Sunday , 8 September - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

صرخة من الدلنج… أمهات يطعمن أطفالهن أوراق الأشجار

اوراق الأشجار باتت الطعام المتاح في الدلنج بجنوب كردفان بعد غلاء الأسعار - سودان تربيون

الدلنج، 25 يوليو 2024 – أطلقت صفية جبران، إحدى السيدات المقيمات في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان السودانية، صرخة استغاثة جراء شبح الجوع الذي بات يحاصرها وجميع السكان في منطقتها وسط غياب تام لكافة أشكال المساعدات الإنسانية.

لم تجد صفية وبعض مواطني الدلنج غير أوراق الأشجار ومخلفات غذائية تُستخدم كأعلاف للحيوانات مثل “الأمباز” وهو متبقي الفول والسمسم بعد استخراج الزيت منهما، وذلك بعدما عجزت عن شراء المواد الاستهلاكية بما في ذلك الذرة التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير وصل إلى أربعة أضعاف خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفق ما روته بحسرة لـ”سودان تربيون”.

تعيش الدلنج وبعض مدن ولاية جنوب كردفان، بما في ذلك عاصمتها كادقلي، تحت ما يشبه الحصار الكامل فرضته خارطة السيطرة الميدانية لأطراف الحرب الثلاثة بولاية جنوب كردفان: الجيش، وقوات الدعم السريع، والحركة الشعبية – شمال، قيادة عبد العزيز الحلو. فقد تم إغلاق كافة المسارات الحيوية مما تسبب في إعاقة انسياب السلع الغذائية.

ومنذ اندلاع الحرب في السودان قبل أكثر من عام، ظلت المناطق الغربية من ولاية جنوب كردفان، خاصة كادوقلي والدلنج، تعتمد في الإمداد السلعي على سوقي “النعام” في الحدود مع دولة جنوب السودان و”أم جمينا” في ولاية غرب كردفان.

لكن مؤخرًا، فرض أطراف الصراع قيودًا على الحركة وصلت حد مصادرة شاحنات البضائع واستخدام العنف ضد التجار، مما دفعهم إلى الامتناع عن جلب السلع، مما قاد إلى ندرة وغلاء طاحن.

أرقام فلكية

تقول صفية جبران لـ”سودان تربيون”: “هناك ارتفاع غير مسبوق في الأسعار بالدلنج، إذ بلغ سعر جوال الذرة 300 ألف جنيه، ووصل سعر الكيلو من دقيق القمح والأرز إلى 5 آلاف جنيه، كما ارتفعت أسعار معظم السلع الاستهلاكية إلى أرقام فلكية لا يستطيع المواطنون تحملها في ظل توقف الموارد ونفاد المدخرات”.

وأضافت: “أغلب سكان الدلنج، لاسيما النازحين في مراكز الإيواء، لجأوا إلى أكل أوراق الأشجار ومخلفات الأمباز من أجل المحافظة على حياتهم. كل الطرق المؤدية إلى المدينة مغلقة. نحن بحاجة إلى إنقاذ وتدخل سريع، الناس هنا يموتون بسبب الجوع”.

يقابل حالة الغلاء الطاحن انعدام السيولة النقدية “الكاش”، مما يفاقم معاناة المواطنين، إذ يضطر المواطنون إلى إجراء معاملاتهم التجارية عبر التطبيقات المصرفية في ظل تدهور خدمات الاتصالات والإنترنت، وفق صفية.

وتأوي الدلنج، وهي ثاني أكبر مدن ولاية جنوب كردفان بعد العاصمة كادقلي، آلاف النازحين الذين فروا إليها بسبب المعارك العسكرية في منطقة هبيلا. يقيم هؤلاء النازحون في عدد من مراكز الإيواء التي تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة، ويتوقف معاشهم على جهود محدودة يقودها شباب في غرف الطوارئ.

من جهتها، تحكي مريم أرزق، وهي نازحة في الدلنج، بحسرة عن معاناتها في الحصول على الطعام لإنقاذ أطفالها.

طعام من أوراق الأشجار يطهى لاطعام الأطفال- سودان تربيون

وقالت لـ”سودان تربيون”: “أستيقظ يوميًا بعد صلاة الفجر للوقوف في صف طويل داخل مركز للإيواء للحصول على كمية قليلة من العدس بالكاد تكفي لشخص واحد”.

وأضافت: “الأطفال الآن يشربون الشاي بدون سكر ويتناولون وجبة واحدة في اليوم. نحن نعاني، أجسامنا انتهت ويجب أن تكون هناك حلول، وإذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه فإن الناس سيموتون جوعًا في القريب العاجل”.

الواقع نفسه ينطبق على زينب عسكر، وهي مواطنة من الدلنج، إذ تقول لـ”سودان تربيون”: “هناك ندرة في السلع حيث تم إغلاق الطرق ولا يُسمح بدخول أي مساعدات إنسانية أو قوافل تجارية”.

وأضافت أن كثيرًا من المواطنين باتوا يعتمدون على أكل “الجلود” للحفاظ على حياتهم، وفي الوجبات الأخرى يعتمدون على أعشاب تُستخرج من الجبال تسمى “عرق النبي” و”الكول”، وهي نبتة تُخمّر ثم تُجفف وتعتبر من الوجبات الشعبية في السودان.

بضائع بالدواب

يقر تاجر في سوق الدلنج بعدم قدرة المواطنين على شراء السلع لارتفاع أسعارها ووصولها لأرقام خيالية. قال لـ”سودان تربيون” إنهم يخاطرون بحياتهم لإيصال البضائع في ظل التشدد من قبل الحركة الشعبية وقوات الدعم السريع في الطرقات ومصادرتها لأي بضائع داخلة للمنطقة.

وأضاف أنهم باتوا يعتمدون على الدواب “الحمير” و”الإبل” والأبقار في إيصال السلع عبر طرق وعرة، يسيرون لأكثر من 12 ساعة.

وقال عثمان، وهو موظف في الدلنج لم يتقاضَ مرتبه لأكثر من ستة أشهر، إنه أصبح يتسول في سوق المنطقة للحصول على وجبة لأطفاله البالغ عددهم سبعة. وأضاف: “أصبحت عاطلًا ولا توجد فرص للعمل، حتى الأعمال الشاقة غير متوفرة، ولم أتقاضَ مرتبي لأكثر من ستة أشهر، فلم يكن أمامي خيار لإنقاذ أطفالي من الموت سوى التسول للحصول على الغذاء”.

وأشار إلى أن الحصار الذي تتعرض له الدلنج من قبل أطراف الصراع هو حصار جائر وغير مبرر، ودعا المتحاربين إلى مراعاة الظروف الصعبة التي يعاني منها سكان المدينة وفتح الممرات والطرق لتمكين وصول الإغاثة.

وتحصلت “سودان تربيون” على تقرير أعدته مفوضية العون الإنساني في محلية الدلنج، أشار إلى وجود نحو 41,132 نازحًا وصلوا إلى المدينة منذ 15 أبريل 2023، بالإضافة إلى نازحين يقيمون في المنطقة منذ عام 2011 ويُقدر عددهم بنحو 49,752 نسمة. فيما يبلغ التعداد السكاني للدلنج نحو 189,371 نسمة.

وتحدث التقرير عن حاجة سكان البلدة والنازحين الماسة إلى احتياجات عاجلة تتمثل في “الذرة، الدقيق، الزيت، البصل، العدس”، بالإضافة إلى تدخلات عاجلة في مجالات الصحة والمياه وبرامج التغذية والأمومة والطفولة.

وطالب التقرير بتوفير مواد إيواء مثل “مشمعات، بطاطين، فرشات، أواني منزلية، ناموسيات، أواني للمياه، ملابس، خيام”، ونادى بإجراء تدخلات في الدعم النفسي والتوعية بمخاطر الأسلحة والذخائر غير المتفجرة.

حصار جائر

يقول الناشط في العمل الطوعي رضوان رجب لـ “سودان تربيون” إن ما فاقم الوضع الإنساني والاقتصادي في الدلنج هو الحصار الجائر الذي تتعرض له المدينة من قبل قوات الدعم السريع، التي تضيق الخناق على البلدة من الناحية الشمالية والشرقية وتمنع مرور المساعدات الإنسانية والقوافل التجارية إلى المدينة.

ونوه إلى أن الحركة الشعبية شمال، قيادة عبد العزيز الحلو، تحاصر الدلنج من الجهة الغربية والجنوبية، وأن عناصرها لا يسمحون بمرور الذرة والدقيق بحجة أنها سلع استراتيجية يُحظر تداولها إلا في مناطق سيطرتهم.

وأشار إلى أن المدينة في الأشهر الماضية كانت تصل إليها المواد الغذائية من سوق منطقة “أنجمينا” نحو 50 كيلومتر غرب الدلنج، وهي منطقة واقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية. تابع: “لكن خلال الأشهر الثلاثة الماضية رفض عناصر الحركة الشعبية نقل البضائع إلى الدلنج وبدأوا في مصادرة أي مركبة تحمل بضائع”. وهو ما أدى وفق رأيه لندرة كبيرة وانعدام تام لبعض السلع.

ونبه إلى أن الدلنج، خلافًا لسكان المدينة الأصليين، تستضيف سكان مناطق “هبيلا، التنقل، الظلطايا، قردود وطي، التكمة”، جميعهم وصلوا إلى المنطقة بعد استباحة قوات الدعم السريع قراهم ونهبها لأموالهم والمحاصيل الزراعية والمركبات.

وكشف عن وجود أزمة حقيقية في الدواء، الذي انعدمت عدد كبير من أصنافه، وهو ما يهدد بوفاة أصحاب الأمراض المزمنة. دعا الأطراف المتنازعة إلى فتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية والسماح للقوافل التجارية بالوصول إلى الدلنج.

وفي يناير من العام الجاري، تعرضت الدلنج لهجمات عنيفة من قبل قوات الدعم السريع التي سعت للسيطرة على الحامية العسكرية في المنطقة، قبل أن يتصدى لها الجيش مسنودًا بعناصر من الحركة الشعبية لتحرير السودان، قيادة عبد العزيز الحلو، ومجموعات من المقاومة الشعبية. لكن

وأجبرت الهجمات على المدينة التي استمرت لأيام أعدادًا كبيرة من سكان الأحياء الطرفية على الفرار لوسط المنطقة خوفًا من الاستهداف الذي أخذ أبعادًا قبلية بسبب حالة الاستقطاب الحاد بين المكونات السكانية في الدلنج.