Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

السودان ما بين مطرقة التدهور الاقتصادي المريع وسندان الحركات المسلحة المنتشرة في أرجائه

بقلم مهندس / حامد عبد اللطيف عثمان
[email protected]

يمر السودان اليوم بمنعرجٍ حرجٍ و ضيقٍ و شائك ؛ و هو في حالٍ من الإعياء التام و الإنهاك المطبق و الهزال الحاد الذي لا يستطيع معه من تناول حتى مجرد المسكنات و المهدئات ناهيك عن القدرة على تعاطي أي جرعات مركزة من علاج حقيقي و فعَّال قد يستدعي و يتطلب و يحتاج إلى دفعٍ و حراكٍ من كريات المقاومة الداخلية و التي أصبحت هي الأخرى في حالٍ من الموت السريري و الدماغي برغم عدم إعلان من بيدهم الأمر بحكم الواقع ذلك ؛ بل وعدم اعترافهم الواضح و الصريح بما هو كائن و واقع ؛ مع وجوب ضرورة قبولهم بقضاء الله و قدره و رد كل الأمر من بعد ذلك إلى إرادة الله و مشيئته كما هو المتكأ و الملجأ الذي اعتدنا بل عودونا عليه رغم أنف إرادتنا منذ أن دان أمر السودان لهم بالكيفية التي تمت قبل عقدين و نصف من السنوات العجاف ؛؛ حيث لا اعتراف و لا إقرار بخطيئةٍ أو جريرةٍ ارتكبوها بحق السودان و أهله منذ دياجير ليلة الثلاثين من يونيو من العام 1989م و حتى تأريخه ..

السودان اليوم استوت على سوحه و على جسده المنهك المنهار الجروح و التقرحات و التورمات و النتوءات التي تقطر دماً و قيحاً و هو نائم على الأرض على زنده المرضوض و ذراعه النحيف من غير وسادة ؛ بل هو كسيح مقعد يلتحف السماء بلا غطاء يحميه أو يقيه ؛ و بلا سربال يستر و يداري جسده العاري و المكشوف ؛ و مع ذلك تدميه طعناً و ذبحاً الحراب و السكاكين و يحرقه البارود المشتعل بلا هوادة و بلا عطف و بلا لين ؛ و تستبيحه ركلاً و دهساً و نهباً عناصر الفساد و الإفساد التي عظُم في ذهنها و فكرها و كبُر في نهجها و منهجها أن هذه الحال من الضعف و الهوان التي يعيشها السودان هي أفضل و أعظم و أثمن الفرص التي يجب أن تُستغل و توظف للمكاسب الذاتية و الحزبية ؛ بل هي الأسرع من بين كل الوسائل و السبل الموصلة للثراء ؛ و قد تُضاهي و تفوق أسطورة القفز بالزانة التي ابتكرها السابقون أساطين مايو – اتولد – ..

التدهور الاقتصادي الذي تتعرض له الدول و الأمم و الشعوب لا يمكن علاجه بالمسكنات و المهدئات الأمنية والتهديدات البوليسية و العسكرية و العنتريات الجوفاء ؛ بل أن تلك الوسائل و السبل هي من عوامل تفاقم الأزمات الاقتصادية فهي لا تعمل إلا على تشجيع ابتدار و ابتكار و اختلاق و اختراع اساليب الالتفاف على تلك الوسائل المهترئة و السبل البالية و العقيمة ..

التنمية الاقتصادية لا علاج لها إلا بزيادة الإنتاج والإنتاجية ؛ و بمعادلة بسيطة عندما يتفوق ميزان الواردات الخارجية على ميزان الصادرات الوطنية تدخل الدولة في دوامة أزمة العجز المالي المودي للهلاك و الموصل للدمار و الخراب مهما كان التنظير و التبرير ..

السودان اليوم يتعرض لضربٍ مبرحٍ و جارحٍ و قاتل من مطرقةٍ فولاذية ثقيلة مدببة و حادة و صدئة ؛ هي مطرقة التدهور الاقتصادي المريع الذي يعيشه السودان الوطن و يكابده المواطن في لقمة عيشه و شربة دواء أطفاله و تعليم أبنائه و توفير نعلهم و كسائهم ؛ فالمواطن السوداني اليوم لا يسأل و لا يطمح و لا يتوق و لا يأمل و لا يتأمل البتة في تنمية أو تطور ؛ و لكنه مهموم فقط باللهث و الجري و السعي الحثيث في حر الصيف و في زمهرير الشتاء لتوفير أبسط و أدنى مقومات الحياة الحرة الكريمة المتمثلة في ايجاد المأكل و المشرب و الدواء و الكساء و التعليم لأبنائه وهو ما لم يتيسر و يتسنى له في ظل الظروف الحالية القاسية و الصعبة و المستحيلة التي يمر بها السودان ..

المطرقة الثقيلة تضرب السودان في مقتلٍ و هو ملقيٌّ ينزف و يتلوى سنينا عددا منكفئٌّ على سندان الحروب العديدة المشتعلة و المضطرمة في أكثر من موقعٍ على خارطة جسده النحيل المنهك الذي أدمته و أعيته تلك الحروب فلم يعد قادراً على مسح الدماء و الصديد من على جراحه ناهيك عن دفع و وقف آلة تلك الحروب المتناسلة و المتكاثرة و المتزايدة برغم القرارات السياسية المعلنة في الهواء الطلق في كل عام بأن هذا العام هو عام الحسم العسكري و نهاية التمرد و الحروب و تحقيق السلام ؛ و هكذا الحال و المآل في كل عام و ما يليه من أعوام على الدوام ..

بل قد سئمنا من فرط ما سمعنا و هرمنا من طول ما انتظرنا و نحن نوعد بالسلام و الأمان وإذا بالحروب تنفجر و تنشطر و تتلظي و تتمدد شظاياها لأماكن الأمان فيعم الرعب و الخوف و الترويع و التجويع ليشمل من كان قبل عام الإعلان في أمنٍ و أمان و هكذا الدوران ..

التدهور الاقتصادي المريع و المرجف و المخيف حقيقة قائمة و ماثلة و لا ينفع و لا يجدي معها النفي و النكران و لا التبرير الفلسفي العقيم الذي شبع و تخم منه أهل السودان حتى أصابهم القئ و الغثيان ..

أيضاً الحروب المشتعلة و المضطرمة في العديد من ولايات السودان هي كذلك حقائق قائمة على الأرض أياً كانت أسبابها و دوافعها و أياً كانت درجة و مستوى الرفض أو القبول لأسباب و دواعي و مبررات تلك الحروب و التي هي في نهاية الأمر حروب تجري على أرضٍ السودان ؛ و القاتل و المقتول فيها هو ابن و مواطن عزيز ينتمي لهذا السودان الوطن العظيم و ما كنا نتمنى لابن السودان العزيز الكريم أن يكون قاتلاً لأخيه و شقيقه أو مقتولاً بيد شقيقه و أخيه على أرض وطنٍ مدادي حدادي يمكن أن يسع الجميع أحياء لا أشلاءً ؛ كما يمكن للجميع التمتع بخيراته الوفيرة اللّا محدودة و لا مقطوعة و لا ممنوعة في ظل الأمن و السلام ؛ و لكنها هي السياسة و أهدافها الخبيثة و مراميها البغيضة و التي قد تنتهي بتحقيق الوصول إلى كرسي السلطة أو الإصرار على البقاء و الجلوس عليه إلى ما شاء الله و إلى أن يرث الله الأرض و من عليها و ما دون ذلك فلترق كل الدماء .. و لكن ليس من يمتلك القوة هو من يمتلك الحق دوماً و أبداً.

إنَّ الصور السوداء القاتمة و الكالحة و المكفهرة التي جالت بذهنك و عقلك و قلبك و فؤادك عزيزي القاري الكريم ؛ وحيث نراك قد حزنت و يئست و سئمت و أنت تشاهد تلك الصور و المشاهد و المقاطع التراجيدية المؤلمة و الحزينة التي رسمها أمامك قلمي الذي اعتاد دوماً أن يرهقني بما يخط و يكتب فيحزنني و يبكيني كما هو حالك اليوم ؛ أعود فأقول مطمئناً لك و مواسياً و معزياً و مخففاً و مبشراً بأنَّ هناك بصيص أمل في نهاية ذلك النفق المظلم ؛؛ أقول لك و أيم الحق أجزم ؛ و الحق صادقا أصدح و أفصح و أنطق ولا أبالي ؛؛ اقول بأن هنالك فعلاً بصيص أملٍ لو تنازل و ترجل من بيده الأمر من عرش علياء الاستعلاء إلى حيث موقع و موطن و مسكن الحق و العدل الذي يشمل كل أبناء السودان بلا استثناء أو تمييز ؛ و بلا عزلٍ أو إقصاءٍ ..

أقول قولي هذا و إني اعلم علم اليقين كما هو علمك عزيزي القارئ الفطن الذكي بأن أهل الانقاذ الذين استمرئوا الرضاعة المستدامة من ثدي السلطة المغتصبة بليلٍ لن يستطيعوا انفكاكاً من ثديهم الهتَّان المدرار و لن يقبلوا عنه فطاماً مهما كلف ذلك من ثمنٍ و مهما وصل الحال و المآل ..

المحلل و المدقق و القارئ و المشخِّص للواقع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي يكون ناقصاً و عاجزاً و مقصراً في أداء مهمته التشخيصية و التحليلية إذا ما انصب أداؤه و عطاؤه و دوره على التشخيص فقط دون سواه و إذا ما انكفأ على قراءة و تحليل و تشخيص الداء دون أدنى التفاتة أو إنتباهة أو اهتمام أو تركيز على الوصفة الدوائية و العلاجية لذلك الداء الجاذب بحاله و ذاته للتشخيص السريع بفضل بروز عاهاته و علاماته و وضوح دلالاته الظاهرة للعيان ..
فالتركيز فقط على تشخيص الحالة المرضية التي نعيشها و نعانيها و نكابدها لا يزيدنا إلا حزناً و بكاءً وعويلاً و نحيباً ولطماً على الخدود إن تبقت مزقة لحمٍ تلطم على تلك الخدود الذابلة ؛ و التي كانت في حينٍ ما و في يومٍ ما غضة نضرة كما هو حال خدود العز و النعيم التي نراها و نشاهدها اليوم رغم أنف حال جل أهل السودان ..

الأزمة و الغُمَّة و المحنة السودانية المستفحلة و المستعصية و التي حشرت السودان و أهله جميعاً حاكمين و محكومين في جحر ضب ضيقٍ مظلمٍ و متهدمٍ من كل أطرافه و أركانه و من فوقه و من تحته ..

هذه الغُمّة يمكن لها أن تنقشع و يمكن لها أن تزول لو أمعنا النظر مليا و مددنا البصر قصيا وجليا و غسلنا قلوبنا وأفئدتنا من جميع الأدران و الأوساخ ؛ و صفينا سرائرنا و ضمائرنا ؛ و أسررنا التوبة و الأوبة إلى الله صادقين موقنين و مستسلمين ؛ و نظرنا إلى الأفق البعيد مستشرقين و مستشرفين بزوغ فجرٍ جديد يمكن أن يضئ ظلامنا الدامس الداكن المخيف منذ قدوم تلك الليلة الكالحة الكئيبة ..

انقشاع الغمة و زوال الأزمة المستفحلة يمكن أن يتم و يتحقق لو تواصينا و تراضينا و توافقنا على الآتي :-

1- أن نعترف جميعاً أن أزمة الحكم في السودان قد تفاقمت و تعقدت و تفوقت على كل حيل وأحابيل و تدابير و فنون اللف و الدوران ؛ بل كفانا تضليلاً وتدليساً و استغفالاً و استغلالاً ؛ فقد أنتجت و أنجبت الأزمة الكبرى كل الكوارث و المصائب و الويلات التي يعاني منها السودان و أهله اليوم و آخرها مصيبة و فاجعة تفتيت السودان و تقسيمه ؛ و القادم أفظع و أمرّ؛ بل علينا أن نقر جميعاً بأن الفشل الذريع و المزرى هو النتيجة و الحصاد منذ الاستقلال و حتى الآن و لا شيء غيره ..

2- علينا أن نعلن جميعاً و على الملأ و دون مواربة أو مداراة أو مماحكة أو مماطلة بأن الطريق الوحيد لحل المشكلة و الأزمة القائمة و المستحكمة و المستفحلة و المتفاقمة في السودان هو الدخول الفوري و العاجل في حوار سياسي شامل لا يستثني و لا يعزل و لا يقصي أحداً من خلال مؤتمر مائدة مستديرة يعالج و يحسم أمر الحكم و الدستور و أمر السلام و بسط الحريات و يضع خارطة طريق متفق عليها من جميع القوى السياسية مدنية و عسكرية لفترة انتقالية محددة بمدى زمني معين وصولاً إلى انتخابات حرة و نزيهة ..

3- مؤتمر المائدة المستديرة مناط به حسم أمر الدستور الدائم و السلام الشامل الذي يشمل كل بقاع السودان و كذلك أمر الحريات العامة على أن يشارك في هذا المؤتمر كل أهل السودان بمختلف أحزابهم و تكويناتهم و جيوشهم و مليشياتهم دون وصاية من أحد أو من أي جهة كانت ؛ و دون استعلاء أو دونية و دون إملاء أو تلقين ..

4- دون الدخول في شروط مسبقة و اشتراطات تعجيزية من هذا الطرف أو ذاك يظل أمر المساءلة القانونية في القضايا الجنائية و قضايا الفساد المالي و الإداري في حقبة الانقاذ أو ما سبقها من حقب منذ الاستقلال و حتى اليم تبقى كلها أمور بيد القضاء و القانون و لا مجال لمقولة عفا الله عما سلف ؛ فالذي يعفو و يصفح و يسامح هو الشعب السوداني العظيم و النبيل و لا أحد غيره يمكنه ادعاء امتلاك هذا الحق المقدس و العظيم و على المتضرر و الكل كذلك اللجوء للقضاء ..

5- اذا استمر الحال على ما هو عليه ؛ فسيأتي يوم لن يجني و لن يحصد فيه الجميع سوى الخزي و العار؛ و الحسرة و الندامة ؛ وعقارب الساعة حتماً و قطعاً لن تعود للوراء و لو لبرهة ..

6- أختم هذا المقال و هذه الوثيقة المرفوعة لله الواحد الأحد ؛ الفرد الصمد ؛ القوي العزيز ؛ المعز المذل ؛ و المهداة لوطني السودان ؛ و المقدمة لأهل السودان الشرفاء الأحرار و لكل من ألقى السمع و هو شهيد ..
هذه الوثيقة هي جهد المقل الذي لا يملك إلاً ولا قوة ؛ غير مبادئه و إيمانه و يقينه بقوة الله و قدرته و جبروته الهازم لجبروت الجبابرة ؛ و ليت كل سوداني قدم جهد المقل من أجل وطنه و أهله ..

7- هذه الوثيقة مقدمة لمؤتمر المائدة المستديرة المنتظر ؛ و القادم حتماً و قطعاً مهما استأسدت زمرة الرافضين و مهما تنمَّرت ؛ و مهما تجيَّشت و تعسكَّرت ؛ و مهما انتفخت و نفثت ..

أقدم هذه الوثيقة استشعاراً مني كمواطن أعزل بعظم و ثقل الأمانة الملقاة على عاتق كل وطني غيور على وطنه من التفتّت و التمزّق و الضياع و على دينه من الفتنة و العبث ..

مواطن راعه و أعجبه بل أذهله و ألجمه أن يُستعمر السودان موحداً و ينال استقلاله موحداً رغم أنف إرادة و رغبة و قرار صُناع المناطق المقفولة حينها ؛ حينما انتصرت الإرادة الوطنية الموحدة المتحدة فانهزمت أمامها إرادة الأعداء صاغرة مستسلمة رغم بطشها و ظلمها و جبروتها و رغم غلظة عصاها و طيب مذاق جزرتها ..

مواطن أعزل يروٍّعه اليوم و يفزعه و يقلق مضجعه منظر ذات الوطن الذي تسلمناه أمانة في الأعناق و هو موحد متحد بمليون ميله المترامية الممتدة ؛ نشاهده اليوم و نشهد عليه ضمن زمرة الشاهدين المغلوبين على أمرهم و مصيرهم و حالهم و مآلهم و هو يتفتت إرباً و يتجزأ أقساماً و دويلاتٍ ؛ بل نشاهده و نشهد عليه و هو يتضاءل و يتلاشى و ينحسر في ظل حكم وطني و حزب مستفرد و متحكم و متربع يدعى المؤتمر الوطني ؛ و شتان ما بين الاسم و الفعل

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *