خُزعبلات الكارب والبطل (2-2)
في دفع الإفتراء عن الشريف حسين الهندي وحزبه
بابكر فيصل بابكر
[email protected]
نواصل في هذا الجزء الثاني من المقال تفنيد الإتهام الذي وجههُ الأستاذ مصطفى البطل نقلاً عن المحامي التجاني الكارب للشريف حسين الهندي وقال فيه أنَّ الأخير أبدى إستعداده لتأييد إنقلاب مايو إذا ما قامت بإبعاد بابكر عوض الله والشيوعيين وذلك في رسالة بعث بها لجعفر نميري بواسطة بابكر كرار بحسب زعمه.
ونسألُ، ويسألُ معنا كثير من الناس، كيف تأتى لبابكر كرار الذى ليست له علاقة عضوية بالإتحاديين مقابلة الشريف حسين فى الثلاثة أيام الأولى لانقلاب مايو سيما وأنَّ البلد كلها كانت تبحث عنه وإعلام الإنقلابيين يدعو لإعتقاله ويصفه “بالهارب” وعسس النظام يُقلبِّون طوب الأرض بحثاً عنه ؟ ونواصل في السؤال : ألم يكن بمقدور الأجهزة الأمنية رصد تحركات بابكر كرار بسهولة ويُسر ومن ثم تقبض علي الشريف الهارب ؟
هذه الأسئلة وغيرها مما طرحناه سابقاً، تعتبر من الأسئلة الأولية و الأساسية التي لا يجب أن تفوت على كل شخصٍ باحث بنزاهة عن جدية الإدعاءات التي ساقها الدكتور الكارب، ولكن الأستاذ البطل لم يُعط نفسه فسحة للتأمل في ضعف الرواية وفي الظروف المحيطة بها بل سارع بنقلها وبنى عليها خلاصات عظيمة دون أن يُعضدها بأي بينات.
الأستاذ البطل الذي يُحاجج ب”علم القانون والفقه” لم يجدُ بينة يُدافعُ بها عن إدعاء الكارب سوى ثقته الشخصية في الأخير بحسبانه (من أهل الشرف والمحتد)، وليس لدينا إعتراض على ذلك، لكنه لا يصلح للإستخدام كدليل، فقد جاء في حديث الرسول الكريم : ” لو يُعطى الناس بدعواهم ، لادَّعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم ، لكن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر”، ومعنى ذلك أنه لا يُقبل قولُ أحد فيما يدَّعيه لمجرد دعواه، بل يحتاج إلى البينة أو تصديق المدعى عليه، فهل قدَّم الأستاذ الكارب والبطل “بينة” تُثبت الواقعة المذكورة ؟ كلا.
قد صدق حدسي بأنَّ الأستاذ البطل سيعملُ جاهداً على تجاوز إتهامات الكارب إلى شهادة الأستاذ سيد هارون بقناة “الشروق” ذلك لأنَّ رواية الكارب واهية و مليئة بالثقوب ولا تصمد أمام النظرة العقلانية، وربما تملكهُ شعورٌ بأنه إستعجل في إيرادها “بخفة” ودون تحقق، ولكنه للأسف وقع مرَّة أخرى في أخطاء فادحة.
نقل الأخ البطل عن الأستاذ سيد هارون القول أن الشريف حسين الهندي ( قال لبعض من حوله بعد سويعات من إذاعة البيان رقم واحد بصوت العقيد جعفر نميري في الخامس والعشرين من مايو 1969 إنه كان قد أزمع إعلان تأييده للإنقلاب، ولكنه غيَّر رأيه وموقفه بعد أن إستمع إلى قرار مجلس قيادة الثورة بتشكيل مجلس الوزراء وعرف أن بابكر عوض الله هو الشخص الذي إختاره النظام رئيساً لمجلس الوزراء).
عندما عدتُ للإستماع لإفادة الأستاذ سيد هارون وجدتُ أنَّ الرجل لم يذكر على الإطلاق أنَّ الشريف “قال لبعض من حوله بعد سويعات من إذاعة البيان”، بل كان يتحدَّث عن “نزاع نفسي” إعترى الشريف جرَّاء وقوع الإنقلاب الذي كان قد حذَّر منه، وكان واضحاُ أن الأستاذ سيد يستند في حديثه على ما كتبه الشريف حسين بيده في مذكراته حول تلك الوقائع.
كذلك قال الأستاذ البطل أنَّ الشريف “كان قد أزمع إعلان تأييده للإنقلاب”، وهذه أيضاً فرية، فالإزماع على أمرٍ ما يعني العزم عليه والثبات والجد في إمضائه، وهذا مالم يحدث ولم يقم عليه أي شاهد ودليل ساطع الثبوت.
مرَّة ثالثة يقع الأستاذ البطل الذي يدعو “للتحقق” في كتابة أحداث التاريخ في خطأ منهجي فادح، إذ يدَّعى أنَّ الشريف “قال لبعض من حوله بعد سويعات”، وهذا كلام باطلٌ “حنبريت”، وفي هذا الإطار لا بد لنا من التساؤل : كيف يُريدنا الأستاذ البطل أن نصدِّقه وهو تارة يقول دون وجل بأنَّ الشريف حسين الهندي كان عضواً في حزب الأمة وترشح عن الحزب في إنتخابات 1954 ؟ وتارة أخرى يقول أنه إنضم للحزب الوطني الإتحادي بعد أكتوبر 1964 وتارة ثالثة ينقل شهادة “محرَّفة” عن الأستاذ سيد هارون ؟
ومع ذلك فإنَّ الأستاذ البطل لا يتورع عن رمينا بهذا القول الثقيل : ( وليعذرني الحبيب فيصل إذ أقول عنه رغم ذكائه المشهود وثقافته الواسعة إلا أنَّ أدواته في مناهج التحقق التاريخي لم تغادر بعد محطة “عاش أبوهاشم” )، فتأمل !
نعود لحديث الأستاذ سيد هارون ونقول أنّه كان يتحدث عن الوقائع بحسب ما ذكرها الشريف حسين في مذكراته، وليس كما إدَّعى البطل أنه قالها لبعض من حوله، وفي ذلك تعرَّض الأخير للجهود المضنية التي بذلها في سعيه لتحذير القائمين على الأمر من خطورة الأوضاع، و أنَّ إنقلاباً عسكرياً على وشك الوقوع، وفي حالة يأس إعترته بدا يناجي نفسه بالقول :
( إلى متى سيستمر ذلك ؟ وماذا لو جاء إلى السلطة ، قطاع من الجيش نظيف ووطني ومتجانس ؟ ألن يكون ذلك قادرا على أداء التغيير وإحداثه ؟ إذاً لماذا الرجوع ؟ وأعترِف أني ضعفت، على الأقل إذا حدث ، فأستطيع أن آكل ، وأنا الآن يتفضل على بعض الأصدقاء بالأكل ؛ وأستطيع أن أنام ، وأنا الآن لا أطمع فيه، وأستطيع أن أرتاح ، وقد تراكمت على السنين وأنا أجري بلا نهاية ؛ ما الذي سأفقده ؟ لقد دخلت هذا الحكم غنياً فافتقرت ، وصحيحاً فمرضت ، وقارئاً فانقطعت عن القراءة ! وصرفت نفسي بصعوبة عن هذا التفكير الشخصي الأناني ).
نحنُ هنا بإزاء حالة عُليا من الشفافية والصدق مع النفس، حالة تعتري كل إنسان “بشر” في لحظات اليأس، فالشريف حسين لم يكن نبياً، ولكن حتى الأنبياء تعتريهم حالات الضعف الإنساني، ومع ذلك فإنَّ الرجل “صرف نفسه عن هذا التفكير الشخصي الأناني”، وبمجرد سماعه لنبأ الإنقلاب العسكري كانت ردة فعله هى كيفية مقاومته، وليس إعلان تأييده كما يزعم الأستاذ البطل، وهاهو يقول في هذا الخصوص :
( ولم أكن محتاجاً لكثير من الشرح والتفصيل وأدركتُ الأمر في لحظة فقد كنت أتوقعه واتجهت إلى سروالي والقميص ولم تمض دقيقة حتى تبعته إلى الخارج وأنا أحمل مفتاح عربتي الصغيرة وفي صمت دخلت العربة فأوقفني وطلب مني الدخـول لعربته واتجهنا إلى منزل السيد رئيس الوزراء على بعد دقائق ووصلناه وجنود المظلات ينزلون من سياراتهم ويفتشون رجل البوليس .. ويقتلونه . وطلبت من صديقي مواصلة السير إلى القيادة العامة فوجدت أنها قد احتلَّت ، وأمامها ثلاث مدرعات.
ثم انطلقنا عبر كوبري النيل الأزرق إلى الخرطوم بحري ، صوب سلاح الإشارة وأُوقِفنا في الكوبري وذهبنا صوب معسكر الشجرة ، ووجدنا أن المدرعات والانقلابيين قد سبقونا ، ولم يبق إلا سلاح المهندسين . وكان الجنود قد قاموا بحراسة الكوبري ، وقابلتنا السيارات وهى راجعة . أدركت بعد هذه الزيارات السريعة أن المرحلة الأولى من الانقلاب قد تمت ، فقررت أن أختفي بعض الوقت ، حتى أحدد التحرك المقبل.
كنت أعلم أن الانقلاب إذا تجاوز المرحلة الأولى ، وتمتع بعنصر المباغتة ، فإنه سيبقى ويوطد أقدامه ، وكان هذا هو الذي حدث ، وبقيَ أن أفكر في طـريقة مقاومته في وقت آخر لاحق ، وذهبت إلى مخبأ مأمون لا يخطر على بال أحد ، لكي أستطيع التفكير . لكن إذا كنت قد تمكنت من دخول أي قيادة واسـتنفرتها ، كان يمكن أن نقاوم الانقلاب وربما نقضي عليه ولكن الصديق رغم اهتمامه كان قد وصل إليَّ متأخراً ليس أكثر من ساعة واحدة فقط ، ولكنها كانت ساعة فاصلة.
حاولت من المخبأ، العثور على سيارة ، تنقلني إلى شندي أو القضارف ؛ وكانت هذه آخر فرصي لمقاومته ، قبل أن يستجمع أنفاسه ؛ ولكنها السـاعة الواحدة ، ولم يبق بعد ذلك إلا مواجهته ؛ وأصبح الصبح فإذا الدبابات تحيط بكل الأمكنة وخرجت مستتراً.
كان الجنود قِلَّة وجددَاً، يظهر عليهم الاستهتار وكان عددهم ليس كبيراً، يجلسون على الأرض بجانب مدرعاتهم . وكان من الممكن لأي قوة تملك خمسين مدرباً بأسلحتهم ، أن تقضي عليهم وكان من الواضح أنهم لا يدرون خطورة ما أقدموا عليه ؛ وكان ممكنا أن ينقضوا عليه نفسه ، إذ أنهم كانوا محنَّطين وكسالى وفاقدي الحماس ، وليس لديهم قناعة بما يضحون من أجله. وكنت مدركاً أن مثل هذه الأنظمة إذا وطدت أقدامها، وكلما طال بها الزمن ، صنعت لها ركائز ، وانضم إليها آخرون ورسخت أقدامها ولم يكن ممكناً جمع خمسين شخصاً مسلحين آنذاك ، وكانوا كافين لهزيمتهم ).
أمَّا حديث الأستاذ سيد هارون عن تغيير الشريف حسين لرأيه في الإنقلاب بعد سماع صوت بابكر عوض الله، ففيه نظر، إذ يبدو جلياً أنَّ الأستاذ سيد لم يُعبِّر بدقة عما ذكره الشريف حسين في مذكراته، والذي أشار إلى أنَّ مخاوفه تأكدت بعد سماع التشكيل الوزراي، وكانت تلك المخاوف تدور حول هوية الإنقلابيين وإرتباطاتهم الخارجية.
ونتوقف هنا لنتساءل، كيف تسنى للأستاذ البطل أن يصل للخلاصة الحاسمة والخطيرة :
( إذن الشريف حسين الهندي، رحمه الله، لم يكن راهباً في محراب الديموقراطية، لا يرضي بغيرها، كما أريد لنا أن نفهم. بل أنه في حقيقة الأمر كان في أكمل إستعداد، وفق شهادات هؤلاء العدول، لتأييد إنقلاب الجيش. وإنما حال بينه وبين ذلك سبب عارض واحد فقط، وهو وجود بعض خصومه في حكومة العسكر. ولولا هؤلاء لكان إنقلاب الجيش في مايو سمناً وعسلاً على قلبه. وبالتالي فإن معارضته التي طالت واستطالت بعد ذلك للنظام المايوي لم تكن إذن معارضة مبدأ، إبماناً بالديموقراطية وتقديساً لها وتعظيماً لقيمتها. وإنما كانت معارضة لخصوم سياسيين نجحوا فيما فشل هو فيه ).
هذه الخلاصة فيها جرأة شديدة، كونها لا تستند إلى حقائق دامغة، وكون أن الواقع نفسهُ يكذبها، فمعارضة الشريف حسين لمايو لم تكن بسبب “خصومته” السياسية وإلا لكان الرجل أبرم صلحاً مع نميري بعد خلافه مع الشيوعيين، وهى لم تكن بسبب نجاح هؤلاء الخصوم في الإستيلاء على السلطة عبر الإنقلاب، وأستغرب لكيف يعتبر الأستاذ البطل ذلك “فشلاً” للشريف حسين حيث أنَّ الأخير لم يسع أصلاً للإنقلاب على الحكم الديموقراطي، وهو ليس بالأمر العسير في هذه البلاد المنكوبة، ولو أراد لفعل.
المُثير للدهشة في هذا الخصوص هو أنَّ الاستاذ البطل نفسه إستنكر إستضافة الأستاذ سيد هارون في برنامج “فلاش باك” بحُجة أنَّ الرجل ليس أفضل من يتحدث عن الشريف لأنه ليس من مجايليه، ومع ذلك فقد سارع لتلقف شهادته وإستخدامها كدليل على أنَّ موقف الراحل العظيم من مايو لم يكن مبدئياً، حيث كتب يقول :
( الأستاذ سيد هارون عمر، القيادي بالحزب الاتحادي الأصل، كما جري تقديمه، أكمل دراسته الجامعية في خاتمة السبعينيات. وفي أغلب الظن فإن عمره تراوح بين العاشرة والخامسة عشر خلال بعض الفترات التي غطتها الحلقة، والتى تحدث خلالها الرجل بسيولة واندفاع، يمجّد الشريف حسين، ويعظّم مجاهداته في دروب الوطنية. المشكلة هي أنَّ جُل ما قاله الرجل، إن لم يكن كله، هو نتاج لمعلومات مسموعة أو مقروءة، سمعها وقرأها عند آخرين. وذلك فضلا عن استرجاعه لأجزاء من مذكرات الشريف حسين المنشورة. وهو هنا لا يفضُل عفراء كثيراً، فقد سمع وقرأ، تماما كما سمعت هي نفسها وقرأت ).
.
ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّنا نتسآءل : هل يجرؤ الأستاذ البطل الذي يسعى لمحاكمة الشريف حسين الهندي بمثل هذه الوقائع الواهية أن يصل لذات الخلاصة الحاسمة في خصوص موقف الإمام الصادق المهدي من الديموقراطية وذلك عبر النظر في موقفه من إنقلابى مايو والإنقاذ ؟
قد قال الإمام الصادق في برنامج “المشهد” مع جيزيل خوري بقناة “البي بي سي” الأسبوع الماضي أنه إجتمع بجعفر النميري بعد مرور إسبوعين على إنقلاب مايو وسلمه مشروع متكامل للحكم، وأنَّ النميري ذهب بالمشروع لمجلس الإنقلاب الذي رفضه، فهل هذا يعني أنَّ الإمام الحبيب “لم يكن راهباً في محراب الديموقراطية” ؟
كذلك فإنَّ الإمام الصادق – صاحب حصان العزة الذي لا يُبدله الأخ البطل بحصان آخر ولو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره – قال في كتابه الموسوم : “شكوى لله وشهادة للتاريخ وإشهاد للشعب السوداني”، أنه عندما إنقلب الحكام الحاليين للسودان على النظام الديمقراطي إختفى لإعطاء فرصة لردود فعل مضادة، وليعرف هوية الإنقلاب، فإن لم يكن أجنبياً سيقدم على حواره، وأوضح أنه بعد أسبوع من إنقلاب الثلاثين من يونيو تبدى له أن الإنقلاب سوداني، فكتب مذكرة كانت في طريقها إليهم، فما رأي البطل ؟
هاهو الإمام الصادق المهدي يصرِّح علانية أنه إلتقى جعفر النميري بعد إسبوعين، وكتب مذكرة يُخاطب بها إنقلابيي الإنقاذ، فهل عنى ذلك تأييده لمايو والإنقاذ ؟ مابال الأستاذ البطل لا يتحرى الإنصاف في توصيف المواقف فهو يسعى سعياً لتجريم الشريف حسين ونزع صفة الديوقراطية عنه ويزعم أنه عزم على تأييد مايو بينما يغُض الطرف عن المواقف المُعلنة للإمام الحبيب !
أراكَ تُعاتبُني ولا دُستُ زلةً … وغيري ولو داسَ الخنا ما تعاتبه
قد إعتبر الأستاذ البطل حديثنا عن خُدَّام الحكومات الشمولية موجهاً لشخصه، مع أنَّ القارىء لما سطرناهُ يستطيع بسهولة ويُسر أن يفهم المقصود خصوصاً وأنني إستخدمت كلمة “يبرطعون” التي أوردها هو في مقاله في سياق معلوم، فحاشاه أن يكون قد فهمها على طريقة “يكادُ المريبُ يقول خذوني”، أمَّا إشارته إلى أننا ألمحنا لأنَّ الدافع وراء حديثه عن الشريف حسين هو تعاطفه مع حزب الأمة، فهذه لا أجيب عليها أنا، بل يُجيب عليها هو، فأنا لم أقل أنَّ الأخير كان عضواً في حزب الأمة، وأنا كذلك لم أنقل عن شخصٍ مستاء القول أن شقيقه الأصغر، زين العابدين، كان يمقت الإتحاديين لأنه ليست لديهم مواقف وطنية !
أيضاً إستنكر الأستاذ البطل تساؤلنا عن صمت الكارب لأربعين سنة، وأعطانا موعظة “فالصو” في مناهج التاريخ وذكر أمثلة خارج السياق حتى يُثبت أنَّ عامل الزمن لا يُضعف من رواية الكارب، ولكنه أيضاً عمد إلى تجنب الإجابة على الأسئلة الحقيقية التي تثبت ضعف الرواية، والتي نكررها هنا، وندعوه لأن يُجيب عليها إجابات واضحة وأن يترك البطبطة (فصيحة وتعني ضعفُ الرأي) حتى لا يكون سجالنا هذا عقيماً : هل الرسالة مكتوبة بخط يد الشريف الهندي كما يفهم القارىء حيث أنها وردت في مقالك بين معقوقتين ؟ وإذا كانت كذلك فأين هى ؟ هل هناك تسجيلٌ صوتي يسند رواية الكارب ؟ هل هناك شهود يعضدون الرواية ؟
أمَّا من جانبنا فإنا مُصدِّقون لأقوال الشريف حسين وأفعاله تجاه الحكم العسكري، فالرجل بشهادة التاريخ ظلَّ معارضاً لنظام مايو منذ يومه الأول وحتى رحيله عن الدنيا الفانية، ثلاثة عشر عاماً حسوماً، قضَّاها في منازلة النظام بجسارة نادرة، لم تُصب نفسه بالوهن ولم يُرهقها أذى الباطل ولا ركبها اليأسُ من وقوع التغيير الناجز، ولم يُسارع للمشاركة في النظام – مثل الآخرين – وكيف يفعل وهو صاحب البصيرة “الذي أحشاءهُ من حديدٍ بينما أحشاءهم من زبد، الذي وضع الله في مُقلتيهِ النفاذ وعاقبهم بالرَّمد” كما وصفه شاعر أكتوبر الكبير محمد المكي إبراهيم.