مرحباً بالحوار الحقيقى .. وفى التوقيت المناسب ..
بقلم عادل شالوكا
فكرنا طويلاَ قبل الإدلاء برأينا أو تعليقنا على أنشطة منبر “الأغلبية الصامتة” المدعومة بواسطة المؤتمر الوطنى، وفى النهاية قررنا تنوير الرأى العام وعضوية الحركة الشعبية لتحرير السودان حول أنشطتهم طالما وصلت مرحلة يمكن أن تؤثر سلباً على جماهير الحركة الشعبية على وجه العموم، وشعب جبال النوبة – الأرضية التى ينطلقون منها – مما سيؤدى إلى ضرب النسيج الإجتماعى لشعب يعانى الأمرَّين : الكفاح طويل الأمد لنيل الحقوق التاريخية من جهة، ومن جهة أخرى أنشطة مجموعة تحاول النيل من قيادتهِ وتشويه صورتها بإفتعال صراع وهمى على أسس جغرافية غير موجود على أرض الواقع بالصورة التى يحاولون نحتها فى مخيلتهم وفى مخيلة شعب الإقليم.
فما يُسمى بالحوار “النوبى – النوبى” الذى طرحه صديق منصور الناير ومجموعة الأغلبية الصامتة عموماً عبر وسائل الإعلام، سيُفضى فى نهاية الأمر إلى توسيع الهُوَّة بين مُكوِّنات شعب إقليم جبال النوبة / جنوب كردفان. وفكرة الحوار “النوبى – النوبى” تم التخطيط لها بصورة مُحكَّمة وفى هذا التوقيت بالذات، وهى من أدبيات المؤتمر الوطنى كمصطلح، وإحدى سيناريوهاته القديمة المُتجددة، والهدف منها خلق منبر موازى للحركة الشعبية والزج به فى أى مفاوضات قادمة تحت مُسمى أهل المصلحة، أو أهل الشأن، أو أصحاب القضية الحقيقيين، وغيرها من المُسميات المعروفة جيداً لدى أهل السودان، كما يعلم السودانيين كذلك الجهة التى تمتلك هذه “الماركة” فى سوق السياسة. إن المؤتمر الوطنى يريد أن يضعف موقف الحركة الشعبية عندما يُشرك طرف آخر فى التفاوض يتفق معه فى خطه ويقف ضد أطروحات الحركة الشعبية مثلما حدث فى نيفاشا عندما وقف بعض النوبة المأجورين ضد حق تقرير المصير فجاءت المشورة الشعبية التى لم تمثل تطلعات شعب الإقليم. وفى النهاية سيكتشف الجميع إن هذا الحوار المزعوم تم تخطيطه بواسطة المؤتمر الوطنى لتنفيذه بواسطة سماسرة موسمين يعملون لحسابه عند الحوجة وفى توقيت محدد لتمرير مثل هذه المخططات، والأيام القادمة ستؤكد ذلك. ولا إعتقد إن هذا التوقيت مناسب لأى حوار جدى بإعتبار إن المرحلة الحالية هى مرحلة الصراع مع النظام الحاكم وهزيمته أولاً، والذين يدعون لهذا الحوار لا يرغبون فى مصارعة النظام بل العمل لصالحه. ولماذا يكون الحوار بين النوبة فى الوقت الذى يدَّعون فيه إنهم صوت “الأغلبية الصامتة” داخل الحركة الشعبية ..!؟، وهى حركة ذات توجُّه قومى وتضم فى عضويتها جميع السودانيين ..؟. وإذا إفترضنا إن الحركة الشعبية قبلت الحوار مع هذه المجموعة، وتحقَّقت المُصالحة وتم إرجاعهم إلى وضعيتهم ومكانتهم فيها، فإن ما فعلوه أو إخطته أيديهم كتابةً، لا يمكن معالجته بسهولة، فيكون بذلك قد جنوا فى حق الإقليم وفى حق الحركة الشعبية، وارتكبوا أخطاء تاريخية لن ينتهى تأثيرها فى المستقبل القريب، لأن الذين يستمعون إليهم ويقرءون أطروحاتهم لا يمكن إقناعهم بسهولة بإنهم كانوا مخطئين وإن ما طرحوه ليس بحقائق، فيكون بذلك صديق منصور وبقية المجموعة، قادة لجماهير وشعب ساهموا هم فى تفتيته وتقسيمه، هذا إن قبلت هذه الجماهير أصلاً بقيادتهم بعد أن فعلوا ما فعلوا من تعبئة جهوية وزرع الشكوك وتدمير النسيج الإجتماعى، لأنهم ببساطة سيكونون فى نظر شعب الإقليم مجرد قادة قبليين لا أكثر. فمن الأفضل لمجموعة تبغى الحوار والمصالحة وتعمل لأجل المصلحة العامة عدم تصدير الصراع الشخصى إلى المجتمع، وتحويله من صراع سياسى مرتبط بالسلطة والزعامة إلى صراع إجتماعى لا يمكن إحتوائهِ، والذى يريد الصعود بسلم القبلية يشبه الشخص الذى يمتطى نمراً جائعاً كما قال الدكتور/ جون قرنق. وحسب علمنا إن صديق منصور قد شُكِّل له من قبل مجلس تحقيق من ثمانية أعضاء وتم فصله بعد ثبوت بعض التهم عليهِ بالشهود والأدلة والتواريخ. وجميع أعضاء الأغلبية الصامتة تم فصلهم من الحركة الشعبية لتحرير السودان بإجراءات رسمية، وبعضهم أعضاء فى المؤتمر الوطنى سوا كانوا من العضوية القديمة أو من المنضمين حديثاً، وآخرون لهم مشاكل خاصة وقد إنضموا إلى الأغلبية الصامتة كرد فعل. وصديق منصور قام بنشاط معادى للحركة الشعبية فى العام 2012 بعد إعادته للتنظيم وذلك عندما خطط لإستدراج وإختطاف الرفيق/ عمار أمون دلدوم الأمين العام للحركة الشعبية – إقليم جبال النوبة حالياً، من “المنامة” عاصمة البحرين بواسطة مجموعة خاصة من المؤتمر الوطنى بعد الفشل فى إغرائه وإقناعه بالعودة إلى الخرطوم، وقد أرسل النظام لجنة لهذا الغرض تضم كل من الآتى :
1/ الفريق أول معاش – محمد جرهام عمر
2/ البروفيسر – خميس كجو كندة
3/ اللواء أ- س – أحمد زائد
4/ المقدم أ- س – عوض هبيلا
5/ آدم إسماعيل الأحيمر – حضر خصيصاً من أمريكا لهذا الغرض
6/ آدم جمال محمد – حضر من أستراليا.
وكان صديق منصورقد ترشَّح مُستقلاً فى إنتخابات 2011 المصيرية هو ومجموعة من المفصولين بالرغم من علمه إن هذا المسلك سيعمل على تشتيت أصوات جماهير الحركة الشعبية وتمكين المؤتمر الوطنى من الفوز فى الإنتخابات وتقويض المشورة الشعبية. ولكن سقوطهم المُدوِّى فى تلك الإنتخابات أكَّد حجمهم الطبيعى ووعى جماهير الحركة الشعبية وإنها عصية على التقسيم والتضليل.
إن مجتمع جبال النوبة له إرث طويل فى التعايش والتماسك الإجتماعى، وله تقاليد راسخة فى مواجهة والأزمات والتعاطى مع القضايا المصيرية، وفى هذا الشأن توجد العديد من التجارب مثل : (مؤتمر كل النوبة / مؤتمر كل القبائل / ومؤتمرات أخرى نُظِّمت فى المناطق المحررة )، فإذا كانت هذه المجموعة تعمل حقاً من أجل المصلحة العامة كما أسلفنا، فلا بد من تتبع هذه الموروثات والسير فى طريق واضح المعالم وعدم تتبع مسارات محفوفة بالمخاطر، فالقيادة ستذهب يوماً ما ولكننا حينها سنكون قد ورثنا مجتمعاً مُقسماً يصعب تعايشه سلمياً مستقبلاً، فهل هذا ما نهدف إليه ..؟. فالأغلبية الصامتة قد إختارت الذهاب بعيداً فى طريق اللاعودة، وهنا تكمن الخطورة، لأنه لا يمكن أن ينادوا بالإصلاح والتقويم، والحوار والمصالحة، وفى الوقت نفسه يعملون بُموجِّهات المؤتمر الوطنى كإحدى أذرعه، وينشرون أفكاراً وأطروحات نتيجتها الحتمية تقسيم المجتمع الذى يتحدثون بإسمه إلى مناطق جغرافية وإثنيات وقبائل. فاستهداف شخصيات ورموز وقيادات من مناطق بعينها للنيل منها وتشويه صورتها لا يخدم أى قضية أو مصلحة ستفضى يوماً ما إلى الحوار والمصالحة، بل يوسِّع الهُوَّة بينها وبين المستهدفين، وسيؤدى ذلك فى نهاية المطاف إلى طريق مسدود ومفاصلة نهائية. فإذا كان هذا هو هدفهم النهائي، فنحن نتوقع منهم حينها الخروج إلى الجماهير بمنفستو وبرنامج ومشروع سياسى يتم طرحه كبديل لمشروع السودان الجديد وأطروحات الحركة الشعبية لتحرير السودان ليقنعوا به جماهير الحركة الشعبية عموماً، وجماهير إقليم جبال النوبة كأرضية ينطلقون منها حالياً. وعليهم إقناع هذه الجماهير بإنهم البديل الأنسب للقيادة وبالتالى تكون المواجهة بينهم وبين الجماهير بعيداً عن القيادة التى يتمحور خطابهم السياسى وطرحهم الإستراتيجى حولها، لأن أخطاء الأفراد إن وجدت لا تحسب على التنظيم ككل أو المناطق الجغرافية التى ينتمون إليها، فالكثير من أعضاء التنظيم لديهم آراء وملاحظات حول طريقة أداء الحزب منذ إندلاع الحرب الثانية فى يونيو 2011 إلى يومنا هذا ولكنهم لم يمضوا فى مثل هذا الطريق بإعتباره مساراً آخراً موازياً للتنظيم، ويمكن أن تكون عواقبه وخيمة.
الأمر الآخر الأكثر خطورة، إن مثل هذه الأطروحات تنسجم تماماً مع مُخططات النظام الحاكم وإستراتيجيته فى تقسيم المجتمعات إلى إثنيات وقبائل ليسهُل ضربها وتشتيتها وبالتالى السيطرة عليها وتسويف وتذويب قضاياها الجوهرية، والوصول إلى إتفاقيات جزئية وبـ(القطَّاعى) مع أى مجموعة على حدا، وفى النهاية تموت القضايا المصيرية وتظل الشخصيات المُستقطبة تدور فى حلقات مُفرغة بلا حيلة، وتصعب أمامهم الخيارات ما بين المضى قُدماً فى طريقهم الخاطىء الذى نعتبره إنتحاراً سياسياً، أم العودة مرة أخرى إلى منصة الكفاح والنضال لنيل الحقوق التاريخية، وهكذا ينجح المركز فى إحتواء أبناء الهامش وضرب وحدتهم وتشتيت شملهم، وشل قدراتهم وإضعاف قضاياهم، ولاحقاً قتلها نهائياً. وفى هذا الشأن يطفح إلى السطح الإحتمال الأكثر خطورة وضرراً على شعب الإقليم وقضاياه المصيرية وهو تحالف هذه المجموعة مع مركز السلطة فى الخرطوم والذى يقوده المؤتمر الوطنى وأجهزته الأمنية. ولقد سألت نفسى مراراً عن ماهية العلاقة بين هذه “الأغلبية الصامتة” وأغلبية منبر السلام العادل “الصامتة” أيضاً، وهو شعار صحيفة الإنتباهة التى تنشر سموم الكراهية والعنصرية بين مُكوِّنات الشعب السودانى. وما يُدهِش القُرَّاء حقيقة هو عدم إحتواء كتاباتهم وبياناتهم على أى مُحتوى ينتقد المؤتمر الوطنى الذى يرتكب فظائع وإنتهاكات جسيمة وبصورة مُستمرة فى حق شعب الإقليم الذى يتحدَّثون بإسمه، فقط يركزون جُل نشاطهم وخطابهم فى تشويه صورة الحركة الشعبية، ويرددون كالبوق خطاب المؤتمر الوطنى.
إن حالة الإنقسام بين مُكوِّنات الإقليم لا تعدو كونها “حالة ذهنية” موجودة لدى الصفوة هنا وهناك دون تمييز، ولدواعى مُختلفة منها الصراع حول السلطة والنفوذ، ودوافع أخرى ترمى إلى خلق التوازن وفرض وضعيات مُحددة، ولكن الحقائق تظل حقائق ولا يستطيع أحد الهروب منها أو إظهارها بغير طبيعتها، فهنالك حقائق وأبعاد مرتبطة بالتاريخ النضالى لشعب الإقليم أفضت إلى تراتبية هيكلية فى مكوناتهِ السياسية والعسكرية، وأخرى مُرتبطة بالوضع الأمنى والسياسى فى كل منطقة، ولكن فى النهاية تظل السلوكيات والممارسات الخاطئة مرفوضة إن وقعت من كافة الأطراف دون إستثناء. فلا يوجد من هو معصوم من الأخطاء، والإنسان غالباً ما تقوده دوافعه المُختلفة وإرتباطها بالمصالح لإرتكاب الأخطاء، والعبرة فى الطُرق المثلى للتقويم والإصلاح لتحقيق التماسك المجتمعى وبناء وجدان مشترك غير مُقسَّم. فطريق ما يُسمى بالحوار “النوبى – النوبى” هو طريق تم تصميمه بواسطة المؤتمر الوطنى وهو أحد وسائله وآلياته لتقسيم المجتمعات وإضعاف قضايا الهامش وقضايا جميع السودانيين. أما مسألة الحوار فمهما كان، ليس من عاقل يرفض الحوار، والحركة الشعبية لا ترفض أى حوار يُفضى إلى حلول للأزمات، أو حوار لبلورة الرؤى حول القضايا المصيرية، أو أى حوار آخر مفيد، ولكنها ضد مثل هذه الحوارات التى يصممها المؤتمر الوطنى لتفيذها عبر عملائه المعروفين للجميع، ولخدمة أجندته والتى هى بالطبع ضد مصلحة الشعب السودانى. وأعتقد أننا نحتاج فى المقام الأول أن نحاور هذا الشعب ونتصالح معه ونعتذر إن كنا قد أخطأنا فى حقه، ولا أعتقد إن “الأغلبية الصامتة” ستكون جزءاً من أى حوار فى المستقبل، وهذا يؤكده ما يقومون به من أنشطة. فمرحباً بأى حوار هادف وفى التوقيت الصحيح.
مقارنة بين خطاب الأغلبية الصامتة وخطاب المؤتمر الوطني :
1 –
خطاب “الاغلبية الصامتة”: التركيز على تقسيم أعضاء الحركة الشعبية على أسس قبلية
خطاب المؤتمر الوطني: تبني سياسة فرق تسد بين المكونات الإجتماعية للحركة الشعبية
2-
خطاب “الاغلبية الصامتة”: يدَّعون بإن الحركة الشعبية فشلت في إنتخابات 2011
خطاب المؤتمر الوطني: يعتبر المؤتمر الوطني نفسه فائزاً في تلك الإنتخابات رغم تزويرهم لها
3-
خطاب “الاغلبية الصامتة”: يدَّعون إن القائد/ عبد العزيز آدم الحلو هو الذي أشعل الحرب في الولاية
خطاب المؤتمر الوطني: يتهم المؤتمر الوطنى الحركة الشعبية بإفتعال الحرب في الإقليم
4-
خطاب “الاغلبية الصامتة”: ينتقدون الحركة الشعبية في عدم تمثيل النوبة في المفاوضات بصورة عادلة
خطاب المؤتمر الوطني: ينتقد رئاسة الرفيق/ ياسر عرمان لوفد التفاوض، ويحاول نوبنة القضية
5-
خطاب “الاغلبية الصامتة”: يتحدثون عن إختطاف الحركة الشعبية بواسطة الشيوعيون
خطاب المؤتمر الوطني: يتهم المؤتمر الوطني الحركة الشعبية بالكفر والإلحاد بتبنيها العلمانية
6-
خطاب “الاغلبية الصامتة”: تعتبر الأغلبية الصامتة إن النوبة يجب أن لا يناضلوا من أجل الآخرين، ولا جدوي من تعقيد أجندة التفاوض
خطاب المؤتمر الوطني: المؤتمر الوطني يرفض الحل الشامل ويحاول حصر التفاوض في قضايا المنطقتين
7-
خطاب “الاغلبية الصامتة”: تنشط المجموعة عندما ينهزم المؤتمر الوطني عسكرياً أو دبلوماسياً
خطاب المؤتمر الوطني: يحاول المؤتمر الوطني صرف الأنظار عن هزائمه بتوجيه الانتقادات للحركة الشعبية وإظهارها بأنها ضد السلام
8-
خطاب “الاغلبية الصامتة”: التركيز على إنتقاد الرفيق القائد/ عبد العزيز آدم الحلو والرفيق/ ياسر سعيد عرمان بإعتبارهما ليسوا من النوبة
خطاب المؤتمر الوطني: يحاول المؤتمر الوطني إستثمار الأصول العرقية لكل من القائد/ عبد العزيز الحلو وياسر عرمان، وتحريض النوبة ضدهم.