Wednesday , 3 July - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

حق الحياة قبل الحقوق السياسية

Sudanese refugees in Awiel South Sudan, on May 4, 2023 photo World Vision

Sudanese refugees in Awiel South Sudan, on May 4, 2023 photo World Vision

 

ياسر عرمان

قال غابريل ماركيز في روايته الشهيرة (مائة عام من العزلة): “انهم يجرون الانتخابات في قرية خالية من العواطف السياسية”. السياسة الحقيقية هي التي تخاطب مصالح وأولويات الناس وتطرحها بشكل صحيح، فالحقوق الطبيعية تأتي قبل الحقوق المدنية والسياسية والحرب تطرح حق الحياة كأولوية لملايين السودانيات والسودانيين الذين تكمن مصالحهم الفعلية في وقف الحرب كمهمة عاجلة، الحرب لا يوفقها الا الذين يشعلون أوارها ويمتلكون البارود والبنادق. حق الحياة متعلق بتوفير الأمن ووقف القتل والاغتصاب واحتلال القري وأحياء المدن ووقف قصف الطيران على الابرياء وحماية المدنيين ووقف تنزيح المدنيين داخل السودان واللجوء خارجه وفتح الممرات الآمنة للإغاثة. كل ذلك يتطلب وقف أطلاق نار أنساني طويل الأمد بشكل عاجل، وهو الأولوية الأولى والثانية والثالثة، ويجب وقف النزيف اولا ومعالجة أسبابه هذا هو منطق الحياة والحرب، وآي حوار سياسي جاد لا بد ان يتزامن مع وقف الحرب إذا لم يسبقه وقف الحرب الحوار نفسه حتي يكون ذو معني وقيمة.

دعوات الحوار نبيلة ومهمة وقد صدرت من عدة منابر هامة، وهي مجهودات تستحق التقدير، ولكنها تضع الأولويات بصورة معكوسة سيما وإن الأطراف المسلحة لن تشارك في هذه المنابر وستواصل حربها أثناء انعقاد جلسات الحوار، ولن تلتزم بوقف الحرب وقد أصبحت لا تهتم حتي بوقف الحرب أثناء الأعياد بل إن الأعياد كانت فرصة للتصعيد، ولن تهتم بإعطاء السلام فرصة كما عبرت أغنية فريق (الخنافس) وجون لينون الشهيرة (اعطي السلام فرصة).

ففي الماضي- وما أشبه الليلة بالبارحة- تم مطالبة القوى السياسية بالحوار والاتفاق قبل إنهاء الانقلاب، وذكر الانقلابي “اذا توافقت القوى السياسية فإننا سنسلمها السلطة” واسلموا البلاد إلى الحرب مفضلين الحرب على الاتفاق الإطاري!

القوى التي يُراد دعوتها اليوم شديدة الشبه بالقوى التي تم اشتراط الحوار معها بالأمس، وهي قوى ذات صلة بالعسكر اكثر من صلتها بالسياسة- مع بعض الاستثناءات- بل ان بعضها يمتلك جيوش ويحارب في هذه الحرب فعليا!

كيف يتم ربط منابر الحوار السياسي مع بعضها البعض؟ وكيف ستشارك القوى الإقليمية والدولية في مراقبة الحوار وضمان تنفيذ نتائجه؟ وما مدي ألزامية نتائج الحوار في غياب أطراف الحرب؟ وكيف يتم الربط بين منبر الحوار العسكري ومنابر الحوار المدني السياسي؟ وكيف تشارك أطراف شريكة لاحد أطراف الحرب وتحارب معه في حوار مدني سياسي؟ وهل بمشاركتها تكون اطراف مدنية ام عسكرية؟ ام خاطفة لونين؟ وكيف سيتم دمج نتائج الحوار السياسي مع نتائج الحوار العسكري اذا كانت هنالك نتائج؟ وهل الاجدى حشد الطاقات لوقف الحرب ام لاجراء حوار سياسي دائري؟ وهل الاولولية لاجراء حوار سياسي بين قوى الثورة لتكوين كتلة حرجة ام القوى الداعمة للانقلاب والحرب و التي تقف ضد ثورة ديسمبر؟ ما هي الآليات التي تؤدي لضمان موافقة اطراف النزاع العسكري على نتائج الحوار السياسي؟ كيف سيتم مناقشة اهم قضية وهي بناء جيش مهني واحد في غياب الاطراف العسكرية والتزامها؟

الأهم للشعب وللمواطن في الظرف الحالي هو اتفاق الاطراف العسكرية على وقف الحرب كواحد من مراحل العملية السياسية الشاملة. إن الحوار السياسي يقع في دائرة إنهاء الحرب ومعالجة أسبابها التاريخية وتأسيس الدولة وإكمال الثورة والوصول الى حلول مستدامة تبعدنا عن الحلول الهشة التي ستعيد الحرب، وبداية العملية السياسية هي وقف الحرب وانهاءها هو مرحلة ثانية تؤدي لمعالجة أسبابها في عملية سياسية واحدة. قرارات مجلس الأمن واهمها القرار 2427 لم تحدد الآليات ولم تربط بين المنبر العسكري والسياسي ولم تصادق مع الاتحاد الأفريقي على بعثة في الأرض للسلام وحماية المدنيين.

ان تجارب التفاوض في حل النزاعات المسلحة والحروب الأهلية قد دمجت وربطت على الدوام بين وقف الحرب والحلول السياسية. ان الأطراف المسلحة ذات قدرة على التأثير في المسار السياسي وتمد يدها في قفاز مخملي من الحرير لا يخفي ظهور الحديد مهما تفننت في إظهار الحرير المخملي.

كل عام وانتم بخير وتصبحون على وطن جديد.