Wednesday , 1 May - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الحرب في السودان .. أخطاء تراكمية يتحملها الجميع

حاتم السر

حاتم السر علي

دخل السودان في حرب طاحنة منذ منتصف أبريل الماضي كنتاج طبيعي لأخطاء تراكمية؛ يجب مراجعتها بصراحة ووضوح لتلافيها، حيث تتحمل مسؤوليتها العديد من الاطراف السودانية، التي خلقت جهات موازية لمؤسسات الدولة، وتسببت في هشاشة النسيج المجتمعي أيضًا.

المرحلة الاولى من الأخطاء ارتكبتها حكومة الانقاذ التي بدأت منذ العام 1989، حيث لم تتوافر أي ثقة في الدولة، ولا مؤسساتها، ولم تكتف بأن شردت الخبرات العسكرية السودانية، بل قامت بتأسيس، قوات موازية متنوعة، من بينها الدفاع الشعبي، وقوات أخرى، جعلت السلاح يصل إلى أكثر من مصدر للقوى السياسية، وحتى عندما أنشأت قوات الدعم السريع، قامت بتسليحها، ورعايتها، وتمكينها عسكرياً على حساب القوات المسلحة النظامية.

أذكر حينما كنا نسعى للتفاوض لانضمام السودان إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، كان ملف الشركات التابعة للمؤسسات الأمنية والعسكرية أحد الملفات التي تعيق العملية التفاوضية.

ولا يعقل أن تكون لهذه القوات قانونها الخاص، والكل يذكر كيف تصدت النائبة عن الحزب الاتحادي في البرلمان دون سواها لهذه التجاوزات، وأوضحتها في وقتها، ولم يشاركها أحد، سوى بعض العسكريين النابهين، والمثقفين المعروفين.

أما المرحلة الثانية من الاخطاء ارتكبت في مرحلة ما بعد تغيير النظام، حين دخل المكون العسكري منفردًا في شراكة ثنائية مع الحرية والتغيير مكنت الدعم السريع من معظم مفاصل الحكومة الانتقالية بما في ذلك المؤسسات الاقتصادية وإقامة علاقات خارجية خاصة به. وسبق أن حذر الحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل من مضار الشراكة الثنائية، ومن التشاكس في المعسكرات.

المرحلة الثالثة من الاخطاء المتراكمة كانت هي مرحلة انفجار الحرب وتمرد المليشيا؛ صحبتها حزمة من الخطايا بينها الاقصاء والتباعد والحدة وضيق الأفق، وهي التي ادت إلى اصطفاف على مبادئ عرقية بغيضة، وإلى تقديرات خاطئة جعلت البعض يفضل الوقوف ضد الدولة ومؤسساتها القومية الدستورية، مكايدةً، وهذا سلوك أدى إلى فقدان الكثير من قيادات الحرية والتغيير، لشعبيتهم الجارفة أثناء الثورة. وكان من الطبيعي أن تتسع دائرة اكتساب الجيش لدعم المواطنين ومساندة الشعب ووقوف الناس الى جانبه باعتباره صمام الامان لحماية أمن السودان وضمان وحدته الوطنية، دون أن يعني هذا أنّ هناك مؤسسة فوق الإصلاح.

الحرب بطبيعة الحال فعل مرفوض لانه يمثل صراعًا سياسياً على السلطة، حتى لو حاول البعض تغليفه بشعارات محاربة التهميش ورفع المظالم، أو محاربة النظام السابق؛ واعادة المسار المدني الديمقراطي فهو صراع حول من يجلس على عرش السودان، وهذا السلوك غير مقبول البتة، فلا يمكن أن تكون دماء المواطنين وممتلكاتهم ثمناً ورصيدًا لسياسي يستخدم تمرد قوات مسلحة على قيادتها.

والمؤكد الا شرعية ولا سلطة من دون انتخابات حرة ونزيهة، وتتحمل الحاضنة السياسية للحكومة السابقة فشل الفترة الانتقالية، فهي طوال فترة حكمها، لم يعرف عنها ميل لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية ولا رغبة في اجراء الانتخابات، بحيث يكون للشعب رأيه، في تقرير السياسات وتحديد الخيارات الوطنية.

ولايخفى أن معظم فصائل الحاضنة الخاصة بالحكومة الانتقالية افتقروا إلى التجربة الانتخابية والثقافة الديمقراطية والإطارات التشريعية الديمقراطية، ويمكن التدليل على ذلك بالعديد من الامثلة والوقائع والمواقف.

المخرج من هذه الأزمة يبدأ بوحدة أهل السودان على مختلف انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية والتئام شملهم في ملتقى جامع مؤتمر قومي دستوري.

الان يعد منبر جدة والمبادرات المبذولة من دول الجوار خاصة مصر المخرج من الحرب لكن منبر جدة يستحق الدعم القوي لأنه لامس قضايا جوهرية تخص المدنيين، منها إخلاء منازل المواطنين والمرافق العامة من المليشيات، وكل الامل أن تتكلل جولاته بإبرام اتفاق على وقف إطلاق النار وانهاء الحرب وتحقيق نتائج عاجلة وإيجابية.

وبما إنّ منبر جدة استوعب دور الإيغاد، فمن المهم أيضًا أن يستوعب دور مبادرة دول جوار السودان وعلى رأسها مصر.

والملاحظ أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان  كان واضحا حين تحدث في مكاشفة ما بعد دخول الدعم السريع ولاية الجزيرة، وبرغم الألم، كان واضحًا، في أنّ خيار التفاوض، لن يكون خصمًا على الدولة ولا الجيش، بل سيكون لتأمين المكتسبات، وعلينا الا نستعجل لتخوين الدولة ورجالها، يمكن الانتقاد لكن التخوين ليس سلوك يبني الأوطان؛ وكنت تابعت باستغراب سيل الانتقادات التي وجهت لنائب القائد العام عضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين كباشي، لسفره في يوم المعارك نفسها الى الكويت لتقديم العزاء في وفاة أميرها ، لكن المؤكد أن سبب توجه الفريق إلى الكويت، كبير، فالكويت دولة عزيزة وشقيقة، دعمت الشعب السوداني طوال سنواتها الكبيرة، والذهاب لأداء واجب العزاء في أميرها الراحل، مهمة وطنية بامتياز، وتصب في خانة القرارات الصائبة التي يجب الثناء عليها والاشادة بها لا انتقادها.

ولايفوتنا في هذه السانحة النظر بغبطة إلى العرس الانتخابي الديمقراطي في مصر والذي توّج بفوز الرئيس السيسي في كسب ثقة الشعب، فنحن نحتاج الإشادة بهذه النماذج، ومصر الديمقراطية تحتاج الى سودان ديمقراطي في جوارها ونتمنى أن تعود الانتخابات إلى بلادنا السودان، وتعود المحكمة الدستورية، وتعود الشرعية للقانون، والصناديق، لا البنادق والشعارات.

كلي آمل أن يكون العام الجديد 2024 عاما لنجاح منبر جدة والوصول الى اهدافه في وقف إطلاق النار وانهاء الحرب في السودان وفتح الطريق للتقدم بشأن العملية السياسية والدخول في مراحلها النهائية “، ويجب على الجبهة القومية الإسلامية وتياراتها جميعًا تقديم مراجعات، وان تلتف كل القوى السياسية السودانية حول الوطن وتدعم المؤسسات الدستورية القومية للدولة وتعزيز دورها، والترفع عن حظوظ النفس، وإعلاء المصلحة الوطنية ومصلحة البلاد العليا ووضعها فوق مصالح الأحزاب والافراد.