زغاوة في ضوء التاريخ والجغرافيا والثقافة.
حسين اركو مناوى
ما جاء في كتب التاريخ عن شعب الزغاوة, يُعد إلى حد كبير مصدر مهم لمعرفة الحدود الزمانية والمكانية لتاريخ وجغرافية المجموعة السكانية التي ارتبطت بهذا الاسم في الماضي والحاضر. تؤكد المعلومات الواردة في التاريخ, أنّ الزغاوة مجموعة سكانية قديمة لمنطقة جغرافية واسعة تمتد ما بين النيل شرقاً حتى مناطق حوض بحيرة تشاد غرباً و شمالا حتى منطقة فزان في ليبيا. وقد ذكرها بطلميوس قبل الميلاد بقرون من ضمن شعوب النيل كما جاء ذكرها في أشعار الشاعر أبو العلاء المعري في القرن العاشر الميلادي إلا أنه لم يعط تحديداً دقيقاً للمناطق التي سكنوها.
منذ مطلع العصور الوسطى حتى بداية القرن العشرين توفرت معلومات تاريخية مهمة عن الزغاوة من كتابات الجغرافيين والمؤرخين العرب والغربيين عن ممالكهم في غرب ووسط أفريقيا عُرفت بمملكة كانم -برنو, كما ذكر بعض كتّاب التاريخ عن علاقة الزغاوة بمملكة مروي القديمة وهجرتهم الى الغرب بعد انهيار هذه المملكة العظيمة ودورهم الكبير في نشر الحضارة السودانية ومنهم الأنثروبولوجي EVA L.R. Meyerowitz.
فى التاريخ الحديث ارتبط اسم زغاوة بمجموعة أثنية تواجدت على مساحة جغرافية محدودة في السودان وتشاد, وتركز وجودهم في السودان فى الوقت الحاضر في منطقة اقصى شمال غرب دارفور وفي المناطق الشمالية الشرقية لدولة تشاد. وجودهم في هذه المنطقة من السودان منذ قرون مع قبائل تشترك معها في الحدود مثل البرتى والزيادية والميدوب وبنى حسين وتنجر والقمر. , وفى تشاد تشترك الحدود مع القرعان في أقصى شمال تشاد والبرقو في إقليم ودّاي والتاما فى قريضة والداجو فى قوز بيضة. شعب الزغاوة اليوم يشكلون مجموعة أثنية كبيرة تنقسم الى حوالى اربع مجموعات كبيرة كل منها بمثابة قبيلة وتُعرف المجموعات ب وقى, وتوبا (البديات) و كوبرا ودرونق. كما ينقسم المجتمع الزغاوى إلى طبقتين اجتماعيتين, طبقة ماى وغير ماى. ولا يُعرف كيف ومتى نشأت هذه الطبقية وهناك جدل واسع يثار اليوم بين أبناء القبيلة وخاصة وسط الطبقة المتعلمة حول دواعي وجود الطبقية داخل مكون أثنى واحد لا يختلف كثيراً في العادات والتقاليد والثقافة.
المعلومات المتوفرة عن أصل الزغاوة شحيحة وآراء متباينة جاءت من خلال كتابات الجغرافيين العرب أمثال قلقشندي والإدريسي وابن خلدون واليعقوبي ومن بعض الكتاب الغربيين أمثال هنريتش بارث واركل وقد اختلفت الآراء حول أصل الزغاوة. هناك محاولات واجتهادات من الجغرافيين العرب لربط الزغاوة بالعرب العاربة او حميريون, وآراء اخرى تقول انهم من الشعوب الليبية القديمة أو من برابرة حاميون. مع هذا التضارب في الآراء, لا زال نحن فى حاجة الى مزيد من البحث لمعرفة أصل شعب الزغاوة وقد يساعدنا عنصر اللغة في معرفة بعض الخصائص التي تحدد ملامح أصل الزغاوة, وفى هذا, أول سؤال يتبادر إلى ذهن القارئ أو المستمع خاصة إلى ذهن من له المعرفة بزغاوة ولو قليل هو ما الفرق بين الاسمين, زغاوة (Zaghawa) الذي يتم تداوله على نطاق واسع داخل السودان وخارجه واسم بري (Beri او, Biri) الذي عادة تستخدمه القبيلة اليوم فى حدود جغرافية واجتماعية محدودة. لا توجد مراجع محددة تطرقت إلى هذا الجانب ولكن ظاهرة الازدواجية فى الأسماء شائعة في ثقافة المجتمع البشرى. ولمعرفة الفرق بينهما لا بد من معرفة الفرق بين مصطلحين مهمين في تسمية الأسماء الجغرافية والأمكنة والشعوب, وهما مصطلح ( endonym و exonym). أحدهما يدل على الاسم الخارجي والآخر على الاسم الداخلي.
حقيقة وجود اسمين أو أكثر لشئ ما, أحدهما اسم محلى او داخلي والأخر اسم خارجي هي حقيقة قديمة وواسعة الانتشار لدى المجتمع البشري عبر التاريخ. اقرب مثال لهذه الظاهرة هو نموذج دولة ألمانيا. الاسم المتداول لدولة ألمانيا داخلياً عند الشعب الألماني هو Deutschland والاسم المتداول فى بريطانيا وكثير من دول العالم هو Germany وعندما يكون المرء داخل المجتمع الألماني في دولتهم قد لا يسمع هذا الاسم الخارجي متداولاً بين أفراد المجتمع الألماني. وكذا الحال نادراً ما تسمع كلمة Egypt لمصر عند الشعب المصري داخل وطنهم مصر كما نجد استخدام كلمة الصينيين عند العرب و Chinese عند الإنجليز ولكن عند الشعب الصيني يسمون أنفسهم باسم غير هذين الأسمين. ومن أمثلة ازدواجية التسمية, نجد الزغاوة يسمون البرتى ب (دوقا) والميدوب ب(ديديه,) وهكذا تنطبق ظاهرة endonym و exonym عند استخدام اسمي زغاوة وبرى .
الاسمان زغاوة وبرى وفق التعريف أعلاه يتم تداولهما في دوائر اجتماعية وسياسية مختلفة إضافة إلى استخدامهما في نطاقين جغرافيين مختلفين. الاسم (برى او Beri) هو الاسم الشائع لدى القبيلة في منطقة جغرافية محدودة تمتد من أقصى الشمال الغربى لدارفور إلى المناطق الشمالية الشرقية لدولة تشاد الحالية ويُعرف زغاوة تاريخياً عند الآخرين بسكان هذه المنطقة الجغرافية قبل أن ترسم القوى الاستعمارية حدوداً لرقعة جغرافية ويطلق عليها سياسياً وجغرافياً اسم السودان وتشاد في مطلع القرن العشرين وهى منطقة غنية بتراث قبيلة زغاوة وبأسمائهم وأحداث تاريخية ذات صلة بهم منذ قرون طويلة, وهم يسمون أنفسهم ب (برى او Beri), ويتم تداول هذا الاسم محلياً أو داخلياً (endonym) فى هذا النطاق الجغرافي والاجتماعي المحدودين. أما عند المجتمع الخارجى نجد استخدام كلمة برى خارج هذا المحيط الاجتماعي وخارج هذا النطاق الجغرافي لا قيمة له ولن يكون مألوفاً عند الآخرين لأن الآخر او المجتمع الخارجي قد استخدم ولا زال يستخدم كلمة زغاوة exonym اسما على برى.
شعب زغاوة ينتمون إلى العائلة اللغوية النيلية الصحراوية Nilo-Saharan التي يتحدثها أكثر من 50 مليون نسمة تغطى مساحة جغرافية واسعة تشمل مناطق حوض شارى وحدود نهر النيل شمالاً عند حدود النوبة التاريخية وجنوباً عند مناطق القبائل النيلية .
لغة زغاوة كما اسلفنا تنتمى الى نيلية صحراوية التى تشكل عدة لغات يمكن تصنيفها إلى أكثر من سبع مجموعات من بينها ١- لغة البرتا ٢- لغات سودانية وسطى مثل لغة لغة الجور ٣-لغات سودانية شرقية مثل التاما وارينقا ٤-لغات نيلية مثل الدينكا والنوير ٥- لغات مابيه مثل المساليت ٦- لغات صحراوية مثل البرتى وتيدا وقرعان والزغاوة وكانورى ٧- لغات السونغاى ٨- لغات فوراوية مثل الفور.
من خلال هذا التصنيف اللغوي وبناءاً على نظرية العلاقة الوراثية بين اللغات يمكن بسهولة تصنيف الزغاوة فى قائمة المجموعات الإثنية التي لا ترتبط بسلالات محددة من بينها الامهرا والأمازيغ والعرب عكس ما زعمته بعض المراجع التاريخية بأن للزغاوة صلة بالعرب, لأنّ زغاوة وفق العائلة اللغوية ينتمون الى المجموعة الأفريقية مع أصحاب اللغات النيلية الصحراوية مثل مساليت والرينقا وتيدا-دازا وقرعان والبرتى وكانورى وأصحاب لغات السونغاى, وهى اللغات التى تُعرف ب tonal languages وأقرب ترجمة لها اللغات النغمية التي تلعب فيها النغمات دورا واضحاً,هبوطاً وصعوداً لتحديد معنى المفردات والبنية النحوية وهي لغات تختلف تماماً عن عائلة الافرو-آسيوية مثل اللغة العربية والأمهرية والصومالية والامازيغية التي تتميز عن عائلة النيلية الصحراوية في أنها لغات ذات كثافة عالية من التأنيث والتذكير وتعتمد الكلمة على الاشتقاق كما تتميز بمخارج محددة مثل ح او ع وهى خواص تنعدم عند لغة زغاوة.
من حيث التاريخ نجد حقبة العصور الوسطى هى الحقبة التى توفرت بعض المصادر عن تاريخ الزغاوة وفق مراجع محددة وبالتحديد منذ بداية القرن الثامن الميلادى. ففى هذه الحقبة ارتبط تاريخ الزغاوة بشكل رئيسى بإحدى الممالك العظيمة فى منطقة وسط وغرب أفريقيا فى فترة ما بين ( 700-1086م) حيث ذكر المؤرخون أن الزغاوة اسسوا مملكة كانم العظيمة أو ما يعرف بمملكة دقاوة Duguwa او Dougouwa طبقاً للكتاب Girgam الذى حققه الرحالة الألماني هنريش بارث Henrich Parth اما عند الرحالة العرب ومنهم الادريسى وقلنقنشدى وابن خلدون ومهلبى ,أطلقوا على مملكة كانم بمملكة الزغاوة مع اختلاف قليل في النطق عند هنريش بارث . أما Dierk Lange فى مقال مطول بعنوان Ethnogenesis from within the Chadic State ; some thoughts on the history of Kanem-Burno,يشير أنّ المؤرخين والرحالة العرب ما عدا اليعقوبي ينسبون المملكة الشادية العظيمة الى الاسم القبلى الزغاوة وليس الى الاسم الاقليمى كانم. ويرى ايضاً الكتّاب العرب لم يستخدموا الاسم زغاوة بعد القرن الثاني عشر الميلادي وخاصة بعد أن انتقلت السلطة إلى السيفويون الذين يقال أنهم من البربر وفي رأيه انتقال السلطة إلى السيفويين نتج عنه مشكلات سياسية ودينية في مملكة كانم المعروفة بمملكة الزغاوة.
وقد ربط إبراهيم علي طرخان زغاوة بالماغوميين الذين تولوا على مقاليد الحكم في مملكة كانم خلفاً الزغاوة فى القرن التاسع الميلادى وقد ذكر طرخان الماغوميين هم من أصول البرابرة وفى وثائقهم اشارو الى أنّ زغاوة أسلافهم ويُعْرفون بالكيين باللغة المروية أىّ الاشراف او النبلاء ومن حيث اللغة والوثائق التاريخية,هناك مؤشرات للعلاقة غير المباشرة بين مملكة مروى والزغاوة وقد ألمح A.J Arkell الى علاقة بين الزغاوة ومرويين من خلال اللغة حيث ذكر في كتابه تاريخ دارفور ما بين (1200-1700م) هناك ربط بين الزغاوة والتنجر ومرويين من خلال استخدام مفردة الملك او السلطان. يقول اركل كلمة Kirati عند التنجر تعنى الزعيم او الرئيس ويرى بالتاكيد هذه الكلمة مرتطبة بكلمة كيرى او السلطان Kiri عند الزغاوة ومن المحتمل مرتبطة ايضاً بكلمة Gere الملك عند مرويين .
عن علاقة زغاوة بالحضارة المروية يذكر الانثروبولوجي EVA L.R. Meyrowitz فى مقال مطول بعنوان The Origin of the Sudanic Civilization نُشر بواسطة دار النشر Nomos Verlagsgesellschaft يقول فى مقاله إنّه ما بين القرنين الأول والثانى الميلادى بدأ من مملكة مروى ميلاد الحضارة السودانية ويقصد بالحضارة السودانية بالسودان الافريقى الممتد من موريتانيا غربا إلى إثيوبيا شرقاً ويقول أنّ مهمة انتشار هذه الحضارة فى السودان الافريقى كانت على عاتق شعب Zaga وفسره بين قوسين ب Zaghawa وقد ذكر الكاتب كثيراً من المناطق التي انتشرت فيها هذه الحضارة السودانية بفضل شعب الزغاوة ومن المناطق التى جاء ذكرها, فزان والصحراء الشرقية ومناطق بحيرة تشاد والنيجر الوسطى و منحنى النيجر وغانا القديمة. فى مقاله يشير Eva أن انتشار الحضارة السودانية من مروي في القرن الأول والثانى بدأ فى مناطق الصحراء الشرقية وفزان وموريتانيا وفي القرن السابع الميلادي انتشرت من فزان الى مناطق حوض بحيرة تشاد والنيجر الوسطى و منحنى النيجر ويقول الزغاوة لهم فضل الانتشار بحكم انهم الطبقة الارستقراطية الحاكمة وهم شعب تقاليدهم أشبه بتقاليد المصريين القدماء وشعوب شرق ليبيا فى أنهم matrilineal اى ينتسبون إلى الأم. لكن عادات الزغاوة وتقاليدهم الآن تختلف عما قاله Van فهى الآن قبيلة ابوية والسؤال الذى يطرح نفسه كيف ومتى تحولت زغاوة من تقاليد الانتساب إلى الأم الى الانتساب إلى الأب؟ وهل كان السبب هو تحول امبراطورية كانم إلى امبراطورية إسلامية ونتج عن ذلك تبني شعبها التعاليم الإسلامية التي تدعو الى انتساب الناس إلى ابائهم؟ ويذكر Eva فى مقاله أنّ زغاوة قوم exogamy اى يفضلون الزواج من الخارج وهى سمة جعلت من الزغاوة قوم متعدد اللغات حيث انتشارهم فى إثنيات مختلفة مكنهم من تكوين شعب واسع متباين فى اللغة والعادات فى ممالك مختلفة.
وبهذا الصدد يذكر Vinenct ايضاً أن الاثنيات التي شاركت في تأسيس مملكة برنو -كانم مع الزغاوة تولدت منها لاحقاً مجموعة اثنية كبيرة عرفت ب كانيبو التى تتحدث لغة نيلية صحراوية. ويقول ايضاً أن غارات الطوارق وتوبو على الامبراطورية أدت إلى فقدان السيطرة على الصحراء من المناطق الشرقية لبحيرة تشاد في القرن الثامن الميلادى.
الإشارة التى وردت فى مقال Eva فى أن زغاوة لهم الفضل فى انتشار الحضارة السودانية تنسجم كثيراً مع الوقائع التاريخية التي ذكرها كثير من المؤرخين والجغرافيين العرب.
فباتفاق معظم المؤرخين والجغرافيين أن امبراطورية كانم تأسست على يد الزغاوة إلا أن هناك عدد كبير من الاثنيات شاركت فى إزدهار هذه الإمبراطورية حيث يذكر Vicent Hiribarren من جامعة King’s College London أن إمبراطورية كانم-برنو التى تأسست على يد Duguwa كانت من ضمن اقوى الامبراطوريات في غرب أفريقيا مع إمبراطورية غانا (300 ق م- 1100م) ومالى(1235م -_1670م) وسونغاى ( 1464م – 1591م). كما أنها مثال اصلى لمملكة افريقية قديمة ما قبل الاستعمار, وكانت للإمبراطورية علاقات دبلوماسية واسعة مع المغرب والامبراطورية العثمانية وبقية العالم الإسلامي.
المعلومات التاريخية المتوفرة عن الزغاوة.
تدعم بقوة الاتجاه الذي يوحي بأن الزغاوة شعب تشكل نتيجة لعدة عوامل, أهمها المصاهرة مع قبائل أخرى عبر حقب تاريخية اتسمت بحركة سكانية كبيرة نتيجة لمؤثرات سياسية ناتجة عن الصراع حول الحكم فى مملكة كانم -برنو وربما تداعيات انهيار مملكة مروي التي أدت إلى هجرات إلى مناطق شمال ووسط وغرب أفريقيا.
أول وأقوى عنصر يدل على وحدة شعب الزغاوة اليوم هو عنصر الثقافة وخاصة اللغة, وتأتى وشائج الدم فى المرتبة الثانية. للزغاوة كما أشرنا إليه من قبل أربع مجموعات كبيرة هي ويقى وكوبى وتوبا ودورنق, تكاد كل مجموعة تتميز بلهجة خاصة وإن كان هناك وجه الشبه بين لهجة توبا ولهجة كوبي فى المخارج وطريقة نطق الكلمات . أما الفرعين الآخرين , ويقى ودورنق كل منهما يتحدث لهجة مميزة عن الاخرى وأيضاً مميزة عن لهجات توبا وكوبى. بالرغم من اختلاف اللهجات فٱنّ وحدة لغة الزغاوة اليوم تشكل معيارية لوحدة شعب الزغاوة حيث تتفق كل المجموعات الأربع في بنية اللغة التي يتحدثونها سواء في بناء الجملة او الاصوات او معظم المعاني والدلالات , فقط هناك خلاف طفيف في بعض المفردات ومخارج الأصوات, وهذا الخلاف هو جوهر اللهجة.
إجتماعياً الزغاوة اليوم عبارة عن عائلات كبيرة كل عائلة تُعرف من خلال جدها الأكبر ولكن لا يوجد رابط يجمع هذه العائلات في جد واحد يمثلهم الجذر الأصلي للقبيلة, وروايات الانتساب عند بطون الزغاوة رويات شفهية متشعبة وبعض منها متناقضة إلى درجة بعض بطون الزغاوة يدّعون انهم ينحدرون من أصول عربية بالأخص من البيت النبوي ولا غرابة وهى ثقافة سائدة في السودان ويمكن أن نطلق عليها آفة الانتساب الى العروبة ولا تنحصر هذه الثقافة في قبيلة الزغاوة وحدها إنما هي ظاهرة منتشرة عند كثير من قبائل وبيوتات سودانية التي تتخذ من مثل هذا الانتساب فخراً لها.
وفق المعطيات الثقافية والاجتماعية عند الزغاوة يمكن أن نلاحظ بسهولة أنه لا تتوفر حتى الآن مراجع قطعية وآراء جازمة حول وجود رابط دم مشترك يعود إلى جد أعلى ينتسب إليه جميع الزغاوة والتفسير المنطقي لذلك هو ثمة حقب زمنية طويلة مرت بشعب الزغاوة ولم تجد حظاً في التوثيق المكتوب وهى مسافة زمنية طويلة منذ التاريخ السحيق بدءاً بما أشار إليه كتّاب التاريخ مثل بطليموس مرورا بما قاله الشعراء أمثال أبى العلاء المعرى وانتهاء بفترة العصور الوسطى التي فيها كثير من الجغرافيين العرب كتبوا عن مملكة كانم-برنو وعلاقتها بالزغاوة. عبر هذه القرون الطويلة لا شك الزغاوة تعرضوا لتقلبات اجتماعية وسياسية أجبرتهم على حركة سكانية مزلزلة ويبدو في هذه الأثناء تلاشت علاقات الانتساب بينهم رويداً رويداً بسبب الاختلاط المستمر بشعوب اخرى أثناء الحركة السكانية وتبعاً لذلك ضاعت حلقات مهمة من تاريخ الزغاوة ذهبت معها التفاصيل الدقيقة عن شجرة النسب التي يمكن أن تجمعهم في جد واحد. إلا أن الروابط الأخرى لا زالت قوية تتجسد في شكل اللغة والثقافة والعادات والتقاليد والروابط التاريخية والجغرافية.