Wednesday , 1 May - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

التحولات النفطية والأنعكاسات السودانية

اطلالة على العام 2015 (2+3)

بقلم السر سيد أحمد

تحولات السوق النفطية التي تناولناها في الحلقة السابقة ستلقي بظلالها على السودان من نواحي انه دولة مستهلكة، ومنتجة تسعى الى أستغلال ما لديها من أحتياطيات نفطية كما انها تستخدم المرافق النهائية للصناعة النفطية لديها من معامل وخطوط أنابيب وموانىء تصدير وسيلة للحصول على عائدات من العملات الصعبة من خلال تصدير نفط جنوب السودان عبر هذه المرافق. ونقطة الأنطلاق في هذا كله ما يطلق عليه ان سوق النفط الحالية أصبحت تعرف انها سوقا تعمل لصالح المشترين وذلك بسبب وفرة العرض وقلة الطلب، الأمر الذي يجعل للمشترين اليد العليا في التعامل.

بصفته دولة مستهلكة سيستفيد السودان من تراجع أسعار النفط مما أدى الى خفوت الحديث عن رفع الدعم، الى جانب تقليل فاتورة مشترواته من بعض المنتجات المكررة التي يستوردها خاصة الجازولين والفيرنس ووقود الطائرات وبعض الخام الذي يشتريه من الشركات لتغطية الفجوة في الأمدادات للتكرير في مصفاتي الخرطوم والأبيض ويقدر بنحو 2.7 مليون طن.

أما بصفته دولة منتجة ولديه بعض الأحتياطيات من النفط والغاز التي يحتاج الى شركاء أجانب لأستغلالها فأن وضع سوق المشترين هذا لا يجعل للسودان جاذبية للشركات لأن لديها خيارات أفضل وفي أماكن لا تعاني من متاعب سياسية وأمنية. وفي واقع الأمر فأن الظروف التي دخلت فيها الشركات الآسيوية السودان تغيرت وأصبح المعروض أمامها من الخليج الى روسيا الى أفريقيا أكثر أغراءا مثل الأتفاقية التي وقعتها الصين مع روسيا بمبلغ 400 مليار دولار وحصول بتروناس الماليزية على حصة شركة ستات أويل النرويجية البالغة 15.5 في المائة في حقل شاه دنيز الضخم للغاز في أذربيجان.

عمليا فأن هذا الوضع ليس جديدا اذ لم تشارك الشركات الصينية والماليزية والهندية في جولة العطاءات والعروض للمربعات الجديدة التي طرحتها الحكومة قبل ثلاثة أعوام رغم وجودها الميداني في السودان، وأنتهى الأمر بتلك الجولة الى ظهور شركات صغيرة كانت أبرزها الشركة البرازيلية “بترو أنرجيا” التي قامت بنشاط ملحوظ في مربعي (9) و (11) الذين يمتدان من جنوب سنار والنيل الأزرق الى شمال عطبرة مع أجزاء من شمال وغرب كردفان غربا الى كسلا والقضارف شرقا، ومع ان تلك الشركة كانت تخطط لحفر أول بئر تجريبية العام الماضي الا ان أحد شركاءها البرازيليين تعرض الى متاعب مالية أدت الى تباطؤ العمل، هذا الى جانب الأضطرابات الأمنية التي تعاني منها مناطق الأنتاج في كردفان ودارفور وصعوبة التعامل المالي مع السودان ما يشير الى الحاجة الى اختراق سياسي يسمح بالأستغلال الأفضل للموارد النفطية الموجودة في البلاد. وتقدر “وحدة أستخبارات الأيكونومست” أن أنتاج السودان النفطي سيزيد 15 ألف برميل يوميا فقط خلال هذا العام الى 145 ألفا.

على ان وضعية سوق المشترين بالنسبة الى السودان ستتضح بصورة أكبر خلال هذا العام عبر ترحيل نفط جنوب السودان وما يحصل عليه لقاء ذلك الى جانب الترتيبات المالية الأنتقالية التي التزمات جوبا بدفعها للخرطوم وفق اتفاقيات سبتمبر 2012. فبسبب الحرب الأهلية الدائرة في جنوب السودان توقف الأنتاج بصورة شبه كاملة من ولاية الوحدة وحقل ثارجاث، مع أستمرار الضخ من ولاية أعالي النيل من مربعي (3) و (7)، على أن الأنتاج النفطي من هذين الحقلين وهو في حدود 160 ألف برميل يوميا يعرف بأسم خام (دار) مرشح للتراجع، ويتميز انه من النوع الثقيل والحامض وبالتالي ليس عليه كبير طلب خاصة وهناك قلة من المصافي تكرر مثل هذا النوع من الخام.

خام “دار” هذا دخل الأسواق لأول مرة في العام 2006 وكان الطلب وقتها في حالة تصاعد وهو ما أستمر طوال السنوات اللاحقة، لكن مع تراجع الطلب ووفرة المعروض من خامات أخرى أخف وأكثر جودة، فأن قلة من المشترين ستكون على استعداد لشراء خام “دار” الا اذا حصلت على حسومات كبيرة بشأنه قد تصل الى 15 دولارا على البرميل الواحد مقارنة بخام “برنت”، وهو مؤشر السوق. ونقلت صحيفة “الفاينانشيال تايمز” عن بعض المتعاملين في السوق ان الأسعار التي بدأت تباع بها بعض شحنات هذا الخام ستجعله الأرخص عالميا، بل ويقدر البعض ان حكومة جنوب السودان تحصل حاليا على نحو 100 مليون دولار شهريا فقط من مبيعاتها النفطية مرشحة للتناقص، وهي مصدر الدخل الوحيد للبلاد، الأمر الذي قد يجعلها عاجزة من مقابلة التزاماتها ابتداءا من رواتب العاملين وعلى رأسهم الجنود وتمويل الحرب الدائرة هناك. وقد ينسحب الوضع الى مقابلة التزاماتها تجاه حكومة السودان سواء فيما يتعلق برسوم العبور أو دفعيات الترتيبات المالية الأنتقالية (15 دولار عن كل برميل يتم تصديره). وهناك مؤشرات ان عدم التسديد ربما يصبح مسألة وقت فقط. وتتداول معلومات ان الشركات النفطية العاملة في جنوب السودان رفضت تقديم قرض جديد طارىء الى جوبا في أغسطس الماضي بقيمة 200 مليون دولار وذلك لان على الأخيرة ديون بمبلع 1.6 مليارا لم تسددها بعد.

البعض في جنوب السودان بدأ يثير نقطة ان تحديد رقم ثابت لرسوم العبور (11 دولارا لبرميل النفط الصادر عبر الخط الغربي و 9.10 دولارات لاستخدام الخط الشرقي) كان خطأ لأن الأفضل أن ترتبط الرسوم بنسبة تحسب وفق تحركات سعر البرميل. لكن أصحاب هذا الرأي ينطلقون من الوضع الحالي للسوق لا ما كانت عليه في 2012 عندما أبرمت الأتفاقية، فمن الواضح وقتها ان سعر البرميل كان متجها الى أعلى. ثم ان وفد وفد التفاوض حينذاك أبرز ما حصل عليه وكأنه أنجاز لأن الخرطوم وافقت على رسوم عبور تقل عن نصف ما ماكانت تطالب به، ثم ان اتفاقية رسوم العبور كانت واحدة من ضمن سبعة أتفاقيات أخرى وفي المفاوضات يتم ابداء المرونة في قضية معينة مقابل الحصول على مكاسب في قضية أخرى.

هذا النقاش يتوقع له أن يجد طريقه الى الجدل السياسي في جنوب السودان وذلك في أطار تسجيل المواقف والحصول على مكاسب بسبب حالة الصراع السائدة هناك، وربما يتم تحميل باقان أموم المسؤولية على أعتبار انه الشخص الذي توصل الى تلك الأتفاقية مع الخرطوم وكل ذلك في أطار حسابات سياسية.

الذي يهم الخرطوم هو اذا كان المبلغ الذي خصصته في موازنة هذا العام من عائدات رسوم العبور سيتم الحصول أم لا وأرتباط ذلك باستمرار حجم الأنتاج النفطي في جنوب السودان المعرض لتهديدات أمنية وتأثيرات فنية وأنعكاس ذلك على وضع العملات الصعبة المهتز أصلا. بعض مراقبي الأوضاع في جنوب السودان يشيرون الى ان ذلك من الصعوبة بمكان ومن الأفضل لقيادات البلدين العمل للتوصل الى تفاهمات وأتفاقيات جديدة. لكن النظرة السياسية والأمنية ستجد في هذا الوضع كرتا أضافيا على الخرطوم أن تجيره لصالحها والضغط بأتجاه تسوية العديد من الملفات العالقة مثل ايواء ودعم الحركات المناوئة وترسيم الحدود وغير ذلك. وربما يفسر هذا لغة التهديد المتصاعدة ضد جوبا مؤخرا.

Leave a Reply

Your email address will not be published.