الثورة في زمان نحس
بقلم مجدي الجزولي
12 مايو 2013 – ضم العدد الأخير من دورية اليسار الجديد، مارس/أبريل 2013، مقالا لأستاذ علم الاجتماع ودراسات الشرق الأوسط الإيراني الأصل آصف بيات بعنوان ترجمته “الثورة في زمان نحس” ورد عليه من طارق علي، الكاتب اليساري البريطاني-الباكستاني ذائع الصيت وأحد محرري الدورية. شخص بيات ثورات الربيع العربي غير الحربية “ثورصلاحات”، مفهوم مركب من الثورة والإصلاح استعاره من المؤرخ تيموثي غارتن آش، وقد كان الأخير صكه لوصف أول إجراءات الإصلاح السياسي في بولنده والمجر عام 1989، تلك التي نجمت عن التفاوض بين الديكتاتوريات الشيوعية وقيادات الحركات الجماهيرية المناوئة لها.
قارن بيات بين الحفاوة التي تلقى بها اليسار في الغرب ثورات العرب باعتبارها نمطا جديدا من السياسة الجماهيرية الخالية من المنقصات، لا تنظيمات قابضة ولا قيادات كاريزمية ولا أجهزة حزبية، بظن كثيرين ديموقراطية “شعبية” قد تساعد حتى على إسعاف الديموقراطية الليبرالية في بلدان المركز الامبريالي من سقم سيطرة رأس المال، وبين كرب الثوار أنفسهم إزاء عودة الحرس القديم أو اختطاف الثورة من قبل الإسلاميين الذين عدهم الكاتب بيات “مجازفين” في القطار الثوري بغير تذاكر. استشهد بيات بتطورات الأوضاع في مصر واليمن وتونس حيث لم يتغير سوى سطح الدولة في تقديره بينما احتفظت النخبة القديمة بمواقع نفوذها في آلة الدولة القسرية، الجيش والبوليس والأمن، وأجهزة الإعلام والسوق وشبكات المحسوبية التي قامت عليها الأحزاب الحاكمة القديمة محروسة مصانة لم يمسها سوء.
رد بيات تواضع الربيع العربي عن التحول الثوري كامل الدسم الذي يقضي على أجهزة السلطة القديمة ويحل أخرى جديدة محلها كمثال الثورة الكوبية عام 1959 والثورة الإيرانية عام 1979 إلى السرعة التي أطاحت بها الجماهير برؤوس الدولة، شهر في تونس وأقل من ثلاثة أسابيع في مصر، وعدم قدرة “الثوار” على بناء أجهزة حكم بديلة أو عدم رغبتهم. بدلا عن ذلك، بحسب بيات، كان مطلب الثوار أن تقوم أجهزة النظام بتفكيك نفسها إذا جاز التعبير وبناء أخرى ديموقراطية، الإصلاح من الداخل، ولذا شدد أن الثوار تمتعوا بنفوذ اجتماعي عظيم بل سيطرة على المجال العام لكن خانتهم الطاقة الإدارية، فهيمنوا ولم يحكموا. في تحليله لهذا القصور استعرض بيات تراجع الآيديولوجيات الأم التي احتضنت مفهوم الثورة وجعلت له شرعية وشريعة، الوطنية المناوئة للاستعمار والماركسية-اللينينة والإسلام الثوري بدمغ سيد قطب وعلي شريعتي لتحل محلها خطة المطلبية الإصلاحية على سنة كفاية وحركة 6 أبريل في مصر وعندنا “قرفنا” و”التغيير الآن” و”سائحون”، قوى تنتهي طاقتها السياسية عند جكة “إرحل” ولا شدة لديها لمسير السهول الطويل اللازم لبناء أجهزة الحكم البديلة.
راجع طارق علي آصف بيات في اعتماده على المفاهيم المجردة للثورة والإصلاح وبينهما الثورصلاحات دون الاعتبار في موقع العالم العربي من لعبة الأمم. بدأ الربيع العربي بانتفاضات محلية ضد الدول البوليسية الفاسدة والحرمان الاجتماعي سرعان ما تعولمت بتدخل القوى الغربية وجيران العرب النافذين، ولذا جزم طارق ألا سبيل لتحليل مخرجات هذه الانتفاضات بتغييب دور الولايات المتحدة، الفاعل العسكري والسياسي الأعظم في المنطقة، وعلاقة ما يجري بالقضية الفلسطينية. تدخلت الولايات المتحدة في مصر لإنقاذ الدولة العميقة عبر تيسير التغيير الجراحي في قمتها بسلطة الجيش، سحبت علي عبد الله صالح من المسرح عندما برز الانقسام في الجيش اليمني وأبقت على رجاله، لكن عضدت سلطة حلفاءها الملوك والأمراء في الخليج في وجه الاحتجاج الشعبي كما في البحرين، قضت على القذافي بسلاح الناتو وأوكلت إلى السعودية وقطر أمر الأسد في سوريا. اتفق طارق علي مع آصف بيات على أن الجماهير التي أطاحت بسلطان بن علي ومبارك أعطت أصواتها للقوى الإسلامية المجازفة لعجز الثوار عن تدبير مصالح غمار الناس بآلة سياسية صالحة، غاب “أب شنب” الكادحين وحضر “أب ضنب” المرطبين. الدرس مطروح لمن طلب العبرة، هبوط ناعم، طارئ، اضطراري، أو الناتو لمن أراد إليه سبيلا.