Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

تقييم المؤتمر الشعبي للوضع السياسي والثورة الشعبية في السودان

بسم الله الرحمن الرحيم

رؤية تطور أحوال السودان لمدى عام

إن إزمة البلاد التى أثـرت على شئــون بَنى الوطــن الأساسية، قد قادت إلى أنفصال الجنوب واقعاً. وقد تداعت الأزمات الإقليمية الأخرى مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق والشمال، وأزمة المشروعات الوطنية الكبرى كمشروع الجزيرة وسائر المشروعات الزراعية الحكومية، وقد يتفاقم الأمر لسوء سياسـات الســدود وبيــع الأراضـى للقـوى الأجنبية. وتلك عوامل قد تؤدى إلى زلزلة بنية السلطان أو إلى تهور كيان الوطن.

ذلك فضلاً عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، وشدة وقع الضراء على السواد الأعظم من جمهور الوطن فى عسر الخدمات الاجتماعية وعلوّ تكاليفها وغلاء المعاش. ثم إن الظلم لبعض الأقاليم ومشاعر وقعه مما فجر أزمات سياسية تطاولت ودعا إلى حمل السلاح والحرابة الأهلية فى أطراف السودان المختلفة يأساً من أمل الوصول إلى حلول مرضية عن طريق مفاوضات سلمية تؤدى إلى سلام وطنى عادل وشامل.

وكل ذلك عرّض البلاد إلى مخاطر كبيرة، إذ أخذت تتضاءل عزتها ووحدة صفها فأصبحت تهون على قوى العالم عبر مكائد من الجيرة وحملات من الضغوط والتدخلات الواقعة برؤاها واغراضها المختلفة. وكل ذلك يتهدد سلطان هذا الوطن ومصائر سيرته قطراً واحداً. وهو يستوجب النظر المتبصر في كــل المحتمـلات التى يتعرض لها السودان لتقدير ما هو بعيد الاحتمال أو متوسطه أو غالبه واقعاً فى المستقبل. وينبغى ترتيب التقدير لكل تلك المنظورات وبيان ما هو كريه نحَاول أن نصده وما هو مأثور نجتهد في سبيل إيقاعه. إنا لا نعلم الغيب ولا نتحكم فىأقدار الابتلاء التى قد يوقعها الله على هذا الوطن، لكن من ثم علينا الاستعداد لكل وجوه الاحتمال لنَنقذ الوطن مهما يجرى له لئلا يتفاقم فيه سؤء التأزم فيهلك كيانه.

الاحتمالات الواردة

أولا احتمال بقاء النظام الحالي وتمكنه في السلطة:

قد يطرق النظر في مدى أمكانية قيام هذا النظام السياسى بإجراءات تصالح أو تراض مع قوى سياسية مؤثّرة فى المعارضة السياسية أو مع تلك التى تحمل السلاح. وقد تظهر منه محاولات إنشاء مشروعات من المعالجات الضرورية تلطيفاً للأزمة السياسية، والاقتصادية. وقد يقوم بترتيبات أمنية حازمة وحملات إعلامية ذات وقع ويتخذ تدابير إعداد قوى الأمن وحصر الثغور التى قــــد تستغلهــا المعــارضــة ترهيبــاً وترغيــبــاً لهــا، فيستطيــع النظــام بـــذلك أن َبــطّـّــئ أو يوقـف عمليــة التغييـر. إن النظر المتبصّريرجح ضَعـف هـذا الاحتمال لقلّة جدوى المصالحة الجزئية وعجز النظام. لكن إذا قدر الله ان يستمر هكذا النظام قائماً للعام القادم كله بأيما أسلوب من الاعتصام بالسلطة – فإنه لامجال لنا إلا اتخاذ الترتيبات اللازمــة لمواجهتــه وتعبئـة المعارضة الفاعلة والصبر منا على ابتلاء حملته علينا، طــوال مــدى بقائـه.

ثانيا: احتمال قيام انقلاب عسكري

يَستبعد بقدر مّا هذا الاحتمال، إذ كانت العبرة فى سوابق السودان من حركة الجيش فى تغيير النظام وفى سائر أمثلة الحركات العسكرية الحاضرة فى بلاد عربية أن كل حركة من العسكر أنما مهد لها دفع ثائر من قوى سياسية أو تحريفى قد يكون خفيّاً ثم يظهر من تجاوب وتأييد فورى لاحق. وقد ذاقت كل القوى السياسية السودانية ويلات عاقبـــة الانقـــلابات العسكريـة التــى مهدت لها هى أو دعمتهـا أو أبدّتها.

لذلك يكاد يَتفق على كره هذا الخيار مستقبلاً. ويضعف الظن به محتملاً لضعف روح الوطنية والإنضباط والتوحد النظامى ونشؤ الظواهر الجديدة فى الجيش الحاضر المَبتلى بفشؤ العصبيات والفساد مثل سائر المجتمع، مضافاً إلى ذلك ضعف ثقة عناصر الجيش فى القيادات السياسية وإمكانية الاعتماد عليها فى دعم الانقلاب سياسياً. لكن – مهمــا يضعف الاحتمــال – ربما تطرأ رغم ذلك مبادرة إنقلابية من الجيش لا سيما أن خطابها الأول للشعب سيجد مادة متاحه ومقبولة من الحملة على سوء النظام القائم وسياساته وبالغ خطئها فى أيما شأن من ظلمه وفساده. وقد تضعف ثقة الجيش فى القيادات السياسية إن أخذ السلطة ليَردها إليها ويتضاعف انفتان قادته ان تمكنوا فى الحكم بالسلطة فيمضون فى تولّيها ويصرون على الأخلاد فيها ولو وعدوا – على سبيل الدعاية – بّرد السلطة إلى الشعب أو أتخذوا بعض إجراءات شكلية تشبه الديمقراطية ولكنها زائفة مثل ما هو اليوم مشهود من هذا النظام العسكرى القائم.

إن ذلك التقدرير قد يترتب عليه عكوف القوى السياسية وصدودنا نحن أيضاً عن تأيد أيما حكم عسكرى لاحق والقيام من جديد بتعبئة المعارضة والتعرَّض للكبت والحاجة للصبر والمجاهدة من جديد لنعجّل الأوبة بالحيــاة العامة إلي نهج الحرية والتعاهد والشـوري والتراضي و المساواة دون مغالبة بالقوة العسكرية وطغيان الاستبداد والجبروت .

ثالثا احتمال الانتفاضة الشعبية

هذا الاحتمال راجح مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية وضعف النظام وإضطراب صفه وهو ان ضوابطه بالحكم القاهر، وذلك لتداعي المجاهدة ضده والحملات عليه لظلمه ووطأة الشقاء من جراء سلطانه الكريه غير المحتمل. وهذه سنة معهودة مرتين في سابق سيرة السودان وأصبحت تستوحى مما يحيط به من ثورات شعبية عربية قريبة.. وقد يتضاعف تداعى الجماهير الثأئرة بكثافة وسائط الإتصال الالكترونى التى قد امتدت فى الوطن ليتصل ويتفاعل بها كل المجتمع و تتعبأ بها حشوده، ويسهل بها أيضا خطاب الإعلام العالمى المسموع والمرئى لحفز الثائرين.

لكن الثورة الشعبية أن إلتهب سعيرها لن تقتصر فى السودان مثل السوابق علي العاصمة وحدها، فإن الوعى والإتصال الإعلامى والتشكى الشائع من ظلم الممايزات الإقليمية وإشتداد العصبيات القبلية والمحلية – ذلك قد يَثير ثورة قومية متميزة ظواهرها متحفزة في كل الأقاليم. فإن لم تستدرك تــلك النــزعات فوراً لضمان حفظ الوحدة الوطنية قد تجنح هى لتمزق الوطــن ويستفحــل جنوحها نحــو نزعات الاستقــلال والتفاصــل الإقليمــى.

ثم إن اشتداد الأزمة المعاشية والاقتصادية وازدياد العطالة وضعف الإنتاج والكسب الزراعى والصناعى وتكاثر حالات التظلم بسبب إجراءات الإجلاء من الأرض أو حوزها لمشروعات غير مرضية لأجانب أو ذوي ثروة واحتدام المشاعر بتباين الطبقات الاقتصادية ونهم المفسدين أكلاً فاحشاً للمال العام – ذلك قد لا يقصَر بحركة الثوار على المظاهرات السياسية والاضرابات العامة التى تشلّ الحياة الإدارية السلطانيه فى سبيل اسقاط السلطة العامة الحاكمة، بل قد يجنح الجوعى الغاضبون الغيورون إلى الحـراك نحو الخـراب والعدوان والبغى والفوضى المنتشرة.

ثم إن تطاولت أيام ظاهرة الثورة وظلّت تقاومها لحين متطاول قوى السلطة حرصاً على مغانمها فقد تندفع المقاومة الثورية إلي اتخاذ القوة المقاومة ويتسع حمل السلاح وتتداعى الغزوات من حركات مسلحة إقليمية من نواحى بالسودان ويَستفز الجمهور كله لاكتساب السلاح وحمله لحفظ العرض والنفس والمال ولإنقاذ الإرادة الثورية ضد النظام. وذلك بفتح الأبواب للفتن والاضطراب فى مختلف حدود السودان الواسعة وفى شعاب سكانه الذين لا توحدهم قومية أو ثقافة وطنية متينة. وذلك يتيح أيضاً مجالات ومسالك للتدخلات والتدابير من القوي الدولية التى قد تهمّ بأن تكيد للسودان، وإن تفاقــم الصــراع واشتدت المحاربــة الأهليــة لامــد يتطــاول مهمــا تتصــدى لها قــوات النظــام ولمدي ينـزع بكـل جهـة أو فئـة إلى المحــاوزة والمفاصلــة فى الإقاليــم والمصادمة فإن ذلك قد يهـلك الوطن الواحد ويمزّقه.

وقد تَجمع الرؤى على رجحان الاحتمال فى قيام ثورة شعبية غالية، لكن يلزم التخطيط والتدبيرأن تنكف تداعياتها فى أمد لا يطول لعل قوى الشرطة والأمن تحجم عن التمادى فى إجراءات ضبطها إن تعاظمت وانسكبت بها دماء. ولعل القوات المسلحة تتجاوب بتأييدها كما حدث قديماً هنا وكما جرى فى ثورات عربية. وسرعة تهاوي النظام المتجبر قد يَحدثها التجاوب الفوري الشامل من كل دفوع الجماهير لأنه مكروه بكل وجوه الضيق والتظلّم منه والتهيؤ فى رأى الناس العام على لتحينَّ. ايما فرصة لثورة وانتهازها لتؤدى لاسقاطه. ولكن ينبغي تقدير الحذر من هذا النظام وتهيؤه بقوي أمنية خاصة خطيرة لتأمين سلطانه وحفظه من الثورات التي قد تسقطه وتعرضه للمحاسبات والثائرات من المظلومين الذين تكاثروا في الوطن. وقد عرفت فى العالم تجارب التعافي عند استسلام بعض النظم للثورات بلطف والاثخان في عقاب الحكام ان أفرطوا في سفك الدماء و بسط العـذاب قبـل السقوط .

أن هذه الواقعة الثورية المحتملة إن جاءت متسارعة الوقع مَدبّرة بحيث تنتصر دون بالغ التضحيات والتكاليف هى المأثورة فى موقفنا السياسى الذي اصبح هو الداعى لاسقاط النظام اليأس من جدوى حواره بعد أمر الجنوب الذى اعتزل به حتي ضاع، أو دارفور التى استاثر بمعالجاتها الأ لحّبين سائر القوى السياسية أو الحريات حتي القنــوط من تطاول حالة الكبت الموصول، ويعد التزوير الشامل للانتخابات التى كان مرجوّاً عبرها معادلته فى مواقع السلطة أو بعد التمثيل السلطانى واليأس الشائه لمثال يدعى الانتماء للإسلام، وبعد تفاقم الظلامات والإخفاقات في المشروعات والسياســات الرسميــة وتعطيــل مــوارد الثروة العامة كالبترول الذاهب للجنوب و انهيار مشروعات الزراعة وصرف الناس عنها بارتفاع التكاليف والضرائب وبعد أكل المال العام بالكسب الحرام والفساد جهاراً من ولاة السلطة وتصدير كثير من المال الوطني للخارج اختلاساً أو فراراً- بعـد كــل ذلك فضــلا عن الكبــت السياسي والاضهاد المذلّ لكرامة الإنسان وسفه ولاة السلطة و فشلهم مستبدين باحتكار السلطة – فإنه يلزم استعجال الثورة لئلا تتفاقم نوازع القوى الطاردة من وحدة الوطن وجوانح الغضب نحو التخريب والفوضى، وأن تّدار وتضبط أيما ظاهرة ثورية فى حركة منسقة بين كل قوي المعارضة وفي شتي الإقاليم فى سبيل حفظ الوحدة الوطنية فى عاقبتها. وذلك اعتبارا بتجارب الثورات فى السودان التي تمت في عجل وفي سلام سنة 64 و85. ويلزم الاحتياط اللازم أن تمضي الثورة لتنصر رغم محاولات كبتها وإبطالها بواسطة النظـام الحاكــم، وليسلم سيرها صرفا لدواعي تحّولها إلى عنــف وفوضــى ممقـــدة أو نزعات لتمزق الوطن. ذلك دون التفريط في إجراءات الثورة لئلا يستبدّ بعدها الثوّار أو تســرق ثمرتها قــوة كائــدة كمــا جــرت محاولــة فى أكتوبــر.

وينبغى تدوال الرأى فى شتى التحوطات اللازمة والترتيبات الضرورية للتعجيل بالثورة بإعداد داخلى منسوق عبر الوطن وتنسيق مع القوى السياسية والفعاليات الفئوية والاجتماعية الأخرى وتعبئة الجماهير كافة في سبيل نظم دفع الثورة واتمام مسيرتها بسلام وفعالية في عجل وضبط عاقبتها لتنتظم فترة الانتقال بعدها حتي تجري انتخابات تأسيسة عاجلة لوضع الدستور ورسم معالم الحكم المستقر الراشد المنشود. ويمكن الرجوع الي مقترح مناسب في الحكم الانتقالــى، والاتفــاق علي معالم ميثاق انتقالي مع كل القوي السياسية. وينبغي كذلك الاعداد لمرحلة الدعوة والتعبئة لما هو قادم ان شاء الله، وذلك ببذل الجهد في تبنى قضايا الجماهير وهمومها إزاء غلاء المعيشة والبطالة وغيرها من الأزمات الاقتصادية وسوء السياسات والفساد فى المال العام. وينبغى اعتماد حق المظلومين فى دارفور وشتى أقاليم السودان وهمومهم من الظلم ومطالبهم في بسط العدالة في المعاش والتنمية وحقوق من أصابهم الضر فى تصريف المشروعات القومية تعطيلاً أو إرهاقا وفيما فرض على الناس في التخطيط وبيع لأراضى بفساد وظلم، وكذلك بيان اضطراب الأمن الإقليمى فى الإقاليم وتسوية علاقات الجوار الودَيّ مع الجنوب وحسن إقامة أهله المستوطنين فى الشمال. ولابد ان يشعر كل أهل السودان أن الثورة للجميع بما فيهم حملة السلاح والتعهد معهم للسعى لحلول عادلة شافية لمظالهم منذ الفترة الانتقالية وذلك حتى لا يقف أى طرف ضد الثورة وترتيباتها الانتقالية التى تقود إلى نظام حر وعادل وحكم شعبي نيابى لا مركزى وتشاوري مع الرأي العام حتي ننهض بالوطن ونتجاوز أزماته.

وينبغي أيضاً الاحتياط من مواقـف القـوى الدولية حتي لا تتدخل لتتفاقم بمكائدها الأمور أو لتؤثر على موازين القوى الوطنية لئلا تؤول بخلافة السلطان لجهات ترضى عنها هي أو تصرفهــا عمــن تخشــى منهــم ألآ يرعــوا مصالحهــا وإستراتيجياتهـــــا المفروضــــة على المجتمعــات والإرادة المسلمــة والـوطنية.

ديسمبر 2011

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *