Friday , 22 November - 2024

سودان تربيون

أخبار السودان وتقارير حصرية لحظة بلحظة

ردا على مجدي الجزولي وعارف الصاوي: مصائد التفكير الرغبوي .. وقلم التصحيح النخبوي.. و”الكلام الساي”..!

بقلم : وائل محجوب

من إشكالات راهننا اﻹستسهال في اعمالنا واقوالنا وفي ردود افعالنا .. ومن اشكالات لفيف من الصحفيين والكتاب (ولا ابرئ نفسي ما دمت منهم) عدم المتابعة للأحداث الجارية بتفاصيلها وشخوصها وخفاياها، والتكاسل عن طلب المعلومات في مظانها الصحيحة انقيادا لظنون النفس باﻹحاطة وهي كاذبة، وهذه علة تنتقص من قيمة المادة المطروحة إعلاميا، وتعطل اصحابها عن المعرفة وامتلاكها إختيارا، وتقود في آخر المطاف لخلاصات غير صحيحة.

هذا المدخل كان لازما للرد على المقال المشترك للأستاذين/ مجدي الجزولي وعارف الصاوي الذي إنتظره البعض منا بإعتباره سيحوى نظرة ثاقبة ومعلومات ثرية تقدم اضواء كاشفة، وللأسف اختارا مدخلا خاطئا وبنيا عليه مقالهما في تقييم حركة (التغيير الآن) وتجاهلا طبيعتها المغايرة للأحزاب السياسية، ورغم ذلك اجريا عليها تصوراتهما لما ينبغي أن تكون عليه القوى الحزبية بحسب منظورهما لدورها، وهو أمر مستغرب منهما، ولا يستقيم مع طبيعتهما البحثية المعلنة ولا خبرتهما الإعلامية وانتهينا الى ما يقارب حال صاحب ذاك المثل الشائع “جينا لي مكة تغنينا وقلعت طواقينا”.. !

ما هو تعريف الحركات الاجتماعية والسياسية؟ وما الذي يميزها عما عداها إذا كان الناس يريدون أن يقيموها بذات مقاييس ومعايير تشكيل وتنظيم القوى السياسية الحزبية التي إعتادوا عليها وإستقرت في أذهانهم كترتيب أوحد لسبل البناء وطرائق العمل التنظيمي؟

ذهبت غالبية أراء العلماء اﻹجتماعيين ودارسي نشوء وتطور الحركات اﻹجتماعية السياسية إلى أنها جماعات ضغط سياسي وهي تتوسل لتحقيق أهدافها بالتعبئة واﻹحتجاج والتظاهر ومختلف أشكال “التواصل اﻷجتماعي” سياسيا واعلاميا، وهي تعتمد على حشد المناصرين للقضايا أكثر من القيود التنظيمية الصارمة المتعارف عليها في بناء الأحزاب السياسية.

والفرق الجوهري بين الحركات واﻷحزاب في كون الحركات الاجتماعية تسعى للتغيير الشامل أو الجزئي بحسب مجال نشاطها من خلال رفد وتطوير تجارب اﻹحتجاج والتظاهر والتعبئة المطلبية للتأثير في صنع القرار، بيد أنها لا تسعى إلى الانخراط في السلطة والاستحواذ عليها ولا تستخدم ذات محددات العمل السياسي، كما هو شأن الأحزاب.

وثمة نماذج كثيرة ومتعددة من التجارب المحلية والعالمية لعبت دورا في بلورة وترسيخ معالم هذا التمايز، وليس أدل عليها من تجارب حركة الحقوق المدنية في أمريكا والتي إستهدفت تغيير شامل لمسار الدولة سياسيا ودستوريا وفي مختلف مجالات الخدمات العامة، وغيرها من تجارب حركات التغيير في أوربا خلال عقد التسعينات وما قبلها، وهنا في السودان تبرز الحركات المناصرة للمرأة ولقضايا الحقوق والحريات العامة وغيرها من الحركات والمجموعات التي ترمي كل منها بسهم في أتجاه التغيير الشامل كل في مجاله دون أن يكون هدفها الوصول لصناديق اﻹقتراع واﻹنخراط المادي في العمل السياسي ومن الممكن ان تدعم سياسيا ما (ومن) يتوافق مع تحقيق أهدافها، ولا ينتقص ذلك منها، إنما هو إستجابة لعقود تأسيسها وتكوينها وتوافق أعضائها وإحتراما لقيم اﻹختلاف داخل مكوناتها.

ودائما ما تثير حركات التغيير اﻹجتماعي أسئلة متصلة حال نشؤها، إذ أنها تعمد إلى طرح رؤى وافكار ومواقف جديدة وحاسمة خلال تعاطيها مع مختلف المجالات التي تطرقها، ما يعتبر الخطوة اﻷولى في مسارها، تليها التعبئة حول افكارها وأهدافها سياسيا واعلاميا وبلورة التأييد الاجتماعي حولها، ومن ثم تتحرك لتحقيق التغيير أو الإسهام في تحقيقه.

وقد أفاضت مدارس البحث اﻹجتماعي في تعريف الحركات الإجتماعية والسياسية ونلتمس منها نموذجين ﻷغراض المقال لتقريب الفكرة لا أكثر ولا أقل .. فقد ذهب (تشارلز تيلي) أحد عرابي المدرسة الحديثة في البحث الاجتماعي في تعريفاته عبر كتابه الحركات الاجتماعية (1768-2004) إلى تعريف مختصر للحركات اﻹجتماعية، فهي بالنسبة له “سلسلة من التفاعلات بين أصحاب السلطة وأشخاص ينصّبون أنفسهم وباقتدار كمتحدثين عن قاعدة شعبية تفتقد للتمثيل النيابي الرسمي، وفي هذا الإطار يقوم هؤلاء الأشخاص بتقديم مطالب على الملأ من أجل التغيير سواء في توزيع أو في ممارسة السلطة، وتدعيم هذه المطالب بمظاهرات عامة للتأييد”، بينما يراها فرانسوا شازل “كمقاولة جماعية للاحتجاج والمعارضة تستهدف فرض تغيرات عميقة في البنية الاجتماعية والسياسية، بالعودة المكثفة لوسائل لا مؤسساتية وهو تعريف يضع القنوات التقليدية للديمقراطية التمثيلية موضع أزمة” .

وبالتأكيد هناك مذاهب شتى كما أوردنا اعلاه للنظر لتعريف وأدوار والطبيعة المؤسسية للحركات اﻹجتماعية من بينها المدارس اﻹشتراكية التي تجري عليها مبضع التحليل الماركسي والتفكيك الطبقي وهي تدرج في إطارها المنظمات العمالية والطلابية وجماعات المرأة وتكتلات المزارعين، وقد ظهرت في إطار تطور النظرة تجاه حركات التغيير اﻹجتماعي عند اليسار بشكل عام، اهتمامات بقضايا نوعية كحركات البيئة وحركات مناهضة الحروب وحركات الدفاع عن حقوق اﻹنسان ومناهضة سياسات العولمة كاشكال جديدة في طريق مقاومة المظالم الاجتماعية، وبالطبع فإن هذه القراءة لا تعدل في طبيعة وأهداف هذه الحركات وإنما ترفد مجالات البحث والتنقيب عنها.

وبعد.. ترى ما الذي فعلته حركة التغيير اﻵن وحادت به عن هذه القراءات، وما الذي لم تفعله فباءت بغضبة اﻷستاذين مجدي وعارف؟

دعونا تثبيتا للحقائق نذكر خلفيات تشكيل هذه الحركة التي تناقض الرؤية التبسيطية المخلة التي نهضت على المتواتر وما يتردد على الألسنة حول الحركة وإعتمداها وبنيا عليها مقالهما المشترك علوا واستخفافا.

في العام (2009) تملك القلق عدداً كبيرا من ناشطي العمل السياسي بسبب من رؤية غالبهم أن المؤتمر الوطني الحاكم بأمره في السودان قد أفرغ اتفاقية السلام الشامل من مضامينها واحدا تلو اﻵخر، وانه يجهز الساحة السياسية لتقبل انفصال الجنوب عبر ممارساته الاستعلائية واﻹقصائية، ويسعى لإعادة انتاج دولة أكثر شمولية فيما بعد ذلك ..

وكانت رؤية لفيف منهم أن الصوت الأعلى هو صوت الإنفصال، وأن سلطة المؤتمر الوطني تدفع اليه بممارساتها وتنصلها عن تنفيذ مستحقات إتفاق السلام الشامل من أجل بقائها على سدة الحكم مضحية بوحدة البلاد، وأن بقاء المؤتمر الوطني حاكما سيقود البلاد لمزيد من التفكك، وتوصلوا لخلاصات من أهمها اﻷ سبيل لتفاهم أو اتفاق سياسي مع السلطة الحاكمة قد يفضي للتغيير، وقد دفع ذلك القلق للقاءات غير رسمية بدأت بين مجموعة منهم من مختلف اﻹتجاهات السياسية ممن جمعتهم نواصي العمل المعارض المشترك والزنازين والمعتقلات خلال حقبة التسعينات وما تلاها، وقادت هذه اللقاءات لطرح افكار مشتركة وأخرى مختلف عليها، وتم إتفاق على مناقشتها عبر ما اتفق على تسميته “منبر لشباب الأحزاب” وقد التئم أول أمره بدار التحالف السوداني لمناقشة دور لشباب الأحزاب في رفع فعالية العمل المعارض وإضافة صوت جديد في مواجهة أصوات الانفصال العالية ومقاومة النظام وقد تم التأمين على ذلك إبتداء، وكان أبرز المشاركين في تلك اﻹجتماعات كوادر من مختلف القوى السياسية من اليمين الى اليسار الى الوسط (ضمت تلك اﻹجتماعات كوادر تنتمي للحزب الشيوعي والحركة الشعبية والمؤتمر السوداني والتحالف السوداني وحزب اﻷمة وجمهوريين ومستقلين و اتحاديين ..الخ)، وضمت ما يقارب (15) مشاركاً، وقد ظل هذا الهاجس المؤرق يلاحق هذه المجموعة حتى وقع الانفصال، وعاودت هذه المجموعة لقاءاتها مجددا، وقد تزودت بدفع جديد برياح التغيير التي انداحت في المنطقة العربية ووقائع هبة 30 يناير السودانية في مواجهة النظام، وقد انضافت لتلك اللقاءات مجموعة من الحركات الداعية لإسقاط النظام بجانب مجموعة أسمت نفسها شباب الأحزاب، لتتشكل نواة حركة التغيير الآن من خلال تلك الاجتماعات المتواصلة ومن خلال هذه المجموعة، وقد دعت الحركة أول أمر تأسيسها لتظاهرة في فبراير دعت اليها من خلال حملة بيانات ومنشورات تم توزيعها، ومن بعد تم التوقيع على ميثاق حركة التغيير الآن في ابريل (2011) وطرحت الحركة من خلال ميثاقها هدفها المتمثل في إسقاط النظام وحددت وسائلها وآلياتها لتحقيق ذلك، والمتمثلة في العمل السلمي المدني والكفاح من أجل تحقيق قيم العدالة الإجتماعية، وعرفت نفسها كحركة اجتماعية تضم(ابناء وبنات البلاد) ممن تعاهدوا على ميثاقها (فاين ورد تعريف الحركة لنفسها بانها حركة شبابية او تضم شبابا وغيرها من المعلومات المضروبة التي خرجت من معطفي مجدي/عارف سوا في ميثاقها او من خلال بياناتها او وسائطها اﻹعلامية؟!).

ومباشرة بعد تكوينها إنخرطت الحركة في أول نشاط جماهيري لها وهو المشاركة في ذكرى شهداء كجبار في أقصى الشمال، وقامت بتنظيم أول احتجاج على تجدد اندلاع الحرب في جنوب كردفان (قبل حتى أن يتوسع مجالها لتشمل النيل الأزرق) أمام مقر بعثة الأمم المتحدة وقد تم القاء القبض حينها على قيادات هذه الحركة الوليدة وتمت محاكمتهم، وقامت الحركة بعدها بالمشاركة في ولاية البحر الأحمر في ذكرى شهداء مجزرة بورتسودان وما يزال هذا التواصل قائما مع كل هذه الجهات وفى كل الفعاليات، كما تمت المشاركة في كل أنشطة روابط طلاب دارفور سواء حملات مناهضة العنصرية أو تلك المناهضة لإستمرار الحرب وجرائمها، والوقفات المستمرة التي دعت اليها وشاركت فيها في إطار رفضها لسياسة بيع وتجفيف المستشفيات، هذا بخلاف المشاركة المستمرة مع شباب مناهضة السدود سواء من خلال الوقفات الاحتجاجية أو غيرها من أعمال المناهضة.

لقد أطلقت الحركة منذ تأسيسها وحتى تاريخه سلسلة من الحملات الجماهيرية سواء منفردة أو مع شركاء أخرين مثل حملة فعاليات ضد العنصرية ونحلم بالسلام 2012 والتي ضمت تقريبا كل قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية، ويوم الكرامة الذي أعقب حادثة اغتيال طلاب جامعة الجزيرة، وجمعة دارفور، وحملات مقاومة رفع الدعم عن السلع قبل هبة سبتمبر، وهي حملات جماهيرية تم تنفيذها على اﻷرض وأفضت في كثير من اﻷحيان لإعتقالات وسط عضوية الحركة، وهذه كلها تحركات تقدح في المذمة الشائعة للحركة بأنها مجرد حركة محصورة بين صفحات الفيسبوك ولا أثر لها وقد تمددت أنشطتها وعضويتها في مختلف ولايات السودان، وإن كان حجم تلك العضوية محدودا او المتعاطفين معها قلة بحسب زعم الكاتبين، فذلك من اﻷمور التي لا تنتقص منها، فبحسب طبيعتها كحركة ذات طبيعة قائمة على أهداف مناهضة للنظام وساعية ﻹسقاطه فمن الطبيعي أن يتأثر حراكها بمد وجذر الصراع من ناحية، ومن ناحية أخرى فانها مثلها مثل سائر القوى الفاعلة في ساحة الصراع السياسي تتحرك بالدعم والعون الذاتي بقصوره المعروف، وهذا بقدر ما يحسب لها فإنه يؤثر على قدراتها ويحد منها، وخلاف ذلك فهي هدف دائم ﻹستهداف وملاحقة اﻷجهزة اﻷمنية، وإن لم يمنعها ذلك من بناء عضوية في مختلف انحاء السودان، وإقامة انماط من التشبيك والتحالفات مع جماعات تعمل في ذات المشروع في مختلف الولايات، ومجموعات ناشطة ومؤثرة تعمل في مجالات الحقوق العامة والقضايا الفئوية بجانب علاقة راسخة وعميقة مع الحركة الطلابية، فهي بالتالي وفقا لمنظورها للتغيير تتحرك في دوائر تتسع يوميا وتكبر وتغذى التراكمات النوعية التي تفضي للتغيير الشامل وإن بدت آفاقه بعيدة ونائية.

وتأسيسا على المقدمات الخاطئة يذهب المقال الى الزعم بإفتراضات لا يملك الكاتبان ما يسندها مثال ذلك القول المرسل مثلما نقرأ:

(تنشد “التغيير الآن” التعبير عن الشباب الذين فقدوا الأمل في السياسة الحزبية، وهو مسعى يجب أخذه على محمل الجد، فالشباب من الفئة العمرية دون 34 يمثلون 62% من سكان البلاد، ربعهم تقريبا يعيشون في مناطق حضرية).
و.. ( لا يكفي إذن أن تميز “التغيير الآن” نفسها بلحن الشباب إلا في حدود المصاعب التنظيمية التي تجابه عضويتها داخل أحزابها الأم. بذلك، فإن التغيير الآن لم تستطع التعبير عن الشباب كفئة عمرية، كما تنشد، وإنما تمثل في مجملها قناة مواتية لطموحات الساعين إلى الصعود القيادي في أحزابهم لكن انسدت في أوجههم هياكل الأحزاب واجتمعوا على الشكوى منها في منظمة موازية فوق عضويتهم الأولى في منظمات حزبية شتى).

متى وفي ايا من وثائقها وبياناتها تحدثت حركة التغيير اﻵن عن تعبيرها عن الشباب؟ ومتى احتكرت لسانهم وإدعت أنها تنطق بأسمهم؟ ومتى ميزت نفسها بلحن أو معزوفة الشباب، إن الأحاديث المرسلة مطلب لجلسات اﻷنس والتفكه لكنها لا تقدم مفيدا حينما يكون المقام مقام نقد اولى أدواته البناء على الحقائق ومن ثم تحليلها، وقد حرت جدا للأستاذين مجدي وعارف فهما يمتلكان من اﻷدوات ما يعنيهما على تقديم رؤية مبنية على حقائق اﻷشياء، لم تطرح حركة التغيير اﻵن لا في ميثاقها ولا بياناتها ولا تصريحات متحدثيها ما يفيد الأحاديث اعلاه وان توفر للكاتبين ما غمض عنا فلينشراه على الملا تعزيزا لذلك، طرحت الحركة رؤية للتغيير خاطبت بها كل أهل السودان، وهي حركة مفتوحة للجميع، ولا تعترف بالحدود الوهمية المصطنعة لتقسيم الناس سوا من ناحية العرق أو الدين أو الجنس أو الفئة العمرية، وتعمل مع الجميع بهذه الذهنية المنفتحة والشواهد على ذلك كثيرة.

ومثلما اخطأ الكاتبان زاوية النظر هنا فقد مضيا لتناقض آخر سببه في تقديري خلطهما بين مفهومي الحركة والحزب، ففي البدء يرجعان سبب نشؤ الحركة الى احباط اصاب الناشطين جراء انسحاب مرشح اﻷمل والتغيير ياسر عرمان وفشل خطة الليبراليين السودانيين للوصول للحكم على ظهر دبابة الحركات المسلحة _وهو وللمفارقة ذات تصور ومزاعم اﻹنقاذيين حيال اليسار السوداني التي تم الترويج لها لعقود_ قبل ان يعودا ويبديا برما وضيقا بموقف حركة التغيير اﻵن من اﻹنتخابات وعدم رغبتها في خوضها، وبدلا عن إستنطاق أسباب ذلك الموقف والتفكير في بنية الحركة نفسها التي تضم اعضاء من مختلف اﻷحزاب والمدارس السياسية، واهداف الحركات الإجتماعية ومبادئها التي أشرنا اليها بعاليه، يرجعانه ببساطة الى ان الحركة ( “زاغت” من سؤال السلطة بعذر أنها شبابية احتجاجية، أي في هذا السياق لا تقوى على المسؤولية ولا تريدها)، ولم يقل لنا المقال المشترك ما الذي سيحققه هولا الطامحون في القيادة إذا من حركة تنأى عن الإنتخابات المفضية للسلطة.. وما الذي سيجنيه من سعوا للسلطة بظفر وناب متيممين شطر الحركات المسلحة طلبا لها من حركة تزوغ عند جد اﻷنتخابات ولا أمل لها في صناديقها فأي تخليط وأي خفة هذي في تناول القضايا؟

حفل المقال بالعديد من المغالطات بسبب عدم تحري الدقة وإن كان بيان حركة التغيير اﻵن قد حوى ردا مطلوبا من الحركة حول تقرير الحزب الشيوعي الذي تناول هبة سبتمبر بحسب مقتضيات العمل السياسي، بيد أن الواجب يقتضى اﻹتفاق مع الكاتبين ان الهبة افتقدت للقيادة ومرجع ذلك في تقديري ﻷسباب عديدة لا يمكن نسبها لحركة التغيير اﻵن وحدها أو الحزب الشيوعي، ولا يمكن بالتأكيد ردها لما ورد في المقال من مقولة مرسلة (انشغلا بالخصومة على الغنيمة القيادية ودقائق الحضور الإعلامي في القنوات الفضائية دونا عن مسؤولية القيادة في وقت لعلع فيه الرصاص في الحواري يصطاد النفوس) وفي هذه الجزئية أورد ان مجموعة من اﻷعلاميين السودانيين في مختلف المنابر سعوا لإنتزاع فرص في المنابر اﻹعلامية المختلفة، لعرض ما يحدث في السودان أيامها، وكانت واحدة من المشاكل المعقدة التي واجهتهم ان عددا من السياسيين ممن كانوا يتواصلون معهم للظهور والتعليق على ما يجري كانوا يتحاشون ذلك، بل إن بعضا منهم إعتذر في آخر الدقائق تاركا من رتبوا المقابلات في حيرة من أمرهم، والشاهد أن الحضور اﻷعلامي كان مطلوبا لعكس ما يجري من أهوال، كما أنه كان يتطلب جسارة ما بعدها جسارة ولم يكن بالتأكيد مطلبا للوجاهة الفارغة وحصد اﻹعجاب.. وفي تقديري أن عوامل عدة تضافرت وأدت ﻹضعاف حراك هبة سبتمبر أهمها في رائي:

1. رغم مواقف القوى السياسية والحركات المناهضة للنظام وإعلانها برفض الزيادات ورفع الدعم وتهديدها بالنزول للشارع اﻹ انها لم تتوقع حجم الهبة ولا مساحة اتساعها.

2. لم تكن القوى المختلفة تتوقع تبعا لذلك مستوى القمع الدموي الذي تصدى به النظام للهبة.

3. اوضاع الجميع السياسية والتنظيمية لم تكن مهيأة لإستقبال تحرك بهذا الحجم.

4. الهجمة الامنية غير المسبوقة التي استهدفت الجميع وإقتادت ما يزيد عن الالف قيادي معارض خلال اقل من اسبوع من قيادات الصفوف اﻷولى والقيادات الوسيطة من مختلف القوى والكيانات المعارضة.

5. حملات التشكيك والتأليب من قبل السلطة وتسخير كل المنابر لزعزعة صفوف المعارضين وتشتيتهم.

6. لم يكن الصف المعارض نفسه موحدا ومتفقا في الرؤى حيال أهداف الهبة وما يمكن ان تفضي اليه، وشواهد ذلك ما تزال ماثلة في المواقف المتباعدة.

عموما.. هي أسباب عديدة غير انه من المهم اﻹشارة لبعض الحقائق اللازم ايرادها هنا:

* انطلقت هبة سبتمبر في مدينة نيالا اولا بعد اغتيال اﻷجهزة الأمنية لرجل اﻷعمال اسماعيل وادي وابنه يوم 19 سبتمبر وهاجمت الجماهير الثائرة مقار الحكومة والمؤتمر الوطني وإحتلتها، وتلى ذلك خروج اهالي مدني وتكرارهم ذات الفعل بإحتلال مباني الحكومة .. بدأت الاعتقالات مباشرة في ذلك التاريخ وخلال الفترة من 23 سبتمبر وحتى 30 سبتمبر كان الالاف قد تم إعتقالهم من بينهم تسعة من قيادات حركة التغيير اﻵن، والعشرات من عضويتها، وعلى رأس المعتقلين مفاوضو الحركة مع القوى السياسية، والمفاوض الوحيد الذي تبقى من حركة التغيير اﻵن كان في اﻷساس مفوضا من تحالف الثورة السودانية المكونة من شباب قوى اﻹجماع وحركات التغيير وكان يعبر عن مواقفهم وليس مواقف حركة التغيير اﻵن، اما فيما يتعلق بالتسمية التي ردها الكاتبان للولع واستيراد مفردات الخارج فهي باﻷساس لم تطرح من تحالف شباب الثورة وانما اقترح هذا التحالف مسمى”تجمع قوى التغيير” وقد تم تجاوزه بسبب تقاربه مع مسميات بعض القوى من بينها التغيير اﻵن نفسها، بينما طرحت تسمية “المجلس التنسيقي” من أحد ممثلي قوى اﻹجماع، وقد إستقرت التسمية أخيرا على تنسيقية الثورة السودانية، وهذه المعلومات متاحة وبإمكان عدد من المصادر ذات الصلة بها تأكيدها وفض خفاياها واترك ذلك لصاحبي المقال، ومن المهم اﻹشارة هنا التذكير بأن حركة التغيير اﻵن قد فقدت أحد كوادرها خلال هبة سبتمبر وهو الشهيد بدوي صلاح الذي أستشهد بمدينة امدرمان بعدما استهدفه قناصة النظام خلال التظاهرات، وربما يعطي هذا ملمحا لما كان يفعله اعضاء هذه الحركة خلال هبة سبتمبر بعيدا عن افتراءات الصوالين وما نحى اليه اصحاب المقال المشترك عن كونها تلتمس البيان و”تباري” امبيكي حاضرا او غائبا في مداخلة تشي ببعد وإغتراب عن اﻷحداث محير، فما للحركة وامبيكي حضر ام لم يحضر وهي غير معنية ابتداء بما يقوم به يوم ان حسمت أمرها بسعيها ﻹسقاط النظام؟!

وفيما يتعلق بكون الحركة عقدت مؤتمرها ولم تذع ما تمخض عنه.. فهذا مما لم يحط به كاتبا المقال علما “عقد المؤتمر”.. على اﻷقل واحد منهما، ولما علم باﻷمر خلص مباشرة إلى ان هذا المؤتمر لا جديد فيه طالما لم يذع قيادة معلومة ولا وزع أوراقه ومعلوماته للمنقبين، وعدها منقصة ولو لم يجدها لوجد غيرها، ولم تشف التوضيحات غليله .. والحركة “مخيرة” في كل حال .. فهي تختار ما تريد إعلانه وما تقدر حجبه.. بناء على ما تنتوي فعله وما تخطط له.. وهي حركة شعارها وهدفها إسقاط النظام وتعي وتدرك الكلف الباهظة لذلك الخيار.. ومنتسبي الحركة كانوا ومازالوا معلومين والناطقين بإسمها ملء السمع والبصر وتربطهم صلة جميعا بالكاتبين.. ومع ذلك لم تيسر ظروف كتابة المقال المشترك للكاتبين فرصة قراءة ما صدر عن المؤتمر، ولا طلبا معلومة من هولا الناطقين، ولا احسنا القراءة للنصوص المتوفرة بدلالة النقل الخاطئ والمتعجل.. كانما الهدف سرعة الكتابة طلبا للسوق الرائج.. أو كما كان يقول المدرب في “ملاعب” كرة القدم سيد سليم ؛ “لحق السوق”..! ولله في خلقه شئون وشجون..!

يجب اﻷ يفهم من هذا الرد خلاف كونه دعوة لحوار موضوعي أساسه حقائق اﻷشياء بلا تفكير رغبوي ولا قلم تصحيح نخبوي، فذلك هو المقصد ومطلب الجميع لحوار صحي يسهم في تطوير التجارب السياسية وإتمام نقصانها وفي ظني أن ذلك مطلب عادل تبحث عنه جميع القوى والحركات السياسية واﻹجتماعية بغير إستثناء، بل وفيه حياتها وفي عداه الممات.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *