القتل المجاني
بقلم: د.خالد التيجاني النور
أفاق السودانيون بالأمس على مشهد دموي آخر باغتيال طالب جامعي في سلسلة حوادث تكررت معها ظاهرة القتل المجاني حتى كادت تصبح طابعاً لحياتنا، فهل بلغ الحال حد أن يتحول العنف إلى ثقافة متجذّرة تستمر معها الحياة وكأن شيئاً لم يكن، لا تستثير استنكاراً ولا وقفة لمراجعة لهذا الواقع المخيف، ولا استعداداً لإيقاف عجلة ثقافة العنف المستشرية التي تحصد الأرواح بلا خشية من تبعة ولا خوف من عواقب.
ولا شئ أخطر عاقبة من أن يقف العقلاء متفرجين وهم يشاهدون مُثل وقيم السودانيين يتم تجريفها بتطبيع غير مسبوق مع ظاهرة استسهال إزهاق الأرواح بدم بارد، واستباحة الأنفس على نحو لا يمكن تبريره على الإطلاق. ثم أوليس غريباً أن تتعدد حوادث الاغتيالات هذه وسط الطلاب حتى تحولت إلى طقس متجدد، ثم لا جهة مسؤولة لا في السلطة التنفيذية ولا في الأجهزة السياسية ولا التشريعية من يقف ليتصدي بمسؤولية لإيقاف نزيف الدماء.
ولا شئ أدلّ على الاستهانة بهذه التطورات الخطيرة من التعامل معها باستخفاف وكأنها تجري في بلد آخر، وليس في هذا البلد المنكوب بصراع عبثي لا نهاية له، كيف لا تتسابق أرفع الجهات المسؤولة لتدارك هذا الانزلاق المتسارع نحو فوضى العنف، ولا تجد سوى بيانات باهتة لا تقنع حتى كاتبيها دعك من أن تكون صالحة لمخاطبة هذا الخظر المحاق مشغولة بالبحث عن مشجب لتعليق الجريمة عليه بأكثر من الاهتمام من القيام بواجب مسؤولية وقف هذا الانفراط في السلم.
ليست القضية هي إثارة الجدل حول من تكون الأيدي الآثمة التي امتدت لتغدر بهذا الشاب في مقتبل العمر وبمن سبقه، وبغض النظر عمن تكون تلك الجهة، وليضع أي منا نفسه في مكان أسرته المكلومة وهي تعد الأيام والشهور لترى حصاد ثمرتها إبناً متسلحاً بالعلم فإذا بها تحصد اغتيال أحلامها، ماذا يفيدها إن كان الجاني هذا أو ذاك. ولا انحدار أخلاقي أكثر من الانشغال بالتبرير والبحث عن الأعذار في غياب الاستقامة عن معنى التشديد على حرمة الدم التي يهون أمامها هدم الكعبة.
وليست المسألة هي مسارعة تلك الجهة المسؤولة أو غيرها لتبرئة نفسها، أو محاولة تلك الجهة أو غيرها لاستغلال هذه الحادثة المأساوية لأغراض الكسب السياسي العارض على جسد الضحية، فكلنا في مركب واحد مسؤولون بالفعل أو الصمت عن تحول بلادنا إلى هذا المستنقع الآسن من الصراع العبثي، سيكون لهذا الحادث الأليم ولاستشهاد هذه الطالب البرئ ومن سبقه هلى هذا الدرب، معنى إن جعلنا من رحيله المفجع، وقفة مع النفس نراجع فيها جميعاً مواقفنا حاكمين ومعارضين ومواطنين ولنجعل القصاص الحقيقي من قاتله طريقاً للخلاص من بيئة الكراهية والعنف غير المبرر الذي غزا حياتنا وأصبح علامة مميزة لبلدنا.
فهذا جزء من كل وليس معزولاً فالعقلية المنتجة لثقافة العنف والكراهية وممارسته واحدة، وما وصول العنف إلى قلب الخرطوم إلا نتاج الصمت الطويل هنا على ما يحدث في غيرها في الأطراف، الذي ظل يشكو لسنين عدداً وما تداعينا له بالسهر والحمى، وعندما تدور عجلة العنف الأعمى فلا يظنن أحد أنه منها ناج. لننهض جميعاً إلى مهمة استعادة الوعي بأن الظلم لا يتجزأ، والعنف كذلك، وليقف الجميع موقفاً واحداً ضد الحرب وثقافة العنف والاستبداد.