السودان والقانون الدولي للبحار (2)
بقلم دكتور فيصل عبدالرحمن على طه
[email protected]
1- مناطق السودان البحرية الراهنة
إن استحقاق السودان لمناطق بحرية يستند إلى أن قطاعاً من إقليمه البري يشاطئ البحر الأحمر فالمبدأ هو أن الأرض تسيطر على البحر. وقد جسدت اتفاقية قانون البحار هذا المبدأ في بعض أحكامها. كما عبرت عنه محكمة العدل الدولية في بعض قضائها. ففي قضايا الجرف القاري لبحر الشمال ذكرت المحكمة أن الأرض تسيطر على البحر بمعنى أن الحقوق البحرية تستمد من سيادة الدولة الساحلية على إقليمها البري. وقصدت المحكمة إلى نفس المعنى في القضية المتعلقة بتعيين الحدود البحرية بين قطر والبحرين حين قالت إن الوضع الإقليمي البري ينبغي أن يؤخذ كنقطة بداية لتحديد الحقوق البحرية للدولة الساحلية.
بالرغم من انقضاء ثلاثة عقود على تصديق السودان على اتفاقية قانون البحار إلا أن أحكامها لم تفعل على الصعيد الداخلي بقانون جديد يلغي قانون البحر الإقليمي والجرف القاري السوداني لسنة 1970 ويستصحب المفاهيم الجديدة التي استحدثتها اتفاقية قانون البحار مثل مفهوم المنطقة الاقتصادية الخالصه التي ستضفي على السودان حقوقاً واختصاصات لم تكن معروفة في القانون الدولي التقليدي للبحار. وكما سبق أن نوهنا، فإن حقوق الدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية لا تنشأ إلا إذا طالبت بها بموجب إعلان أو قانون، فالحقوق فيها لا تنشأ بحكم القانون كما في حالة الجرف القاري وهذا ما لم يفعله السودان حتى الآن.
ومن ملاحظتنا على قانون البحر الإقليمي والجرف القاري السوداني لعام 1970 الذي لا يزال يعمل به في السودان رغم أن القانون الدولي للبحار قد تجاوزه نذكر الآتي:
– أن المادة 6 (أ) من هذا القانون أخذت بالطريقة العادية لتحديد خط الأساس أي حد أدنى الجزر مع أن الساحل السوداني مؤهل لاستخدام طريقة الخطوط المستقيمة لأنه توجد سلسلة جزر على امتداد الساحل وعلى مسافة قريبة منه مباشرة.
– إن المادة 9 من القانون حددت منطقة السودان المتاخمة بـ 6 أميال بحرية تقاس من الحد الخارجي للبحر الإقليمي.
– المادة 2 من القانون تعرف الجرف القاري بعمق مائتي متر وبعد ذلك إلى العمق الذي يسمح باستغلال الموارد الطبيعية لتلك المناطق وهذا هو تعريف الجرف القاري كما ورد في المادة 1 من اتفاقية جنيف للجرف القاري لعام 1958.
2- قوانين سودانية سارية تتعلق بالبحر
توجد حالياً ضمن التشريعات السودانية قوانين تتعلق بالبحر. نور فيما يلي بعضاً منها. وننوه إلى أنه من الأهمية بمكان أن تؤخذ في الاعتبار عند تحديد العقوبات التي ستفرض على انتهاكات قانون تعيين مناطق السودان البحرية المرتقب. من هذه القوانين:
– قانون مصائد الأسماك البحرية لسنة 1937: يشترط هذا القانون في المادة 4 الحصول على تصريح لصيد الأسماك في المياه الاقليمية. وتعاقب المادة 10 (1) المخالفة بالغرامة التي تحددها المحكمة أو بالسجن لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر أو بالعقوبتين معاً.
– قانون الثروة النفطية لسنة 1998: المادة 4 (1) من هذا القانون تنص على ملكية الدولة للنفط الموجود في طبقات الأرض أو الجرف القاري للسودان وتشترط المادة 4 (3) الترخيص للقيام باستكشاف النفط أو استخراجه. وتعاقب المادة 33 (1) الاستكشاف غير المرخص بالسجن لمدة لا تجاوز سبع سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
– قانون حماية البيئة لسنة 2001: تعرف المادة 3 من هذا القانون التلوث وتحرم المادة 20 (ب) تلويث البحار. وتعاقب المادة 21 (1) مخالفة أحكام المادة 20 بالسجن لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
– قانون الثروة المعدنية والتعدين لسنة 2007: المادة 4 من هذا القانون تقضي بملكية الدولة لكل المعادن الموجودة في أراضيها أو تحتها أو تحت مياهها الاقليمية أو على جرفها القاري وتقضي بحق الدولة المطلق في البحث والاستكشاف والتصرف في المعادن. المادة 24 (1) من القانون تعاقب الاستكشاف غير المرخص بالسجن مدة لا تجاوز سنة واحدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً. وتعاقب الاستخراج غير المرخص بالسجن مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
– قانون النقل البحري لسنة 2010: تعرف المادة 5 من هذا القانون تلوث البيئة. وتنص المادة 164 المعنونة (التلوث من السفن) على أن تقوم السلطة المختصة بمراقبة وضبط ومنع التلوث البحري وفق احكام قانون حماية البيئة ووفقاً للاتفاقيات الدولية والاقليمية. وتعاقب المادة 167 مخالفة أحكام القانون بالسجن أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
وننوه في هذا الصدد إلى أن المادة 73 (3) من اتفاقية قانون البحار تحظر أن تشمل العقوبات التي تفرض لانتهاك قوانين وأنظمة الدولة الساحلية المتعلقة بمصائد الأسماك في المنطقة الاقتصادية السجن أو العقوبة البدنية. ولكن من اللافت أن حوالي 20 دولة ومعظمها أطراف في الاتفاقية تعاقب بالسجن الصيد غير المشروع في المنطقة الاقتصادية. ومن هذه الدول الهند وباكستان واليمن والفلبين ونيجيريا والبرتغال وبرما وبنغلاديش. ونورد أيضاً أنه بموجب المادة 15 من قانون تعيين المناطق البحرية لدولة الإمارات لعام 1993 فإن الصيد في المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة يقتصر على مواطني الدولة ويجوز للدولة أن ترخص لغير المواطنين بالصيد. وبمقتضى المادة 26 (3) فإنه عقوبة الصيد غير المرخص به تشمل الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات.
3- حدود السودان مع الدول المتقابلة والمتلاصقة
يلاصق السودان بحرياً في الشمال مصر وفي الجنوب اريتريا عند نقطة رأس قصار الواقعة على خط عرض 18 درجة. وليس هناك ما يحول دون اتفاق السودان مع ارتيريا على تعيين الحدود بين مناطقهما الثلاث البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية والجرف القاري بخط بحري وحيد. أما الحدود البحرية مع مصر فلن تحدد إلا إذا سُويت مسألة السيادة على أقليم حلايب. وذلك كما سبقت الإشارة، لأن الحقوق البحرية تستمد من سيادة الدولة الساحلية على إقليمها البري. فالأرض تسيطر على البحر.
للسودان حدود متقابلة مع السعودية. لم تحدد هذه الحدود بعد ولكننا نرجح أنها ستكون خط وسط. ونعتقد أن تحديدها لن يشكل صعوبة لأن الخلاف بين البلدين حول ملكية ما يعرف إصطلاحاً بـ«كنز البحر الأحمر» قد سُوي باتفاق أبرم في عام 1974 بشأن الاستغلال المشترك للثروة الطبيعية في قاع وما تحت قاع البحر الأحمر في المنطقة المشتركة بينهما. وسيكون هذا الاتفاق موضوع الجزء التالي من هذا المقال.
4- البحر الأحمر بحر شبه مغلق
البحر الأحمر بحر شبه مغلق. وقد نصت المادة 122 من اتفاقية قانون البحار على أن البحر المغلق وشبه المغلق يعني خليجاً أو حوضاً أو بحراً، تحيط به دولتان أو اكثر ويتصل ببحر آخر أو بالمحيط بواسطة منفذ ضيق، أو يتألف كلياً أو أساساً من البحار الإقليمية والمناطق الإقتصادية الخالصة لدولتين ساحليتين أو أكثر. إن أقصى عرض للبحر الأحمر يبلغ حوالي 195 ميلاً بحرياً. لذلك لا يتوفر فيه العرض الذي يتيح لأي دولة مطله عليه الحصول على منطقة اقتصادية خالصة بالمدى الذي يسمح به القانون الدولي للبحار وهو 200 ميل بحري.
لقد أعلنت مصر عن منطقة اقتصادية عندما صدقت على اتفاقية قانون البحار في 26 أغسطس 1983. وأعلنت حكومة اليمن عن المنطقة الاقتصادية بالقانون رقم (45) لسنة 1977. وأعلنت المملكة العربية السعودية عن منطقة اقتصادية بموجب المادة الثانية عشرة من نظام المناطق البحرية للمملكة العربية السعودية لعام 1433هـ (2011). لقد قصدت بما تقدم أن أنوه إلى أنه إذا أعلنت كل الدول المطلة على البحر الأحمر عن مناطق اقتصادية. فإن البحر الأحمر ستغطيه بالكامل البحار الإقليمية والمناطق الاقتصادية للدول المطلة عليه ولن يبقى به بحر عام أو أعالي بحار. ولكن سترد عليه بعض الحقوق والحريات المتعلقة بأعالي البحار.