Sunday , 28 April - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

“جنة رضوان”

عثمان فضل الله

عثمان فضل الله

يتطلع ما لايقل عن 2 مليون مهجر الي العودة للخرطوم تلك المدينة التي أحبوها والفوا الحياة فيها غير أن العاطفة التي تشدهم الي مدينتهم التي أحبوا تعميهم عما جرى فيها وعليها خلال 200 يوم من القتال.

الخرطوم التي يريدون العودة إليها فور توقف القتال تبدلت معالمها تماما واختفت تفاصيلها وسط ركام من المباني المنهارة وسواد الحرائق التي اشتعلت وانطفأت لوحدها فالحرب هناك ليست كما الحروب التي يشهدها العالم الحديث انها حرب القرون الوسطى.

يقول ناجون من الموت انهم خرجوا من مدينة لا يعرفونها تنتشر فيها رائحة البارود في كل شبر من أرضها يغطيها دخان اسود وتسعى فيها الكلاب المسعورة حتى الفئران لم تعد ذاتها أن تمكنت وانت نائم قد تقضم جزء من جسمك، يصفونها بمدينة الرعب، فالموت يتربص بك في كل زاوية فيها.

رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة لكن يقدر الخبراء بجسر شمبات الذي دمر السبت الماضي عدد المنشآت التاريخية والحيوية التي دمرتها الحرب وتلك التي طالها الخراب بمايزيد على 120 منشأة، وقدر بعض الاقتصادين كلفة الدمار الذي حاق بالبنية التحتية بأكثر من 100 مليار دولار.

معلوم أن جسر شمبات هو واحد من نحو 10 جسور رئيسة تربط مدن العاصمة الثلاثة غير انه لم يكن المنشأة الوحيدة التي طالها الدمار بسبب القصف الجوي والأراضي المتبادل بين طرفي القتال، دمر قبله بشكل كامل سوق سعد قشرة ذائع الصيت في الخرطوم بحري ودمر بشكل جزئي سوق ام درمان التاريخي كما طال الخراب السوقين العربي والافرنجي  في الخرطوم وهما من الأسواق التاريخية أيضا، وطال الدمار أجزاء من جامعتي الخرطوم والسودان ولم ينجو متحف التاريخ الطبيعي في وسط الخرطوم، الذي يحوي مجموعات نادرة من سلالات الحيوانات والطيور ، وخرب بشكل كبير القصر الجمهوري الذي يصل عمره الى 190 عاما، ودمرت  كذلك بشكل كامل مباني القيادة العامة للجيش السوداني وتحوى سبعة أبراج حديثة البناء إضافة الى مطار الخرطوم..

كما تعرض 35 مبنى آخر لخطر الدمار ومن بينها مقر وزارة المالية والاقتصاد الوطني ودار القضاء وهما أيضا من المباني التاريخية، الي جانب مقر البريد (دار الهاتف)، وبالإضافة إلى قيمة تلك المباني التاريخية وطرازها المعماري الفريد يحوي جزء منها موجودات ذات قيمة مادية وعلمية وتأريخية كبيرة مثل دار الوثائق والمتاحف، ومكتبة السودان التي تحتوي على كل ما كتب عن السودان منذ الفترة الاستعمارية إلى جانب مخطوطات وكتب نادرة لم تتوفر لها الحماية الواجبة..

ما لم تنجو متاحف العاصمة الاخرى والتي تقع بعيدا عن وسط الخرطوم مثل الخليفة عبد الله في ام درمان من التخريب وهو المتحف الذي يؤرخ لفترة المهدية التي يعتد بها السودانيين كثيرا، وكذلك متحف الخرطوم الذي يسلط الضوء على حقب مختلفة من التاريخ السياسي والاجتماعي للبلاد ويحوي قطعا اثريه لا تقدر بثمن، ولا يعرف العاملين في المتحف الذين تم التواصل معهم مصيرها.

كل ذلك الخراب مضاف اليه الخراب الذي حل بالأحياء مثل الخرطوم 2 وام درمان القديمة التي تكاد تكون باتت مجرد ركام بجانب اجزاء واسعة من أحياء الرياض وكافوري وحلة حمد والصبابي وشمبات وغيرها من الاحياء جعل الخرطوم مدينة جاثية على ركبتيها وتبدلت معالمها وخارت قواها.