السودان وجنوب السودان ..نمشي نفطر ونجي ؟؟؟ (1-2)
بقلم :عارف الصاوي
[email protected]
هب ان الرئيس وهو في طريقه الي قري شمال بحري ،كان يتحدث مع من صادف انهم في العربة ،ولنقل ان عوض الجاز كان من ضمن رهطه في الطريق الي قري .دون ادني اشارة الي الذين استخفوا بقرارات الرئيس باغلاق انابيب النفط القادم من الجنوب ،فالرئيس لا يمكن ان يكون قد أرتجل خطابه هكذا امام حشد جماهيري ،هو بكل تاكيد استشار وكان مجلس الوزراء يوم الاربعاء الماضي قد لمح الي تجهيز خيارات جديدة في التعامل مع الجنوب ،ثم قيل ان وزير الاعلام سيعقد مؤتمر صحفي مهم غالبا كان سيلوح فيه بهذه القرارات “لو صبروا عليه ” .لكن الرئيس لن يترك امراً كهذا لاحمد بلال او لغيره ،فالمعني بالقضية في نقاشات ودراسات الحزب الحاكم هو الرئيس ذات نفسه . الدراسة كانت في شأن ما سيحصل عليه الرئيس من قرارات كهذه ؟ ومعروف ان المؤتمر الوطني يعرض الرئيس او الرئيس يعرض نفسه علي اساس انه “الضابط ود البلد الراجل ” وهذه المعاني بقول استاذنا عبدالله علي ابراهيم معاني كانت تعني شئيا عزيزاً لجماهير الوسط .
ذهب الرئيس الي قري لافتتاح مشاريع مد 47 قرية بالكهرباء بتكلفة كما قال مدير المشروع تصل الي 140 مليون و600 الف دولار ،المستهدفين من هذا المشروع حوالي 19 الف مشترك ،في ذلك الاحتفال تحدث والي الخرطوم عبدالرحمن الخضر ،وتعهد بإكمال الخدمات الست (تعليم ،مياه ،صحة ،كهربا ،طرق وأمن) بنهاية العام 2015 وقال الوالي ان هذه الخدمات هي حق للمواطن وهي التزام ، سبق وان قطعوه في البرنامج الانتخابي بتاع 2010 . ينسى الوالي امر ان البرنامج الانتخابي الذي تعهد فيه بالخدمات الست ينتهي في اكتوبر 2015 وحينها البلاد مواجهة باستحقاق دستوري جديد ،لن ينفع معه “جربندية ” ياسر يوسف الناطق الرسمي باسم الوطني بانهم “قريبا سيبدؤون وضع دستور للبلاد ! ينزل الوالي من المنصة ويصعد عوض الجاز نائب الدائرة 26 بحري الشمالية .لكن عوض يخاطب الرئيس وليس ابناء دائرته ويقول الرسالة التي من أجلها صرف المؤتمر الوطني 140 مليون دولار وأغلق نفط الجنوب في الانابيب .يطلب “عوض” من الرئيس ان يمضي متوكلا وان لا يستمع للمرجفين في المدينة ” وقال “عوض ” ان وقوف المواطنين خلف الرئيس يؤكد دعم المواطنين له ،وختم “عوض ” بالقول “ان هذه الجماهير تأكيدا لجمع الصف الوطني دفاعاً عن الوطن .
نزل عوض من المنصة وصعد الرئيس ليتحدث مع “عوض ” (يا عوض بكرة تخطر شركات البترول بانو يقفلوا الانابيب مع الجنوب ) ..صمت لبرهة …ثم يعيد تاكيد الاوامر مرة اخري مع التشديد علي “بكرة ” ..بعدها يهتف الناس “سير سير يا بشير ” اختفي من هذا الهتاف جزء كان لصيقا به “سير سير يا البشير نحن وراك لل…..” صحيح ان الهتاف تحول تحولا عميقا من “الله اكبر …لا لدنيا قد عملنا ” الي شعار المرحلة الجديد “سير ..سير يا البشير ” .لكن اكثر مظاهر الازمة في دلالات هذا التعبير هو تضييق الخناق علي المؤتمر الوطني فيصبح حزب يخنق البلد بخيار واحد هو استمرار الرئيس في الحكم لدورة جديد تبتدئ في 2015 وتنتهي وقت ما تنتهي .هنا تتكشف ورطة الحزب الحاكم في السودان ،كونه يقترن أقتراناً لا فكاك منه مع الرئيس . ينتبه الناس كلهم الي كيف صار الهتاف باهتاً وان البطون الفارغة لا تكاد حتي تحمل نفسها علي المجاملة . امس الاحد قام وزير الاعلام ومدير المخابرات “بتقعيد كلام الرئيس ” وشرحا شرحأ مستفيضا اسباب اغلاق ابار النفط ،والسبب الرئيسي هو اتهام الحكومة لجوبا بدعم مليشيات الجبهة الثورية .
قال الرئيس في قري وبدون اي مناسبة “انا عارف الناس بقولو ده كلام هوشه ساي ..لكن انا عايز أكد انو القرار ده مدروس يا جماعة ” وبالعربي السوداني كده ،كان الرئيس يعيد الثقة في الحكومة الجيش نفسه ،كان يفهم ان من معه يختزلون كل الخيارات التي لديهم في “سيدنا وريسنا ” ،فصار الرئيس يعلم ان المهم الان هو أعادة الاعتبار الي السلطة بعد هزائم عسكرية وقضايا فساد ،وانقسامات الفصيل الايدلوجي في القصة كلها .لكن الرئيس والرجال الذين حوله يعلمون ان المسألة لم تعد المشروع الحضاري او الاسلام ،بل صارت فكرة مختلفة تتجسد في ان يقود الرئيس “شعب الوسط النيلي لمحاربة اهل دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق .لذلك ركز الرئيس في خطابه علي المعاني التي قد تعني شئياً عزيزاً لاهل قري وعموم اهل الوسط “الرجالة ” و”الكرامه ” …الخ.
وجه الرئيس بعد قرار اغلاق انابيب النفط الي فتح معسكرات التدريب والدفع بالرجال للقتال في حرب “لم يسمها ” احد لا الرئيس ولا من حوله !
جوبا في ذاك الوقت كانت تقلب الدفاتر والاوراق وتضبط جهاز الاستقبال الخاص بها ،ان كان ثمة خطاب رسمي يفيد بان السودان قد أنذر باغلاق انابيب النفط .مصادر تقول ان النفط الذي في الانابيب يقارب ال300 مليون برميل ،جزء كبير منها وصل الي ميناء التصدير . في شرح وزير الاعلام صبيحة اليوم التالي لقرارات الرئيس –الاحد – قال ان القرار يعني تجميد كافة الاتفاقات الموقعة في سبتمبر الماضي مع الجنوب ،في نفس الوقت يقول ” ان عملية الاغلاق ستاخذ ما يقارب الستين يوما ،وهي المدة التي حددتها الاتفاقية اذا قرر اي طرف من الطرفين ايقاف الانتاج او اغلاق الانابيب .يزيد الامر إلتباسا محمد الحسن الامين رئيس لجنة الشئون الخارجية والدفاع والامن بالبرلمان بقوله : “ان الاتفاقيات الموقعة مع الجنوب لم يتم الغائها من جانب الحكومة ” ونحى الامين بقرارات الرئيس منحاً درامتيكيا جديداً ” أعلان الرئيس بوقف تدفق النفط يدل علي ان الاتفاق قائم ،وأن هناك نصاً يعطي الحق لكلا الطرفين لايقاف البترول خلال 60 يوماً ” وأشار الي ان البترول سيستمر خلال الستين يوماً !!”.
في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الاعلام مع مدير المخابرات يوم الاحد الماضي ،قال وزير الاعلام في رد علي سؤال من احد الصحافيين ” الاتفاقيات كلها تعتبر مجمدة ” ،وقال الوزير ان اجراءات الاغلاق تستغرق 60 يوماً دون ان يشير الي انها المهلة التي منحتها الاتفاقيات لايقاف مرور البترول . يزيد علي هذا مدير المخابرات ليقول ” في النهاية قرارات الرئيس ستنفذ بعد ستين يوم او 59 يوم وهي المدة التي يحتاجها الفنيين للتنفيذ ” معنى ذلك من المفترض ان يكون توجيه الرئيس الي وزير النفط عوض الجاز باغلاق الانابيب قصد منه “اتباع الاجراءات المتعلقة باغلاق الانابيب ” .
حتي هذه اللحظة لم تقم الحكومة يتحديد موقفها بالضبط ،هل هي ألغت الاتفاقيات مع الجنوب ،وبالتالي لم تعد تمثل لها مرجعية احتكام ؟ ام انها متمسكة بالاتفاق وبالاجراءات التي وردت فيه في حال أراد طرف التعامل مع مسالة النفط ؟
بدى ان الحكومة مضطربة الي درجة بعيدة وهي متورطة في هذا الخطأ الاجرائ وهو خطأ احرج حتي حلفائها .خذ مثلا رد فعل الصين التي قالت “ان أغلاق انابيب النفط ليس لديه مبرر ” .اما روسيا فقد اكد ميخائيل مارغليوف المبعوث الروسي الخاص للتعاون مع افريقيا “ان الوضع المتوتر بين السودان وجنوب السودان لا يمكن ان يحل الا عبر الوسائط السياسية في اطار “خريطة الطريق” التي وضعها الاتحاد الافريقي ،وأوضح مارغليوف” لوكالة انترفاكس ” في وقت متاخر من مساء الاحد بعد اعلان الرئيس “ان حرب ترانزيت النفط أفقدت السودان الارباح ،فيما فقد جنوب السودان ايرادات استخراجه “.
الولايات المتحدة أثارت النقطة التي لم ينتبه لها احد وقالت علي لسان المتحدثة باسم الخارجية جن بساكي “ان قرار الرئيس البشير جاء مخيباً للامال ” وأضافت ” ويعتبر انتهاك لاتفاقيات سبتمبر الماضي ” تورد المتحدثة الفقرة التي تقول “انه ولاسباب فنيه او اقتصادية يجوز للسودان اغلاق انابيب النفط علي ان يخطر حكومة الجنوب كتابة قبل 60 يوم ” تتمسك بساكي بمسألة “اسباب فنية واقتصادية ” لتقول ان قرار الرئيس ليس لاسباب اقتصادية ولا لاسباب فنية متعلقة بالانابيب ذات نفسها .
جنوب السودان رد علي قرارات الرئيس علي مستويات ثلاث ،مستوي الناطق الرسمي باسم الحكومة ،ومستوي الجيش ومستوي الرئيس سلفاكير امس .
قال الدكتور برنابا بنجامين وزير الاعلام بعد صدور قرارات الرئيس مباشرة ،كاول رد فعل من الجنوب |”ان القرار غير مسؤول ،وانهم لم يتلقوا اخطاراً رسمياً ،وان الجنوب ليس لديه تقنيات تتعامل مع تسربات تحدث اذا قرر السودان أغلاق الانابيب الان “. وزير نفط الجنوب أكد لرويترز “ان الجنوب مستمر في انتاج النفط الي حين أستلام اخطار رسمي من الخرطوم ،وما أكده استيفن داو ،انه حتي لحظة حديثه لرويترز مساء امس الاثنين ،لم تتسلم حكومة الجنوب اي اخطار رسمي من الخرطوم .
ما من شك اطلاقاً ان الحكومة قد درست قرارها ،وهي أضافة الي علمها ويقينها ان القرار سيترتب عليه صعوبات مالية واقتصادية وسياسية وامنية الا ان الحكومة أصرت ان تتخذ القرار .قالت رحاب عبدالله في تقرير نشرته امس بالزميلة الخرطوم ان الدولار قد ارتفع صبيحة يوم الاحد –اي اليوم التالي لصدور قرارات الرئيس من 6,95 –الي 7,20 في الحد الادني ، الامين العام للغرفة التجارية بالخرطوم حاج الطيب ،اعتبر ان القرار كان مفاجئاً وانعكس سلباً علي وضع الاسواق “صدمة للاقتصاد ” .نوه الحاج التجار الي عدم اثارة الرعب بين المواطنين ،مذكراً بان وزير الاعلام قد قال ” الحكومة يمكن ان تعيد النظر في ذلك ”
في يوليو 2011 قرر الجنوب مصيره وصار دولة جديدة ،انسلت من رحم التاريخ والارشيف والوثائق . صار دولة حتي هذه اللحظة تستجدي الخرطوم في أن تحصل علي وثائق ارشيفية عن النظام الاداري في الجنوب ،تلك الوثائق ليست معلومات سرية او استخباراتية ،وانما أرشيف متعلق بنظم ولوائح الخدمة المدنية في الجنوب . وقد دثهشت مؤخراً عندما بدأت أراجع نصوص اتفاق المصفوفة الموقع بين الدولتين في مارس الماضي . أذ شدد الاتفاق علي الخرطوم لتسليم الجنوب تلك الوثائق . هذه الخاطره جاءتني وانا أقرأ اتفاقات الشمال والجنوب في سبتمبر الماضي واتفاقية المصفوفة الموقعة باديس اببا في مارس . كل تلك الوثائق حقيقة تشير الي مستوي الثقة بين البلدين ،ولقد تتفاجأ وانت تتجول بين صفحات الاتفاقيات السبع التي وقعها رئيسا البلدين ،تري الاحترازات والنصوص المخخة بعدم الثقة بين الجانبين فأشارا مثلا ،الي ما يجب ان يحدث في حالات مثل تاخير سداد المدفوعيات ثلاثة أسابيع ،وهذه مهلة في تعجلها تشبه تعجل اولاد المرحوم العوض ود حمزة –هذا تاجر من نواحي منطقة ود العباس ،كان قد استلم للتو شيكاً مهلته اسبوع ،وبعد الاسبوع أرسل ابنيه لتحصيل مبلغ الشيك ،فالرجل لا يلجأ الي البنك الا عندما يتأكد من تعثر العميل في سداد قيمة الشيك نقداً ولغرض ختمه من البنك في اجراءات فتح البلاغ ،وقد عرفت اكثر من تاجر يعشق مسألة الاجراءات هذه ،لدرجة ان بعضهم بدا يوظف محامين لخصوص متابعة قضايا الشيكات ،ولتجار سنار فنجهة في استقبال الجوديات والتحانيس للتعامل مع الزبون المتعثر ،هم لسبب ما يعشقون ذلك .المهم ذهب اولاد العوض ود حمزه بامر من ابيهم لتحصيل قيمة الشيك من الرجل ،طلب الرجل منهم ان يمهلوه بعض الوقت كي يتدبر هذا المبلغ ،لم يفكرا كثيراً وردا عليه “خلاص نمشي نفطر ونجيك !!!
غداً نواصل …..وسنتعرض الي سبوبة اغلاق انابيب النفط …..