Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

الانتخابات الحُرّة” مرةً أُخرى

محمد عتيق

محمد عتيق

محمد عتيق

الانتخابات الحرة النزيهة ، لازْمَة ، تيماً theme ، موَّالاً ثابتاً في لغة البرهان ورهطه ، بينما أحشاء الشباب ، أدمغتهم ودماؤهم لا زالت طريّةً طازجةً في الطرقات وعند التروس وأبواب المشارح ، يكرر القوم : “…إلى أن نسلِّم السلطة لحكومة منتخبة” ، “إلى انتخابات حُرّة ونزيهة”… حتى الفريق أول خ تَعَلَّمَ نُطقها : “أنتخابات” حرة نزيهة !! ما معنى حرة نزيهة ؟
لا ، المهم أن يستمر المسلسل ، وهي (نزيهة) حتى قبل أن تجري ويعترض أحدٌ على نتائجها ، والأهم ؛ أن تجري على عجل ودونما برنامجٍ يتم تنفيذه لتحقيق الانتقال من العهد السابق إلى العهد الجديد ، من ظلام الاسلاموية الحالك وآفاق وعيها المسدودة إلى أنوار الديمقراطية وأزاهير الاستنارة والتعدد وسيادة حكم القانون ، وذلك حديث/حدث خطير ورؤىً مرفوضة تخدش المصالح المقدسة وتغلق منافذ الاستغلال والهيمنة ..
ولماذا الذي سيُسلِّم السلطةَ لحكومةٍ منتَخَبَةٍ هو البرهان وحميدتي ومن معهما ؟ ما هي علاقتهم بالسلطة والثورة أصلاً ؟ وتتناسل الأسئلة وهي معروفة لا داعي لتكرارها ..

عندما تتعقَّد التحالفات أو يصبح التوازن دقيقاً ، والغَلَبَةُ غائبة في الانظمة الديمقراطية الراسخة تكون الدعوة لإنتخابات مبكرة ، أي قبل موعدها المحدد دستورياً عند البعض ، أو عُرفاً (كما في حالة بريطانيا) ، ليتم وفقاً لنتائجها تعديل التوازن بين القوى السياسية في مقاعد البرلمان لتمرير مشروع قانون أو قرار (مثلاً) ..
هنا ، في السودان ، ظهرت الدعوة لانتخابات مبكرة – وبالضد من الدعاوي التاريخية لها – في فترتي الانتقال التي أعقبت ثورتي اكتوبر ١٩٦٤ وأبريل ١٩٨٥ ، مصدر الدعوة كان واحداً والمعنى كذلك : المصدر دائماً هو القوى الطائفية التقليدية والحركة الإسلامية بتلويناتها المختلفة ، والمعنى – الهدف – هو استعجال الوصول إلى السلطة والحكم وذلك قبل تحقيق الهدف من فترة الانتقال ، أي قبل أن تتمكن قوى الديمقراطية والتقدم من غَرْس نبتةَ وعيٍ وتنويرٍ ومعرفة .. إذ نحن في السودان لا زلنا مجتمعاً رعوياً وبدويّاً بسيطاً تسُودُ فيه الخرافة ومفاهيم التديُّن السطحي البسيطة ، وتتحكّم فيه الولاءات الطائفية والقَبَلية والجهوية .. حتى عاصمة البلاد (الخرطوم) لا تعدو أن تكون قرية كبيرة .. هو واقع مثالي بالنسبة للقوى الطائفية (والولاءات الشعبية التلقائية لها) لاستدامة نفوذها وإتصال وصايتها تحقيقاً لمصالحها الطبقية ؛ إذ كل جرعة وعي ، وكل تأسيسٍ لمدرسةٍ جديدة وافتتاحها ، أو توَسُّعٍ في تعليم البنات (الحُرْمَة)، هي بمثابة قنابل أو رصاصات في قلب الواقع والولاءات المتخلفة السائدة في المجتمع (وهذه من أهداف الفترات الانتقالية الحقيقية عندنا) ..

من جانبٍ آخر ، ننتبه إلى أن العمل السياسي الجماهيري يحتاج إلى أموالٍ كثيرة ، حتى أحزاب اليسار المتطرف لا تستطيع إنكارَ ذلك .. لا يوجد نشاط جماهيري دون تكاليف مالية تزيد وتنقص حسب نوع الفعالية .. ولا يوجد لدينا حزب في الوقت الحالي لديه الأموال الكافية لخوض عمل سياسي/جماهيري كبير كالانتخابات العامة ، فقط النظام الساقط وأربابه في التنظيمات الرديفة وأذياله في قيادة القوات المسلحة الذين يهيمنون على نشاطاتها الاقتصادية بما فيها الجنجويد “الدعم السريع” ثم بعض الحركات المسلحة مِمَّنْ تلَقُّوا ،أو لا زالوا يتلقون، الدعم المالي الأجنبي .. أما الأحزاب المدنية التي قادت المعارضة السياسية السلمية ضد نظام البشير/الترابي في الداخل هنا ، وواجهت القتل والتعذيب والتشريد وآلام بيوت الأشباح طوال الأعوام الثلاثين القاحلة الماضية ، فإنها مُفَلِّسَة (مادياً) تماماً ، وهي الأحزاب المعنيَّة بقيادة الثورة (خاصةً بعد انفصال الجبهة الثورية عنها والتحاقها بمعسكر السلطة في إتفاقية جوبا) ، وهي التي لا زالت بيدها “الشرعية الثورية” ، وسلاحها القوي هو شباب السودان في لجان المقاومة وتنسيقياتها على إمتداد القطر ، وبيدها كذلك أن تحسم تظاهرات الشباب في مليونياتهم (بالنصر المؤزَّر) بالإتفاق على برنامحٍ محدّدٍ للفترة الانتقالية تعكس شعارات الثورة وأهدافها (حرية سلام وعدالة) مع تحديدٍ واضحٍ لخطوات التنفيذ وينال موافقة ورضا الشباب ، ويبدأ في بناءاته بتكوين المجلس التشريعي الذي يشرف على تعيين رئيس وأعضاء الحكومة الانتقالية ، مؤسسات العدالة وتحقيقها ، وهو كذلك الجهاز المعني بتحديد الفترة الزمنية المطلوبة لتنفيذ برنامج الثورة كفترةٍ انتقالية ، ثم موعد المؤتمر الدستوري فالانتخابات العامة ( ليس العام ٢٠٢٣ كما تحاول إيهامنا سلطة الانقلاب وترويجه في أدمغة الشعب)..
“الانتخابات الحرة النزيهة” في ٢٠٢٣ التي يقولونها ، لا تعني سوى عودة الإسلامويين بأسماء وعناوين أخرى ولكن بنفس منهج البطش والفساد والاستبداد الذي لا يعرفون غيره ..

صدقَ فيهم قولهُ تعالى :
“وكذلك جَعَلْنا في كُلِّ قريةٍ أكابِرَ مُجرميها ، ليمكروا فيها ، وما يمكُرُونَ إلَّا بأنفُسِهِمْ ، وما يشعُرُون” صدق الله العظيم