مريم وبناتها ..مواجهة الموت في رحلة قاسية الى مصر
القاهرة: التغيير : سارة تاج السر
لم يكن أمام مريم وصغيراتها غير مواجهة الموت مرارا خلال رحلتهم للبحث عن الحياة، تعطلت سيارتهم وسط الصحراء، رغم ان سماسرة التهريب اقنعوها بان العبور للأراضي المصرية سيكون آمنا وسلسا.
صراع مع الموت
قضت مريم وبناها سبعة أيام، على ظهر عربة بوكس مكشوف، تحت أشعة الشمس الحارقة مع قليل من الطعام والماء الممزوج بالبنزين. تقول السيدة التي تقف على أعتاب العقد الرابع من عمرها (للتغيير): ” هربنا من نيفاشا غربي امدرمان، الى امبدة وبعد توغل الدعم السريع داخلها، طردنا من منزل استأجرناه بالجميعاب الحارة (15) ، ذهبنا الى منزل احدى قريباتنا فلم نستطع البقاء بسبب قصف الطيران”كنا ننام في الشارع بعد ان ضرب الطيران منزل جيراننا”.
تمكنت- مريم- التي كانت تعمل في بيع الطواقي والشالات، بسوق بحري شمال العاصمة الخرطوم، بمساعدة جارها من الوصول إلى وادي حلفا في( 15) يونيو الماضي، التي بقوا فيها( 9 ) ايام قبل التوجه الى اسوان عبر رحلة طويلة محفوظة بالمخاطر، مقابل 300 الف جنيه فهي لاتملك ثمن تأشيرات الدخول إلى مصر التي تصل إلى آلاف الدولارات في السوق السوداء.
تستحضر مريم تفاصيل الرحلة وتقول: واجهنا الموت ولكننا نجونا، نهى 18 عاما، نضال 16 المريضات بالانميا المنجلية، أصيبتا بنزيف الأنف الشديد (الرعاف)، والاستفراغ، اما مرافقتها التي أطلقت عليها اسم غادة، تقول مريم: بانها كانت تحتضر، ضعف نبضها، وخرج الزبد من فمها. “.
بعد يومين تعطلت السيارة التي تقلهم، وسط الصحراء، أمرهم المهربون بالدخول إلى احد الجبال، لحين العودة بعد إصلاح العربة، لكنهم لم يأتو الا بعد حلول الظلام، اكتشفت مريم ومرافقوها، بعد تبديل السيارة الثانية، كذب المهربين الذين ادعو العطل، ليسرقوا امتعتهم .
المرأة التي تجلس بجوار مريم فقدت حقيبة تحوي مصوغات ذهبية، اما ام البنات فهي لاتملك ذهباً، ولكنها فقدت حقيبة ملابس وبعض الأغراض الضرورية للطعام”.
عودة للحياة
بتاريخ 17 يوليو الماضي وصلت مريم اسوان، وتوجهت الى المفوضية السامية لشوون اللاجئين مباشرة وقضت هناك( 7) ايام، قبل ان تحصل على بطاقة اللجوء في 25 يوليو.
وعبر وسيط مصري، استأجرت شقة بمبلغ الف جنيه مصري، في مدينة 6 اكتوبر، ثم التحقت مريم وابنتها للعمل بالبلدية، ، همها تأمين العلاج لابنتيها المصابتين بأمراض مزمنة وخطيرة.
بدون تأمين وباجر زهيد، تضطر لتحمل مشقة العمل في البلدية لثلاث ساعات يوميا، مقابل (40) جنيه مصري، ولأنها لاتكفي تعمل هي وابنتها 16 عاما، في تنظيف الشقق والسلالم.
في شهر مارس الماضي تم طرد عائلة مريم إلى جانب (49) اسرة اخرى، نصفهم من الأطفال والنساء، من مساكنهم بشقق بمدينة «6» أكتوبر، الى الشارع العام، بحجة عجزهم عن دفع الايجار.
و اضطرت الأسر المتضررة، إلى افتراش أرصفة الشوارع بعد أن وجدوا أنفسهم بلا مأوى، و لا غذاء، كما تعرضوا لسلسلة من الانتهاكات قبل الإخلاء، بما في ذلك حرمانهم من حقوقهم كلاجئين، وتعرضهم للتحرش و العنصرية والتنمر و احتجاجات الجيران وغيرها من الانتهاكات الأخرى.
وواجهت الاسر موجات البرد والمطر المتزايد بدون فرش و أغطية كافية ما أدى إلى تفشي الالتهابات و نزلات البرد و أمراض صحية اخرى إلى جانب الصدمات النفسية، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية ،في ظل استجابة منعدمة من المفوضية أو المظمات العاملة في المجال الإنساني.
وطبقا لشهادات لاجئين، تحدثوا مع (التغيير) في وقت سابق، تبيّن أن الشقق التي كانوا يسكنونها، تحت التشطيب ولم تكتمل بعد، و استأجرت لهم بأسعار زهيدة بواسطة مصري يتبع لجهاز الأمن والمخابرات، وأفادوا بأن عملية الإخلاء تمت عبر السلطات الأمنية، مما يظهر انتهاكًا لحقوقهم وعدم وجود إجراءات قانونية مناسبة.
مريم أكدت ان الجهة المؤجرة رفعت الايجار إلى 3 الف جنيه مصري، وهو مبلغ يفوق قدرتها المالية، واكدت أنهم لايزالون في الشارع، ولفتت إلى ان منظمة بستيك”شريكة المفوضية، المسؤولة عن خدمات الدعم النفسي الاجتماعي المجتمعي والمنزلي، وإدارة الحالات وغيرها، طلبت منهم البحث عن شقق في حدود الفين جنيه مصري، على أن تتحمل مسئولية سدادها.
حرب اخرى
لم تنقطع معاناة مريم بعد وصولها القاهرة فقد ساءت الحالة الصحية لابنتيها فالكبيرة مصابة بانيميا منجلية، واصيبت اخيرا بالطوحال والكبد من الرعاف الشديد الذي تعرضت له اثناء الرحلة، الى جانب الصمم، فيما تعاني الصغيرة 14 عاما من الأنيميا المنجلية وخلال الحرب اصيبت بشلل نصفي كما تعطلت يدها اليمني
ام البنات لا تدري كيف تتصرف مع احتياجات اسرتها الصحية واكدت انه منذ وصولها القاهرة، تلقت مساعدات مالية من المفوضية على دفعتين، والان لها (4) أشهر لم تقدم لها المفوضية اي مساعدة .
عندما تذهب بصغيراتها الى المستشفيات الحكومية تكون النصيحة بان الحالة خطيرة ولابد من اللجوء للعيادات الخاصة، التي لا تتناسب مع ما تتقاضاه وحكت عن تجربتها مع مستشفي القصر العيني الخاصة، وما تعرضت له من تعنيف وتهزيء بعد ما عجزت عن سداد تكاليف المستشفي البالغة(6) الف جنيه مصري.
تقول مريم لدي اكثر من 100 روشتة ولكن اكتفي بشراء المسكنات، لايمكنني دفع التكاليف الباهظة للتحاليل المعملية واستبدال الدم.
*تنشر هذه المادة بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في حملة (منتدى الإعلام السوداني).