Thursday , 28 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

توحيد التعليم القانوني – 1

د. فيصل عبدالرحمن على طه
د. فيصل عبدالرحمن على طه
بقلم دكتور فيصل على عبدالرحمن طه [email protected]

في غضون العامين 1975 – 1976م من القرن الماضي كرس المجلس القومي للتعليم العالي كل جهده لترشيد التعليم العالي بشقيه الفني والأكاديمي. وفي هذا السياق قرر المجلس أن الوقت أزف لإعادة النظر في التعليم القانوني. لأجل ذلك فوض المجلس رئيسه – آنذاك الدكتور منصور خالد – تكوين لجنة مقتدرة للقيام بهذا العمل. كُونت اللجنة على النحو التالي:

الأستاذ محمد يوسف مضوي رئيساً
عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم
(آنذاك الدكتور محمد الفاتح حامد) عضواً
السيد محمود حاج الشيخ عضواً
الشيخ مجذوب كمال الدين عباس عضواً
السيد رمضان علي عضواً
السيد عبدالرحمن عبده عضواً
الدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه عضواً ومقرراً
أسأل الله الرحمة لمن انتقل من هؤلاء إلى الرفيق الأعلى، وأدعو لمن لا يزال على قيد الحياة بحسن الخاتمة.

في صدر خطاب التكليف المؤرخ 14 فبراير 1976 ذكر الدكتور منصور خالد وزير التربية ورئيس المجلس القومي للتعليم العالي أن تدريس القانون في السودان تقوم به ثلاث مؤسسات تعليمية: جامعة الخرطوم وجامعة القاهرة فرع الخرطوم وجامعة أم درمان الإسلامية وهي تختلف عن بعضها البعض من حيث الفكر القانوني الذي نهل منه أساتذتها، ومن حيث المناهج وخطط الدراسة التي تعمل بها لإعداد طلابها الذين يتم قبولهم بأسس مختلفة، ويتخرجون فيها كذلك بإجازات علمية مختلفة.

وورد في خطاب التكليف أيضاً أن الوضع الراهن للتعليم القانوني لا يدعو للرضا، وأنه قد تمخضت عنه إنقسامات وخصومات مهنية في الفكر القانوني السوداني. وأبدى الوزير خشيته من أن يرتب ذلك آثاراً غير مرغوب فيها في تصريف العدالة.

صلاحيات اللجنة:

حدد خطاب التكليف صلاحيات اللجنة في الآتي: تقديم توصيات محددة لتوحيد التعليم القانوني في السودان على هدى الدستور الدائم الذي يحدد مصادر التشريع والذي يجب أن تتواءم وتتكيف معه كافة الأجهزة والمؤسسات مع الأخذ في الإعتبار ما يلي:
*
المناهج وخطط الدراسة وأسس قبول الطلاب للتعليم القانوني والإجازات العلمية التي تُمنح وأي مسائل أخرى تتصل إتصالات مباشراً بهذا الأمر.
*
مرحلة بناء الأمة والنمو الحضاري التي يجتازها السودان والتي تفرض أعباءً جديدة لها إنعكاساتها على كل مناشط الحياة.
* كل الاعتبارات التي لا بد أن تؤثر تأثيراً مباشراً على محتوى ما يدرس من قانون مثل:
– مقتضيات التنوع في إطار الوحدة.
– الحفاظ على الخصائص الثقافية للمجتمعات بما في ذلك أعرافها.
– متطلبات التعاون الدولي والالتزامات المترتبة عليه.

تقرير اللجنة: نوفمبر 1976

بدأت اللجنة أعمالها في 24 فبراير 1976. وخلال عدة اجتماعات وقفت اللجنة على صلاحياتها واستعرضت المشاكل الرئيسة للتعليم القانوني في السودان وحددت خطة عملها.

حصلت اللجنة على بيانات طلبتها من الجامعات الثلاث المعنية ومن الهيئة القضائية وديوان النائب العام. واعتذرت نقابة المحامين عن تقديم إجابات لما طُرح عليها من أسئلة لأسباب أبدتها كان بضمنها أن مجلس النقابة «يطالب بحق المشاركة الفعلية بأن يكون ممثلاً في اللجنة لتحمل تبعة الرأي الذي يُتقدم به في هذا الموضوع الكبير والهام».

تباين المناهج

في ضوء البيانات التي تلقتها، خلصت اللجنة إلى أنه يوجد تباين واضح في المناهج التي تدرس في كليات القانون. فكلية القانون بجامعة الخرطوم تهتم في المكان الأول بتدريس القانون المطبق في السودان والذي يتمثل في التشريعات السودانية وأحكام القضاء في السودان منذ عام 1900م بالاضافة للمبادئ العامة للقانون الانجليزي بحسبانه المصدر التاريخي للقانون السوداني. والمنهج المقرر في جامعة القاهرة فرع الخرطوم هو نفس المنهج المقرر في جامعة القاهرة الأم. لذا فإن القانون المصري هو أساس الدراسة في تلك الجامعة بالإضافة إلى بعض مواد القانون السوداني. أما شعبة الفقة الاسلامي والدراسات القانونية بالجامعة الاسلامية فتقوم بتدريس الفقه والعلوم الاسلامية والقوانين الوضعية. غير أن اللجنة لم تجد في المعلومات التي وصلتها من تلك الشعبة ما يشير إلى أن القانون الوضعي الذي يدرس بالجامعة هو القانون السوداني إلا أن مندوبيّ الجامعة الاسلامية قد أكدا للجنة عند اجتماعها بهما أن القانون السوداني هو القانون الوضعي الذي يدرس بالجامعة.

توصيات اللجنة

رفعت اللجنة تقريرها مضمناً توصياتها للمجلس القومي للتعليم العالي في نوفمبر 1976 وقدمت للتقرير بتحديد أهداف التعليم العالي آخذة في الاعتبار (أ) الدستور (ب) متطلبات البلاد (ج) القانون المطبق حالياً (د) نوعية الخريج الذي ننشده.

أما أهداف التعليم القانوني التي انتهت إليها فقد كانت كالآتي:

1- ضرورة الربط بين التعليم القانوني واحتياجات البلاد من الكوادر المؤهلة تأهيلاً قانونياً كماً ونوعاً بهدف جعل التعليم القانوني أكثر قدرة للاستجابة لمتطلبات الخطة الاقتصادية. ولعله من المسلم به في عالمنا الثالث هذا، أن التعليم الذي لا يخدم قضية التنمية الاقتصادية لهو ترف لا نقدر عليه واستثمار غير رشيد. فترك الامر كله لاجتهاد مؤسسات التعليم القانوني دون ضابط كما هو الحال الآن قد يؤدي – ان لم يكن قد أدى فعلاً – إلى تخريج أفواج من القانونيين أكثر عدداً مما تحتاجه البلاد وأقل عدة.

2- إن الهدف من التعليم القانوني هو تخريج قانونيين اكفاء. غير ان الكفاءة لا تعني خلق الذهنية القانونية الممتازة فحسب بل لا بد للقانوني الكفء من سعة الثقافة ونفاذ البصيرة. ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا ألم القانوني بقدر طيب من العلوم الاجتماعية. ذلك أن القانون نفسه كحقيقة اجتماعية هو تعبير عن القيم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع الذي ينشأ فيه. لذا يصبح الإلمام الذكي بالقانون عسيراً – إن لم يكن مستحيلاً دون معرفة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي نشأ فيها.

3- أن تعني مؤسسات التعليم القانوني بتدريس القانون المطبق في البلاد بحسبانه القانون الذي سيحتكم إليه الناس فلا محيص إذاً من ان يكون القانوني ملماً به إلماماً جيداً حتى لا يقضي أو يفتي بين الناس عن جهل فيكون أحد قاضيين في النار كما في الحديث الشريف.

4- كان هدف التعليم القانوني في الماضي هو تخريج قضاة ومستشارين ومحامين وقد آن الأوان لتنويع التدريب القانوني ليصبح بالامكان تأهيل بعض القانونيين لتولي الوظائف السياسية والتنفيذية والادارية فيتسنى لهم بذلك المشاركة الايجابية في المناشط الإقتصادية والاجتماعية بتوليهم للوظائف المناط بها إتخاذ القرار فيما يتعلق بتلك المناشط.

وسائل بلوغ الأهداف التي حددتها اللجنة يندرج تحتها الآتي:

* أسس القبول لمؤسسات التعليم القانوني.
* التأهيل الأكاديمي ويشمل محتوى المناهج، طرائق التدريس، فترة التأهيل، طرائق التقويم، الإجازات العلمية.
* التدريب العملي: أهميته، صلته بتوحيد التعليم القانوني، الجهة التي يناط بها، فترة التدريب العملي، مواد وطرائق التدريب العملي.

إخترنا من توصيات اللجنة في المسائل المتقدمة الآتي:
مواصفات القبول

يرى البعض أن القبول لمؤسسات التعليم القانوني يشوبه شيء من التباين في المواصفات ويتسم احياناً بشيء من العفوية وعدم الانضباط.

في رأي اللجنة أن ضبط عملية القبول بمؤسسات التعليم القانوني يمكن أن يتم بتحديد حد ادنى للمستوى المطلوب توافره في كل من يود الالتحاق بمؤسسات التعليم القانوني وبأن يناط أمر تنسيق القبول لمؤسسات التعليم القانوني – بل ولكل مؤسسات التعليم العالي – بجهاز مركزي.

غني عن الذكر إن دراسة القانون تستوجب إلماماً جيداً باللغتين العربية والانجليزية وبالعلوم الانسانية كالتاريخ والجغرافيا. وحري بنا ونحن نتحدث عن مواصفات القبول ان نذكر ان عدد الطلاب الذين يقبلون بمؤسسات التعليم القانوني في كل عام يجب أن لا يقوم على اجتهاد تلك المؤسسات إذ لا بد له من أن يرتبط بخطة التعليم العالي. وأمر هذه الخطة موكول للمجلس القومي للتعليم العالي.

Leave a Reply

Your email address will not be published.