قراءة سياسية حول ماَلات حركة التغيير في السودان – حركة التغيير الآن
هل من ثورة تتخلق في سماء السودان ؟
في أمسية السادس عشر من يونيو الماضي، انطلقت حناجر طالبات داخلية البركس بجامعة الخرطوم هتافاً ضد سلطة المؤتمر الوطني، و انطلقت شرارة حراك احتجاجي تواصل لشهري يونيو و يوليو الماضيين. و من التسطيح بمكان نسبة اسباب هذا الحراك كلية لما أصطلحت وسائل الاعلام العربية و العالمية على تسميته بالإجراءات التقشفية، فما بين الطلاب كطليعة قائدة في المجتمع السوداني و النظام ما صنع الحداد. حيث لم يحظى الانقلابيون منذ ان استولوا على السلطة في الثلاثين من يونيو من العام ١٩٨٩ بعلاقة طبيعية مع قطاعات واسعة من الشعب السوداني و بالأخص شريحة الطلاب ، حيث ظل الإرث السياسي المتوارث في الجامعات على قطيعة مع كل محاولات التطبيع مع النظام الحاكم. و قد ظلت خطيئة الانقلاب غير قابلة للغفران مهما تبدلت و تحورت الظروف. لذا فقد كان لخروج طلاب الجامعة ضد النظام جذور تتجاوز المستجدات السياسية و الاقتصادية التي يمر بها النظام حالياً. لكن فلنقل ان هذه الاجراءات كانت عاملاً محفزاً لحراك الطلاب، و هو شيء متوقع في ظل مالات الأوضاع في البلاد، منذ استقلال جنوب السودان ذاهباً بثلاثة أرباع الثروة النفطية – التي بلا مراء كانت الحبل السري الذي طاول اماد سلطة الانقلابيين و راكم ثروات مهولة لحزبهم و قواهم الأمنية – و ما تلى ذلك من اختلال في ميزان القوى السياسية لم يشهد مثيله السودان طوال تاريخه الحديث.
حالة عدم استقرار التي خلفها الانفصال خلقت وضعاً ملائماً لقيام ثورة في السودان. ازدياد معدلات التضخم بنسب قاربت ال 41.6% (حسب تقرير الجهاز المركزي للاحصاء الصادر في 8 أغسطس 2012) و تقلص معدل النمو الاقتصادي بنسبة 7% للعام 2012 حسب صنوق النقد الدولي، و استراتيجية النظام الخطيرة التي انتهجها بعد انفصال الجنوب لخلق مشروعية جديدة في الشمال، عبر شن حروبات عرقية في جبال النوبة و النيل الازرق يحمل بها فزاعة الاستهداف العرقي باطمئنان يتيح له بسط سيطرته على ما تبقى من أنحاء السودان، مع إعفاءه من المساءلة الشعبية على الكوارث الاقتصادية التي تقبل عليها البلاد. كل هذا حمل ميزانيتهم المهترئة اصلاً أعباء إضافية ثقيلة، سرعان ما تهاوت حتى قبل ان ينجحوا في استخدام نتائج العبث السياسي الذي حدث عقب الحرب مع دولة الجنوب في منطقة هجليج.
من المهم قبل ان نجيب على سؤالنا الافتتاحي أعلاه حول حدوث الثورة السودانية من عدمه، ان نثبت ان هذا النظام لم يتمتع بمشروعية مطمئنة، الا في الفترة التي أعقبت التوقيع على اتفاقية نيفاشا و ما تبعها من اتفاقيات (القاهرة ، أبوجا، اسمرا)، في العام ٢٠٠٥ و حتى التاسع من يناير من العام ٢٠١١. فيما خلا ذلك فان هبات عدة حدثت باشكال مختلفة و في مناطق مختلفة مستخدمة عدة وسائل متباينة. فالمقاومة في دارفور و التي اتخذت نهجآ مسلحآ و بدأت بضرب مراكز شرطية ، كانت ثورة ضد النظام. تظاهرات الجامعات طوال فترة التسعينات و بداية العقد الاول من الألفية الثالثة ، كانت ضرباً من ضروب الثورة المستمرة ضد النظام. هبات كجبار و المناصير و متضرري السدود كانت ثورة ضد سياسات النظام. حروب جبال النوبة و النيل الازرق و شرق السودان، جزء من المقاومة المستمرة ضد ما تمثله الدولة الموجودة الان . كل هذا الحراك كان يقول بوضوح بان الارض تميد تحت أقدام الانقاذيين. و لكن هبة يونيو ٢٠١٢ حملت شيئاً مختلفاً نوعاً ما، جعل الأعناق تشرئب لتعلق عليها آمالا عراضاً بإنجاز مهمة التغيير. و ذلك لاسباب عديدة نلخصها في النقاط التالية :
أولاً: حالة السخط الشعبي المتراكم منذ التسعينات و الذي زاد نتيجةً للضائقة الاقتصادية الاخيرة التي لم تشهد البلاد مثيلاً لها منذ السنين الاولى الانقلاب الاولى.
ثانياً: تأكل مشروعية النظام و فقدانه للغطاء السياسي و الاقتصادي الذي تدثر به لسنوات عديدة اثناء سيطرته على مقاليد الامور بالبلاد.
ثالثاً: انسداد افق الحلول في وجه النظام خصوصاً في ظل عزلته الدولية المتزايدة.
رابعاً: رياح الربيع العربي و ما حملته من الهام لشعوب المنطقة في امكانية حدوث التغيير و استعادة الشعوب لدورها في تقرير مصائرها.
هذه العوامل سهلت من التقاط بعض القوى الحية في الشارع السوداني لتظاهرات جامعة الخرطوم، و عملت على نقلها خارج أسوار الجامعة. لتبدأ سلسلة التظاهرات في عدة مناطق. و ان كانت لم تكتمل كثورة كاملة المعالم فقد كتبت بمداد من نور المشهد الأول في الفصل الأخير من فصول مسرحية نظام الأنقاذ البائد.
ما الذي استطعنا تحقيقه حتى الاَن؟
أولاً: لم تشهد البلاد طوال سنوات حكم الإنقاذ احتجاجات شعبية بهذا الحجم ، و هذا الانتشار ، و هذه الاستمرارية . الشيء الذي أعاد الاعتبار لثقافة الاحتجاج و المقاومة السلمية ، و اعاد الثقة في قدرة الشارع و الجماهير على صناعة التغيير بالتظاهر الاحتجاجي ، بعد ان غابت لفترة زمنية طويلة.
ثانياً: استقطب الحراك السياسي الاخير عدداً مقدراً من الفاعلين الى دائرة العمل السياسي، الشيء الذي وسع من قاعدة الناشطين و عسر الضربات الأمنية ، التي كانت يمكن ان تشل حركة الشارع.
ثالثا: استقطبت التظاهرات الاخيرة اهتماماً اعلامياً عالمياً ، و تعاطفاً واسعاً من المجتمع المدني الدولي. هذا الاهتمام سلط الضوء على الحركات الديمقراطية في السودان. و دفع بعض الفاعلين الدوليين لإعادة النظر في نظرياتهم السياسية الكلاسيكية للأوضاع في البلاد كمعادلة أحادية الطرف، لا بديل للمؤتمر الوطني فيها سوى نسخة محسنة للمؤتمر الوطني.
رابعاً: أفرزت حركة الاحتجاج جيلاً جديداً من القيادات، سواء على المستوى العام او مستوى المناطق. الشيء الذي سينعكس إيجابا على مستقبل الحياة السياسية في السودان ، و التي شهدت حالة من التكلس كادت ان تعصف بها تماماً، لصالح مشروع الإنقاذ الأحادي.
خامسآ: أسهم الحراك الأخير ايجابآ في استعادة الوعي بضرورة تكوين الأجسام النقابية. بل و ذهب بعض الناشطين قدمآ في تكوين نقابات للأطباء و المحامين و المعلمين و الصحفيين. و على الرغم من ان طبيعة النشاط الأقتصادي و التكوين الأجتماعي قد تغير بصورة كبيرة مما كان عليه الوضع في ابريل 1985 مثلآ، الا أن للأجسام النقابية متى ما وجدت دور هام و مؤثر في اكمال عملية التغيير في مرحلتي ما قبل و ما بعد اسقاط النظام.
سادسآ: ضاعف الحراك الشعبي من حالة الانقسامات و التشققات داخل النظام. حيث بدات بعض الأصوات تشكك في امكانية الاحتفاظ بكعكة السلطة كاملة في المستقبل القريب، و بدأت فعليآ عملية هروب الفئران من مركب النظام الآيل للغرق.
النقاط أعلاه توضح بعض المكتسبات التي تحققت على سبيل المثال لا الحصر، و لكن دعنا نجيب على سؤال اخر مهم لأغراض هذه الورقة.
لماذا لم تنجز هذه الهبة هدف التغيير حتى الان ؟
هنالك عدة اسباب يمكننا ان نذكر منها الاسباب التالية :
غياب القيادة: عمل هذا النظام بكفاءة عالية في هدم الأجسام السياسية و النقابية، التي كانت رافعة النشاط السياسي في السودان فيما مضى ، و كان لها دورها المشهود في تنظيم مطالب و مصالح الشارع السوداني. خلف هذا الدمار فجوة فعلية في تواصل القيادات مع قواعدها.
فعلى المستوى السياسي خلفت فترة العمل المعارض بالخارج انقطاعاً بين قواعد الاحزاب و قياداتها. و ادت فترة الحكم الشمولي الطويلة الي خلق مشاكل هيكلية متعلقة بشكل الممارسة السياسية و الديموقراطية داخل هذه الاحزاب نفسها. مما ساهم في التأثير على فعالية هذه الاحزاب و حجم قدراتها بشكل ملحوظ. الشئ الذي شهدنا عليه خلال الحراك الانتفاضي الاخير، من غياب لأي نشاط تنظيمي حقيقي لها و اكتفائها بدور الدعوة السلبية للخروج بينما وقفت احزاب اخرى موقف المتفرج تماماً، و ساهمت مجموعة ثالثة في دعم النظام اما عبر المشاركة المباشرة او المساومات التفاوضية او التماهي مع مواقف النظام.
و كما أدى تسييس الخدمة المدنية عبر سياسات الصالح العام سيئة الذكر ، و تفكيك غالبية مؤسسات الدولة التي كانت تجمع المهنيين في قطاعات مختلفة ، و تفكيك النقابات و استبدالها بنقابة المنشأة ، الي انقطاع الصلات النقابية بين زملاء الهم المهني الواحد.
أضف الي ذلك ان سنوات الإنقاذ شهدت معطى ديموغرافياً جديداً، حيث تضاعفت نسبة سكان الحضر الى سكان الريف ليرتفع عدد سكان المدن من حوالي ٢٠٪ في العام ١٩٨٩ الى ما يزيد عن ال ٤٠٪ في العام ٢٠١١. هذا التغيير الدراماتيكي خلق ريفاً خالياً من قياداته التقليدية، و مدينة مفككة الأوصال لا ثقافة مركزية تجمع بين سكانها غير كسب الرزق اليومي، دون رابط اجتماعي او ثقافي او مصلحي حتى بين سكان الحي الواحد.
أخيراً فقد شهدت سنوات الظلام هذه هجرات واسعة الى خارج البلاد لاسباب سياسية و اقتصادية عديدة. خصوصاً بين عناصر التيار الديمقراطي و في اوساط المهنيين الذين يمكن ان يشكلوا قيادات اجتماعية بديلة و موازية للقيادات السياسية.
كل هذه العوامل مجتمعة خلقت فراغاً عريضاً في قيادة حركة التغيير لم نستطع ان ننجز بدائل حقيقية لها حتى يومنا هذا.
ضعف التنسيق و التنظيم: نزلت هذه التظاهرات على الناشطين السياسيين بغتة ،حتى لتحسبن بان لا احد فيهم كان يعمل لمثل هذا اليوم . فلم تجد كياناً منظماً و فاعلاً ذو تواجد فعلي على الارض ، يستثمر هذه المبادرة و يقودها الى اقصى مراميها. و ان كنا قد تحدثنا في الفقرة السابقة عن حملات التنكيل و الاستهداف التي تعرضت لها المنظمات السياسية و النقابية، الا اننا لا يجب ان نستكين لدفء التبرير و إعفاء الذات من تحمل مسؤولياتها في ما يحدث الان. فكل ذو بصر كان يعرف بان هذا النظام قد بدا يلفظ أنفاسه الاخيرة منذ العام ٢٠١٠ و ما نشوء عدد من الحركات الشبابية، و من بينها حركتنا هذه الا دليلاً ناصعاً على توفر هذه الرؤية خصوصاً بين الناشطين الشباب. الا ان كثير من التحديات الكبيرة و الواجبات الضرورية لا تزال تواجه النشطاء في تحويل هذه الرؤية الى عمل دؤوب ينظم حركة الجماهير بالصورة التي تنجز ثورة استعادة الديمقراطية على الوجه الأمثل.
إختلال ميزان القوى: راكم هذا النظام ثروات هائلة عقب سنين تدفق النفط في العام 1999. و حاله كحال اي نظام شمولي اخر، فأن حالة القلق على مالات حكمه لم تدعه يدخر جهدآ ولا مالآ لتثبيت اركان حكمه، مستثمرآ اموالنا نحن – مواطني دولة السودان – في تضخيم اجهزته الأمنية و العسكرية ، خصوصآ تلك العاملة على حفظ امنه الخاص لا امن الوطن و المواطن. كما استثمر النظام مالاً هائلآ في حزبه السياسي ، مقويآ اياه من جهة و من جهة اخرى مضعفأ سائر رصفائه من الأحزاب، مستخدمأ سلاح المال السياسي في الرشاوى و الترضيات التي تحفظ له سيطرته على مقاليد الأمور. هذا العامل خلف فرقاً ضخماً و اختلالآ مريعآ في ميزان القوى بينه و بين سائر القوى المدنية الأخرى. يلزمنا ان لا نتعامى عنه او نقفز على حقيقته ، كما لا ينبغي ان نستكين له كما اسلفنا سابقآ.
هل انتهاء هذه الموجة يعني بأن الثورة لن تمر بأرض السودان؟
يخشى الكثيرون من ان انحسار موجة الاحتجاجات السابقة، قد أضاعت فرصة يصعب تكرارها في المدى الزمني المنظور. و لهذه المخاوف جذور لا يمكن تجاهلها، حيث ان الثورة لم تحقق انتصارات حاسمة تصلح كنقطة انعطاف يغير طبيعتها الى فعل شعبي عريض و يومي. فما عدا تظاهرات نيالا و القضارف و جامعة الخرطوم الاخيرة و تظاهرة ودنوباوي في جمعة لحس الكوع و تظاهرة الديم الاولى، لم يستطع المتظاهرون رد قوات ردع النظام و الصمود أمامها لفترات طويلة. و لكن على الرغم من هذا الا ان لهذه الموجة جذور موضوعية لا يمكن إغفالها ان اردنا دراسة المشهد الكلي. فالتدهور السريع للأحوال الاقتصادية في البلاد لا يملك له النظام كوابح عملية تعينه على استعادة السيطرة على الأوضاع. النظام معزول دولياً و لا يرغب احد بصورة حقيقية في انتشاله من وهدته هذه. عجز موازنته واسع جداً تقديراتهم المعلنة له في حدود ٢.٤ مليار دولار، في حين تقدر بعض الجهات المستقلة ارقامآ تتراوح بين ال 7 – 10 مليار دولار. هذه الأرقام الضخمة مقروءة مع حالة انعدام موارد النقد الأجنبي شبه الكاملة، تقول بان النظام لا يمكنه الصمود كثيراً ، حتى لو نجح في الوصول لتسوية مع دولة الجنوب في قضية رسوم عبور النفط المتنازع عليها. كما ان علينا ان ننظر بتشكيك بالغ لمقدرات النظام في إدارة عمليات القمع التي انتهجها كسبيل لمواجهة التظاهرات. فمقدرتهم لها حدود معلومة لا كما يذهب بعض الساسة في التخويف من النموذج السوري او الليبي في انتظار الثوار. النظام لا يملك قاعدة طائفية او عرقية ذات نواة صلبة غير قابلة للتفكيك، و انطلاق التظاهرات داخل مدن الوسط النيلي يسحب الغطاء الأيديولوجي الذي يحاول النظام التدثر به فلا مجال للمزايدات العرقية هنا اطلاقاً.خصوصاً ما لم تحدث تطورات جديدة على جبهة العمل المسلح.خلاصة القول قد تنحسر هذه الموجة بعض الحين و لكن ما ان نستعيد زمام المبادرة الا و كان بمقدورنا اعادة الكرة بصورة افضل مما هو جار الان.
ما العمل ؟
في معرض دراستنا السابقة لبعض سلبيات العمل الجماهيري الأخير لاحظنا بوضوح ضعف عاملي القيادة و التنظيم. و من هنا نبدأ وضع اقتراحتنا لما يجب فعله في المرحلة المقبلة و نلخصه في النقاط التالية:
العمل الدؤوب وسط الجماهير : لا جدال بان حالة الجدب السياسي التي ورثناها عقب هذين العقدين العجاف من سنين وطننا، قد ضيقت من مساحات حراك القوى المدنية وسط الجماهير ، و جعلتها تنعزل في اشكال صفوية منقطعة عن جذورها الأجتماعية بصورة او بأخرى. ان اوجب واجباتنا هو ان نواصل ما بدأ من عمل وسط القواعد الشعبية، توعية و تعبئة لقوى المجتمع المختلفة بغية ان تنهض لاسترداد حقوقها، و بناء وطن جديد يحقق طموحات و احلام اقوامه على اختلاف منابتهم و مشاربهم.
خلق مشروع وطني يجمع قوى التغيير : تذخر الساحة السياسية السودانية بقوى عديدة تنشط في حقل التغيير السياسي و الأجتماعي بوسائل متعددة ، لهذه القوى رؤى و مصالح مشتركة لا تغفلها العين و ان غابت الأرادة اللازمة لتحويل هذه التقاطعات الى مشروع مشترك ذو ادوات و برامج عملية تجعل كلاً من اطرافه يقوم بما يليه من مهام في تناسق و تكامل بينه و بين رصفائه الآخرين. هذه الواجب واجب ملح و مقدم في مسارات حركة التغيير علينا ان نضع لبنات انجازه عاجلآ حتى نمضي بمسار المقاومة لهذا النظام الى هدفها الأخير باسقاطه و احلال نظام ديمقراطي متراضى عليه بين كافة ابناء الوطن الواحد.فينبغي الاستفادة من القدرات المختلفة للاحزاب السياسية والحركات المسلحة و القوي الشبابية والتنظيمات النقابية وقوي المجتمع المدني في خلق مشروع للتغيير السياسي و الأجتماعي، يستند علي الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و السلام ننضال من اجل تحقيقه سوياً.
إعادة صياغة الخطاب السياسي لقوى التغيير : ان تعقيد الأزمة السودانية و تشعباتها يفرض على كافة الناشطين في عملية التغيير مسئولية جسيمة تقع على عاتقهم ، و تتمثل في انتاج خطاب سياسي مسئول و منضبط و واعي بجوانب الأزمة السودانية المختلفة دون التركيز على عامل واحد دون العوامل الأخرى.
إعادة الأعتبار للعمل النقابي و المطلبي : اسهمت الأحتجاجات الأخيرة في تنشيط جبهة العمل النقابي. الشيء الذي رأيناه جليأ في نشوء تنظيمات للاطباء و المحامين و الصحفيين و المعلمين. لهذه الأجسام اهمية تتجاوز عملية اسقاط النظام الى بناء دولة ما بعد الأنقاذ. لذا فان وجودها و تمتين بناءها المؤسسي يشكل عاملآ هامأ من عوامل التغيير.
التنويع و الأبتكار في وسائل المقاومة السلمية : للحركة الجماهيرية السودانية ارث عريق في مقاومة الأنظمة الشمولية. كما ان لأحرار العالم تجاربهم التي يمكننا ان نستلهم منها ما يناسب واقعنا السوداني لمناهضة النظام القائم. لذا فان معركتنا القادمة يجب ان تنوع و تبتكر في وسائل عملها السلمي حتى نحقق هدفنا المنشود، مستلهمين في ذلك ارث الحركة الجماهيرية في السودان الذي نجح في تحقيق انتفاضتين سلمييتين ضد انظمة شمولية من قبل.
الدور الفاعل للمعارضين بالخارج : فقد ابانت الاحتجاجات الاخيرة عن تفاعل واسع من السودانيين المقيمين بالخارج , كما ساهم البعض في ابراز الاحتجاجات من خلال اعتصامهم امام السفارات السودانية بالخارج , هذا الدور يمكن ان يتطور بحملات اوسع ومنظمة في تعرية النظام وفضحه ودعم العمل المعارض بالداخل سياسيا واعلاميا وماديا .
سيناريوهات التغيير :
مهمة التكهن بمسارات عملية التغيير مهمة جد عسيرة و لكنها ضرورية ، فبدلاً عن الاستكانة لرياح المتغيرات و تركها لتقود حركة الجماهير في اي مسار يقدر لها، علينا ان نتحسس مواضع أقدامنا و الاسهام إيجابا في تحديد مسار التغيير. هنالك عدة احتمالات سنوردها أدناه لنضعها موضع الدراسة و الفحص بغية اتخاذ التدابير اللازمة لترجيح خيار على آخر .هذه السيناريوهات كما هو معلوم، تعتمد بالأساس على توازن القوى أوان حدوث التغيير. فدفع الحركة الجماهيرية و تنظيمها عامل حاسم في جعل التغيير يسير في اتجاه تحول ديمقراطي حقيقي و العكس صحيح.
سيناريو الانتفاضة الشعبية ( النموذج السوداني) : و هو تكرار لما حدث في اكتوبر و ابريل باكتمال الهبة الشعبية ثورة كاملة ينحاز لها الجيش، و تقديم مجلس مدني من التكنوقراط ليقود الفترة الانتقالية. هذا السيناريو هو الأمثل و لكن هنالك مخاوف عميقة من حجم التصفيات التي حاقت بمؤسسة الجيش خصوصاً في صفها القيادي. فظاهرياً يبدو و كأن الجيش يقف كلية في صف النظام. لكن لا يمكننا الجزم اطلاقاً بهذه الفرضية. هنالك ايضاً بعض المطلوبات التي يجب ان تضطلع بها قوى التغيير من جهة تكوين الجسم الانتقالي المدني ، فالتجمع النقابي الذي يسر عملية تكوين حكومة الجزولي دفع الله أعقاب انتفاضة ابريل غير موجود في زماننا هذا، و الهوة بين القوى السياسية بشقيها المدني و المسلح عميقة. لذا فلابد من الشروع فوراً في بناء مشروع سياسي متفق عليه و كيان سياسي يعبر عن هذا المشروع ليسهل عملية الانتقال عقب إسقاط النظام. واضعين في الاعتبار كل التناقضات و السيناريوهات المتوقعة الحدوث.
سيناريو الانقلاب : النظام ليس على قلب رجل واحد بل و قد زادت التطورات السياسية و الاقتصادية الاخيرة من التشققات في لحمة الانقاذيين حتى لم تعد المسالة محصورة في تيارين او ثلاث فالمال السياسي الذي كان يشكل قاعدة عريضة تسع تلك المصالح و الطموحات المتناقضة قد تناقص و الإحساس بدنو اجل هذا النظام يتزايد بشكل كبير في أوساط العصبة الحاكمة. هذه التناقضات مقروءة مع تواجدهم الفعلي داخل أوساط القوات المسلحة يرجح امكانية حدوث انقلاب قد يقوم به هذا او ذاك في هذا الاتجاه او عكسه.
سيناريو الانتقال الجزئي ( النموذج اليمني): احدى السيناريوهات المتوقعة، و التي قد تعمل لها بعض العناصر داخل النظام و داخل المعارضة هو نموذج مقارب لما حدث في اليمن. اي انتقال جزئي يشارك فيه بعض رموز النظام مع احتمال ان تكون لهم الغلبة ،خصوصاً اذا ما تمت صياغة هذه العملية قبل اكتمال نضوج الحراك الثوري. هذا السيناريو ذو درجات مختلفة و يجب ان ننظر اليه بحذر شديد فقد يستخدم لاختطاف الثورة و تجييرها لذات القوى المسيطرة على مفاصل البلاد الان. و هو نموذج يسهل تسويقه محلياً و دولياً و على كل حال فكما اسلفنا سابقاً فان الحراك الجماهيري و فعاليته التنظيمية هما المحدد الأساس لشكل التغيير القادم.
سيناريو الحرب الشاملة : هنالك جبهات حربية تشكل قنابل موقوتة يمكن ان تنفجر في اي وقت من الأوقات و توازنات القوى العسكرية متحركة و متغيرة و لا يمكن الاستكانة الى حالة الجمود الحالية فسواء قام النظام بخطوة مماثلة لما ظل يقوم به من تحركات عسكرية تفضي الى حالة من الاستقطاب العرقي و العقائدي او قامت الجبهة الثورية بعمل استباقي تعيد به الاعتبار لصوت السلاح و تأثيره في حسم الصراع في السودان فان هذا السيناريو سيكون سيناريو يوم قيامة الوطن بامتياز. هذه الاحتمالية غير مستبعدة و قد تجد ما يغذيها في أوساط حركة التغيير الديمقراطي ذاتها بغياب الرؤية السياسية و ضعف استقراء مالات بعض التحركات الخاطئة فالجبهة الثورية و قواها السياسية احدى محددات الحركة السياسية المؤثرة في البلاد و لا يمكن تجاهلها او غض البصر عنها طالما ظل مستقبل التحول في السودان نصب الأعين.
سيناريو المسكنات الوقتية : يعمل عدد من الفاعلين الدوليين منذ انقسام البلاد على فرض سيناريو للتسوية السياسية بين البلدين يقوم على ذات فرضية نيفاشا الاساسية و هي هيمنة المؤتمر الوطني على الشمال و الحركة الشعبية على الجنوب ، النموذج المعدل يقوم على الوصول لاتفاقات شاملة بين البلدين مع خنق العناصر الخارجة على النظامين بتسويات على نسق أبوجا لا تعطي الطرف الأضعف شيئاً (يقرأ هنا الجبهة الثورية). الوصول الى تسوية هنا يعتمد بالاساس على حجم الضغوط الدولية و هذا النموذج اذا تم فرضه سيطبق الخناق على الحركة الجماهيرية و سيعسر احداث اختراق فعلي في عملية التغيير الى اجل قد يطول و قد يقصر.
خاتمة :
هذه التحليل السياسي هو محاولة منا في حركة التغيير الآن لإلقاء النظر على بعض القضايا ذات الصلة بعملية التغيير و هي جهد ابتدائي لقراءة ما يحدث الان في البلاد و ما قد يحدث مستقبلاً مع بعض المطلوبات التي يجب ان تضطلع بها الحركة الجماهيرية في هذا التوقيت الحرج. قد تقصر هذه الرؤية عن الأحاطة بكل تعقيدات المشهد السياسي الا اننا لا ندعي لها الكمال فهي مبذولة بين يدي الناس للحوار و النقاش و الأضافة . اننا نؤمن بأن اوان التغيير قد حل و ان هذا النظام يتكأ على منسأة سليمان و سيتهاوى في القريب العاجل لذا فان اوجب واجباتنا الآن يتمثل في التفكير في مجمل حركة التغيير ابتداء من لحظتنا هذه وصولآ الى الوطن العادل الديمقراطي الحر الذي يجمع كافة ابناءه داخل وعاءه دون تمييز او انحياز او احتكار.
التغيير الآن حق واجب ضرورة