د. غازي صلاح الدين: سؤال جانبه التوفيق!
الواثق كمير
في ندوة لدكتور غازي صلاح الدين حول العلمانية، بثتها قناة طيبة الفضائية قبل أيام قليلة، وفي معرض تعقيبه على إعلان المبادئ بين رئيس مجلس السيادة ورئيس الحركة الشعبية شمال، وجه د. غازي إلى الحكومة الانتقالية سؤالا مفاده أنها تريد حماية العلماني من المتدين، هذا الشرس المستبد، فإذن الآن من الذي سيحمي هذا المتدين المعتدي؟ فأنت مكلف بالعدل والعدل هو أساس الحكم، وهذا ليس بخوف مدعى بل خوف حقيقي لأن العلماني بقول “الكوز ندوسه دوس!”، بمرأى ومشهد السلطات الرسمية وبتشنيع من بعض الجهات، فمن الذي سيحمي هذا المتدين؟
يبدو لي أن د. غازي قد خلط، عمدا أو بدون قصد، بين المتدين و الكوز. ف المتدين هو الملتزم بأحكام الدين الذي يتبعه. ومع ذلك، فإن التدين يظل في أعين العامة أمرا نسبيا حسب الظرف الموضوعي والبيئة المحيطة. فقد يقول الناس أن هذا شخص متدين لأنه يطلق اللحية، أو هذه متدينة لأنها محجبة، أو لأنه يداوم على الصلاة في المسجد. أما الكوز فالمقصود به الإسلامي والسياسي والمنتمي إلى جهة سياسية بعينها استغلت الدين لأغراض سياسية ومن اجل مطامع شخصية. ف التدين صفة ملازمة لكثير من المسلمين السودانيين ولا علاقة لها بانتماء سياسي أو حزب بعينه. بينما الكوزنة ظاهرة افرزها حكم الجبهة الإسلامية للبلاد خلال الثلاثين عاما من سلطة الإنقاذ. وهو وصف صكه شباب ثورة ديسمبر التي أطاحت بهذا النظام تعبيرا عن غضبهم على ما تسبب فيه فساد السياسيون الانقاذيون من تعكير لصفو حياتهم وحرمانهم من فرصهم في مستقبل آمن. فهم حانقون على هؤلاء القيادات، ولا يقصدون بأي حال من الاحوال المتدينين، والذين هم في حقيقة الأمر آبائهم وأمهاتهم وأعمامهم وأخوالهم وإخوانهم الكبار.
صحيح أن الوصف ب الكوزنة قد ينطبق على كل فاسد أو مستبد، لكن العبارة، في السياق الذي انتجها، قصد بها الثوار قيادات أولئك الإسلاميين الذين قامت الثورة ضدهم.
في رايي، قد جانب التوفيق د. غازي في خلطه بين الإسلامي، الذي يعنيه وصف الكوز، من جهة، و المتدين، من جهة أخرى، ووضعهما كوصفين متطابقين في مقابل العلماني. ولا أظن أن الشباب حينما أطلقوا عبارة كل كوز ندوسه دوس كان ذلك منطلقا من توجه علماني يتبعون له، إنما كان تعبيرا صاغته ظروف الثورة.
فكيف تتدخل السلطات الحكومية لكبحه، كما يطالب د. غازي؟ لا يحتاج المتدين لحماية من العلماني، إنما يحتاج للحماية من الكوز!