Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

تقييم انتقال التيارات الإسلامية من الجماعة إلى الدولة

بقلم: الإمام الصادق المهدي

مقدمة:

إن لشهادة الغريب وزنا خاصا.
وضع عالم الاجتماع الأمريكي مايكل هارت قائمة بأكثر مائة شخص تأثيرا في تاريخ الإنسانية كلها واختار محمد (ص) على رأس تلك القائمة وقال لأنه أسس دينا عالميا ودولة فكان نبيا ورجل دولة. ويضاف إلى ذلك أن الكتاب المقدس الذي أوحى إليه قد انفرد بالاجماع على نصه، وأن الإسلام انتشر في العالم المعمور في ثمانين عاما بما فاق ما حققته الإمبراطوية الرومانية في ثمانمائة عام. وقادت الحضارة الإسلامية العالم بصورة متصلة لمدة ألف عام من القرن السابع الميلادي إلى القرن الثامن عشر الميلادي.

الأمة الإسلامية حتى يومنا هذا متمسكة بدينها عبادات، وشعائر، وأخلاق. ولكن النظام السياسي المطبق في العالم الإسلامي بعد الصدر الأول خالف في الواقع المبادئ السياسية الإسلامية، مبادئ الكرامة، والعدالة، والحرية، والشورى ومارس عبر الدول التي أقامها: الأموية، والعباسية، والعثمانية، والصفوية، والمغولية نظم حكم أقرب إلى تراث الحكم القيصري، والكسروي، منها إلى مبادئ الإسلام السياسية.

امتثل مؤسس الدولة الأموية لنصح المغيرة بن شعبة إذ قال له: “لقد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان. وفي يزيد منك خلف فاعقد له، فإن حدث بك حادث كان كهفا للناس، وخلفا منك، ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة”. وقال يزيد بن المقفع في مجلس البيعة ليزيد بن معاوية: أمير المؤمنين هذا وأشار لمعاوية فإن هلك فهذا وأشار ليزيد فمن أبي فهذا وأشار لسيفه. ومنذئذٍ صار التغلب سنة الولاية في الديار الإسلامية وقال الشهرستاني صاحب الملل والنحل: “أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة. إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة”.

وأعطى جمهور الفقهاء سنة التغلب شرعية بمقولة ابن حجر العسقلاني: “وقد اجمع جمهور الفقهاء على طاعة المتغلب والقتال معه”.

هكذا تعاقب على السلطة خلفاء أو سلاطين في الغالب وصف حالهم دعبل الخزاعي:
خليفة مات لم يحزن له أحــــدوآخــــــر قام لم يفرح به أحد
فمر ذاك ومر الشؤم يتبعـــــه وقام ذاك فقام النحس والنكد!
استمر واقع حال النظم السياسية الحاكمة للمسلمين على هذا النمط، والتمس كثير من المسلمين عزاءً في نظريات حكم طوباوية سنية، وشيعية، وصوفية. أهم نظريات أهل السنة ما جاء في كتاب الماوردي في كتاب الأحكام السلطانية إذ وصف فيه أساسا مثاليا للولاية المطلوبة إسلاميا. ولكنه تنظير لم يطبق. وأهم نظريات الشيعة النظرية الإمامية الإثنى عشرية كما شرحها المجلسي في كتابه قوت القلوب. وأهم نظريات الصوفية هي الدولة الغيبية التي وصفها ابن عربي في الفتوحات المكية.

هذه النظريات ظلت حبيسة الأماني تماما كأماني الفلاسفة كما صورها الفارابي في أهل المدينة الفاضلة.
وفي عالمنا الحديث ونتيجة لتعلق المسلمين بالإسلام، وإلهامات التجربة التاريخية الرائعة، وتحصنا من الغزو الفكري والثقافي الغربي، ونتيجة لإخفافات النظم السياسية اللبرالية، والقومية، والاشتراكية جرت محاولات حديثة لإقامة الإسلام في النظام السياسي، فلم يكن حظها من تطبيق مبادئ الإسلام السياسية أوفر من حظ الدول الإسلامية التاريخية، وسواء فيما أقيم من نظم وراثية أو عسكرية فإنها في الغالب قامت على نهج التغلب الذي دمغه عمر رضى الله عنه بمقولة: “من بايع أميرا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا للذي بايعه”.

النظم الحديثة التي حكمت البلدان الإسلامية استصحبت نظام حكم الاستبداد المعاصر الذي انشأه ستالين كتطبيق بوليسي للماركسية وطبق مثله من اليمين هتلر فصار ما ابتدعاه نظام فاشستوستاليني هو الملهم لنظم الحكم الاستبدادية الحديثة في بلداننا، ومهما اختلفت شعاراتها بين قومية، واشتراكية، وإسلامية، فإنها تمثل ملة الاستبداد الواحدة بما فيها من حزب واحد مسيطر، وأمن قاهر، وإعلام مضلل، واقتصاد تمكين للمحاسيب.

(1) التجارب الإسلامية الحديثة

فيما يلي أستعرض تجارب لدولة إسلامية حديثة في باكستان، وفي إيران، وفي السودان، وفي أفغانستان، وفي تركيا، وفي ماليزيا، وفي نيجيريا، وفي غزة، وتونس ومصر، والمغرب.

1. باكستان قامت على أساس انفصال المسلمين من الهند ذات الأغلبية الهندوسية، مؤسس الدولة لم يكن إسلامي الفكر بل تعامل مع الإسلام كقومية ولكن اندفعت في باكستان تيارات قوية تتطلع لاسلمة الدولة والمجتمع. وفي عام 1979م تبنى حاكم باكستان العسكري (ضياء الحق) فكرة إقامة الشريعة وخلط بين تأييد دولته الدكتاتورية وتطبيق أحكام إسلامية واستفتى الشعب الباكستاني في 1984م لتأييد هذه الخلطة المرتبطة كذلك بتحالف مع الولايات المتحدة، نعم طبق النظام أحكاما إسلامية واستقطب تأييد تيارات شعبية إسلامية ولكن نظام الحكم ظل قائما على سنة التغلب العسكري بعيدا عن مبادئ الإسلام السياسية.

2. نظام الشاهنشاه في إيران نظام مؤسس على القومية الفارسية، حاول إقامة دولة حديثة على النمط التركي المعادي للإسلام المتحالف مع الغرب. في وجه هذا النظم انطلقت تيارات معارضة كان أقواها الثورة الإسلامية الإيرانية، فأطاحت بنظام الشاه، وأقامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كانت هذه الثورة مستندة لتأييد شعبي منطقع النظير. وحققت الثورة إنتماء الشعب الإيراني للإسلام وهزيمة الاستلاب الغربي، وحققت استقلالا حضاريا ودعمت الممانعة في وجه الهيمنة الدولية على نطاق واسع. ولكن النظام الإسلامي الإيراني حبس نفسه في الطائفية الشيعية وفي مبدأ ولاية الفقيه بينما المبدأ الإسلامي هو ولاية الأمة فقوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) يعني كافة أهل الإيمان.

3. في أفغانستان نجحت المقاومة الإسلامية في دحر الغزو السوفياتي ولكن المجاهدين أخفقوا في إقامة ما تطلعوا إليه من نظام إسلامي حديث، ووجهوا أسلحتهم ضد بعضهم بعضا. وبدعم من باكستان انطلقت حركة شبابية حماسية سيطرت على أفغانستان وأقامت ولاية إسلامية فيها. فهم طالبان لنظام الحكم في الإسلام ماضوي ونظرتهم لإقامة الأحكام الإسلامية مجردة من الاجتهاد الجديد المطلوب لاستعياب المستجدات.
قال ابن قيم الجوزية في كتاب الأحكام السلطانية إن الفقهاء خلطوا بين فرع العقائد والعبادات الذي يعتمد على النصوص المنقولة، وفرع المعاملات الذي يقوم على المصالح المرسلة واستصحاب النافع. وهذا ما جعلهم يضيقون مجالات السياسة وقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي.
تجربة طالبان كاحتجاج على عجز القيادات الإسلامية التقليدية، وكاحتجاج على الاحتلال الأمريكي، تجربة ناجحة ولكنها كنظام بديل مجافية لمبادئ الإسلام السياسية ومجردة من التطبيق الاجتهادي للأحكام الإسلامية، نظام خارج العصر.

4. السودان فيه تطلع لتكوين إسلامي حديث على نطاق شعبي واسع وأغلبية القوى السياسية فيه إسلامية التوجه، وكان بالإمكان أن تحدث في السودان تجربة إسلامية حديثة بإرادة شعبية غالبة كما توقع كثير من المراقبين أمثال مونتجمري واط لدى زيارته للسودان. ولكن هذا التوجه الواعد اجهضته محاولات القفز فوق المراحل وما صحبه من طموح سلطوي.
. في عام 1983م كان نظام مايو الذي أقامه انقلاب مايو 1969م يواجه عزلة سياسية واخفاقا سلبه شرعيته فقرر إعلان ما سماه ثورة تشريعية عن طريق ما سماه تطبيقا للشريعة، كانت التجربة انتهازية ومكلفتة وعندما عرضت تفاصيلها لنخبة من علماء المسلمين في عام 1987م أدانوها بأنها كانت معيبة تخطيطا وتنفيدا.
. وكان النظام السياسي الديمقراطي في السودان بعد الثورة التي أسقطت نظام مايو يواجه مشاكل أهمها الحرب الأهلية في الجنوب ومخاوف حول التطلع لأسلمة الحياة؛ وكان النهج الديمقراطي حريصا على إنهاء الحرب الاهلية بما يستجيب لمطالب الجنوبين المشروعة في إطار وحدة البلاد وقد اتفق على تحقيق ذلك عبر مؤتمر قومي دستوري يعقد في 18 سبتمبر 1989م. وكان النهج الديمقراطي حريصا على مشروع أسلمة يجمع الشمل الإسلامي ويطمئن المسيحيين وغيرهم على حقوقهم الدينية وحقوق المواطنة. ولكن هذا التوجه بشقيه أجهضه انقلاب يونيو 1989م الذي قرر إقامة أحكام الشريعة بإرادته السلطوية وحسم الحرب الأهلية بعزيمة جهادية قتالية.

. التجربة الإسلامية الإنقاذية غيبت مبادئ الإسلام السياسية، ومزقت الجسم الإسلامي، ووحدت المقاومة المضادة، وأطلقت لها دعما دوليا قويا. والنتجية أن هذا النهج لم يحقق تطبيقا ناجحا للمشروع الإسلامي، وأتاح الفرصة لمشروعات تمزيق الوطن السوداني التي خطط لها أعداء الوطن. عندما وقع انقلاب يونيو 1989م كانت الحكومة الديمقراطية بصدد عقد لقاء جام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قائدة الطرف الآخر من الحرب الأهلية في 18/9/1989م، وكان الاتفاق المبدئي هو أن يضع هذا الملتقى حدا للحرب الأهلية، وكانت مطالب الحركة الشعبية هي: الحصول على نصيب مناسب لحجم الجنوب في السلطة والثروة، وتحقيق لا مركزية فيدرالية، واستثناء الجنوب من أية أحكام إسلامية. ولكن بمجرد وقوع انقلاب يونيو ثم رفعه شعارات إسلامية عربية، لا سيما بعد تكوين المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي، تنادت كل القوى السياسية الجنوبية، وفي نوفمبر 1993م، وتحت رعاية الشيخ الأمريكي هاري جونستون، قالوا: إن السودان قرر هوية إسلامية عربية، ونحن لسنا مسلمين، ولا عربا، لذلك اجتمعت كلمتهم على المطالبة بتقرير المصير.

وعندما أبرمت اتفاقية السلام في يناير 2005م نصت على الوحدة الجاذبة، والسلام الشامل، والتحول الديمقراطي، ولكن في هيكلها المعيب، كما أوضحنا ذلك في كتاب نشر في مايو 2005م، وفي طريقة التطبيق، حققت الاتفاقية عكس مقاصدها.
والنتيجة انفصال الجنوب بإجماع سكانه في يوليو 2011م، واستمرار الحرب الأهلية في دارفور واشتعال ثلاث جبهات قتال أخرى في مناطق: أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق.

كما أن إدارة الحكومة للحرب في دارفور أدت إلى إصدار مجلس الأمن مجموعة من القرارات تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة بلغت في جملتها 48 قرارا، أحدها القرار 1593 الذي أحال عددا كبيرا من قيادات الحكومة في السودان للمحكمة الجنائية الدولية، وآخرها القرار 2046 الذي فرض وصاية على عملية السلام في السودان.
ونشأ في البلاد انقسام حاد في الجسم السياسي السوداني بين تيار إسلامي، يرى أن النظام فرط في الالتزام بالإسلام، ولذلك هم يطالبون بنظام إسلامي خالص، وتيار آخر تقوده الجبهة الثورية يرى التصدي المسلح للنظام لإسقاطه وإقامة نظام علماني، وما بين هذين الموقفين توجد تيارات معارضة للنظام بما في ذلك مطالبة بالتغيير من داخله.

التجربة السودانية الإسلامية بدءً من الوصول للسلطة عبر الانقلاب، إلى فرض برنامج حزبي أحادي في بلاد متعددة الأديان والثقافات دون هندسة مناسبة لتحقيق التوازن، إلى إقامة نظام الحكم على الأساس الأمنجي المتخندق الشائع في الشرق الأوسط، إلى إدارة عمليات الحرب الأهلية، وعمليات اتفاقيات السلام ما دفع البلاد نحو التمزق والتدويل، تجربة إخفاق تحت الشعار الإسلامي قيمتها الوحيدة في أنها اعطت أنموذجا مهما فيما ينبغي تجنبه.

5. تركيا هي وطن الخلافة العثمانية وهي خلافة دامت لأطول مدة في الحكم، ومع ما حققت من إنجازات فإنها في أواخر عهدها ضعفت حتى وصفت بالرجل المريض: الفساد، والاستبداد، والمظالم، والهزائم، أطلقت تيارا معاديا للخلافة ومعاديا للإسلام بقيادة مصطفى كمال، فأقام حكما معاديا للإسلام لإلحاق تركيا بالحضارة الحديثة.

إن دور القيادة العسكرية في تركيا ونهجها الحماسي في تصفية التراث والالتحاق بالغرب صار لطمة قوية في وجه الأمة الإسلامية مثلما صار مضرب المثل لما ينبغي عمله في بلداننا لدى القوى الغربية. ولكن الهوية الإسلامية في تركيا رغم الاقتلاع المنهجي الذي تعرضت له استعصت على الاقتلاع، فالطرق الصوفية نشطت بوسائلها الناعمة للمحافظة على التربية الإسلامية، وقادة فكر أمثال بديع الزمان النورسي أطلقوا يقظة إسلامية بوعي حديث، وردت هذه الأفكار على الغلو العلماني بقوة، ونشط مصلحون اجتماعيون مثل فتح الله كولن بتجربة تحاشت الصدام مع السلطة العلمانية وركزت على كسب العقول والقلوب ببسط الخدمات الاجتماعية وتشبيك المصالح الحياتية من منطلقات إسلامية. وفي عام 1970م تأسس أول حزب إسلامي بقيادة المرحوم نجم الدين أربكان باسم النظام الوطني. وفي 1971م حل الحزب نتيجة لانقلاب عسكري. وبعد ذلك سمح بتنظيم الأحزاب فأسس أربكان حزب السلامة الوطني وخاض الانتخابات في 1973م وأثبت أنه رقم سياسي مهم. ثم حل الحزب في 1980م بعد انقلاب عسكري. ثم عاد مرة أخرى باسم حزب الرفاه واكتسح الانتخابات في 1994م حتى صار أربكان رئيسا للوزراء ثم استقالت تلك الحكومة بضغط من القوات المسلحة وحل حزب الرفاه ليعود باسم حزب الفضيلة وهذا بدوره حل فكون أربكان حزب السعادة.

جماعة رجب طيب أردغان وهم من حزب السعادة قرروا مراجعة الأسلوب فكونوا حزب العدالة والتنمية وفي 2001م خاضوا انتخابات 2002م واكتسحوها.
هذا الحزب لا ينادي بالإسلام ولكنه مكون من أفراد مؤمنين أعلنوا احترامهم للعلمانية ولكنها نسخة أخرى من تلك المعادية للدين. هذا الحزب نجح في التنمية والإدارة والعلاقات الخارجية وهي تجربة واعدة للتوفيق بين المرجعة الإسلامية والحداثة والديمقراطية. إن التجربة التركية تمثل درجة مهمة في إقامة حكم راشد ناجح تنمويا، ومع عمله تحت راية علمانية فإنها لم تعد العلمانية المعادية للدين، ولا شك أن المناخ الجديد سوف يخطو خطوات أخرى مما شجع الحزب الإسلامي الذي عارض نهج العدالة والتنمية في البداية أن يندمج فيه، كما أن الحكومة التركية قطعت خطوات في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وفي الأخذ بيد الشعب السوري في ثورته. إن للتجربة التركية مستقبلا واعدا.

6. التجربة الماليزية قريبة من هذه التجربة وسابقة لها وهي تجربة ناحجة تنمويا وفي التمسك بالإصالة الحضارية وبالمرجعية الإسلامية في إطار من التعددية الثقافية، والاثنية، والإدارة التوفيقة بين الحداثة والتقاليد. التجربتان التركية والماليزية في شكلهما الحالي ناجحتان بالمقاييس الوضعية وأما بالمقاييس الإسلامية فهما في خانة: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)

7. في نيجيريا أعلنت عدد من الولايات الشمالية في 2001م تطبيقا للشريعة، هنالك في نيجيريا نقص في الوعي الديني شبيه بحال طالبان والتطبيق تحت نظم حكم محلية تقليدية وفي ظل دستور فيدرالي علماني. إنها حماسة ينقصها الوعي اللازم بمطالب الاجتهاد المطلوب وتنقصها الإحاطة ولكنها على أية حال تعبر عن أشواق إسلامية حقيقية وعن احتجاج لأن الاغلبية المسلمة في نيجيريا تحرمها الآن قدراتها المحدودة من قيادة البلاد ولهذا السبب وأسباب متعلقة بفساد التعليم وفساد الإدارة انطلقت حركة احتجاج عنيفة (حركة بوكو حرام) التي تعتبر التعليم الحديث وخريجيه هم أس البلاء الواجب استئصاله.

8. منذ عام 2006م استطاعت حركة حماس أن تحقق نصرا انتخابيا. ولكن عناصر كثيرة داخلية، وإقليمية، ودولية تضافرت لتحرمها من نتائج انتصارها ولتحاصرها ثم وفي 2008م للهجوم الاسرائيلي المسلح عليها.
لا يمكن قياس أداء حماس في غزة بالمقاييس العادية ولكن يحمد لها ولسائر فصائل المقاومة الصمود الرائع في وجه العدوان والحصار، يحمد لحماس أنها وصلت السلطة باسلوب ديمقراطي وصمدت في وجه الحصار والعدوان، وإثبات أن المقاومة الفلسطينية رقم لا يمكن تجاوزه في بناء المصير الفلسطيني.

9. التجربة التونسية اثلجت صدر الأمة، فمع ان اندلاع الثورة الشعبية كان مفاجئا، فقد كان حزب النهضة قد اتفق مع القوى السياسية العلمانية والاشتراكية على وثيقة لمستقبل تونس قبل اندلاع الثورة الشعبية، فسهلت تلك المرجعية مهمة إقامة نظام حكم انتقالي توافقي بعد الثورة، وبعد الانتخابات.

هذه الديمقراطية التوافقية يرجى أن تتمكن من وضع دستور للبلاد يحظى بدعم شعبي واسع، ولكن سيكون الدستور محل تجاذب بين من يريدونه أكثر إسلامية ومن يريدونه أكثر علمانية. وتواجه السلطة التوافقية تنافسا، وعينها على الانتخابات القادمة، كما تواجه تحديا من اليسار تقوده القوى العلمانية والاشتراكية، وتحديا من اليمين تقوده قوى الانكفاء الإسلاموية. الواضح أن القيادة الإسلامية في تونس مدركة لهذه العوامل تدعمها حقيقة أن البدائل لها غير مجدية، فلا العودة للمربع الأول مجدية لأن فسادها وظلمها أعدمها، والقوى العلمانية مهما كانت قوية في المعارضة فهي خارج وجدان الأمة، والقوى الانكفائية مهما علا صوتها خارج مسيرة التاريخ. هذه فرصة تاريخية لتقديم تجربة أوسع خطى نحو المرجعية الإسلامية من التجربة التركية.

10. التجربة المصرية كذلك تستأهل حركة الأخوان تهنئة على ما حققت من انتصار انتخابي. ولكن هنالك عوامل تجعل التحديات أكبر هي:
• الثنائية بين حزب العدالة والحرية وجماعة الأخوان المسلمين قلقة، وما جرى من تصرفات فتح باب تساؤلات.
• حدثت مواقف معينة أدت لاتخاذ قرارات متناقضة أثرت على مصداقية القرارات السياسية.
• إن للوجود المسيحي في مصر كيانا قويا ذا دعائم خارجية قوية.
• موقف مصر الإستراتيجي هو الأكبر أهمية مما يفتح أوسع الأبواب لتدخلات خارجية.
• مصر دولة مواجهة في قضية السلام والحرب في الشرق الأوسط.
هذه العوامل، بالإضافة لتحديات الحكم بالديمقراطية، والوحدة الوطنية، والتنمية، ومحاربة الفقر والعطالة، تجعل التحديات أمام القيادة الإسلامية في مصر بلا مثيل. ههنا تواجه التجربة المصرية تحديا كبيرا من قوى علمانية ومسيحية كبيرة على يسارها، وقوى إنكفاء إسلاموي كبيرة وأكثر تنظيما ودعما على يمينها.
ولكن، لا العودة للمربع الأول مجدية بعد ما انكشف من فساد و تبعية، ولا اليسار يحتوي على بديل مقنع، ولا اليمين.
كل القوى السياسية في مصر ارتكبت أخطاء جسيمة منذ الثورة، ولكن مع ذلك فلا يوجد ما يشكل بديلا حقيقيا للسلطة الإسلامية إذا استطاعت أن تواجه التحديات بكفاءة.

11. التجربة المغربية تجربة ذات قيمة خاصة لأنها تجري في ظل نظام ملكي أدرك حتمية التغيير، وحاول التفاعل الإيجابي معه، ووجد استعدادا لدى حركة إسلامية ذات قاعدة شعبية عريضة (حزب العدالة والتنمية). هذان العاملان أثمرا تجربة في المغرب اشتملت على إصلاح دستوري أوجب على الملك اختيار رئيس الوزراء من صاحب الأغلبية البرلمانية، وهذه خطوة في طريق الملكية الدستورية. فصار عبد الإله بن كيران الآن رئيسا للوزراء بموجب ما تحقق لحزبه من تفوق نيابي. وصحبت التجربة مسألة مهمة هي التعرض لمظالم الماضي بموجب مشروع عدالة انتقالية استصحبت تجربة جنوب أفريقيا وأقامت هيئة المصارحة والإنصاف. وصحب التجربة أيضا مشروع تحديث مؤصل حول الأحوال الشخصية عن طريق مدونة الأحوال الشخصية. التجربة سوف تحاصرها مزايدات من اليسار واليمين، ومنازعات بين القصر والحكومة، ولكنها تجربة مجدية وفي الطريق إلى ملكية دستورية كاملة مثلما حدث في بعض التجارب الأوربية حيث استمرت الملكية في بعضها نتيجة لموقف العروش الإيجابي من التسليم بحقوق الشعوب. وقديما قال جون كندي، الرئيس الأمريكي الأسبق: من يحولون دون الثورة السلمية يجعلون الثورة العنفية حتمية.

(2) الإسلام والفجر العربي:

الثورات العربية التي انطلقت من تونس ثم مصر، وامتدت إلى اليمن، وسوريا، والبحرين، وليبيا تطلعات شعبية قادها شباب بأساليب مبتكرة ولكنها في زخمها استقطبت الشعوب وعبرت عن كافة تطلعاتها في الكرامة والحرية، والعدالة، والتنمية، والتأصيل.

لقد لقيت التيارات الإسلامية من الطغاة عنتا شديدا فصمدت وصارت تمثل عناصر قوية في الخارطة السياسية في البلدان العربية لذلك مهما كانت النظم التي سوف تقيمها الثورات العربية فسوف تكون نظم تعبر عن حرية الشعوب وتطلعاتها وبالتالي هويتها الإسلامية.

الإسلام يمثل في كافة البلدان الإسلامية القوى الحائزة على أكبر رصيد في رأس المال الاجتماعي وقد أكدت هذه الحقيقة كل الانتخابات الحرة التي أجريت.

هذه الولاية الديمقراطية نبأ سار للأمة الإسلامية والقوى الإسلامية التي استطاعت بحسن تنظيمها وتحركها تحقيق هذه الانتصارات تستاهل التهنئة على ما حققت.

التاريخ يؤكد أن كافة القوى السياسية العقائدية التي تثبت كفاءة عالية في المعارضة تجد صعوبة في الحكم وفي التوفيق بين المبادئ المرجعية والواقع الماثل، نعم وصلت هذه القوى للسلطة عبر الوسائل الديمقراطية، والتحدي الأول الكبير هو أن تحرص على أن تحكم الوسائل الديمقراطية، والتحدي الثاني المهم هو أن تحرص على كفالة حقوق الإنسان للكافة وأن تلتزم بحقوق المواطنة للكافة والتحول الثالث أن تحقق اجندة التنمية والعدالة الاجتماعية وما يصحبها من محاربة العطالة والفقر، والتحدي الرابع أن تقيم علاقات خارجية على أساس ندي خال من العداء ومن التبعية، وخامسا: التعامل الحازم العادل مع قضية السلام ليؤسس على العدل، هذه تحديات خطيرة تواجه القوى الإسلامية في السلطة في تونس وفي مصر.

(3) مخالطة المسلمين لغيرهم:

لأول مرة في التاريخ يوجد ثلث المسلمين كأقليات في بلدان أخري هم مواطنون فيها ولن يهاجروا منها، وفي نفس الوقت يقيم في البلدان الاسلامية جماعات غير إسلامية لا تقل في المتوسط عن عشر السكان، ويساكن السكان في الأقطار المختلفة جماعات وطنية ذات انتماءات ثقافية وإثنية مختلفة من هوية الأغلبيات الثقافية والقومية.
أعداء الاسلام يراهنون علي تحويل وجود المسلمين كأقليات في البلدان المختلفة إلى قيتوهات معزولة ومنبوذة. وأن يحولوا الجماعات الوطنية إلى طابور خامس يعبأ بكل الوسائل للعمل علي مصائر انفصالية بهدف تمزيق البلدان.
الإسلام دين عالمي: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا). والمقاييس التقليدية في التعامل مع غير المسلمين كأهل ذمة غير وارد لأن هؤلاء داخلون مع المسلمين في عهود المواطنة، ولظروف استثني النبي (ص) نصاري نجران من الجزية، وكذلك فعل عمر (رض) مع نصاري تغلب، وفي هذا الصدد قال القاضي أبو يعلى: إن العلاقة القائمة علي العهد لا توجب جزية أصلا.
علينا احترام حقوق المواطنة في بلادنا وإبرام مواثيق دينية وثقافية لكفالة حقوق الكافة.

4) قراءة عامة للمصير الاسلامي

قال ابن القيم إن واجب الفقيه هو معرفة الواجب والاحاطة بالواقع والتزاوج بينهما. فإن صح هذا في ظروف غابرة فهو اليوم أوجب الواجبات:

أولا: العلاقة الانكفائية بالآخر الإنساني لم تعد ممكنة في عالم تداخلت فيه ظروف حياته لدرجة التشبيه بالقرية الواحدة، والانكفاء اصلا غير وارد في دين الاسلام الذي يخاطب الإنسانية كافة والذي يعتبر الكون كتاب الله المنشور وأن قوانين الطبعية هي السنن الكونية (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، وعالم الشهادة من أسمى آيات (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) .
من حيث اكتشافات العلم التجريبي في قوانين الطبيعة ، والنفس الانسانية، وعلم الاجتماع ، والآثار وغيرها، تلزمنا الهجرة الفكرية والتكنولوجية للحضارة الحديثة لأن ما فيها في هذه المجالات ساهمنا في اكتشافها تاريخيا، ولأنها تتعلق بقوانين كلية في الكون. ولكن الحضارة الحديثة أغفلت في تطورها الغائية، والأبعاد الروحية، والأخلاقية، والبيئية فهي في أشد الحاجة الي هجرة حضارتنا في هذه المجالات لكي تنظر بعينين لا بعين واحدة للمصير الإنساني . هكذا يمكن للإسلام أن يقوم بدوره الرسالي دينا للإنسانية.

ثانيا: الأديان الأخرى يعيبها عدم الاعتراف للإنسان بالمساواة الإنسانية وعدم الاعتراف بالآخر الملي. الإسلام وحده مؤهل في هذا الصدد لمطالبة أهل الملل بأن تعالوا إلي كلمة سواء بيننا نعترف بالكرامة الانسانية ونعترف بالتعددية الدينية ونعطي كل ذي حق حقه وندعو للحق بأسلوب (أدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

ثالثاً: نقر جميعاً فيما يتعلق بعالم الشهادة تجربة البحث العلمي والتكنولوجي بلا أية قيود ملية أو أيدولوجية في اكتشاف وتسخير سنن الكون.

رابعا: مهما تعددت النصوص حول حقوق الإنسان ندعو الكافة لاحترامها وهي تعود كلها إلى خمسة أصول: الكرامة:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ). الحرية: (وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ). العدل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ). المساواة: يا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).. والسلام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً).

خامساً: ولا يليق بكرامة الانسان وحقوقه إلا نظام حكم يحقق الرباعية الذهبية: المشاركة: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)
والمساءلة: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ).والشفافية: (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ). وقوله تعالي: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وسيادة حكم القانون: (لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لاقمت عليها الحد).

سادسا: إقامة الاقتصاد علي التنمية: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، والرعاية الاجتماعية: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)..

سابعاً: معاني الجهاد واسعة بدءاً من جهاد النفس إلى الجهاد بالكلمة (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) أي القران . والقتال الدفاعي: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ). على أن تقوم العلاقات الدولية على العدل والسلام والتعاون: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)

ثامناً: الأحكام قطعية الدلالة ملزمة، ولكن إقامتها تعتمد علي اجتهاد مقاصدي يستصحب: المقاصد، العقل، المصلحة، الإلهام، السياسة الشرعية، الحكمة، ويراعي فقه الأولويات علي أن تمنع فوضى الفتاوى الفردية ويقام الاجتهاد المؤسسي.

تاسعا: وحدة أهل القبلة هدف جامع، ويمكن التطلع لجامعة دول إسلامية، ولكن هذا يتطلب إزالة حدة الاختلافات بين أهل السنة والشيعة والصوفية. ينبغي التخلي في صعيد السنة من التسنن الأموي، وفي صعيد الشيعة التخلي من التشيع الصفوي. ينبغي التخلي عن تكفير من لا يؤمن بالإمامة على نحو ما قال عدد من قادة الشيعة أمثال السيد على الأمين، والسيد محمد حسين فضل الله، واعتبار الإيمان بالإمامة توجها مذهبيا يلزم أصحابه ولا يوجب إلزام الآخرين. وهنالك مجال لتوافق مع الصوفية تمليه مقولة الإمام مالك: من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق.

مؤسسات الوحدة الحالية في النطاقين العربي والإسلامي (الجامعة العربية ومؤتمر الدول الإسلامية) فوقية تغيب الشعوب، ومع بقاء نظام الحكم شرق الأوسطي في كثير من دولها تفتقر إلى شروط تفويض السلطات، ولكن التحرر الحتمي للبلدان الإسلامية والعربية من الاحتلال الداخلي، سوف يدفع في النهاية إلى منظمات وحدوية أصدق في التعبير عن أشواق الوحدة.

تحولات الفجر الجديد من شأنها أن تقضي نهائيا على نظم الحكم الأمنجية المتخندقة، فالوجدان العربي قد اتحد ينشد الكرامة، والحرية، والعدالة، والمشاركة، والمساءلة، والشفافية، أساسا للحكم الراشد. وإذا نجحت تجارب الحكم الديمقراطي ذات المرجعية الإسلامية، فسوف تعطي المنطقة كلها نمطا يوفق بين التأصيل والتحديث. ولكن هذه التجارب تحتاج لرافع تنموي كبير لا يمكن توفير رأس المال اللازم له من إمكانات الاقطار الذاتية، هذه فرصة لتوظيف رؤوس الأموال العربية التي تملكها الدول النفطية في صندوق “مارشال” عربي ضخم.

أمريكا رفعت الاقتصاد الأوربي بعد الحرب بما قيمته ترليون دولار. هذا تطلع مصيري لدور تاريخي لفوائض الأموال العربية.
ينبغي الاتفاق على ميثاق جامع لأهل القبلة هو الآن مطلب الشعوب، لا سيما وأعداء الأمة يراهنون على أذاها من باب تفرق المسلمين. أما الخلافات المذهبية فهي من باب السعة للأمة على نحو ما قال الإمام أحمد بن حنبل عندما قدم له أحد تلاميذه كتابا سماه الاختلاف فقال له: سمه السعة.

عاشراً: في كل الحالات ينبغي عدم رفع الشعار الإسلامي لسلب حقوق الشعوب، بل الحرص أن يكون الشعار الاسلامي هو الضامن لحقوق الشعوب، وينبغي الحرص علي عدم ربط الاسلام بالاستبداد والفساد وحكم الإكراه بآلية الانقلاب فقد قال عنه الشيخ الالباني: الانقلاب لا أصل له في الاسلام وهو بدعة منكرة.

ختام :

إن موضوع الدولة الإسلامية الحديثة بين النظرية والتطبيق ليس تمرينا أكاديميا بل هو من أهم هموم الأمة . لذلك يرجى التنادي لمؤتمر جامع لدراسة تراث المفارقة بين التنظير والتطبيق في تاريخنا السياسي القديم والحديث بهدف استخلاص الدروس ووضع البوصلة الهادية لتوجهات المسلمين. فالإسلام اليوم هو القوة العالمية الثقافية الكبرى وهو كذلك في البلدان الإسلامية القوة الاجتماعية الأكبر . هذه القوة الواعدة تتطلع لمن يقومون ببلورتها لأنه سبحانه وتعالى يحث علي ذلك بقوله (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)، وقوله تعالى: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ).

وعلي الله قصد السبيل.

قدمت هذه الورقة في مؤتمر: التيارات السياسية والإسلامية وتحدي السلطات المنعقد في تونس بتاريخ الأحد/ 14/10/2012

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *