الفاشر: الحصار والمجاعة
محمد بدوي
في مقال سابق بعنوان قراءة حول قرار مجلس الامن الدولي حول الفاشر تعليقا على قرار مجلس الأمن الدولي بالرقم (2736) الصادر في13 يونيو 2024حول مدينة الفاشر، نادينا بضرورة توسيع مظلة الحماية للمدنيين لتشمل مناطق أخري في السودان. بالرغم من تخفيف حدة الهجوم المباشر، الذي في تقديري لم يكن ليس تنفيذا للقرار، وانما هنالك اسباب أخري ساهمت في الأمر هو أن الدعم السريع عمل على كسب الوقت لترتيب صفوفه مره أخري.
واستمر الحصار مضروبا على الفاشر، مع السماح بالمخرج الجنوبي الغربي الذي يبدأ من معسكر زمزم الي مناطق طويلة، جبل مره، تشاد عبر مدينة الطينة الحدودية، ثم عبر خزان جديد الي مدينة الدبة بالولاية الشمالية ومناطق اخري.
في مقابل الحصار المفروض على الفاشر، تم تقييد حركة البضائع القادمة إليها عبر “خزان جديد”، حيث فُرضت رسوم باهظة تصل إلى مليار ونصف جنيه سوداني (حوالي 470 دولارًا أمريكيًا) على كل شاحنة تحمل مواد غذائية. ويهدف هذا الإجراء إلى السماح للشاحنات بالوصول إلى “معسكر زمزم”، الذي أصبح مركزًا لمئات الآلاف من النازحين من المدينة، الذين هجروا أكثر من 80 ضاحية سكنية. بالإضافة إلى ذلك، يواجه النازحون من ولايات دارفور الأخرى صعوبات في العودة إلى ديارهم، خاصةً المجموعات التي تنحدر من أصول مشتركة مع قادة الحركات التي انضمت إلى القتال إلى جانب الجيش (القوة المشتركة). علاوة على ذلك، يعاني السكان من شح في السيولة النقدية وارتفاع رسوم الحصول على النقد عبر التحويلات البنكية، حيث يتراوح الخصم بين 15-20% من قيمة المبلغ، بعد أن كان في السابق حوالي 10%.
أعاد الدعم السريع تنظيم صفوفه بعد مقتل اللواء علي يعقوب، بقوة من المستنفرين بقيادة الأمير عبد الرحمن كبرو من منطقة النجعة بولاية غرب دارفور. وصل كبرو إلى الفاشر بقواته التي تقدر بـ 110 سيارة قتالية، منها 70 سيارة من غرب دارفور و40 من كبكابية بشمال دارفور. ثم عاد القصف بشكل ممنهج وكثيف منذ الأسبوع الماضي مستهدفًا سوق المواشي، كمصدر للحصول على السلع الغذائية، والمستشفى السعودي. وقد فاق عدد القتلى 80 قتيلاً، ما دفع الأطباء إلى إعلان الإضراب عن العمل بسبب عدم توفر الحماية وشح الدواء الذي يصل عبر الإسقاط الجوي، والذي تم خمس مرات منذ مايو 2024، في ظل استمرار القصف على المرافق الصحية العاملة.
هناك تباين واضح بين موقف الدعم السريع في جنيف وموافقته على وصول المساعدات الإنسانية، وبين الواقع المرير على الأرض من قصف وحصار وتضييق وفرض رسوم باهظة على البضائع الأساسية التي يعجز المدنيون عن تحملها. هذا التضييق المتعمد يرقى إلى حصار خانق يهدف إلى إسقاط المدينة عبر القصف المكثف الذي يجبر السكان على النزوح، والحصار الذي يدفع بالمدينة نحو حافة المجاعة المعلنة رسميًا.
اخيرا : يتعين على قوات الدعم السريع في السودان الوقف الفوري للقصف الذي يستهدف المدنيين وممتلكاتهم، وخاصةً المرافق الحيوية كالمستشفيات والأسواق. كما يجب عليها فك الحصار عن المدن، التزامًا بقرار مجلس الأمن الدولي. وعلى القوات المسلحة السودانية مراجعة موقفها الرافض لإيصال المساعدات الإنسانية، والسماح بوصولها للمتضررين في جميع أنحاء البلاد.
إلى ذلك، يجب على مجلس الأمن الدولي اتخاذ ما يلزم لتنفيذ قراره بشأن حماية المدنيين في الفاشر وتوسيع نطاق هذه الحماية لتشمل مناطق أخرى، مثل سنجة والسوكي، حيث يواجه الآلاف ظروفًا إنسانية صعبة. كما ان على المجتمع الدولي تكثيف الضغط على أطراف النزاع في السودان، وعدم الاكتفاء بالتعهدات السياسية التي لا تترجم إلى واقع ملموس على الأرض، كما هو الحال في الفاشر. يجب أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل وقبل بدء فصل الخريف الذي سيزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية.
#انقذوا السودان
# انقذوا الفاشر