هل يدعم مجدي الجزولي وعارف الصاوي استمرار الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب؟
على ضوء مقال ” المفاوضون الأشاوس”
بقلم : عمار عوض [email protected]
طالعت باهتمام شديد في اليومين الماضيين ،المقال الذي سطره الاستاذان ،مجدي الجزولي ،وعارف الصاوي ،الذي اتى بعنوان “المفاوضون الاشاوس ” ونشر في موقع سودان تربيون ، ومن ثم بصحيفة “اليوم التالي” التي تصدر في العاصمة السودانية الخرطوم .
وجاء اهتمامي بالمقال لعدة عوامل ،يأتي على رأسها أنه أتى من أصدقاء اعزاء ،اكن لهم احتراماً خاصاً ،اضافة لأني بحكم مهنتي الصحفية ،وتخصصي في ملفات القضايا الدولية ،في مكان عملي الحالي ،ومن المعلوم ان القضايا الانسانية اضحت متشعبة ،ولديها تقاطعات دولية ،كما انه من باب اولى ان اهتم بالأمر مادام يتعلق ببلدي السودان.
ومنبع اهتمامي الاكبر ،هو ان المقال كرس لفكرة التضحية بالمدنيين في سياق تسريع الحصول على اتفاق سياسي ،وشكل دعما لطرف وموقف الحكومة السودانية في هذا الخصوص ،الى جانب ان المقال يدعو ضمنيا للتضحية بالقانون الدولي والإنساني وهو ما سنتعرض له بالتفصيل.
هناك عدة حجج ترد في صلب المقال ضمنيا ،وفي بعض النقاشات التي اديرت حول المقال في وسائط التواصل ،كان الاستاذ عارف الصاوي اكثر وضوحا فيها ،حيث يعتبر ان الحكومة السودانية دولة ذات سيادة ،لا يمكن لها ان تقبل بوجود ممرات انسانية لإغاثة المتضررين من الصراع ،في اقليمي جنوب كردفان والنيل الازرق ،من دول الجوار ،لكن هذا الدفع يهزمه تاريخ الحكومة السودانية “ذات السيادة ” نفسها ،عندما وافقت عبر القيادي فيها والسفير الحالي مطرف صديق على مرور المساعدات الانسانية الى “جبال النوبة – جنوب كردفان ” في اتفاق بيرقت استورك بسويسرا عام 2000 ،والخاص بوقف اطلاق النار الانساني في جبال النوبة.
الحجة الثانية المستقاة من المقال ،ان الكاتبين يشرعان عبر ايرادهما لبعض المقتطفات ،موقف الحكومة السودانية الذي يرى ان المساعدات الانسانية للمنطقتين سيقود الى تشوين الجيش الشعبي ،الذي يقاتل الحكومة السودانية ،بما يعني استمرار الحرب .
ومن وجهة نظر الكاتبين فان وصول المساعدات سيقود بطريقة غير مباشرة الى تطويل امد الحرب ،مثل ما حدث في الحرب الاهلية بين (الشمال والجنوب) في السودان قبل الانفصال ،نسبة لعملية شريان الحياة وقتها ،وهي حجة حكومية بامتياز ظلت ترددها الحكومة في طاولة المفاوضات وفي اوساط المجتمع الدولي.
وفي هذا فإن الكاتبين يناقضان بوجهة النظر اعلاه ،دعوة الحركة الشعبية لإيصال المساعدات من داخل السودان ،ومن محاور خارجية ايضا ،حيث يفترضان ان الحكومة السودانية في موقف قوة ،ولا يمكن ان تقبل بدخول المساعدات من الخارج ،وليس هناك ما يجبرها على ذلك ،ويستدل الكاتبان بأن توازنات القوى هي ما قادت الى قبول الحكومة السودانية ،في عهد رئيس الوزراء الاسبق الصادق المهدي بعملية شريان الحياة في جنوب السودان.
دعونا نهمل تجربة “شريان الحياة” لبعض الوقت ،وننظر في مالأت منطق القوة الذي يتبناه الكاتبان في امر المساعدات الانسانية ،وخير مثال لذلك هو الوضع في نزاع دارفور في غرب السودان ،حيث رفضت الحكومة السودانية عبر منطق “القوة والتوازنات الدولية ” الذي يتشارك معها فيه “عارف ومجدي” ،لعدم دخول المساعدات الانسانية الى الاقليم ،مالم تكن قادمة من داخل السودان ،او عبر بواباته البحرية والجوية ،والتي اسندت للأمم المتحدة وبعض المنظمات وقتها ،ما هي النتيجة التي حصلنا عليها عبر هذا الوضع ؟
صارت الحكومة السودانية تستخدم ” الغذاء والدواء ” كسلاح ضد النازحين في المعسكرات التي يوجد بها من يناهضون سياستها ،تارة تعطل وصول الحاويات والشحنات القادمة من المؤانئ ،وتارة اخرى تقوم بشراء ذمم قادة بعثة الامم المتحدة ليسيروا في ركابها عبر نفس ” منطق التوازنات في دول القارة الافريقية ” التي ينتمي لها قادة البعثة في دارفور ، ومن الجدير بالذكر ان نائب الرئيس السوداني حسبو عبد الرحمن يصرح هذه الايام بإغلاق كافة معسكرات النازحين في دارفور ،وهذا هو نتاج منطق القوة والتوازنات العسكرية التي يبشر بها الكاتبان .
بل الادهى والأمر ان الحكومة قامت بطرد احد قادة بعثة الامم المتحدة وهو الدبلوماسي الهولندي ” يان برونك ” من منصبه ،وأبعدته ليس من دارفور فحسب بل من السودان نفسه . ولم تكن هذه هي السابقة الوحيدة اذ قامت نفس الحكومة بطرد منسق الامم المتحدة علي الزعتري من السودان ومن دارفور عام 2015 و اجبرت الامم المتحدة على سحبه من الخرطوم .
وكانت ثالثة الاثافي في عملية الاغاثة من الداخل التي يدعمها كاتبا المقال ،عندما قامت نفس الحكومة السودانية بطرد 13 منظمة دولية كانت تعمل على اغاثة النازحين في دارفور ،مما قاد الى فجوة غذائية وصحية يعاني منها سكان الاقليم المنكوب الى اليوم .
ويظل السؤال هل هذا هو النموذج الذي يدعوا الكاتبان له ؟ ” الاغاثة من الداخل ” ! هب ان الحركة الشعبية ومن خلفها من تمثلهم من النازحين في مناطقها وافقت ” جدلاً” على مقترح الاغاثة والمساعدات من الداخل ،ما الذي سيحدث ؟ بالنظر لتجربة دارفور التي اوردنا شواهدها اعلاه ،ستقوم الخرطوم بالتحكم في البعثة الاممية التي ستاتي لهذا الخصوص ،وطرد مسؤوليها الذين لا يتوافقون مع سياساتها ،وطرد المنظمات الاجنبية التي ستدخل للعمل في المساعدات الانسانية ،اذا وافقت لهم اصلا في الدخول . هل هذا ما يصبو له الصديق ” عارف ” الذي اعرفه جيدا وشققت صدره والذي لم التقيه منذ اكثر من ست سنوات لا اعلم ما الذي استجد فيها من افكاره.
وهنا لا بد من ايراد حجة الحركة الشعبية ،التي استقيتها من مفاوضيها في موضوع الاغاثة ،وطرق وصول المساعدات ،التي تغافل عنها كاتبا المقال ” المفاوضون الاشاوس ” تماما ،ولم يرد في مقالهم اي من دفوعات مفاوضي الحركة الشعبية ،وهو ما يخدش كثيرا من “استقلاليتهما “.
حيث ترى الحركة الشعبية بحسب وفدها المفاوض انها ترى في تجربة طرق وصول “المساعدات الانسانية الى دارفور ” دليلاً على فشل طرح الحكومة في هذا الخصوص الداعي لاقتصار وصول المساعدات من الداخل السوداني . لذا فهي تطرح عملية ” متعددة المسارات ” مسار داخلي للمساعدات ينطلق من مدن ” الابيض والدمازين ” ومسار خارجي ينطلق من دولتي “جنوب السودان واثيوبيا ” وهو ما يتيح عدم سيطرة الحكومة على ” عمليات الإغاثة” لتسيرها وفق هواها ،وتطرد في سبيل ذلك كل من لا يغني على ليلاها من المنظمات او المبعوثين الدوليين .
ومن المفيد التذكير مرة اخرى ان اتفاق وقف اطلاق النار الانساني في جبال النوبة والذي وقعته نفس الحكومة قد سمح بإيصال الاغاثة من كينيا الى جبال النوبة ،فما الذي تغير من سيادة السودان الان ، مع ان هذا الاتفاق ،هو الذي ابتدر وفتح الطريق لاتفاق نيفاشا بعكس ما روج الكاتبان من فكرة “اطالة امد الحرب بفعل الاغاثة”.
وبالعودة الى حجة المقال بأن عمليات الاغاثة من الخارج ستطول امد الحرب ،مع ان الحركة الشعبية بحسب مفاوضيها لم تطرح اقتصارها على الخارج فقط ،لكن ما هو البديل الذي يطرحه كاتبا المقال ؟ البديل وفق مقالهم ان يستمر القصف الجوي وقتل وتجويع المدنيين لتنصاع الحركة ومن تمثلهم من شعبي المنطقتين لاطروحات السلام “سلام القوة والتوزانات الدولية”.
وبدل ان يطرح كاتبي المقال فكرة جديدة لإيصال المساعدات او مقترح موضوعي عمدوا الى “حشر” “شعر” و”كتابات” رئيس وفد الحركة المفاوض في اطار اهتماماته العامة ،ولعمري هذا هو ابلغ دليل على عدم موضوعية الكاتبين ،وانهم ان لم يفوتا الفرصة لعزفهما ضمن “الجوقة” التي “اختارت” ام “رسم” لها السير في هذا الطريق ،وانا لست بذلك عليم !!
ما يحدث في المنطقتين من قصف ،وقتل ،وتجويع يومي ،لم يحرك شعرة من ” مجدي وعارف” اللذين تباكيا في صدر مقالهما على حياة المدنيين ،حيث لم ترد في كتابهما اي حديث ،او ادانة لعمليات القصف والقتل اليومي هذه : ” الاخطر ليس استمرار الحرب بفعل وصول المساعدات ،الاخطر يا اصدقائي هو تشجيع استمرار جرائم الحرب التي تقع في المنطقتين ،وغضكما الطرف عنها ،بل دعوتكما ضمنيا لاستمرارها ” وهذا التحول في موقفيكما هو مربط الفرس .فهل يمكن المساواة بين الذي يمتلك سلاح طيران ويقصف المدنيين وبين الذي لا يمتلك هذا السلاح الفعال .
الموقف الاكثر ادهاشا في تحولات كاتبي المقال هو نظرتهما الى ” المذكرة” التي تقدم بها اكثر من 100 شخصية اعتبارية ،ومنظمة مجتمع مدني ،اذ عدها كاتبا المقال فعلاً من افعال ” البرجوازية ” ودمغا اصحابها بانهم انحازوا الى مواطني المنطقتين ،المتضررين من الصراع الذين تمثلهم الحركة الشعبية سياسيا في التفاوض . رغم ان من كتاب “المذكرة” مبعوث الرئيس الامريكي الاسبق اندرو ناتيوس والمدير السابق لهيئة المعونة الامريكية ، وهناك قانونيون وأكاديميون مشهود لهم بالنزاهة والاستقامة في سائر اوروبا ،ولكن كاتبي المقال “الاشاوس” طعنا فيهم دون ان يرمش لهما جفن ،وهذا امر محير اذا نظرنا لموقف الحكومة من المذكرة نفسها التي اعتبرتها “منحازة للحركة ” وهو نفس موقف ” عارف ومجدي”!!.
هنالك اربعة عوامل اقرتها المواثيق الدولية ،والأمم المتحدة ،لأي عملية انسانية تتمثل في :الانسانية ،والحياد والنزاهة ،والاستقلالية ،وهذه لا يمكن ان تتوفر في اقتصار وصول المساعدات على الداخل السوداني .
كما ينص القانون الدولي الانساني على ان قيام طرف بمنع وصول المساعدات الانسانية الى المتضررين، تحت اي دعوى من الدعاوى يعد جريمة ضد الانسانية ،فهل يمكن هنا ان نسال هل دعوى كاتبي المقال بعدم ارسال المساعدات الانسانية لانها تطيل من فترة الحرب ،يمثل مشاركتهما في الجرائم ضد الانسانية التي تحدث في المنطقتين ،استنادا الى السوابق الدولية المشابهة لذلك عندما وجدت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة ان حجب قوافل المساعدات الانسانية كان جزءا من “خلق أزمة إنسانية”، و التي عدت جريمة جنبا إلى جنب مع جرائم الإرهاب والتهجير القسري، والاضطهاد باعتبارهما جرائم ضد الإنسانية.
واخيرا ماهو موقف الكاتبين من تهجير سكان الانقسنا من المناطق الخصبة بالقرب من الدمازين ،هل يصب ذلك في خانة الشعر “الركيك” ايضا ام في خانة المساواة الاخلاقية والسياسية بين الطرفين .