الجمعة , 7 نوفمبر - 2025

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

وقف الحرب في الزمن الخطأ

مستور احمد محمد

مستور احمد محمد

مستور احمد محمد
تُقاس فاعلية القرارات بتوقيت اتخاذها، ويُقاس صوابها بمدى تحقيقها للأهداف والمصالح بأقل الخسائر. وقيل: “إن اتخاذ القرار الخطأ في الوقت المناسب، أفضل من اتخاذ القرار الصحيح في الزمن الخطأ”، لأن الأول يمكن التراجع عنه، أما الثاني فلن ينفع معه سوى الندم.

لقد تجاوزت هذه الحرب المرحلة الأفضل لاتخاذ قرار وقفها، وهي مرحلة البداية، بعد أن اتضح أن حسمها في ساعات أو أسابيع أو حتى أعوام لم يكن سوى أحلام يقظة وطموحات واهية، أعمَت البصائر عن الاتعاظ بالتجارب، وأغلقت الآذان عن سماع دعوات الداخل ورجاءات الخارج لوقف هذا العبث. حتى سيطر التخبط على التفكير، وأصبح كل من يدعو لوقف الحرب عبر الحوار وتجنيب البلاد مزيدًا من الدمار؛ يُصنّف عميلًا وخائنًا، بينما يُمنح من يدعو لمواصلة الحرب والدمار لقب الوطني الغيور. وهذه المعادلة الفاضحة ليست سوى جزء من استراتيجية كبت الصوت المدني الذي ظل يفضح أسباب الحرب ومن يقف وراءها، ويدعو لوقفها بالحوار، لأن القاتل والمقتول فيها خاسران، والخاسر الأكبر هو الوطن، حاضرًا ومستقبلًا.

دخلت الحرب مرحلة جديدة، مفتوحة على أسوأ الخيارات، واقترب توقيت اتخاذ قرار وقفها إلى ما يمكن تصنيفه بـ “الزمن الخطأ للقرار الصائب”. ومع الشك في قدرة القيادة العسكرية على اتخاذ مثل هذا القرار خوفًا من خسارة موقعها وطموحها في الحكم، إلا أن الخسارة واقعة لا محالة. لكن الخسارة بمحض الإرادة، أفضل لها وللوطن، وفي تجارب التاريخ عبرة لمن أراد أن يتعلم، فالتأخير أو التردد سيقودان إلى مرحلة اللا عودة.

ما يعقّد المشهد أكثر هو تداخل الوضع الإقليمي وتشابك مصالح الأطراف الخارجية، فالحرب لم تعد شأناً سودانيًا خالصًا، بل أصبحت ورقة في صراع النفوذ بين قوى إقليمية تسعى لتأمين مصالحها الخاصة، وهذا التورط الإقليمي يجعل قرار وقف الحرب أكثر تعقيدًا، لكنه في ذات الوقت يجعل استمرارها أكثر كارثية. إن تجاهل هذه الأبعاد لن يؤدي إلا إلى مزيد من الارتهان، والانزلاق نحو حرب طويلة الأمد تُفقد البلاد سيادتها وتماسكها.

وقف هذه الحرب يحتاج إلى إرادة وشجاعة. وفور إعلان ذلك، ستحتفي به الأغلبية وتدعمه، وتقاومه الأقلية صاحبة المصلحة في استمرارها، وستحاول الالتفاف عليه بكل الوسائل. لكن تجارب الشعوب أثبتت أن إرادة السلام أقوى من إرادة الحرب، وأن صوت العقل يعلو، ولو بعد حين.

فيا من بيدكم هذا القرار، اتخذوه اليوم قبل الغد، فإن الغد لناظره غريب.

رئيس المجلس القومي لحزب المؤتمر السوداني