ماو ماو.. عدالة الهمج
بقلم مجدي الجزولي
9 اكتوبر 2012 — أعلنت المحكمة العليا في لندن الجمعة الماضية أن بإمكان ثلاثة من قدامى محاربي الماو الماو تعرضوا للتعذيب على يد السلطات الاستعمارية البريطانية في كينيا في خمسينات القرن الماضي المضي قدما في مقاضاة الحكومة البريطانية طلبا للتعويض. رفض القضاة دعوى الحكومة أن تقادم الزمن يحول دون تحقيق العدالة في هذه القضية واحتجاج آخر بأن المسؤولية الجنائية عن أفعال الإدارة الاستعمارية انتقلت تلقائيا إلى الجمهورية الكينية باعلان الاستقلال في 1963.
امتدت انتفاضة الماو ماو، أو حوادث كينيا بعبارة السلطات البريطانية، من العام 1952 حتى 1960 وتحولت بالهندسة الاستعمارية إلى حرب أهلية شقت الكيكويو، أكثر المتضررين من الاستيطان البريطاني، إلى فصيلين متنازعين، موالين للحكومة انتظموا في مليشيا “حرس الكيكويو المحلي” لقتال أقرانهم الذين اختاروا صف الماو ماو. في دعايته المضادة صور الاستعمار الحرب ضد الماو ماو مواجهة بين الحضارة والهمجية. لكن، بينما لم يتجاوز عدد قتلى حوادث كينيا من المستوطنين البريطانيين 32 شخص اصطادت همجية الاستعمار أرواح 12 ألف من الماو ماو في الحساب الرسمي وفي تقديرات مستقلة أكثر من 20 ألف، نسبة معتبرة منهم على يد “الموالين”، الدفاع الشعبي الذي اتخذ جانب الحكومة. سوى ذلك قضى حوالي 150 ألف من الكيكويو فترات متفاوتة في معسكرات اعتقال بشبهة التعاطف مع الماو ماو، انتخبت منهم محاكم إيجازية خاصة 1090 للإعدام شنقا أمام جمهور “الأهالي” علهم يرعووا.
وصف ديفيد آندرسون في كتابه “تواريخ المشنوقين” (2011) حملة مكافحة التمرد البريطانية ضد الماو ماو ب”الحرب القذرة” وهي فعلا كذلك فقد أرست تقاليد في تخريب التحرير بمدية مزدوجة الحد إثنية وطبقية أصبحت كتابا يقرأ منه ورثة الدولة الاستعمارية لقمع كل تحد مشابه لدولتهم. استولى المستوطنون البريطانيون تسندهم السلطة الاستعمارية بالتدريج على غالب أراضي الكيكويو الغنية في محيط نيروبي المرتفع خاصة جنوبي كيامبو وميرانغ، تراكم بدائي كانت حصيلته فلاحين كيكويو لا أرض لهم والجوع الريفي في أواسط كينيا، وجهان لقضية الماو ماو المركزية – الأرض. انقسم مجتمع الكيكويو بإزاء المشروع الاستعماري إلى ثلاث طوائف بحسب مصالح كل، طائفة محافظة تضم زعماء الإدارة الأهلية ومن تحول إلى المسيحية من الشخصيات الاعتبارية؛ الأفندية “أولاد الإرساليات”، الذين تبنوا خطا وطنيا “إصلاحيا” بالتنافس مع الزعماء الأهليين على حلف الدولة ورعايتها؛ وثوار الماو ماو من المعدمين الذين فقدوا كل منفذ إلى الأرض بسبب التوسع الاستيطاني وتواطؤ زعماء الإدارة الأهلية كبار الملاك. امتد نشاط الماو ماو ونفوذهم ليشمل إلى جانب الفلاحين المعدمين العمال الزراعيين وقوى العمل الحضرية، عاملين وعاطلين.
عن الماو ماو قال جومو كنياتا، أفندي كينيا الأول عشية الاستقلال: “نحن مصرون أن ننال استقلالنا بسلام ولن نسمح لمثيري الشغب أن يحكموا كينيا… كان الماو ماو مرض تمت إزالته وعلينا ألا نذكره مرة أخرى”، لكن الذكرى تنفع المؤمنين، ولا شنو يا مولانا هارون.