Thursday , 28 March - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا

بقلم مجدي الجزولي

2 اكتوبر 2013 – وقبور التلاميذ الذين قضوا برصاص الدولة رطبة ما تزال، الضلوع تهشمت بالنار الحكومية والأكفان لم يجف منها دمع الأمهات السخين، خرج البشير في كامل زينته في محفل للجند، طاؤوس مخضرم، ليغسل الدم عن كفيه لا يشغله شئ. اتهم الرئيس الغائب عن كرسي العرش منذ مؤتمره الصحفي المشؤوم متربصين مخربين باستغلال الأوضاع لممارسة أعمال القتل والنهب والتخريب بداعي التظاهر والاحتجاج على قرارات الحكومة، وفق ما نقلت عنه قناة الشروق التلفزيونية ترحم الرئيس على القتلى وأعلنهم “شهداء” من علياءه العسكري، ثم عاد يشكر حكومته ويثني عليها.

كان الرئيس قبل شهور، وقت فاجأه المرض فأسكت حلقه، أعلن التوبة بالحجاز، على مقربة من الحرم الشريف، وطلب من “الرعية” العفو على ما بدر منه في ماضي حكمه الطويل. ولعله ظن التوبة لا بد مقبولة، وهو الرئيس الذي لا يرد له طلب، فعاد إلى كتابه يخط فيه جديد الذنوب، مضاربة فوق مرابحة. أطلق جبروت الدولة الذي بيده على التلاميذ الذين خرجوا عليه بالهتاف فحصد من الأرواح الجموحة ما يرضي غروره، كأنه الفرعون يطلب قرابين. وأمر بالرصاص على من اتبع سنتهم فاجتمعت في حوشه الجثث، جروحها حية فائرة احترقت منها الأطراف وفقع من الأجساد باطنها، أحمر اللحم وأبيض العظم ولين الأحشاء.

الرئيس كما يعلم كل تلميذ، الحي منهم والميت، لا يعاف الميتة ولا ينتهي عن الدم، جديده هذه المرة أن نقل آلة القتل التي بيده من أرياف البلاد الملتهبة إلى ميادين حرب تصورها في حارات أم بدة والثورة والسامراب والكلاكلة. قال له غمار الناس الغاز والعيش فرد عليهم الصندوق (صندوق النقد الدولي) قال لي، ولما دعوا عليه “حرام عليك” أنزل فيهم سوء العذاب، هؤلاء أولادكم وبناتكم قتلتهم الضحى الأعلى، خذوهم عني واروهم ثم هُسْ. هُسْ أيتها الأم وإن طار منك القلب بالقهر والألم، هذه السنة لن يمتحن أيمن شهادة ثامنة ووفاء لن تجلس للشهادة، شهادتهم مسموعة عند عزيز مقتدر؛ هس أيها الأب، كتب الله عليك أن تحمل صلاح إلى القبر لا أن يحملك؛ هس أيتها الزوج، كفاك من هيثم هذا الرضيع عند صدرك؛ وهس أيها الشعب هس!

لمن أبى أفسح الرئيس الزنازين، استقبلتهم بالمئات، وقال الرسميون سيحاسبهم القانون، ينزع ببنوده الغليظة هذه الألسنة الطويلة عن لغاليغها، يكسر هذه الأقلام الجانحة ويلجم هذه العقول، لا يترك طايوقا. عاد تلميذ من الذين اتهمهم الرئيس بالتخريب إلى حضن أمه بعد ساعات في الحبس يحكي لأهله معجزة حريته. قال التلميذ أن ضابط بوليس فتح باب الزنزانة ليرى شلة مراهقين عيونهم تضج بالسؤال الصعب فانتهرهم “يلا أطلعوا من هنا جري قبل ما يجو يكتلوكم.” ركض حفظه الله كما لم يركض من قبل، ركض حتى أتى الدار، قلبه يحاكي الطبل المجنون، فمرحى للحياة! سترت الأرض الشهداء، ضمتهم واحتفت بهم، والزنازين أسمعت المعتقلين من طوبها حبا وكرامة، فما يسترك الساعة، كلك عورة، عورة بنياشين!

Leave a Reply

Your email address will not be published.