Saturday , 27 July - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

إعادة نظر في عملية صياغة الدستور الدائم

د. لام أكول

د. لام أكول

خلفية

بعد نيل استقلالهم في عام 2011، لم تتح الفرصة لمواطنى جنوب السودان لمناقشة النظام الدستوري الذي يناسب تطلعاتهم. كانت البلاد تدار من خلال دستور انتقالي مستمد من دستور مؤقت آخر. تضمنت اتفاقيات السلام (2015 و2018) تعديلات على الدستور الانتقالي لعام 2011، لكنها ظلت انتقالية. ولذلك، فإن الترتيبات الدستورية الحالية لم تحظ بموافقة شعبنا. ولا يمكن إصدار دستور دائم محوره الشعب إلا بعقد مؤتمر دستوري يشمل جميع قطاعات مجتمعنا.

المؤتمر الدستوري هو منبر يهدف إلى تأكيد إرادة الشعب في اختيار الدستور الذي يناسبهم. وهو يجمع بين ممثلين عن مختلف قطاعات المجتمع وجميع أطياف الرأي لصياغة واعتماد دستور دائم.

وضع الدستور في اتفاقية السلام المنشطة

ظلت صياغة الدستور في السودان وجنوب السودان قضية شائكة منذ الاستقلال بسبب عدم وجود توافق في الآراء وعدم الاستقرار في البلاد. لذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن هذه المسألة نالت متسعا من الوقت خلال منبر التنشيط رفيع المستوى الذي أدى إلى توقيع الاتفاقية المنشطة بشأن حل النزاع في جمهورية جنوب السودان (R-ARCSS) . يتناول فصل كامل في الإتفاقية (الفصل السادس) معايير الدستور الدائم. وينص فيه على أن “عملية وضع الدستور الدائم يقودها ويمتلكها شعب جنوب السودان ((المادة 6-13).

لتفعيل أحكام إتفاقية السلام المنشطة  بشأن عملية وضع الدستور ، ولا سيما وفقا للمادة 6.9 ، تم اعتماد “قانون عملية صياغة الدستور لعام 2022” كمشروع قانون من قبل المجلس التشريعى القومى الانتقالى وتم التوقيع عليه ليصبح قانونا في 21 ديسمبر 2022. وحدد القانون المؤسسات المكلفة بإعداد مشروع دستور دائم للبلاد واعتماده. وهذه المؤسسات هي: المفوضية القومية لمراجعة الدستور، ولجنة صياغة الدستور، واللجنة التحضيرية لإنعقاد المؤتمر القومى الدستوري الذى هو الجهاز الذى يتخذ القرارات بشأن جميع المسائل المتعلقة بالدستور ويعتمد النص النهائي له. وقد أولي الكثير من الاهتمام للجنة القومية لمراجعة الدستور إلى حد تولي بعض السلطات المخصصة للمؤتمر القومى الدستورى. من أجل إصدار دستور محوره الشعب حقا ويكون مملوكا له، من الضروري أن يكون ممثلوهم في المؤتمر القومى الدستورى هم الذين يتحكمون في عملية صياغته من البداية إلى النهاية. ولتحقيق ذلك، يرى هذا الكاتب أنه لابد من االإستغناء عن المفوضية القومية لمراجعة الدستور وأن لجنة الصياغة يجب أن تنبع من داخل المؤتمر القومى الدستورى نفسه وليس قبل انعقاده.

دواعى الإستغناء عن المفوضية القومية لمراجعة الدستور

تم تحديد صلاحيات ووظائف المفوضيية القومية لمراجعة الدستور في المادة 12 من “قانون عملية صياغة الدستور 2022”.  ويمكن تلخيصها على النحو التالي:

  • المسائل الخاصة بالشأن الداخلى للمفوضية (البنود: 1، 2 و12)؛
  • تعيين أعضاء لجنة صياغة الدستور (البند 3)؛
  • تيسيروإجراء التوعية المدنية والتشاور العام (البنود:  4 و 5 و 6 و 7 و 10 و 11)؛
  • المصادقة على المشروع الدستوري الأول ونشره (البندان: 8 و9).

الحجة الرئيسة للإستغناء عن المفوضية القومية لمراجعة الدستور تختص بولايتها الصياغية (النقطتان 2 و4 أعلاه). لا يمكن أبدا أن يكون هناك مشروع دستور دون حل مسألتين أساسيتين على الأقل. هما: نظام الحكم (هل ستتبنى البلاد نظاما برلمانيا أم رئاسيا أم هجينا؟) ونوع الفيدرالية التي تناسب الظروف الخاصة بجنوب السودان. ويتوقف تصميم أي دستور وشكله ومحتواه على هاتين المسألتين.المؤتمر القومى الدستورى هو الذى سيتخذ القرارات النهائية بشأن هاتين المسألتين. وبالتالي، فإن صياغة نص دستوري يجب أن تنتظر حتى ذلك الوقت. فيما يتعلق بإجراء وظيفة التوعية المدنية والتشاور العام (النقطة 3 أعلاه) ، يمكن أن تقوم بها لجنة تابعة للمؤتمر القومى الدستورى اثناء إنعقادها لكى تثرى مناقشاته قبل إتخاذ واعتماد قراراته. وتصبح النقطة 1 غير ذي معنى لأنه في حالة عدم وجود هيئة لن تكون هناك حاجة إلى لوائح داخلية خاصة بها. من الأمور الضمنية في صلاحيات ووظائف المفوضية القومية لمراجعة الدستور ، كما يوحي الاسم، هي مراجعة الدستور الحالي والدساتير المماثلة الأخرى لاستخلاص الدروس منها. ولكن يجب أن نتذكر أن المطلوب ليس مراجعة دستور بل كتابة دستور جديد. وغني عن القول أن المراجعة تتضمن استخلاص الدروس من الدستور الحالي والدساتير المماثلة الأخرى في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك ، من الأفضل ترك هذه المسألة للأطراف وأصحاب المصلحة للتعامل معها. لا يوجد حزب سياسي جاد ليس لديه موقف بشأن الشكل الذي يجب أن يبدو عليه دستور البلاد.  ينبغي طرح جميع المواقف المختلفة أمام المؤتمر القومى الدستورى للتداول حولها. ثم يتم تشكيل لجنة لتلخيص المواقف المختلفة للأطراف لتسهيل إتحاذ قرار بشأنها من قبل المؤتمر.  ويجوز للمؤتمر أيضا أن ينظم جلسات للإستماع إلى الخبراء في صياغة الدستور أو في مواضيع محددة معروضة أمامه، إما في الجلسات العامة أو اللجان أو كليهما. وستتقدم هذه اللجنة للمؤتمر بالخيارات المتاحة لا سيما فيما يتعلق بالمسألتين المركزيتين المذكورتين أعلاه.

خلاصة القول هي أن المفوضية القومية لمراجعة الدستور غير ضرورية البتة. يجب توفير الوقت الغالى والمال النفيس اللذان ينفقان على هذه المفوضية لاستخدام أكثر فائدة. إن أعضاءها البالغ عددهم 57 عضوا تم إختيارهم من بين أصحاب المصلحة الذين سيشكلون عضوية المؤتمر القومى الدستورى.  دعهم ينقلون خبراتهم ومعرفتهم إلى هناك.

اللجنة التحضيرية

قبل انعقاد المؤتمر القومى الدستورى، ستشكل الأطراف وأصحاب المصلحة لجنة تحضيرية للتحضير لعقد المؤتمر. تكون اللجنة شاملة لأصحاب المصلحة وتكلف باتخاذ جميع الترتيبات والتحضيرات اللازمة لعقد المؤتمر، ودعوة المؤتمر للانعقاد خلال فترة محددة من تشكيله، ويتم حلها فور انعقاد المؤتمر.

المؤتمر القومي الدستوري

هذا هو المنبر الذي يناقش ويتخذ القرارات بشأن تصميم وشكل ومحتوى الدستور الدائم. تتكون عضويتها عادة من 1000 إلى 2000 عضو على النحو المتفق عليه مسبقا من قبل أصحاب المصلحة. يعقد المؤتمر القومى الدستورى اجتماعاته في جلسة عامة ولكن يمكنها تشكيل لجان أو مجموعات فرعية لدراسة مواضيع معينة تشكل جدول الأعمال بصورة أعمق. ويجوز له أيضا دعوة خبراء في مواضيع محددة تجري مناقشتها لمخاطبة المؤتمر أو أي من لجانه. تتخذ جميع قرارات المؤتمر بتوافق الآراء. وبمجرد اعتماد المؤتمر لقراراته النهائية، يشكل لجنة لصياغة نص دستوري يستند إلى هذه القرارات. تقدم اللجنة هذا النص الدستورى إلى الجلسة العامة حتى يتم اعتماده  كمشروع دستور دائم. وأخيرا، تقدم هذه الوثيقة إلى رئيس الجمهورية لعرضها على الجمعية التأسيسية أو طرحها للاستفتاء.

وتشكل التوعية المدنية والمشاورات الشعبية جزءا لا يتجزأ من أعمال المؤتمر القومى الدستورى. وتُشكل لجنة معينة للقيام بهذه الأنشطة بالتنسيق مع جميع اللجان المنخصصة لزيارة الولايات والمقاطعات من أجل توعية الجمهور بأعمال المؤتمر وجمع آرائهم، الشفوية أو المكتوبة، لمشاركتها في مداولات المؤتمر القومى الدستورى.

من المتوقع أن تستمر جلسات المؤتمر القومى الدستوري لمدة ستة (6) أشهر أو نحو ذلك وتكون جلساته مفتوحة للجمهور ووسائل الإعلام.

 جدول أعمال المؤتمر الدستوري

 سيتداول المؤتمر القومى الدستورى حول جميع القضايا المتعلقة بالدستور. وتشمل القضايا الرئيسية التي ستناقش وتتخذ قرارات بشأنها في المؤتمر ما يلي: وثيقة الحقوق؛ نظام الحكم؛ النوع المناسب من الفيدرالية ؛ الفصل بين السلطات؛ قطاع الأمن؛ الحكم الرشيد؛ الاقتصاد والتنمية؛ وغيرها الكثير.

الخلاصة

 يمكن تعريف الدستور على أنه المبادئ والقوانين الأساسية لأمة أو دولة أو مجموعة اجتماعية تحدد سلطات وواجبات الحكومة وتضمن حقوقا معينة للشعب فيها. لذلك فهو أساس الدولة وينظم أعمال حكومتها في علاقتها مع الشعب الذي هو صاحب السلطة السيادية. ظل جنوب السودان بدون دستور دائم لمدة 13 عاماً.  كان هذا بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي ولد حربا أهلية والمزيد من عدم الاستقرار. أوقد توقيع الاتفاقية المنشطة بشأن حل النزاع في جمهورية جنوب السودان الأمل بين السودانيين الجنوبيين فى مستقبل أكثر إشراقا. ووعدت الإتفاقية بإنجاز دستور دائم في 12 مايو 2021. لم يتم الوفاء بهذا العهد بسبب غياب الإرادة السياسية. وبعد مرور ثلاث سنوات، وشعبنا يترنح تحت وطأة انهيار الاقتصاد ويعانى من الكوارث الطبيعية وويكتوى بالعنف الطائفي المتصاعد، لا تزال الطبقة السياسية في البلاد تناقش متى وتحت أي ظروف سيتم إصدار دستور دائم.

قد وافق الجميع على أن يكون هناك دستور محوره الشعب. لذلك ، يجب على ممثلي الشعب قيادة عملية صياغته وامتلاكها من البداية إلى النهاية. ومن ثم، يجب عقد المؤتمر القومى الدستوري دون تأخير للتداول بشأن الدستور وصياغة هذا القانون الأعلى للبلاد الذي تشتد الحاجة إليه والذي طال انتظاره. وبهذا نكون قد وضعنا حجر الأساس لاستقرار البلد والسلام المستدام.

6  يونيو  2024م .