حقائق وأكاذيب حول انقلاب 25 أكتوبر في السودان
خالد مختار سالم
[email protected]
“تقطع الكذبة نصف الطريق حول العالم قبل أن تتاح للحقيقة فرصة ارتداء ملابسها”
ونستون تشرشل
انقلاب بلا خطة
أدى انقلاب 25 أكتوبر 2021 في السودان إلى عدم وجود حكومة مدنية قادرة على إدارة البلاد. تفاقم تأثير هذا الغياب بسبب عجز الانقلابيين عن تشكيل حكومة أو مجلس وزراء قادر على إدارة شؤون البلاد . يحاول الكثيرون في المعسكر العسكري، بقيادة قائد الانقلاب الفريق عبد الفتاح البرهان، تبرير هذا الفشل في تشكيل الحكومة بحجة أنهم يسعون إلى توافق وطني. وللسخرية فإن هذا التوافق هو الذي نفذوا انقلابا عسكريا ضده في 25 أكتوبر، بحجة عدم وجود تمثيل شامل، وهو الامر لم يتحقق بعد ستة اشهر من انقلاب 25 أكتوبر، الذي أغرق البلاد في دوامة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن عشرات الشهداء والجرحى الذين سقطوا نتيجة للقمع والرصاص.
الحقيقة هي أنهم حاولوا عدة مرات تعيين حكومة ورئيس وزراء. وتم تداول عدد من الأسماء على الملأ منذ اليوم الأول للانقلاب، وتم الاتصال بالعديد من هولاء المرشحين بواسطة ممثلين مختلفين لسلطات الانقلاب الذين اسرفوا في تقديم الوعود و الاغراءات المختلفة. بالطبع، وافق بعض – إن لم يكن الكثير من – هؤلاء المرشحين، إما مع بعض الشروط الشكلية أو تهافتاً على المنصب دون أي شروط. لكن سبب فشل الانقلابيين في تعيين أي منهم كان سببا جوهريا؛ وهو عدم قدرة شركاء الانقلاب على الاتفاق على تشكيل حكومة.
لا ينبغي لأحد أن ينخدع بمبررات قادة الانقلاب للجريمة التي ارتكبوها في 25 أكتوبر. الانقلابات لا يمكن تبريرها بأي شيء وهي جرائم. الادعاءات حول تأثير الصراع السياسي المدني والاختلافات بين المدنيين، والتبرير المفضل الذي يتم تسويقه من قبل الانقلابيين وعملائهم في الاتحاد الأفريقي؛ وعلى رأسهم مبعوث الاتحاد الأفريقي (محمد الحسن ولد لبات)، الذي اصبح يلقب على نطاق واسع في الأوساط السياسية السودانية بتاجر البندقية، للمجتمع الدولي والأمم المتحدة حول عدم وجود انقسامات بين المدنيين، ليست سوى حملة تشويه للحقائق ينظمها أولئك الذين يريدون إنشاء ديكتاتورية جديدة في السودان. أولئك الذين يصدقونها وينشرونها في دوائر المجتمع الدولي ليسوا سوى رسل الشمولية والديكتاتورية في القرن الحادي والعشرين.
من هم الانقلابيون؟
استثمر الانقلابيون العسكريون في إنشاء تحالف سياسي خاضع لتحكمهم ليكونوا عملاءهم في خلق صورة وهمية للانقسام بين المدنيين. قلد تحالف الانقلابيين المدنيين نفس اسم التحالف الأصلي من خلال تسمية نفسه قوى الحرية والتغيير – الميثاق الوطني. وتكون هذا التحالف من جهات مختلفة تسعى إلى السلطة السياسية وتراكم الثروة كهدفها الوحيد من المرحلة الانتقالية في السودان. باختصار فإنه تحالف أولئك الذين ينظرون إلى الانتقال فب السودان على أنه استبدال للنخبة الإسلامية الفاسدة التي حكمت من خلال حزب المؤتمر الوطني، بطبقة فاسدة جديدة لا تزال تكنز ثروات البلاد وتنهبها لمصلحتها الخاصة. وفي ذلك يتم استخدام الذرائع الاثنية والمناطقية بشكل مخادع ومفرط من اجل تبرير ذلك. ولكن ما الاسم؟ فمهما اطلقوا على الفساد اي اسم اخر، ستظل رائحته كريهة.
بعض الذين هولاء الذين يشكلون التحالف المدني المؤيد للانقلاب هم من الطامحين السياسيين الذين تم رشوتهم برتب ومناصب حكومية في الشركات المملوكة للجيش – مثل مبارك أردول، مدير الشركة الحكومية لإدارة الموارد المعدنية، التي تتحكم في استخراج وتصدير الذهب، وعلي عسكوري، الذي تم منحه عضوية مجلس إدارة منظومة الصناعات العسكرية، بالإضافة إلى تعيينه مديرا ماليا لشركة زادنا، وهو مشروع زراعي ضخم مملوك للجيش ويضع يده على ملايين الافندة من الاراضي الزراعية الخصبة. ترك الرجلان الحركة الشعبية لتحرير السودان لأسباب تتعلق بطموحاتهما الشخصية قبل توقيع اتفاق جوبا للسلام. طالب عسكوري بالحاح إدراجه في وفد تفاوض الحركة الشعبية للإنخراط فيما عرف بالتفاوض على ما عرف بمسار الوسط في اتفاقية سلام جوبا، طامحاً في ان تقوم الحركة الشعبية لاحقا بترشيحه لمنصب والي ولاية نهر النيل، في حين اعترض أردول على تأخير الحركة الشعبية في الدخول في اتفاق تقاسم السلطة في عام 2019 وإصرارها – مع بقية الجبهة الثورية – على وجود عملية منفصلة لمفاوضات السلام، وهو ما أخر انضمامها إلى الحكومة الانتقالية حتى أكتوبر 2020. وعندما لم يتحقق للرجلين مرادهما، انفصلا عن الحركة الشعبية لتحرير السودان في أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020 وبدأوا اتصالاتهما بالمكون العسكري، الذي لم يتردد في الضغط من اجل تسكينهم في مناصب حكومية. وفي عام 2021، قاموا وبدعم مباشر من الاستخبارات العسكرية بتكوين ما أصبح يعرف باسم التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية قبل بضعة أشهر فقط من الانقلاب.
علاوة على ذلك، لم تهمل الاستخبارات العسكرية استخدام منتجاتها السابقة في تكوين هذا التحالف، وبالتحديد حركة تمازج. تتكون هذه الحركة بالاساس من مجموعة من المرتزقة السودانيين الشماليين الذين انخرطوا في الحرب الأهلية في جنوب السودان. وكجزء من وساطة جوبا في مفاوضات السلام السودانية ووساطة الخرطوم للسلام في جنوب السودان، تم ادراجهم في اتفاقية سلام جوبا بغرض إجراء ترتيبات أمنية لدمجهم وتسريحهم في غضون فترة لا تتجاوز سنة واحدة، وفقا لنص الاتفاق. ومع ذلك، منذ توقيع خطة العمل المشتركة، قدمت الاستخبارات العسكرية إلى تمازج دعما ماليا ولوجستيا كبيرا من اجل تعزيز صفوفها. ودشنت تمازج حملة تجنيد واسعة النطاق خلال النصف الأول من عام 2021 مما أدى إلى زيادة هائلة في قواتها. كانت الخطة الأصلية للاستخبارات العسكرية هي استخدام حركة تمارج كأداة لمواجهة قوات الدعم السريع، ولكن مع تسارع المتغيرات السياسية، تم ايكال مهمة سياسية أكثر إلحاحا للحركة. من ناحية أخرى، تسعى تمازج بشدة إلى إضفاء الشرعية على وجودها السياسي وكيانها بعد انتهاء ترتيبات اتفاقية سلام جوبا المحصورة في عام واحد. هذا الانخراط في التحالف المؤيد للانقلاب (الميثاق الوطني) لا يمنحها هذا فحسب، بل يتيح لها أيضا الهوية المدنية التي تسعى لها تمازج وتحتاجها لتبرير وجودها السياسي على المدى الطويل.
وايضا ضم تحالف الانقلابيين المدنيين عددا من احزاب الرجل الواحد الذين كانوا في صفوف الجبهة الثورية أيضا. التوم هجو الذي انشق عن الحزب الاتحادي الديمقراطي وادعى أنه يرأس فصيلا وهميا من الحزب الاتحادي الديمقراطي وانضم إلى الجبهة الثورية التي سعت لتمثيل الحزبين الكبيرين (الامة والاتحادي) في صفوفها بأي شكل قبل الثورة. وقام التوم هجو بتوقيع مسار الوسط الهزلي في اتفاقية جوبا للسلام. وايضا هناك محمد سيد أحمد سر الختم (الجاكومي)، عضو الجبهة الثورية وصاحب التوقيع على مسار الشمال في اتفاق جوبا للسلام. والامين داوود (صاحب العلاقة الوثيقة بتنظيم الجهاد الارتيري) من الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة التي وقعت مسار الشرق في اتفاق جوبا للسلام. ومن المفارقات، ولكنه مفهوم بسبب الطبيعة الانتهازية لهذا التحالف، ان التحالف المدني المؤيد للانقلاب يشمل أيضا الزعيم القبلي الناظر ترك، الذي يدعو إلى إلغاء مسار الشرق في اتفاق سلام جوبا لدرجة أنه قام باغلاق الميناء البحري الرئيسي والوحيد للبلاد في التحضير للانقلاب. كانت دوافع كل هولاء الانقلابيين المدنيين واضحة للغاية. وهي الحصول على حصة من كعكة السلطة التي لم توفرها لهم المسارات الهزلية غير الواقعية وغير القابلة للتنفيذ من اتفاقية جوبا للسلام، لذلك لجأوا إلى الانخراط في دعم الانقلاب للاستيلاء عليها.
لا يوجد سوى مكونين من التحالف الداعم للانقلاب يمكن أخذهما على محمل الجد؛ حركة تحرير السودان – قيادة ميناوي، وحركة العدل والمساواة – قيادة جبريل إبراهيم. كلتا الحركتين موقعتان على مسار دارفور لاتفاق جوبا للسلام. وكلا الحركتين ايضا بعيدتان كل البعد عن ان يتصفا بالقومية. الحركتان مكونتان بالاساس من قبيلة واحدة: قبيلة الزغاوة وكلاهما لهما علاقات وثيقة مع الحكومة التشادية. قامت الحركتان بالاجتماع مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حمدتي) في تشاد في أوائل عام 2019، وذلك قبل توقيع الوثيقة الدستورية او الاتفاق السياسي الذي دشن المرحلة الانتقالية. تم ترتيب الاجتماع بواسطة الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، الذي ينتمي إلى نفس قبيلة الزغاوة. وتفيد الوقائع بأن إصرار ميني ميناوي على تولي منصب حاكم اقليم دارفور بعد توقيع اتفاق سلام جوبا، ورفضه لمقعد مجلس السيادة او أي منصب آخر، كان مستنداً إلى نصيحة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي محمد، وهو سياسي تشادي آخر من نفس قبيلة الزغاوة. لا يخفي فكي طموحاته السياسية في تشاد التي تحتاج الي دعم السودان – وخاصة من دارفور المجاورة لتحقيقها. من ناحية أخرى، اعتبر الكثيرون في الجبهة الثورية والدوائر السياسية السودانية بشكل عام – بما في ذلك ميناوي نفسه – لفترة طويلة جبريل إبراهيم وحركة العدل والمساواة حصان طروادة للإسلاميين. يستند ذلك إلى جذور إنشاء حركة العدل والمساواة التي دعمتها ومولتها مراكز الاسلام السياسي، وايضا الانتماء التاريخي لمؤسس الحركة وزعيمها الراحل خليل إبراهيم وشقيقه الرئيس الحالي جبريل إبراهيم للحركة الإسلامية الاسلامية ونظام حزب المؤتمر الوطني. كان الأخوان زعيمين في الحركة الإسلامية وشغلا مناصب قيادية مهمة منذ انقلاب يونيو 1989 الذي أوصل الإسلاميين إلى السلطة واستمروا فيها حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وكان من المعروف وقتئذ أن جبريل إبراهيم، الرئيس الحالي لحركة العدل والمساواة ووزير المالية كان مسؤول الاتصال الحكومي والضابط المسؤول عن إدارة شؤون أسامة بن لادن خلال إقامته في السودان في التسعينيات. هذا الارتباط وحده يكفي لشرح الهجوم الشرس الذي قاده جبريل وتبعه بقية الانقلابيون ضد لجنة تفكيك التمكين، التي كانت تهدف الي تفكيك مراكز الفساد والنفوذ والسيطرة الإسلامية على جهاز الدولة والاقتصاد.
الردة الكاملة وعودة الإسلاميين
الإسلاميون عامل آخر في المعادلة. مؤخراً، حذر المحبوب عبد السلام، وهو كادر إسلامي سابق ومساعد لفترة طويلة للراحل حسن الترابي، الإسلاميين علانية من إعادة صنع التاريخ من خلال تبني انقلاب آخر وعدم تفهم عمق التغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر 2019. ألقى المحبوب صراحة باللوم على الاسلاميين الذين تبرعوا بالنصيحة السامة للجنرال البرهان بالاستيلاء على السلطة في 25 أكتوبر، في تكرار لما فعلوه في 30 يونيو 1989. [1] وبشكل عملي، فإن دلائل الاحداث تؤكد ما سرده المحبوب.
منذ يناير الماضي، بدأ قادة الانقلاب في إطلاق سراح قادة المؤتمر الوطني، بما فيهم إبراهيم غندور، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول، وأنس عمر، وهو كادر أمني متطرف برتبة لواء في الأمن الشعبي وله علاقات وثيقة مع علي كرتي؛ زعيم الكتائب الأكثر تطرفا بين الإسلاميين. ارتبط كرتي ومجموعته بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. وتزامن ذلك أيضا مع العودة التدريجية لبعض العناصر الإسلامية التي لجأت إلى تركيا بعد انتصار الثورة. علاوة على ذلك، تم تخفيف سجن الرئيس المخلوع عمر البشير بشكل كبير. تم نقل المخلوع، إلى جانب عدد من قادة النظام السابق، مثل نائبه بكري حسن صالح، إلى المستشفى العسكري. وتم تداول مقاطع فيديو للبشير وهو يتجول بحرية في أروقة المستشفى ويزور المرضى ويستقبل الضيوف على وسائل التواصل الاجتماعي. كان من الواضح أن الغرض من مقاطع الفيديو هذه هو إرسال رسالة تطمنين من سلطة الانقلاب للإسلاميين ورفع معنوياتهم. في موازاة مع ذلك، أعاد قادة الانقلاب تعيين الإسلاميين في مناصب حساسة في المؤسسات الأمنية والعسكرية وجهاز الدولة. على سبيل المثال، قام قائد الانقلاب الفريق عبد الفتاح البرهان، المقدم مدثر عثمان كسكرتير لمكتبه في مقر الجيش. المقدم عثمان هو صهر الزعيم الإسلامي الهارب علي كرتي. وشغل مدثر عثمان منصب مدير مكتب وزير الدفاع الأخير ونائب الرئيس عوض بن عوف خلال عهد البشير. يعتقد على نطاق واسع أن عثمان يؤوي كرتي في منزله ويحميه من الاعتقال منذ الثورة. والمرجح أن عثمان هو حلقة التنسيق الرئيسية بين قادة الانقلاب والإسلاميين. كما عين برهان اللواء عبد النبي الماحي رئيسا للأمن الإيجابي والجنرال عبد المنعم جلال رئيسا للأمن العام داخل الاستخبارات العسكرية. وكلاهما إسلاميان ملتزمان معروفان في صفوف القوات المسلحة السودانية. علاوة على ذلك، عين مدير مكتب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابق محمد عطا هشام حسين نائبا لمدير جهاز المخابرات العامة وهو قيادي امني اسلامي معروف. يمتلك حسين شركة نفط المقرن، التي شاركت في تمويل وتنظيم “اعتصام القصر” قبل الانقلاب. كما أنه نشط جدا في تنسيق قمع المظاهرات المستمرة ضد الانقلاب. تم تحديد اسم هشام حسين كمشرف رئيسي على شرطة الاحتياطي المركزي في تقرير نشرته ريدريس في أعقاب فرض عقوبات على الاحتياطي المركزي [2]. كذلك، أعاد قادة الانقلاب تعيين أكثر من 100 دبلوماسي إسلامي في وزارة الخارجية في يناير من هذا العام. وكان هولاء قد تم فصلهم في وقت سابق بسبب تعيينهم بشكل فيه انتهاك لقواعد الخدمة المدنية، وفقط على أساس انتمائهم السياسي للإسلاميين في عهد البشير. كان تأثير إعادة تعيين هؤلاء الدبلوماسيين الذين تم تدريبهم خلال 30 عاما من عهد البشير مباشرا وواضحا. تغيرت لهجة وزارة الخارجية السودانية على الفور لتبني خط المواجهة مع المجتمع الدولي، ولجأت إلى الحيل القديمة في استخدام الاتحاد الأفريقي ضد الأمم المتحدة بطريقة مماثلة لما حدث في تشكيل بعثة اليوناميد في عام 2008 وذلك من اجل تعقيد ومنع التوصل إلى أي حل سياسي حقيقي من خلال جهود المساعي الحميدة المستمرة.
واصل الانقلابيون أيضا الغاء قرارات لجنة تفكيك التمكين، وإعادة الأصول الاقتصادية التي صودرت إلى الإسلاميين. تم ذلك بمساعدة دائرة قضائية تم تشكيلها من قضاة تم فصلهم بواسطة لجنة التفكيك سابقا. علاوة على ذلك، في أبريل، ألغى الانقلابيون قرار حل منظمة الدعوة الإسلامية [3]، وهي منظمة إقليمية مقرها في السودان وتعمل كغطاء لتمويل الأنشطة السياسية الإسلامية ورعاية الأنشطة الإرهابية منذ الثمانينيات، ولها وجود نشط في الصومال والسودان والنيجر و41 دولة أفريقية أخرى.
كم من الوقت يمكن ان تستمر الكذبة على قيد الحياة؟
في حين أن عودة الإسلاميين إلى الساحة تبدو متناقضة مع التحالفات الإقليمية للانقلابيين، وخاصة مع المحور السعودي والمصري والإماراتي، فإنها مستمرة بقوة، وبشكل يكشف عن مزيد من التفكك بين صفوف الانقلابيين. علاوة على ذلك، فهي تغذي التناقضات الداخلية والاحتكاكات المتزايدة بين الجيش من ناحية، وقوات الدعم السريع من ناحية أخرى. تخشى قوات الدعم السريع من العداء العميق الذي يكنه الاسلاميون ضدها. ويعمل الإسلاميون على استغلال وتغذية السخط بين صفوف الجيش حول النفوذ العسكري المتزايد للميليشيا. وام إحياء استراتيجيات المواجهة التي تم تطويرها منذ وقت مبكر داخل الاستخبارات العسكرية التي يسيطر عليها الإسلاميون، وهي السيطرة التي تزايدت بعد الانقلاب. كل هذا يثبت مدى تعدد مراكز صنع القرار في الانقلاب، وغياب اي قيادة موحدة للبلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر.
من الواضح أن معسكر الانقلاب يتكون من العديد من الجهات التي لا تسترشد بأي مصالح وطنية أو خط سياسي أو أيديولوجي متجانس. إنهم متحدون فقط برغبتهم في احتكار السلطة وحكم البلاد لخدمة المصالح الشخصية، ولا تظهر الديمقراطية لهم إلا كشعار تجميلي. في الواقع، يتسق هذا مع الأسباب الحقيقية والدوافع الظرفية لانقلاب 25 أكتوبر، والتي يحاول الكثيرون تناسيها ودفنها من خلال ادعاء بذرائع أخرى، مثل تلك التي يروج لها تاجر البندقية، ولد لبات. لقد وقع انقلاب 25 أكتوبر نتيجة للنزاع حول اقتراب تاريخ انتقال رئاسة مجلس السيادة من المكون العسكري إلى المدني، وهو ما أراد الجيش تجنبه بأي ثمن. لم يكن تعيين رئيس وزراء أو وجود حكومة لإدارة شؤون البلاد وحل مشاكلها جزءا من خطتهم الانقلابية، ولهذا السبب لم يحدث ذلك حتى الآن. ما أراده الانقلابيون فقط هو التخلص من هؤلاء الأشخاص المزعجين الذين يذكروهم بالالتزامات السياسية والدستورية للفترة الانتقالية، دون التفكير في أي عواقب أخرى لأفعالهم. يكذب شركاء الانقلاب بإصرار بشأن عدم طموحهم للحكم. انقلاب 25 أكتوبر وحده هذه يكشف هذه الكذبة، مهما اجتهد شيلوك في محاولة طمسها تحت ستار توحيد المدنيين المنقسمين.
لحل أزمة الانقلاب – أو أي مشكلة أخرى لهذا السبب – نحتاج إلى معالجة أسبابها الحقيقية والجذور التي أدت إليها، وليس الاستسلام للذرائع التجميلية لوجه الانقلابيين التي يتم ترويجها. أي شيء آخر سيكون مجرد عملية دائرية لكسب الوقت لإضفاء شرعية على الانقلاب.
المراجع:
[1] https://sudanile.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A8%D9%88%D8%A8-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%8
[2] https://redress.org/wp-content/uploads/2022/03/Briefing-Central-Reserve-Police.pdf
[3] http://www.madaafrica.org