“الذراع الطويل” تجربة قابلة للتكرار
بقلم الدكتور جبريل إبراهيم محمد
بمناسبة مرور ثمانية أعوام على عملية “الذراع الطويل” التي نفذتها حركة العدل و المساواة السودانية إلى العاصمة السودانية في العاشر من شهر مايو عام 2008، أُزجي التحايا الخالصة إلى شهداء الثورة السودانية على مر العصور الذين ضحّوا بأرواحهم لينعم شعبهم بالأمن و الاستقرار و الحياة الكريمة. و تحية خاصة أوجهها إلى قادة و قوات حركة العدل و المساواة السودانية الذين أقدموا على تنفيذ تلك العملية الجسورة المقدامة بكفاءة متميّزة، و على رأسهم الشهيد الدكتور خليل إبراهيم محمد الرئيس المؤسس للحركة. و تحية إجلال و تقدير لأسرى الحركة الذين تحمّلوا تبعات العملية في غياهب زنازين النظام و أغلاله منذ ذلك التاريخ و الذين لحقوا بهم. و التحية لشبابنا الأشاوس القابضين على الزناد الذين ما لانوا و لا استكانوا ينتظرون النصر أو الشهادة دون قضيتهم. ثمّ تحية تقدير و إعزاز لشعبنا الأبي الصابر على ما هو أمرّ من الصبر.
تمرّ علينا اليوم ذكرى ملحمة الذراع الطويل، و شعبنا يعاني بطش النظام الدموي و ضنك العيش و الفساد الذي إستشرى حتى طال منابع الاستنارة و العلم . و بعد إغتيال الطلاب في جامعتي كردفان و الأهلية أمدرمان بدم بارد و بصورة هزت الوطن و أخرجت الناس إلى الشوارع، في هبّة كسرت حاجز الخوف و أعطت إشارات قوية بأن الانتفاضة على هذا النظام الغاشم المستبد ممكن، أقدم النظام على ارتكاب مجزرة جديدة و بشعة بكل المقاييس في أطفالنا في هيبان بجنوب كردفان بقصفه الجوي العشوائي المعهود على المدنيين العزّل، في جريمة لا تكفي معها عبارات الشجب و الإدانة التي لا بد منها، و لكن صار لزاماً على الناس جميعاً العمل على حظر سلاح الطيران في الأقاليم الملتهبة، ثم البحث عن الحل الجذري الذي لا يتأتى إلا بإسقاط هذا النظام بثورة شعبية عارمة أو بغيرها.
أقول في ذكرى عملية الذراع الطويل: أن العملية و إن تقاصرت عن تحقيق كل أهدافها التي أرادتها لها الحركة و على رأسها إسقاط النظام الدموي الغاشم الجاثم على صدر الشعب، إلا أنها حققت أهدافاً مهمة وأرسلت رسائل بليغة ما كانت لتصل بمعزل عن تنفيذ عملية الذراع الطويل منها:
1- أثبتت الحركة أنها قادرة على تخطيط و تنفيذ عمليات كبيرة و معقّدة و جريئة بإمكانيات محدودة للغاية. و قد أعطت عملية الذراع الطويل قادة الحركة و قواتها ثقة كبيرة في نفسها مكنتها من الاقدام على تنفيذ عمليات على ذات النسق و لم تكن بذات الهالة الاعلامية في أزمنة لاحقة، من بينها عملية “وثبة الصحراء”.
2- برهنت قيادة الشهيد الدكتور خليل إبراهيم للعملية بنفسه، أن القيادة من الأمام و استعداده القادة للتضحية بالنفس قبل الغير، تصنع المعجزات، و تعبّر عن مدى جدّية الثائر و إيمانه بقضيته.
3- نقلت عملية الذراع الطويل الثورة السودانية من الإقليمية الضيقة إلى ساحات القومية الأرحب، و من مطالب أقرب إلى النقابية إلى دعوة لتغيير شامل لتركيبة الحكم في البلاد. كما أكّدت العملية أن القضية السودانية واحدة و إن تعددت جغرافية و مواقيت تمظهراتها، و أن الحلّ في مركز اتخاذ القرار في الخرطوم و ليس في الأطراف.
4- نبّهت العملية النظام بأنه ليس بمنجاة عن الويلات و العذابات التي يذيقها لأهل الأطراف دون أن يرف له جفن، و أن الحرب يمكن نقلها إلى عقر داره.
5- كشفت العملية للأهل السودان و للمحيط الإقليمي و الدولي أن النظام مجرد نمر من ورق. و أنه عاجز حتى عن حماية نفسه و مقر حكمه. و أنه جاهز فقط للفرار إذا حمي الوطيس.
6- الانجاز الأهم لعملية الذراع الطويل أنها أثبتت للشعب السوداني في العاصمة و خارجها أن الثورة لا تستهدفه و لا تحمل ضده مشاعر الحقد أو الكراهية أو التشفّي، و لا تسعى للانتقام منه أخذا إيّاه بجرائر النظام. فقد برهن السلوك الحضاري الراقي الذي تعامل به قوات الحركة مع أهليهم في مدينة أمدرمان، و شهد بذلك الكثير من أهلها بأن الحركة تعرف عدوّها بدقة ولا تعادي سوى النظام العنصري الظالم. و بالأمس القريب صدع بهذه الشهادة الأستاذ محمد ضياءالدين الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الإشتراكي بصفته شاهد عيان، و هي شهادة تعتز الحركة بها، و نتوشّح بها نحن وساماً في صدورنا، و تطمئننا بأن جهود طمس الحقيقية و تزييف الواقع التي بذلها النظام أوهن من أن تحجب شمس الحقيقة أو أن تنطلي على وعي شعبنا اللمّاح. و قرار الحركة بالانسحاب من مدينة أمدرمان رغم ما تملك من آلة تدمير، و أوامر الرئيس الشهيد الصارمة بعدم استخدامها حرصاً على سلامة المواطنين و ممتلكاتهم، دليل قاطع آخر بأن ما يروّجها النظام من ترهات عنصرية لتخويف الشعب من الثورة لا وجود لها في قاموس الثورة. فثورتنا للشعب و به، ولا تستهدف غير النظام الغاشم و زبانيته الذين يقتّلون الأطفال و النساء، و ينتهكون الأعراض دونما وازع من دين أو ضمير أو أخلاق.
وفي ختام مقالي القصير هذا أقول: أن الحركة استفادت من تجربة عملية الذراع الطويل في تخطيط و تنفيذ عملية “وثبة الصحراء” من صحاري شمال كردفان وشمال دارفور إلى العاصمة الليبية طرابلس عبر مسار وعر متطاول، قطعت قواتنا خلاله ما يقرب في مجمله من عشرة آلاف كيلومتر لانقاذ رئيسها الشهيد الدكتور خليل إبراهيم و العودة به إلى أرض الوطن سالماً. كما شاركت الحركة بهذه الخلفية أخواتها في الجبهة الثورية السودانية في تخطيط و تنفيذ عملية “الفجر الجديد” إلى أم روابة و”أبوكرشولة” في صيف عام 2013 بنجاح كبير. وما تقوله هذه الأمثلة هو: أن بإمكان الحركة و الجبهة الثورية تنفيذ عمليات على شاكلة عملية الذراع الطويل بتوقيتات مختلفة إذا تمادى النظام في البحث عن حلول عسكرية أمنية لقضية ذات طابع سياسي، وأصرّ على فرض إرادته على الشعب بحد السيف.
االدكتور جبريل ابريل محمد هو رئيس حركة العدل والمساواة السودانية