والديكتاتورية، فمن الأفضل أن نلجأ للتغيير، وقتنا محدود للغاية، لقد ظللت أعمل تحت سلفاكير فترة طويلة، أنجزت أفضل خدماتي كمرؤوس له، وأعتقد أن الوقت قد حان الآن للتغيير».
وحيث إن الجيش الشعبي لتحرير السودان، وقوات الأمن، يسيطرون على جميع المقاعد في البرلمان، عدا عدد قليل منها، فإن مشار يأمل أن يؤيد الحزب الحاكم ترشيحه للرئاسة قبل الانتخابات المزمعة، ما قد يضطر سلفاكير للتنحي في وقت مبكر أو يتخلى عن محاولة إعادة انتخابه.
وبدا مشار منزعجاً من احتمال حدوث انقسام في الحركة الشعبية، ويقول «نأمل أن نتمكن من حل هذه المشكلة، حاليا هناك أربعة اشخاص عبروا عن رغبتهم في الترشح للرئاسة، من بينهم أنا والرئيس الحالي، ولا ينبغي أن يؤدي هذا إلى انقسام. نريد أن ننظم نقاشا ديمقراطيا داخليا، وآمل أن نستطيع البقاء معاً حزباً واحداً».
ولاءات متغيرة:
رياك مشار معروف بتاريخه الطويل في تغيير الولاءات، ففي تسعينات القرن الماضي اختلف مع زعيم الحركة الشعبية الراحل، جون قرنق دي مابيور، ليتحالف مع الخرطوم، قبل أن يعود مجدداً إلى حظيرة الحركة. وبينما ينتمي سلفاكير ومعظم قيادات الحركة الشعبية لقبيلة الدينكا، فإن قبيلة النوير التي ينتمي اليها مشار تشكل جزءاً كبيراً من الرتب المختلفة في الجيش.
هناك مرشح آخر يعلن استعداده للترشح وهي ريبيكا نياندنج دي مابيور، أرملة قرنق، التي تشغل منصب مستشار رئاسي. وتكهن مراقبون في جوبا بأنها قد تضم جهودها الى مشار في محاولته الإطاحة بسلفاكير.
وتقول احدى الناشطات المحليات إن «الحكومة أصبحت غير متسامحة مع أي أصوات اخرى، لذلك فمن الصعب جداً انتقادها بشكل إيجابي»، وتضيف بابتسامة على وجهها موجهة حديثها للصحافيين «لا تسجلوا اسمي وإلا فلن تجدوني هنا في المرة القادمة».
ويتحدث عضو منظمة تمكين المجتمع المحلي من أجل التقدم، ادموند ياكاني، وهي منظمة مجتمع مدني مستقلة «إننا نواجه تحديا كبيرا في التحول الديمقراطي، وما يحدث الآن هو أزمة قيادة سياسية يعانيها الحزب الحاكم، وهذا ينعكس بدوره في المجال العام، وتنتقل الأزمة إلى الدولة، وليست الدولة وحدها هي المريضة، وإنما ينتشر المرض في الحزب والنظام السياسي».
ويقول ياكاني إن «أفضل نتيجة لما يجري هو أن يحدث انقسام الحركة الشعبية، لأن ذلك من شأنه أن يعطي الناخبين خيارات أخرى في الانتخابات المقبلة، وعلى هذا الاساس سيكون لدينا توازنات سليمة»، وإلا فإن جنوب السودان سينحدر الى الطريق القمعي نفسه، بحكم الأمر الواقع في الدول ذات الحزب الواحد، مثل زيمبابوي.
مادينج نغور، احد الصحافيين والمعلقين البارزين في العاصمة جوبا، يعتقد أن جنوب السودان يدخل مرحلة حرجة، ويعلق على ذلك بقوله إن «الصراع على السلطة في الحزب الحاكم يقتل هذا البلد».
ويضيف أن «السياسيين لا يفكرون إلا في أنفسهم وليس الصالح العام للبلد، قد يتوقف تصدير النفط مرة أخرى في الوقت الذي وصلت العلاقات الثنائية مع الخرطوم إلى ادنى مستوى، وإذا حدث هذا فقد تنهار هذه الأمة، وآمل ألا يحدث ذلك».
أحد سكان جوبا، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، يقول إن «كثيراً من الناس متشائمون بشأن الطريقة التي تسير بها الامور، وأتذكر مرارة النضال من أجل الاستقلال، وستكون الخطوة المقبلة أكثر مرارة، لكنها ايضا لا تمنح الذين حررونا مبررا للجلوس على رؤوسنا»، ويضيف «هذا المجتمع عسكري للغاية، ونحن في حاجة الى تغيير ثقافي وتغيير في المواقف، ولم تلب حكومة الحركة الشعبية التوقعات.
وويقول : تجاهلت القيم الأساسية لدينا، وليس هناك مساواة، ولا عدالة، لدينا موارد طبيعية كبيرة، لكنها تتركز في أيدي عدد قليل جداً من الناس». استثمرت كل من الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، مثل بريطانيا التي ساعدت في التوسط من أجل اتفاق السلام الشامل، استثمرت بكثافة في جنوب السودان تحت قيادة سلفاكير.
المصدر: ترجمة: عوض خيري عن «الغارديان»