ناج من أمواج المتوسط : شربت بولي !
منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
اعداد وتحرير : راديو دبنقا
طرابلس :13 سبتمبر 2024 – ( جف حلقي فلم أجد الا (بولي) فشربته كي انجو من الهلاك) قالها الشاب العشريني مختار احمد ، أحد ضحايا الهجرة غير الشرعية ، وهو يلخص مأساته ومأساة الآلاف مثله من السودانيين التي اجبرتهم حرب (15) ابريل 2023 الى الفرار من البلاد عبر طرق وعره في الصحراء رجالا ونساءا وأطفال املآ في العبور الى الشواطيء الليبية ومنها الى اروبا عبر البحر الابيض عبر قوارب او سنابك متهالكه غالبا ما تنتهي رحلتهم لقاع البحر وطعما للأسماك الجائعة.
وتشير تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى لجوء نحو 97,000 سوداني إلى ليبيا منذ بدء الحرب في السودان بمعدل 350 وافد جديد يومياً لمدينة الكفرة الليبية التي تعتبر نقطة عبور رئيسية للاجئين السودانيين حيث ينطلقون منها الى المدن الاخري بحثا عن عمل او أملا في الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط للوصول الى اروبا بحثا عن حياة وغد افضل.
و خاض المئات من الشباب السودانيين وربما الالاف – حيث لا توجد إحصاءات رسمية – تجارب مؤلمة وقاسية مع شبكات التهريب والفدية واللصوص املا في تحقيق حلم الوصول الى اروبا انتهت رحلات غالبهم في البحر او عند خفر السواحل او تعطلت سيارتهم وتاهوا في الصحراء او انتهي الامر بهم بالجنون او السجون .
قصص ركوب البحر
وفي احدي المنازل في أطراف مدينة طرابلس الليبية التقي راديو دبنقا بإثنين من ضحايا الهجرة غير الشرعية عايشوا التجربة وحاولوا ركوب البحر ونجوا من الموت بعد محاولات فاشلة لقطع البحر الأبيض المتوسط الى اروبا ، وشاهد ثالث عايش وسمع قصص عدد من الضحايا بعضهم زملاء وأصدقاء.
وبدأ احد الضحايا واسمه إبراهيم البشير وهو شاب سوداني في العقد الثالث من عمره قصته لراديو دبنقا بتسليط الضوء أولا على الأوضاع التي سبقت خروجه من السودان بقوله (فقدت والدتي بسبب عجزي عن توفير العلاج لها، ولم أتمكن من مواصلة تعليمي الجامعي… كان مستقبل إخوتي الصغار مهدداً بسبب الحاجة) . وأوضح انه ونتيجة لذلك فكر في الهجرة بعد اندلاع الحرب لتغيير واقع أسرته . وأضاف ( سافرت لأول مرة إلى تشاد وعبرت منها إلى ليبيا، لكن الأجور في ليبيا زهيدة ولا تكاد تغطي نفقاتي الخاصة والوضع الأمني في ليبيا ايضا ليس سهلا ) وتابع (هذا الواقع دفعني للتفكير في مغامرة ركوب البحر الابيض المتوسط للوصول الى اروبا لتحقيق حلمي وحلم أسرتي بواقع افضل رغم علمي التام بخطورة ذلك).
التركينة والحياة المهينة
وأوضح ابراهيم انه وفي سبيل ذلك دفع مبلغ 1800دينار ليبي جمعها بصعوبة للمهربين لتمكينه من ركوب (السمبك) وخوض البحر للوصول الى اروبا وأضاف (بعد دفع المبلغ ذهبت إلى ضاحية قربولي قرب طرابلس بتنسيق من أحد الوسطاء، وأدخلونا في مزرعة وسط الجبال والأشجار، تبعد عن المدينة حوالي عشرة كيلومترات ، قطعنا المسافة مشياً على الأقدام. للوصول الى معسكر التهريب ) . وأوضح انه قضي شهرا في ذلك المعسكر ، تعرضوا خلالها لصنوف من التعذيب والضرب والإهانة . وأضاف (كانت المعاملة قاسية، والوجبات الغذائية فقيرة جداً مقارنة بالأموال التي دفعناها للمهربين … كانت الوجبات عبارة عن مكرونة مسلوقة بالماء والملح فقط .) وزاد (كانوا يهددوننا بإطلاق النار. كنا نشرب مياه غير صالحة، وكان معنا ايضا بعض النساء الأفريقيات يتم اقتيادهن يومياً إلى أماكن غير معلومة.) وتابع قائلا( كنا نودع كل يوم مجموعة من رفقائنا، ويعود البعض منهم بعد فترة قصيرة وهم في حالة نفسية وجسدية سيئة، ليحكوا لنا عن غرق القوارب المطاطية.) واردف ( في الغالب، أكثر من نصف الركاب تبتلعهم أمواج البحر، لكننا رغم سماعنا لتلك القصص المؤلمة ، كنا نتمسك بخيار الهجرة الذي لم نجد خياراً اخر أمامنا أفضل منه.)
اللحظات الحاسمة
وأوضح ابراهيم وهو يسرد لراديو دبنقا اللحظات الاخيرة التي سبقت ركوبه البحر بقوله ( بعد ان وصلنا الى ساحل البحر ، طلبوا منا التخلص من كل ملحقاتنا، بما في ذلك الأحذية والأحزمة ذات القطع المعدنية، ومن ثم ساعدونا في حمل القارب المطاطي إلى البحر. ) واوضح ( بعض الزوارق كانت تُصنع من مواد بلاستيكية تالفة، وتنفجر بفعل ضغط الأمواج وحمولة الركاب الزائدة. ) واضاف ( على سبيل المثال، كانوا يشحنون المركب بأكثر من 115 راكباً رغم أن حمولته الحقيقية لا تتجاوز 75 راكباً.)
رحلة البحر
ويمضي إبراهيم في سرده قائلا (قررنا قبل بدء الرحلة فحص- (السمبك) – المركب بأنفسنا، وأبلغنا وكيل المهرب أننا لن نتحرك إلا إذا اطمأننا له. ) واوضح انه وبعد ان طمأنهم المهرب سحبوا المركب الى البحر وانطلقوا بعد غروب الشمس دون أضواء، بعد ان تم تجريدهم من كل شيء معدني أو حاد. واضاف ( بعد نحو 10 ساعات من الإبحار، لمحنا سفينة كبيرة .. ظن البعض منا أنها سفينة إنقاذ، بينما خشي آخرون الاقتراب منها.) وتابع ( بعد جدل طويل، قررنا التوجه نحوها… وعندما وصلنا إليها، أدركنا أنها باخرة تركية تابعة لخفر السواحل المشتركة بين ليبيا وإيطاليا حيث القي القبض علينا وتمت اعادتنا مرة اخري إلى الساحل الليبي) .
واوضح انه وبعد وصولهم الى ليبيا تم ايداعهم في الحجز حيث تعرضوا هناك للضرب والتعذيب . واضاف (ونحن في طريقنا إلى السجن، حاولت الهرب مع زميل لي بالقفز من الباص، لكنني كسرت رجلي، وزميلي أصيب أيضاً.) واوضح ان بعض المارة حاولوا مساعدتهما وقامت الدورية في المقابل بنقلهما إلى المستشفى ، حيث قضي عاما كاملا في تلقي العلاج على نفقة المنظمات وكانت النتيجة تجربتين خاسرتين بلغت تكلفتهما ٦٠٠٠دينار ليبي . واوضح ان الناجين من المصابين بالكسور او فقدان العقل في الغالب لا يصلون الى المستشفيات لأن المليشيات تعتقلهم لتطالب بالفدية .
في عمق الصحراء
من جانبه روي مختار احمد البالغ من العمر 23 سنه احد ضحايا الهجرة غير الشرعية قصته ايضا لراديو دبنقا . واوضح انه غادر السودان بعد اندلاع الحرب ووصل الى ليبيا وكل حلمه ان يجد طريقا للسفر الى اروبا بعد سمع حكايات وقصص كثيرة لشباب بعضهم عبروا البحر وحققوا احلامهم , وهنالك من ماتوا واصبحوا غذاءا للأسماك ,
يقول مختار في هذا الخصوص ( اخيرا وجدت الطريق بواسطة اصدقاء دلونا على مهربين اخذو مني مبلغ مليون وخمسمائة الف جنيه سوداني للوصول الى شواطي البحر ) واضاف (تم تجميعنا في مزرعة في اطراف مدينة طرابلس , نحن مجموعة كبيرة من جنسيات مختلفة كلها افريقية لكن غالبيتنا من السودانيين من بييننا نساء وأطفال.) واوضح انه وبعد ان تم تجميعهم جري ترحيلهم بواسطة عربات الدفع الرباعي (التندرا) الى ان وصلوا الى منطقة تسمى (غدامس) على حدود الجزائرية , واضاف ( من غدماس عبرنا الى داخل الحدود الجزائرية وتركونا في منطقة (الدبداب)الجزائرية وبدأت محاولاتنا من هناك للوصول الى تونس ومنها نعبر البحر بواسطة القوارب المطاطية , الى إيطاليا ، حيث يُعتقد أن الرحلة من تونس أقل خطورة. لكن المنطقة التي تحركوا فيها كانت مليئة بعصابات الاتجار بالبشر، المتواطئة مع سائقي العربات.
مأساة في صحراء ورقلة
ويصف مختار إحدى أصعب مراحل الرحلة، عبر منطقة (ورقلة) ، وهي محطة خطرة في طريق صحراوي يمتد لأكثر من 800 كيلومتر… السيارات فبها تتعطل كثيرًا، ويُترك الركاب للمعاناة في الصحراء القاحلة… ويقول ( في إحدى المرات، وصل شاب إلى ورقلة في حالة يرثى لها، بعد أن تعطلت سيارته وأصبح مع مجموعته في مواجهة الموت من العطش والجوع. لجأ الشاب إلى شرب بوله للبقاء على قيد الحياة قبل أن ينقذه سائق عابر، لكن مصير بقية رفاقه بينهم نساء واطفال الذين اختاروا السير في اتجاه آخر ظل مجهولًا.)
الهروب من الترحيل و الفدية
لم تنتهِ معاناة مختار هنا؛ فبعد محاولتهم التسلل إلى تونس، ألقت الشرطة القبض عليهم وقررت ترحيلهم إلى النيجر ضمن مجموعة من الافارقة . واضاف ( بينما كانت الحافلة تهم بالتحرك ، قفزت من النافذة ولذت بالفرار الى داخل ليبيا مرة اخري .) واضاف (في طريق عودتي – وعند احدي البوابات – امسكت بي عصابة مسلحة من مع اخرين كانو معي واودعتنا في سجنها . واوضح لراديو دبنقا ان العصابة اساءت معامتهم حيث تعرضوا للضرب والتعذيب وطلبت منهم التواصل مع اسرهم لتحويل مبالغ مالية كفدية مقابل اطلاق سراحنا وافاد انه وتحت الضغط تواصل مع اسرته حيث اضطرت الاسرة رغم وضعها البائس تحويل مبلغ 3000 دينار ليبي اطلقت بموجبه سراحي .
ويقول مختار الذي يميل للصمت ويعاني من الاكتئاب ويقيم الان في الاستراحات مع ابناء منطقته ان ( الأوضاع في بلادنا طاردة , ورغم مخاطر الهجرة غير الشرعية الا انها خيار من لا خيار له , وكلما سمعنا قصة نجاح مهاجر عبر البحر تتجدد فينا فينا الاحلام والامال ونفكر مرات ومرات في خوض التجربة انها قصة حياة او موت).
قصص مؤلمة
نصرالدين ادم/ شاب سوداني ثلاثيني وفد الى ليبيا منذ 4 سنوات وشاهد بنفسه وعايش تجارب عديدة لمهاجرين بعضهم عبر وبعضهم ضاع في أعماق المتوسط وبعضهم فقد كل مايملك ومازال تراوده أحلام الوصول الى أوروبا.
يقول نصرالدين في مقابلة مع راديو دبنقا ( لقد شهدت بنفسي واقعة لمجموعة من الشباب كانوا يقيمون معنا في مقر واحد … قاموا بتجميع ملبغ يتجاوز ال40000 دينار وسلموها للمهرب الليبي في طرد كبير وشرعوا بعدها في مغادرة المقر الواحد تلو الآخر ثم انقطعت اتصالاتهم بنا لعدة أيام ) واضاف ( بعد مضي اكثر من أسبوع تقريبا عاد عدد منهم تكتسي وجوههم الخيبة والحسرة والإحباط, ، ورووا لنا قصصهم الغريبة مع المهربين والمخابئ السرية والظروف القاسية التي مروا بها في انتظار الانطلاق الى أوروبا وكيف انهم ظلوا طوال تلك الفترة يعانون الجوع والاهانات في اوكار سرية غير مجهزة بالصورة اللائقة لاستضافة الناس.) واوضحوا انهم كانوا يكتفون أحيانا بالخبز الحافي واحيانا بالعدس والماء والملح ورغم ذلك كان نصيبهم قاربا مطاطيا متهالكا انفجر وغاص بهم في اعماق البحر فمات بعضهم ونجا البعض الاخر باعجوبة وعادوا ليجدوا انفسهم في ايدي السلطات الليبية مما رتب عليهم دفع غرامات مالية كبيرة تتراوح بين 2000الى 3000 دينار مقابل الإفراج عن كل واحد مشيرا، إلى أن تكلفة التهريب إلى أوروبا في مجملها تجاوزت حاجز ال5000 دينار ليبي.
النور والغرق في البحر
وحكى نصرالدين قصة مؤثرة لصديقة الشخصي (النور عبدالله) الذي تربطه به صداقة وطيدة امتدت لسنوات، يقول نصر الدين في المقابلة مع “دبنقا” (ودعت صديقي النور وكان يفيض حماسا وإصرارا على السفر إلى أوروبا ليصلح واقع أسرته، وخلال أقل من أسبوع فوجئت بصورته منشورة على صفحات التواصل الاجتماعي كان ضمن الذين غرقوا في البحر ، ومثله كثر ).
وقال نصرالدين إن الذين يصلون الى أوروبا يحرصون على نشر قصصهم عبر الانترنت يتصورون في مواقع جميلة في المدن الأوروبية، مثل برج إيفل والشواطئ الجميلة، مما يعطي دافعا قويا للشباب الآخرين للمخاطرة بركوب البحر بصورة غير شرعية، ويقول إن المبالغ التي يصرفونها على التهريب تكفي لإقامة مشاريع مدرة للدخل، ولكن اغراءت الهجرة غير الشرعية وعدم وجود بدائل يدفع الآلاف كل عام للهجرة التي تعتبر من أخطر التجارب البشرية عبر قوارب مطاطية، نادرا ماتصمد أمام أمواج البحر المتلاطمة.
البحث عن البدائل
ذكر نصرالدين أن المنظمات تتدخل أحيانا للعناية بضحايا الهجرة غير الشرعية، لكنه في ذات الوقت يرى أن تلك التدخلات إذا تمت بصورة وقائية، قبل إقدام الشباب على تلك المخاطرة، وعملت مثلا على توفير مشاريع لهم أو نظمت لكان ذلك أفضل بكثير. وناشد نصرالدين الحكومات الأفريقية للعناية برعاياها وتوفير حياة كريمة لهم، حتى لا يضطروا للمخاطرة بحياتهم. وأشار إلى أن معظم الناجين لا يكتفون بتجربة واحدة مما يعطي مؤشرا الى أن دوافع الهجرة أقوى من مخاوفهم . ودعا في هذا الخصوص الحكومات لابتكار مشاريع واضحة للشباب واستيعاب طاقاتهم في أشغال تلبي احتياجاتهم واحلامهم وتوفير بدائل آمنة ومستدامة للشباب الطامح في التغيير .
ووجه نصرالدين أيضا رسالة مماثلة لكل من يفكر في الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا أن يتراجع وينسى الفكرة، وعليه أن يتذكر أنها مخاطرة غير مأمونة العواقب ولا تتوفر لها أي ضمانات، و تقوم بها وتنظمها عصابات إجرامية هدفها جمع المال ولا تبالي أن تعرض كل من يتورط معها في برامجها المشبوهة إلى مخاطر الموت والهلاك .
ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني
#ساندوا_السودان
#Standwithsudan