العالم مكتظ بالأسلحة وجهود السلام تعاني شح التمويل
بقلم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون
26 أغسطس 2012 — في الشهر الماضي، حالت المصالح المتضاربة دون الاتفاق على إبرام معاهدة هامة كان من شأنها تخفيض التكلفة البشرية المروعة لتجارة الأسلحة الدولية سيئة التنظيم. وفي غضون ذلك، تظل جهود نزع السلاح النووي معطلة، رغم الشعور العام العالمي المتنامي تأييدا لتلك القضية.
وفشل تلك المفاوضات وحلول الذكرى السنوية في هذا الشهر لإلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاكي يتيحان فرصة طيبة للبحث فيما أخفقنا فيه، وما هو السبب في أن تحقيق نزع السلاح وتحديد الأسلحة يتسم بهذا القدر من الصعوبة، وكيف يمكن لمجتمع العالم أن يعود ليمضي قدما في مسيرته من أجل بلوغ هذين الهدفين الحيويين.
إن العديد من المؤسسات الدفاعية تقر الآن بأن الأمن يعني أكثر بكثير من مجرد حماية الحدود. إذ يمكن أن تنشأ شواغل أمنية خطيرة نتيجة للاتجاهات الديموغرافية، والفقر المدقع، وعدم المساواة الاقتصادية، وتدهور البيئة، والأمراض الوبائية، والجريمة المنظمة، والحكم القمعي، وسائر التطورات التي يتعذر على أي دولة مواجهتها منفردة. ولا يمكن التصدي لهذه الشواغل بالسلاح.
ومع ذلك هناك فجوة مزعجة بين الاعتراف بهذه التحديات الأمنية الجديدة ووضع سياسات جديدة لمعالجتها. وسوف تظل أولويات الميزانيات الوطنية تنحو إلى التعبير عن النماذج القديمة. فالإنفاق العسكري الضخم والاستثمارات الجديدة في تحديث الأسلحة النووية جعلت العالم مكتظا بالأسلحة، بينما تعاني جهود السلام شح التمويل.
ففي العام الماضي، ورد ما يفيد بأن الإنفاق العسكري العالمي تجاوز 1.7 تريليون دولار، أي أكثر من 4.6 بليون دولار يوميا، وهو ما يكاد يصل بمفرده إلى ضعف ميزانية الأمم المتحدة لسنة كاملة. ويشمل ذلك الإنفاق المفرط تخصيص بلايين إضافية من أجل تحديث الترسانات النووية لعشرات السنين في المستقبل.
ومن الصعب تفسير هذا المستوى من الإنفاق العسكري في عالم ما بعد الحرب الباردة وفي خضم أزمة مالية عالمية. ومن الممكن أن يعرف علماء الاقتصاد ذلك بمصطلح ”تكلفة الفرصة الضائعة“. وأنا أسميه الفرص الإنسانية الضائعة. وميزانيات الأسلحة النووية بصفة خاصة قد بلغت مستوى يبرر إجراء تخفيضات كبيرة فيها.
فتلك الأسلحة عديمة الفائدة إزاء أخطار الوقت الحاضر الماثلة أمام السلام والأمن الدوليين. ووجودها في حد ذاته مزعزع للاستقرار: فبقدر ما يتم التغني بمزاياها بوصفها لا غنى عنها، بقدر ما يزداد الدافع لانتشارها. وتنشأ مخاطر أخرى من الحوادث والآثار الصحية والبيئية الملازمة للاحتفاظ بتلك الأسلحة وتطويرها.
وقد أزف الوقت للتأكيد مجددا على الالتزامات إزاء نزع السلاح النووي، ولكفالة الإعراب عن هذه الغاية المشتركة في الميزانيات والخطط والمؤسسات الوطنية.
وقبل خمس سنوات بينت مقترحا لنـزع السلاح من خمس نقاط يسلط الضوء على الحاجة إلى اتفاقية للأسلحة النووية أو إطار من الصكوك المؤدية إلى تحقيق ذلك الهدف.
ورغم ذلك لا يزال الجمود بشأن نزع السلاح مستمرا. ومن الواضح أن الحل يكمن في بذل الدول مزيدا من الجهود لمواءمة إجراءاتها لبلوغ غايات مشتركة. وفيما يلي بعض الإجراءات المحددة التي ينبغي لجميع الدول والمجتمع المدني السعي لاتخاذها للخروج من حالة الجمود هذه.
- دعم الجهود التي يبذلها الاتحاد الروسي والولايات المتحدة للتفاوض بشأن إجراء تخفيضات عميقة ومتحققا منها في ترسانتيهما النوويتين، المنشور منها وغير المنشور على السواء.
- الحصول على التزامات من الدول الأخرى الحائزة لتلك الأسلحة بالانضمام إلى عملية نزع السلاح.
- إنشاء وقف طوعي فيما يتعلق بتطوير أو إنتاج الأسلحة النووية أو نظم إيصالها الجديدة.
- التفاوض بشأن معاهدة متعددة الأطراف تحظر المواد الانشطارية التي يمكن استخدامها في الأسلحة النووية.
- وضع حد للتفجيرات النووية وإدخال معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية حيز النفاذ.
- الكف عن نشر الأسلحة النووية على الأراضي الأجنبية، وسحب تلك الأسلحة.
- كفالة قيام الدول الحائزة للأسلحة النووية بتقديم تقارير إلى مستودع عام تابع للأمم المتحدة بشأن نـزع السلاح النووي، بما في ذلك تفاصيل عن حجم الترسانات، والمواد الانشطارية، ونظم الإيصال، والتقدم المحرز في تحقيق أهداف نزع السلاح.
- إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشاملة الأخرى في الشرق الأوسط.
- ضمان العضوية العالمية في المعاهدات التي تحظر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.
- بذل جهود موازية بشأن مراقبة الأسلحة التقليدية، بما في ذلك إبرام معاهدة بشأن التجارة في الأسلحة، وتعزيز الضوابط على التجارة غير المشروعة في الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، وتحقيق العضوية العالمية في اتفاقيات حظر الألغام والذخائر العنقودية والأسلحة اللاإنسانية، وتوسيع نطاق المشاركة في تقرير الأمم المتحدة بشأن النفقات العسكرية وسجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية.
- القيام بمبادرات دبلوماسية وعسكرية لصون السلام والأمن الدوليين في عالم خالٍ من الأسلحة النووية، بما في ذلك بذل جهود جديدة لتسوية المنازعات الإقليمية.
وربما يجب علينا، فوق كل شيء، التصدي للاحتياجات الإنسانية الأساسية وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. فالفقر المدقع ينتقص من الأمن. ولنقم بإجراء تخفيضات هائلة في الإنفاق على الأسلحة النووية، وأن نستثمر عوضا عن ذلك في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يخدم مصالح الجميع بتوسيع الأسواق، والحد من الدوافع للنـزاعات المسلحة، وإعطاء المواطنين فرصة في التحكم في مصيرهم المشترك. وهذه الأهداف أساسية، شأنها شأن نزع السلاح وعدم الانتشار النوويين، من أجل كفالة الأمن البشري وإيجاد عالم ينعم بالسلام من أجل الأجيال المقبلة.
فلا سلام دون تحقق التنمية. ولا أمن مع عدم نزع السلاح. ولكن عند تقدم الاثنين معا، يتقدم العالم أيضا، مع توافر المزيد من الأمن والازدهار للجميع. وتلك غايات مشتركة جديرة بأن توليها الدول كافة دعمها.