Wednesday , 6 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

كيف أفرغت قوات الدعم السريع قرى الجزيرة من سكانها؟

نزوح الاف المواطنين من شرق الجزيرة سيرا على الاقدام هربا من بطش الدعم السريع

الجزيرة، 5 نوفمبر 2024 – هجرت حملات انتقامية لقوات الدعم السريع أهالي مئات القرى في شرق ولاية الجزيرة بوسط السودان، وسط غموض بشأن دوافع التهجير القسري وإفراغ القرى والمدن من سكانها.

وتباينت الروايات حول دوافع قوات الدعم السريع لتهجير السكان، حيث تثار تساؤلات عما إذا كانت لأسباب تتعلق بإحلال سكان جدد كتغيير ديموغرافي أم أن هذه القوات تتخذ مواقع دفاعية في مواجهة الجيش السوداني. لكن الراجح أن الحملات الانتقامية في شرق الجزيرة وبعض قرى شمال وجنوب وغرب الجزيرة مرتبطة بانسلاخ قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، وانضمامه للجيش أو مزاعم بوجود أسلحة وعناصر للمقاومة الشعبية المساندة للجيش.

وفي كل الأحوال، تُشكل هذه المزاعم ذريعة لاجتياح قوات الدعم السريع للقرى وترويع سكانها وإجبارهم على المغادرة، ومن ثم ممارسة نهب الممتلكات من منازل المواطنين والمرافق العامة. وقال مؤتمر الجزيرة إن مئات القرى استهدفتها قوات الدعم السريع بشرق الجزيرة خلال الهجمات الأخيرة، ما أسفر عن موجة نزوح جديدة وواسعة طالت مئات الآلاف من السودانيين.

وأشار الكيان الذي تشكل بعد سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي، في أحدث تقرير له، إلى أن عدد القرى المُهجّرة كليًا بلغ 400 قرية، فيما بلغ عدد القرى المهجّرة جزئيًا 115 قرية من جملة 515 قرية بمحلية شرق الجزيرة وحدها.

في أحدث هجمة انتقامية هاجمت قوة من الدعم السريع أمس الاثنين قرية “ود الأبيض” التابعة لمحلية أم القرى شرقي ولاية الجزيرة، وقتلت مواطنا من القرية، ثم عملت على تهجير سكان القرية، والنازحين الذين لجاوا إليها بأعداد كبيرة بعد الأحداث الأخيرة، وذلك طبقا لبيان صادر عن مؤتمر الجزيرة اليوم الثلاثاء.

ومنذ انشقاق أبو عاقلة كيكل وانضمامه للجيش في 20 أكتوبر الماضي، شنت قوات الدعم السريع حملات انتقامية بمدن وقرى شرق الجزيرة ومناطق بشمال الجزيرة، حيث قُتل المئات ونزح ما يقرب من 500 ألف شخص، وفقًا لمؤتمر الجزيرة، الكيان المناطقي الراصد للجرائم والانتهاكات بولاية الجزيرة.

وبعد سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي، شهدت المناطق الغربية والجنوبية موجات متصلة من الجرائم والانتهاكات، بينما كانت مناطق شرق الجزيرة آمنة نسبيًا قبل انسلاخ كيكل.

احصائية بعدد النازحين من قرى الجزيرة حتى أول نوفمبر

وخلال الأسبوع الأخير، قتلت قوات الدعم السريع عشرات المواطنين، ففي الهلالية قُتل 13 مواطنًا وشهدت المنطقة عددًا من الوفيات نتيجة تسمم غذائي في ظل حصار مفروض على المواطنين هناك. وفي قرية البروراب بشرق الجزيرة، قتلت قوات الدعم السريع 13 مواطنًا وفقًا لما أعلنه مؤتمر الجزيرة.

وتمددت موجات النزوح في ذات الأسبوع لتشمل قرى (كيران، أم طرطارة، الرفاعيين، دلوت، والشرفة)، قبل أن تلحق بها قرى (قوز حماد، أم مغد، وقنب الحلاوين).

ولا تزال أعداد الضحايا متضاربة في ظل استمرار الهجمات، حيث تقول لجان مقاومة الحصاحيصا إن 1300 شخص قُتلوا منذ سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر الماضي، وفقًا لما أعلنه عضو اللجان في مؤتمر صحفي لشبكة (صيحة).

وأحصت الشبكة المختصة بقضايا النساء في القرن الأفريقي 25 حالة اغتصاب بالجزيرة و6 حالات انتحار، ونشرت منصة (نداء الوسط) شهادة لأحد الناجين، أكد فيها أن بعض النساء ألقين بأنفسهن في (الترعة).

وأظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي موجات نزوح جماعي من عدد من القرى، وسط عشرات المفقودين، وكان آخرها في بلدة البشاقرة، كآخر قرية في شرق الجزيرة تتعرض لهجوم من قوات الدعم السريع.

وتعاني ولاية الجزيرة من انقطاع مستمر في شبكات الاتصال، حيث يعتمد السكان هناك على أجهزة الإنترنت الفضائي التي تعرضت للمصادرة أيضًا من قبل قوات الدعم السريع بالتزامن مع حملاتها الانتقامية.

وشهدت بعض القرى حالات اختطاف، واشترطت قوات الدعم السريع إطلاق سراح الضحايا مقابل دفع فدى مالية، حيث أبلغ أقارب أحد المختطفين “سودان تربيون” أن عناصر الدعم السريع طلبوا فدية بقيمة 50 مليون جنيه “نحو 20 ألف دولار”.

وقال مؤتمر الجزيرة إن وافدين جدد جلبتهم قوات الدعم السريع إلى قريتي (مصطفى قرشي والتميد) بمنطقة الحلاوين قرب الحصاحيصا، وأضاف بيان صادر من المؤتمر أن الدعم السريع عمل على توطين 70 أسرة بقرية (دلقة الحلاوين).

وذكر شاهد عيان لـ”سودان تربيون” أن أسرًا وافدة وصلت إلى منطقة الترعة 77 بالحوش، جنوب ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في رمضان الماضي، حيث كان من المخطط نقل الوافدين الجدد إلى قرية (ود النور) قرب بركات، حاضرة محلية جنوب الجزيرة.

وروى شاهد العيان أن الأسر الوافدة يقدر عددها بسبعين فردًا، ووفقًا للشاهد الذي تحدث معهم، فإن سفرهم استغرق أسابيع، ورجح أن يكونوا منحدرين من تشاد.

واستطلعت “سودان تربيون” عددًا من المصادر بغرب وجنوب الجزيرة، أفادوا بأنهم لم يرصدوا وجود وافدين، حيث أفرغت غالبية القرى من سكانها، إما بسبب الهجمات العنيفة وتخريب مصادر المياه والطاقة، أو بسبب مطالبة عناصر الدعم السريع السكان بإخلاء القرية.

وقالت إحدى الناجيات من قرية صفيتة؛ قرب رفاعة بشرق الجزيرة، إن عناصر الدعم السريع استهدفوا خزان المياه الرئيسي بوابل من الرصاص وخربوا ألواح الطاقة الشمسية، وأضافت في حديثها لـ”سودان تربيون” أن عناصر الدعم السريع فعلوا ذلك مع عدد من القرى، فيما يبدو أنه سياسة لإجبار السكان على مغادرة القرية.

في المقابل، منعت قوات الدعم السريع سكان بعض القرى من المغادرة، وحاولت إغرائهم بالبقاء بحجة ارتفاع أسعار إيجار العقارات في مناطق سيطرة الجيش، وطالبتهم برسوم أسبوعية مقابل توفير الأمن والحماية.