متى يخرج السودان من دوامة الفشل (2-3) ؟
بقلم : نعمة المهدي
قبل ما يقارب ال١٤٠٠ عام اعلن سيدنا محمد بن عبدالله ظهور رسالة الاسلام فى قلب الجزيرة العربية، والتي حدت فصائل وقبائل كانت من قبله متناحرة ومتحاربة على مر المئات من السنين، ساهم توحيد وتجمع تلك القبائل المقاتلة والمتمرسة على فنون القتال القبلى تحت لواء راية أمة موحدة اصبحت ذات بأسً ونفوذ عظيمين.
ساهم تكتل و تجمع عناصر مقاتلة كانت متفرقة تحت لواء ومظلة واحدة، فى صناعة امة صاحبة جيوش عظيمةَ فقامت بفتوحات كبيرة شملت جزءً كبيراً من العالم، وشيدت احد اضخم امبراطوريات فى التاريخ، امبراطوريات الدولة الاسلامية والتى امتدت فى عصور عنفوانها من المحيط الاطلسي حتى الصين ومن قلب افريقيا حتى دول جنوب اوربا، حضارة ودولة سادت ثم بادت حينما تفرفت وتشتت مكوناتها.
فى العام ١٩١٦ كرر ابن دولة ويلز، البريطانى توماس ادوارد لورانس او لورانس العربى تجربة توحيد قبائل العرب المحاربة والتى اضحت مشتتة انذاك، فى مواجهة جبروت االامبراطورية العثمانية ونجح. ساهمت قيادة لورانس العربى لجيوش قبائل العرب المحاربة تحت لواء واحد فى هزيمة قوى عظمى وجبارة واجلائها من الجزيرة العربية خائبة ذليلة. حينما تتكتل الشعوب وتتعاضد تحت لواء واحد فلا غالب لها وبتكتل الشعوب والبشر وعملهم سوياً يتغير مسار دولهم وتتحول وتتطور اساليب تنظيماتهم .
اوربا على سبيل المثال تطورت من التظيم القبلى الضيق الى تنظيم دويلات اكثر وسعاً وتعقيداَ ومن ثم الى تنظيم الدولة والذى يفوق تنظيم الدويلات فى وسعه وتعقيدة ومنها الى تنظيم الدول الحديثة بعد المرور بعصور نهضة اوربا والتى اشعلت ثورات التحرر والانعتاق، ومن ثم تطورت الدول الى دول صناعية وتطور شعوبها من شعوب كانت ريفية وزراعية ورعوية الى شعوب مدنية وصناعية، تناضل من اجل الحصول على حق الاقتراع العام والرعاية التعليم والرعاية الاجتماعية والصحية وحق مساوتها وغيرها من بنى البشر. عقبت هذة المرحلة فى مستهل ستينات القرن الماضى مرحلة ما بعد الحداثة ومن ثم مرحلة ما بعد بعد الحداثة وتشهد اوربا اليوم ثورة اخرى الا وهى ثورة العصر الرقمى.
كانت كل نتيجة شبه طبيعية وموازية لمرحلة تطور تلك الشعوب بسبب تطور مستوى تكتلها ونسبة تعاونها مع بعضها البعض ويظهر ذلك جلياً فى نسبة تطور مؤسساتها والتى تطورت من مؤسسات قبلية، تعمل وتتعاون من اجل مصالح قبلية ضيقة وتقوم بحمايتها والدفاع عنها بالروح والدم دون غيرها ومن ثم ومع تطور المرحلة الاخرى تكونت مؤسسات اوسع واكثر تعقيداً وهكذا تتطور المؤسسات وتتطور نسبة تعقيدها واسلوب تفكير انسانها حتى تواكب تطورات واليات تكتل وتعاون المجتمع واسلوب ذلك التكتل والتجمع والتعاون.
اما السودان وهو دولة حديثة الولادة بالنسبة لدول اوربا والولايات المتحدة الامريكية -فالولايات المتحدة على سبيل المثالالتى وضعت دستورها فى العام 1787 فهناك اوجه من التنظيمات المجتمعية السائدة ولكنها دون مستوى الحداثة .
فان احد التنظيمات المجتمعية السائدة هو التنظيم القبلى الضيق وهو تظيم احادى الاثنية ، يربطة نسب موحد، او انساب متقاربة، ينازع ويحارب من حوله من القبائل من اجل السيطرة على الموارد المشتركة و يقبع ذلك التنظيم تحت سيطرة شيوخ القبيلة ونظارها و يعتمد على فرض الشيوخ والنظار السيطرة التامة على افراد تلك القبيلة من خلال الوعيد والتهديد والتخويف والترهيب لكى يحافظوا على مظهر القوة والنفوذ ولكى لا يهدد مكانتهم احد، ولكى يحافظا على سلطاتهم باساليب قهر اعدائهم وتحطيمهم وابعادهم بكل السبل حتى لا يظهر من يقهرهم ويسلب سلطاتهم ويقهرهم وغيرهم من افراد القبيلة للمحافظة على السلطة المكتسبة.
اما وجة التنظيم الثانى السائد فى السودان هو تنظيم الدويلات والتى تقبع تلك سيطرة السلاطين والملوك والذين يملكون الدولة ملكا ويتوارثون العرش بين اجيال سلاطين تلك الدويلات، وذلك نظام اكثر تعقيدا من النظام القبلى ولكنه لا يرتقى الى مستوى الدولة الحديثة وان تعددت الاثنيات والاعراق والانساب فيه.
اما الوجة الثالث للدولة السودانية هو وجه تكتل وتعاضد تلك الدويلات والقبائل تحت راية موحدة اما فى حد ذاتها او كجزءً من دول متفرقة وممتدة وهى راية الامامية او الطرق الصوفية او غيرها من التنظيمات الاكثر تعقيداً من التنظيم القبلى او تنظيم الدويلات ولكن هذا التنظيم ايضاً لا يرتقى لمستوى الحداثة وذلك بسب عدم وجود أليات الانتقال السلمى للسلطة وسط مكوناتة وعدم اتاحتة للنقد او الانتقاد وتمحور السيطرة والنفوذ حول دائرة الامام او الشيخ، فلا وجود لمؤسسات او عقلية الدولة المعقدة فى ذلك التركيب.