لذلك نقول ” لا للحرب”
فايز الشيخ السليك
لم نكن نحتاجنا إلى زرقاء يمامة كي ترينا أن في المدى شجرٌ يسير، ولا كنا نعلم رجماً بالغيب حين شهرنا هتافنا ” لا للحرب”. كان ذلك والأفقُ مكفهرٌ، وسماء الخرطوم الشاحبة تنذر بأمطارٍ من أبابيل.حين قلنا ” لا للحرب” نعرف أن الحرب ليست نزهة، بل في الذاكرة القريبة أن أول طلقةٍ خرجت من فوهة بندقية في الثامن عشر من أغسطس في عام 1955، في غابات توريت، لم يخفت صداها إلى اليوم، لا يزال الصدى مجلجلاً، وصوت نواب جنوبيين كانوا يطالبون بحكم فدرالي لجنوب السودان، أخلف النواب الشماليون وعدهم ضمن سلسلة نقض المواثيق السودانية، حرب استمرت أكثر من أربعين عاماً، سالت أنهار من الدماء، قتل أكثر من 2
مليون سوداني خلال تلك الحرب الطويلة، غابت التنمية، توقفت الحرب، لكن ماذا كانت النتيجة؟ انشطار السودان إلى شطرين، شمال وجنوب بعد كل تلك الخسائر، ولو استجبنا لصوت العقل، ووافق زعماء الاستقلال والآباء المؤسسين للدولة السودانية المأزومة لوفرنا أرواح، وادخرنا موارداً ولاستمرينا بلداً واحداً، وما صرف على الحرب تم صرفه على التنمية.وفي عام 1985انطلق الرصاص من فوق الجبال، ولا يزال الرصاص ينهمر، الناس يموتون، ويهرب الناجون إلى الكهوف حذر طيران الجيش، ولا تزال الحرب مستمرة قرابة لأكثر من 38عاماً، مات كثيرون، تعطلت التنمية ولا يزال الجرح ينزف.وفي عام 2001انطلق الرصاص فوق رمال دارفور، قتل أكثر من ( 300) ألف سودانياً سودانية، وشهدنا الإبادة الجماعية، التطهير العرقي، القتل على الهوية، اغتصاب النساء، ولا يزال النزيف يرشح.وقبل أن تنطلق الحرب في الخرطوم، كنا ندرك أن الحرب لن تكون نزهةً، قلنا لا للحرب، لأن القتال هذه المرة داخل المدن، بل العاصمة، وما أدراك ما العاصمة!.
الحرب حرب أينما أندلعت، لكن في البعيد في غالبها قتال بين جيشين مسلحين؛ مع وقوع انتهاكات تصل حد استخدام الاغتصاب كسلاح، مثلما ارتكب الجنجويد ذلك في دارفور، وبإشراف الجيش، وتصفيق الإسلاميين للجنجويد، بل كانوا يصفون كل من وقف ضد الممارسات تلك بأنه من ” الخونة!. وفي الخرطوم، لا يكون الصراع بين جيشين، بل يكون المواطن رقماً في أي حرب مدن، أحياناً استهدافاً، وأحياناً بنيران صديقة، أو اعتداءات تشمل التعذيب، العنف الجنسي، الاغتصاب، النهب، السرقة، احتلال البيوت، والمواطن هو الوحيد الخاسر في الحالتين، فيضطر للنزوح، واللجوء، وهجر البيوت، وتدمير المنشآت،كم تبلغ خسارة الحرب المادية يومياً، البعض قدر الخسارة بحوالي 500 مليون دولار يوميا، ويشمل ذلك التسليح، العتاد الحربي، الوقود، الغذاء، تدمير البيوت والمنشآت المدنية، والفرص الضائعة، هو رقم ليس سهلاً لبلد مثل السودان، قل إن الرقم غير دقيق، كما ياترى؟ مائة مليون دولار يومياً؟ خمسين مليون دولار يومياً؟ قل عشرين مليون يومياً.هل هذا بسيط؟، وهل تعطلت المستشفيات؟ هل حدث اغتصاب لعدد من النساء. إنها الحرب!، وهل صرخ الأطفال هلعاً؟ هي الحرب؟، وهل تعطلت المدارس؟ إنها الحرب!، وهل تم تدمير مستشفيات؟ إنها الحرب!.ماذا تتوقعون من الحروب غير الدماء والدموع؟ وهل كنتم تتوقعون أنها ستكون رحلة قصيرة تنتهي في سويعات؟ أو لم يأتيكيم حديث دارفور ؟ جبال النوبة؟ النيل الأزرق؟ شرق السودان؟ أما الجنوب؟؟ أنا ما بجيب سيرة الجنوب؟هل دعاة الحرب سعداء؟ هل متصالحين مع أنفسهم؟ هل يعيشون تحت القصف اليومي؟ هل يعانون في سبيل الوصول الى المستشفيات؟ هل رأوا الجثث تأكلها الكلاب والقطط؟ هل أزكمت روائح الموت أنوفهم؟ هل هم في دائرة الخطر؟ أم يعيشون في مدن الخليج؟ القاهرة؟ أوروبا؟ أمريكا؟ وهل ياترى تصل أصوات الدانات هناك؟ وهل يهز أزيز الطائرات قلوبهم؟ حين قلنا لا للحرب، ندرك كل ذلك، وندرك أنها قد تطول، ربما أعوام؟ هل تتوقعون أن تنتهي غدا؟ هل كانوا يتوقعون أن تنتهي خلال ساعات؟ لذلك قلنا لا للحرب.
قلنا لا للحرب لأن من يشعلونها يريدون إعادة هندسة المشهد السياسي بالدماء، ترسيم الحدود بالجماجم.من يتوهمون أننا نقول لا للحرب خوفاً على هزيمة قوات الدعم السريع، أنتم كاذبون، منغلقون في أوهامكم.
نحن قلنا لا للحرب قبل أن تبدأ فكيف نقولها حتى لا يهزم الدعم السريع؟ وماذا نستفيد من انتصار الدعم السريع أو هزيمة الجيش؟ نحن مبدأنا دمج كل الجيوش في جيشٍ واحد، نحن ضد تعدد الجيوش، أنتم من أسستم للتعدد.
لا نزال نقول لا للحرب، والدعم السريع يسيطر على أجزاء من القيادة العامة، القصر الجمهوري، مجلس الوزراء، الوزارات، الإذاعة والتلفزيون، مصفاة الجيلي، التصنيع الحربي، اليرموك، الاحتياطي المركزي، ومناطق الخرطوم والعمارات والديوم والرياض والمنشية وبحري وشرق النيل، وبعض من أم درمان،، مساحات شاسعة من دارفور، أجزاء من كردفان والنيل الأبيض، والجزيرة. هذه هي الحقيقة.
ومع ذلك نقول لا للحرب..دعاة الحرب يتحدثون عن تداعيات، آثار الحرب، ونحن نتحدث عن الحرب ذاتها لا نتائجها.. وشتان بين بين! ومع ذلك أدنا انتهاكات الجنجويد في دارفور، وندين انتهاكات الدعم السريع في الخرطوم ودرفور، وندين انتهاكات الجيش في الجبال وفي الجنوب وفي تابت ودارفور والخرطوم والنيل الأزرق. أكملت الحرب ١٨٥ يوماً، أي دخلت شهرها السابع، هل كنتم تظنون أنها ستستمر كل هذه المدة؟ متى تنتهي؟لذلك نقول لا للحرب.لأن الحرب استمرت أربعين عاماً ثم قسمت السودان إلى نصفين، واذا استمرت هذه المرة ستقسم المقسم آلى ثلاثة أجزاء جديدة، وبعد ماذا؟ بعد موت مئات الآلاف؟ اغتصاب آلاف النساء؟ انهيار كل البيوت؟ تحول العاصمة إلى بيوت أشباح؟ .ونقول لا للحرب، لأنها ضد ثورة ديسمبر، امتداد لانقلاب المؤسسة العسكرية بجناحيها.