الصيف الحاسم الإلكتروني ضد الحركة الشعبية فاشل
بقلم مبارك أردول
(1)
قرر قادة نظام الخرطوم خوض الحرب في جنوب كردفان في منتصف عام 2011م (حال إنفصال الجنوب) بحجة تجريد الجيش الشعبي من السلاح بالقوة وفي خلال ثلاثة أيام (لتطهير ج كردفان والنيل الأزرق من دنس المتمردين والخونة والعملاء كما يقولون)، أرسلوا بذلك إشارات من القيادة العامة لقوات نظام البشير في الخرطوم الي قيادة الجيش الشعبي في جوبا (أنذاك) مكررة الي قيادتي النيل الأزرق وجبال النوبة جنوب كردفان العسكرية والسياسية، صحبت هذه الإشارات حملة إعلامية ضخمة من قادة النظام السياسيين والبرلمانيين وحتى الطلاب مطالبين عسكري النظام بتولى أمر تجريد الجيش الشعبي من سلاحه أو طردهم خارج حدود السودان، وقد تعالت الأصوات أنذاك من قادة النظام لتغيير إسم الحركة الشعبية متهمين إياها بالعمالة والأجنبية. في جنوبكردفان تولي أحمد هاورن هذه الحملة وحشد قوات ضخمة واليات بحجة تامين الإنتخابات الجزئية التي كانت أنذاك تجري في الولاية،ومع التزوير الذي حدث في العملية بقلب النتائج ضد بعض، وقّت النظام تزامن كل هذه الأحداثلتشهد بداية الحرب في جنوب كردفان، ولكن بعد أسبوعين منها توصلت الألية الرفيعة والطرفان الي إبرام إتفاق إطارئ كان ممكنا عبره وقف الحرب في جنوب كردفان ومنع تمددها في النيل الأزرق، ولكن لأغراض المجموعة المستنفعة من الحروب في النظام وعنادها حملت الرئيس لرفض الإتفاق بل وقادته الي شن الحرب في النيل الأزرق وإعلان حالة الطوارئ وعزل الوالي المنتخب.
كانت كل التقارير التي بحوزة أجهزة النظام وقيادتها تشير وتؤكد (قطع شك) بضعف الحركة الشعبية المكونة حديثاً في شمال السودان بعد فك إرتباطها من الحركة الأم، وبالتالي ضعف وهوان جيشها الشعبي وسهولة هزيمته ودحره عسكرياً خلال أيام (كما خدعهم عملائهم بذلك)، سيما وأن الجيش الذي تبقى في الشمال كان قوامه فرقتين من جملة عشرة فرق مكونة لكل الجيش الشعبي لتحرير السودان قبل الإنفصال.
(2)
المؤتمر الوطني كما ظهر كثيراً في حديثهم ومنشوراتهم وتسريبات محاضر إجتماعتهم تبين له إن الخطر الذي يهدد بقاءهم في الحكم ويصارع مشروعهم الأحادي (المشروع الحضاري)، هي الحركة الشعبية ومشروع السودان الجديد القادر على إعادة صياغة السودان لتكوينهكبلد متنوع ومتعدد وبلداً للعدالة والمساواة بين كل مواطنيها تكون المواطنة أساساً للحقوق والواجباتيتعايشون جنبا الي جنب مع بعض في سلام واحترام ووئام لا تعالي أو أحادية ثقافية أو عرقية أو دينية بين كل الشعوب، وكذلك تقف الدولة على مسافة متساوية بين كل المكونات الدينية والعرقية في السودان لا تفاضل او تحابي أحداً على آخر، ولكن هذا المشروع الذي يساوي المواطنيين (العبيد مع الأسياد والخدم والفرخات مع السيدات …كما يقولون) ويجعلهم في حركة جماهيرية شعبية تناضل وتضحي من أجلالحقوق مع بعض كمواطنيين لخلق دولة حديثة مزدهرة ظل مرفوضاً ومهدداً لإمتيازات البعض خاصة المجموعة التي تسيطر على الحكم حالياً، فمشروع السودان الجديد الذي يعيد صياغة البلد يعتبر عدوا لدود لهم ولكنهم يمكن أن يتخلصوا منهم بدفع المجموعات التي تنادي به الي خارج الوطن كما حدث للجنوب.
(3)
سخّر النظام كل ألياته العسكرية والحربية والتعبوية لتنفيذ حملته ضد الحركة الشعبية والجيش الشعبي وإستنفدوا كل وسائل الحرب والضرب والتمليش والدعاية الحربية والتخويف لتستسلم لهم الحركة الشعبية ويتفكك الجيش الشعبي، ولكن خسئت مساعيهم كلها وخابت كل وعودهم الي جماهيرهم بانهم سوف يحسموننا في ثلاثة أيام وتطور إلي أسبوع والي نهاية العام والي عام 2012 والسنة دي (2013) وكذلك الي عام 2014م الصيف الحاسم، إنتهت كل المواعيد المضروبة وجرب كل ماعندهم لسحق الحركة الشعبية ولكهنا ظلت في محلها تقاتل وتناضل وتكافح من أجل مشروع السودان الجديد عبر وسائلها العسكرية والسياسية وصمود قواعدها وغيرها، بل كل يوم يصبح يصير النظام أضعف مما كان وتتضائل عنده مساحات التلاعب والتمدد.
(4)
عندما فشل الصيف الحاسم الحربي لعام 2014م والذي كلف ملايين الدولارات في الإعداد والتجهيز وفشل النظام من دخول كاودا، بل هزيمت وإنهيارت قواته وتقهقرت الي المدن الرئيسية في المنطقتين، تأكد النظام بانه أضعف مما يكون عند مواجهة الجيش الشعبي ومنازلة الحركة الشعبية عسكرياً، وعندما نجحت الحركة الشعبية مع الآخرين في تنظيم ولم شمل ووحدة التنظيمات المعارضة المسلحة والسلمية الرئيسية والذي بداء من الجبهة الثورية والفجر الجديد وتتوج أخيراً بإعلان باريس وميثاق العمل المشترك ونداء السودان وبرلين، تأكد النظام إن القوى المعارضة الرئيسية كلها إنتظمت وتوجهت في مسار وبرنامج سياسي واحد ضد تسلطه وجبروته، وإن الفرص للتلاعب على وحدة المعارضة وإنعدام برنامجها قد تلاشت.تجسدت هذه الوحدة للقوى المعارضة الرئيسية في حضورها للجلسة التحضيرية لمؤتمر الحوار الدستوري في أديس أبابا (رئاسة الإتحاد الإفريقي)وإنسحاب النظام، وكذلك في حملة إرحل (حملة مقاطعة الإنتخابات) وما حدث فيهما من وحدة جماهيرية مقاطعة لإنتخابات النظام، وتطورات دولية عزلت النظام كلها مع بعض عزلة لا تخفى على أحد، أصبح النظام في موقف مجبر على المواجهة وتوصدت أمامه أبواب المناورة التي ظل يستخدمها طوال ال26 عام.
(5)
لم يستسلم النظام وأعداء الحركة الشعبية في المعركة فلجأوا معاً الي اللعب في داخل الحركة الشعبية كقوى رئيسية في المعارضة عسكرياً وسياسياً كما لعبوا في تنظيمات آخرى مدنية ومسلحة، قسمت الأدوار فيما بينهم كل يقوم بواجبه على حدة، وتعمل قيادة هذه الأجسام مع الأجهزة الأمنية للنظام لتنفيذ الخطة بعناية، يعرف القليلين الصورة الكاملة ويحمل الغالبية و(الهتيفة) صورة جزئية فقط عن الأمر والمسألة، وهم مخدوعون مرة آخرى بأن الحركة الشعبية ستكون هشة من الداخل يستطيعون إستهداف قيادتها الرئيس ونائبه والأمين العام وغيرهم كل على إنفراد لأحداث الشقاق وضرب الوحدة بينهم، فتارة نجد تلفون كوكو يخصص مقالاته مستهدفاً رئيس الحركة الشعبية والقائد جقود وأخرونوقبله نجد إسماعيل جلاب يشن هجوماً ضد نائب الرئيس يتهمه بإشعال الحرب في جنوب كردفان لأغراضه الذاتية وبعدها نجد آخرون (معروفون بالتوراي) يدفعون الرفيق كاديا ليكتب ضد الأمين العام، وصديق منصور يتناول الرفيق سليمون كالو والرفيق سودي شميلا بل وبوضوح يقسم جبال النوبة الي شرقية وغربية، وفي الحال يحاول تلميع (مرمي الله المابترفعوا) وغداً سيظهر آخرون ضد كل من يتولى مهام في الحركة الشعبية، يعددون بذلك قضايا مختلفة، يتهمون الرئيس بالثور الأجوف ونائب الرئيس بالسخيل الرايح والأمين العام بالشيوعي والقائد جقود بالغير مؤهل والذي تمت ترقيته رشوة، ودنيال كودي في الخرطوم يعزف على نفس الوتر بطريقة آخرى أهل المنطقتين مهمشين والحركة الشعبية مختطفة وقرفة يدعى بأنهم أصحاب القضية الحقيقيين، كل هذه الكتابات هي في الأساس حملة صيفية إلكترونية مؤكول لأي واحد منهممهام محددة وشخصية معينة وهي ليست من فراغ ولا من نتاج صدفة وليست ضد هؤلاء الأشخاص كأشخاص مالك عقار أو عبدالعزيز الحلو أو ياسر عرمان وجقود مكوار أو غيرهم ممن يطلقون عليهم ضعفاء وغير مؤهلين وإنما حملة تسستهدف المؤسسة الحركة الشعبية والجيش الشعبي- ولا أدري تأهيلاً لمن يتحدثون عن التأهيل – تستكمل هذه الحملة الإكترونية أركان حملة النظام المعلنة لهزيمة وسحق الحركة الشعبية ومشروع السودان الجديد كما يهدفون.
(6)
فالذين يعتقدون بأن الحركة الشعبية ستتقهقر وتنهزم ويتضائل دورها الريادي عسكرياً وسياسياً بالمقالات والبيانات المنشورة في صفحات التواصل الإجتماعي والوسائل الاعلامية المختلفة نسالهم أين الإنتباهة والرائد والأهرام والمركز السوداني للخدمات الصحفيةوسودان سفاري والصحافة وغيرها من الصحف الصفراء التي تخصصت وإجتهدت لأحداث شرخ الحركة الشعبية وتحجيم دورها وزرع الشكوك بين قيادتها من جهة وعضويتها من جهة آخرى، أين هم الأن؟ نراهم تواروا وأوكلت المهام لجهات آخرى تتزرع كانها حريصة على أهل المنطقتين تارة وعلى قضية مشروع السودان الجديد تارة آخرى وعلى التنظيم تارة ثالثة ويدعون بانهم حملة مشعل رؤية السودان الجديد دون غيرهم، يقولون عن الدستور وضعف الأداء وهكذا من حجج، تحت مظلات مختلفة جناح السلام والاغلبية الصامتة واهل المصلحة الحقيين وجناح التغيير ومنبر مبادرة تقوية الحركة كلها في النهاية تصب في هدف واحد.
(7)
الحركة الشعبية تنظيم يقوده بشر ليس فوق النقد ولا يخلوا أداءهممن الأخطأ والهنات يرجع أغلب التبرير للظروفها التي نشات فيها وما تمر به حالياً من صراع بمحدودية موارد ضد تنظيم أستولى على كل مؤسسات الدولة وجيرها لنفسه من 1989م يجود لهم من الفتات، فالنظام شن الحرب على الحركة الشعبية الموجودة في الشمالوهي لم تكمل عام بل أشهر من ميلادها بغرض الواد في المهدوإرباكها ومن ترتيب نفسها وبالتالي محوها من الوجود، ولكن مع كل ذلك تصدت للحرب وأفشلت خطط النظام ويرجع ذلك لوحدة وقوة قيادتها وتماسك جيشها ووضوح برنامجها، إستطاعت أن تصمد وتؤسس هياكل إنتقالية من مجلس قيادي قومي ومجلسين قياديين في الإقليمين وأجسام مدنية وإنسانية مختلفة ومتعددة تخدم المواطنيين في المناطق المحررة ومكاتب لممثلين الحركة الخارج، وعقد عشر جولات تفاوضية لم تساؤم ولم تحيد عن خطها السياسي الأساسي من شمولية السلام لكل السودان وقومية الحل مع مراعاة خصوصية المناطق التي تدور فيها الحروب، كل هذا لايمكن أن ياتي من فراع ونتاج صدف وتخمين وإنما لمجهودات غابت جهلاً أو عمداً لمن يروجون بضعف الحركة الشعبية وبرنامجها وللأسف منهم رفاق إنعدمت أدوارهم تجاه الثورة ولا ينشطون الا في الهدم والتخريب ويعملون بنظرية (يانحن فيها يا نطفيها).
فالتنظيمات التي تعمل تحت ظروف سرية وخاصة تتخذ إجراءات مختلفة إستثنائية مؤقتة منها تعطيل اللوائح والدستوروالهياكل وكل الترتيبات الضرورية بغرض الحفاظ على المنظومة وتأمين مسارها وعضويتها حتى تتجاوز تلكم الظروف فتعود الي الوضع الطبيعي والمثالي، هكذا العمل في الظروف السرية للتنظيمات السياسية، إذن فما بال التنظيمات الثورية ذات الطوابع العسكرية والتي تعمل في ظل الحروب، بالطبيعي أن يكون ترتيباتها إستثنائية في غاية الدقة والإحترازية، ليس لان الترتيبات التنظيمية أعلاه غير ضرورية وإنما هنالك أشياء أهم منها وهي خوض حرب التحرير والدفاع عن المدنيين والتصدى لقوات النظام وهي تعتبر أولوية في هذه المرحلة، يجب أن ينصب أغلب جهود قيادتها وعضويتها عليه، وبنفس الروح والنجاح والإنتصارات التي تحققت في هذا المسار خلال الأربعة سنوات الفاتت نحن نؤمن بأنها سوف تحقق في المجالات الآخرى حالما تنتهي الظروف الإستثنائية.
فالدكتور جون قرنق ملهمنا ومثالنا الأعظم أسس الحركة الشعبية عام 1983 وعقد أول مؤتمر لها في شوقودم عام 1994م أي بعد مرور (11) عام من التأسيس، في بدايات كون الأجسام المدنية في المناطق المحررة بداءاً بنظام قائد سلطات الكتيبة الي قائد محور ومنها الي قائد الإدارة المدنية والعسكرية وبعد تطور النموذج الي أن إنتهت بالإدارت المدنية الكاملة عام 1994م في مؤتمر شوقدوم، كذلك في المقابل كون التنظيم السياسي للحركة بعد وفاته وبنيت الحركة الشعبية الشعبية كحزب سياسي بسكرتارياته التنظيمية المختلفة بعد إتفاقية السلام الشامل عام 2005م وعقدالمؤتمر العام الثاني بعد وفاته عام 2008م أي بعد (14) عام من المؤتمر الأول، لا أعتقد كان ذلك تجاهلاً من قيادة الحركة أنذاك وإنما معايشة لتقديرات واقعية وموضوعية للظروف التي تمر بها الحركة الشعبية.
(8)
فحملات (الضد والمواجهة المفتوحة) التي دشنت مؤخراً ضد قيادة الحركة بمررات مختلفة يعلنونها في العلن شيئاً وفي الحفاء شيئاً أخر هي في الأساس إلحاق فقط لحملات النظام المعلنة من قبل ففي ظاهرها الأشخاص المذكورين أعلاه وباطنها الحركة الشعبية وثورة المهمشين والدفاع عن النظام، لان المعركة الأساسية الأن مع النظام الذي قهر وقتل وسحل وإغتصب وليس ضد الثورة والثوار الذين يواجهون هذا البطش والجبروت بكل بسألة ونكران ذات، ففي ختام مقالتي هذه أدعوا من إلحقوا بهذه الحملات الي الإستيقاظ والتنبه للدور الذي أوكل لهم القيام به وتفحص السنارة التي إبتلعوها جيداً، فنحن لن نتفرج عليكم وأنتم ترقصون على إيقاعات وأنغام أجهزة النظام.