Friday , 29 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

قوات الدعم السريع ومشروع دمجها في الجيش دون إطار عام للإصلاح…حل أم كارثة ؟

د. أسماء ميرغني

د. أسماء ميرغني

القراءة المتأنية للاتفاق السياسي الإطاري الذي تم التوقيع عليه بين قوى مدنية وعسكرية في السودان في الخامس من ديسمبر 2022 والذي يحدد رأس الدولة قائدًا أعلى لقوات الدعم السريع أسوة بالقوات المسلحة تجعل التخوف من تحول قوات الدعم السريع إلى “حرس رئاسي”مبررًا؛ فقد عرف الاتفاق الاطاري في الفقرة المعنونة (رابعًا القوات النظامية _ قوات الدعم السريع _ البند 1) قوات الدعم السريع بأنها “قوات عسكرية تتبع للقوات المسلحة ويحدد القانون أهدافها ومهامها ويكون رأس الدولة قائدا أعلى لقوات الدعم السريع” مما يضع النص القانوني، عند إجراء تحليل مبدئى للمهددات والفرص، في خانة المهددات، فالتراتبية القتالية وسلسلة القيادة الوظيفية تتطلب أن تتبع قيادة قوات الدعم السريع مباشرة للقوات المسلحة لا لرأس الدولة، طالما أعتبرت قانونيًا قوات عسكرية تتبع للقوات المسلحة. إن النصوص القانونية المتناقضة، تمامًا كتلك الفضفاضة (حمالة الأوجه) وغير واضحة الدلالة تعتبر من أهم العوائق أمام نجاح مشاريع الإصلاح الأمني والعسكري.

في ذات السياق المعظم للمهددات التى تجعل من تحقيق تحول ديمقراطي مستدام حلم صعب المنال في السودان، وليس فقط عملية الإصلاح الأمني والعسكري، نجد أن الاتفاق الاطاري حوى في أحد بنوده مشروع “دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة” فيما يتعلق بتفيذ السياسات المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري وفق خطة الحكومة الانتقالية وصولًا لجيش قومي مهني إحترافي واحد، كما ورد نصا فيه، مما يعزز المخاوف من تقنين وضع قد يخلق واقع يعظم المهددات أمام تحقيق مشروع التحول الديمقراطي المستدام في السودان، لأن إعتماد مشاريع محددة للإصلاح الأمني والعسكري يتطلب أن تتقدمه عدة خطوات ضرورية تمكن من تحديد طبيعته ومساره، يمكن إيجازها في الإتي:

– تقييم دقيق للتهديدات الخارجية والتحديات الأمنية والعسكرية الداخلية مما يمكن من تحديد حجم القوات المسلحة، فالطابع الاحترافي المنشود للقوات المسلحة يتطلب تفادي الوقوع في فخ تضخم القطاع الأمني والعسكري.
– تحديد مسؤوليات ووظائف الأجهزة الأمنية المختلفة، فتحقيق الاحترافية العسكرية يتطلب أنظمة وموارد فعالة ومهارات فائقة للقيام بمهام ناجحة.
– تحديد الرؤية والمهمة (الرسالة) المحددة للقوات المسلحة.
– توفر المعلومات المتعلقة بسلسلة القيادة command profile والمظلة المالية financial architecture لقوات الدعم السريع لأهميتها القصوى في تحديد ورسم مسار متحكم به للوصول إلى جيش وطني واحد في السودان بعيدا عن تأثير النفوذ السياسي الذي تتمتع به.
– تحديد المبادئ الأساسية للسياسات الأمنية والدفاعية وتطوير إستراتيجيات تجسر الهوة بين التهديدات الخارجية والداخلية مما يمكن من التقليص التدريجي لدور الأجهزة الأمنية والعسكرية في الهيئة السياسية ويساهم في تصميم برامج تدريب محكمة تعزز من إحترافيتها.

إن التجارب الأفريقية فيما يتعلق بقوات الحرس الرئاسي، التى تحولت إلى قوة تقف خلف الأنظمة الشمولية في كثير من دول القارة، كما حدث في بوركينا فاسو حيث شكلت هذه القوات عنصر سياسي رئيسي خلال أحداث التمرد في 2011 أجبرت رئيس الوزراء (حينها) تيرتيوس زونجو وحكومته إلى التنحي وطرد معظم القادة العسكريين الرئيسين، وكذلك ما قام به قائد كتيبة الأمن الرئاسية في موريتانيا لمدة تعدت 15 عاما، اللواء محمد ولد عبدالعزيز بقيادة إنقلاب عسكري ضد الرئيس معاوية ولد الطايع في 2008 تسلم على إثره السلطة في البلاد، رغم تصديه وإحباطه لمحاولتين إنقلابيتين سابقتين قبل أن يقود الثالثة بنفسه! كذلك الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث لعبت قوات الحرس الرئاسي دورًا حاسمًا في عمليات القمع التى صاحبت الانتخابات في عام 2012 مما ساعد النظام القائم في الحفاظ على السلطة، ولم تكن النيجر استثناء فقد تولى قائد الحرس الرئاسي الرائد داوود ملام وانكي السلطة بعد تنفيذ عملية اغتيال للرئيس إبراهيم بير ماينسارا في عام 1999، مما مهد الطريق أمام الضابط السابق في الجيش النيجري، والمدعوم من الحرس الرئاسي، مامادو تانجا للفوز في الانتخابات التى نظمت في نفس العام. لم تسلم غينيا أيضا من مخاطر القوات العسكرية الموالية للسلطة الحاكمة، فشهدت القارة الأفريقية باسرها مجزرة الاستاد الوطني التى نفذتها قوات الحرس الرئاسي في غينيا في حق المتظاهرين ضد رئيس المجلس العسكري داديس كامارا في عام 2009 حيث تم قتل 157 شخصًا وجرح أكثر من 1200، كما تم توثيق 63 حالة إغتصاب لسيدات وفتيات، دللت على أن القواسم المشتركة بين هذه القوات جعلت منها قوة تقف خلف الأنظمة غير الديمقراطية، وهي في المجمل:

– قوات مسلحة تتبع مباشرة لرئيس الدولة ولا تخضع لسيطرة وزارة الدفاع أو قائد الجيش ورئيس هيئة الأركان.
– قوات مسيسة بدرجة عالية، تتصف بوجود ثغرات في سلسلة القيادة الوظيفة الخاصة بها وخلل في البروتوكول التأديبي، تؤشر اليه المزاعم المتكررة التى تلاحق بعض منتسبيها بارتكاب إنتهاكات لحقوق الإنسان.
– لدى بعضها تحيزات عرقية واضحة مما أنعكس سلبًا في غياب الكفاءة للقوة القائمة على الجدارة التي تتطلبها قوات النخبة كالحرس الرئاسي، فضلًا على افتقارها للبناء الهيكلي الذي يمكنها من الالتزام بالمعايير المتبعة في بناء الجيوش المحترفة.
– تتمتع جميعها بنفوذ كبير بالنسبة إلى السلطة السياسية مما جعلها تبدو وكأنها جيش داخل الجيش, كما عمل قادتها كرادع لبقية القوات المسلحة خاصة فيما يتعلق بأداء وظيفتها وفق الدستور.
-أظهرت حساسية تجاه الإصلاحات التى يمكن أن تقلل من نفوذها وإمتيازات قادتها مما جعل منتسبيها مصدر معيق لإدارة قطاع الأمن بمهنية، فضلا على إعاقة مشاريع الإصلاحات المحتملة.

عليه، ما يمكن أن يستخلص من كل هذه التجارب الأهمية القصوى للتداخل والتسلسل عند وضع الإطار العام لعملية الإصلاح الأمني والعسكري، فضلًا على أهمية ضبط النصوص القانونية بما يضمن تحقيق المشروع الأهم للتحول الديمقراطي المستدام في السودان وهو إمتلاك السودان لقوات مسلحة بقيادة موحدة (جيش وطني واحد) كما جاء في الاتفاق الإطاري وما جاء في إستراتيجية الدفاع التى طرحتها وزارة الدفاع بحكومة الظل بحزب بناء السودان.

وزيرة الدفاع
حكومة الظل
حزب بناء السودان
20 يناير 2023